بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة
حول قوله تعالى (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ
لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)
ونظرات وتأملات حول مطلب إبراهيم عليه
السلام
(رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى)
(الفصل الأول)
#-
فهرس:
:: الفصل الأول :: نظرات في المنهج العقلي والتفويض القلبي
لسيدنا إبراهيم عليه السلام ..!! ::
#- مقدمة الرسالة.
1- س1: كيف ظهر المنطق العقلي بقوة في قصة إبراهيم عليه السلام
؟
2- س2: كيف كان التفويض القلبي سببا في جعل النار بردا وسلاما على
إبراهيم عليه السلام ؟
#- سيدنا إبراهيم فوض الأمر لله وقال: (حسبي الله ونعم الوكيل) .. فانقلبت النار بردا وسلاما.
================
..:: مقدمة عن الرسالة ::..
- بسم الله والحمد لله – اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.
- هذه رسالة لطيفة أتكلم عن جزئية مهمة في قصة سيدنا إبراهيم
عليه السلام .. وهو ما جاء في الآية التالية:
- قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ
أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى
كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ
أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة:260.
- وأظن أن كثير من الناس وقف عند هذه الجزئية .. وسأل فقال: لماذا قال إبراهيم (ليطمئن قلبي) فهل كان في داخله شك ليطمئن قلبه ؟
وكيف يكون ذلك وهو خليل الله ؟!! ولماذا قال له
ربه (أولم تؤمن) وهو يعلم أنه مؤمن يقينا ؟!!
- ولكن المسألة خلاف ما أنت تظن .. وحينما تقرأ هذه الرسالة .. فستغير فهمك
كاملا لمفهوم الآية .. وستجد أن سؤالك لا يصح أصلا أن تسأله .. لأنه لا وجود له في
الآية لو فهمتها كما أكرمني ربي وأفهمنيها حسب ما أظن أنه فهما صحيحا إن شاء الله.
- وهذا
التحقيق الذي أذكره لك أخي الحبيب في هذه الرسالة .. إنما هو محض اجتهاد من فضل الله وجدته في
نفسي أثناء تدبر آية من كلام الله.
- واعلم أخي
الحبيب .. أن قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام .. إنما هي قصة تحكي الطريق إلى الله كيف
يكون .. مع توضيح أهمية العقل والقلب في هذا الطريق .. ولذلك هي قصة مهمة لكل إنسان يبحث عن الإيمان الحقيقي بالحق جل شأنه .. وترسم للمؤمن خطوات
بسيطة تبدأ من صدق التوجه إلى الله وترتقي إلى اليقين والتسليم والتفويض والتوكل على
الله ودوام الإنابة أي الرجوع إلى الله باستمرار حبا في هذه الرابطة بين العبد
وربه.
- وكان سبب كتابة هذه الرسالة .. أنه أثناء كتابة رسالة المعجزات والأفضلية
بين النبي محمد وسائر الأنبياء .. وحين كتابة ما كان لإبراهيم عليه السلام من
كرامة وخصوصية فضل .. فغلبني الحال واسترسلت في الكتابة حتى كان قوله (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى) فهذه الآية غلبتني على تفكيري واستحوذت على
عقلي ليومين تقريبا .. وظهرت هذه الرسالة التي بين يديك الآن .. بفهم جديد بالنسبة
لي وأعتقد لك أيضا أخي الحبيب .. ومسائل لم أكن أفكر فيها من قبل .. وتستطيع أن
تقول أن هذه الرسالة كلها مجرد خواطر دارت بداخلي سواء مسائل أو إجابات .. وبعض
المسائل مما خطرت ببالي حاولت أبحث عن إجابات لها ولم أجد فاجتهدت فيها .. وما
أبريء نفسي من الخطأ .. والله ولي التوفيق.
- وأخبرك أخي الحبيب .. بأني قد استمتعت حين كتابة هذه الرسالة ..
واستمتعت بالمنهج العقلي الإبراهيمي البسيط جدا في المناجاة مع ربه وفي
محاورته لقومه .. وأظنك ستجد متعة عقلية عجيبة في هذه الرسالة وكأنك ستكتشف عقلك
من أول وجديد .. مع أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
- أرجو من الله أن تكون رسالة مقبولة .. ويجعل لها القبول في الأرض .. وما توفيقي إلا
بالله عليه توكلت وإليه أنيب .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم.
================
:: الفصل الأول ::
================
..:: س1: كيف ظهر المنطق العقلي بقوة في قصة إبراهيم عليه السلام
؟ ::..
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- مما جال بخاطري عن قصة
إبراهيم عليه السلام .. أنه لو لاحظنا شيء مهم في قصة أبو الأنبياء إبراهيم عليه
السلام .. سنجد أن العقل سيد الموقف فيها .. وكان إيمان إبراهيم عليه السلام
ومجادلته لقومه بمنطقية عقلية سليمة وبسيطة جدا .. وليس بظهور خوارق عادات ..
ولكنه قهر قومه ومن قابلهم فقط
بعقله .. حتى إيمانه وصل إليه بالعقل .. ودليل ذلك:
1- حينما واجه إبراهيم قومه (وهو نبيا) .. بعد أن كسر الأصنام ووضع الفأس الذي كسر به الأصنام
على يد الصنم الأكبر .. فجاؤوا لإبراهيم وسألوه: (قَالُوا
أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ
كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى
أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا
عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ
أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا
يَضُرُّكُمْ) الأنبياء:62-66.
- فمنطق الحجة في الحوار هنا كان حوار عقليا فقط .. دون أي معجزة أو خوارق عادات.
2- وكذلك في قصة مجادلة إبراهيم (وهو نبيا) مع الذي ادَّعى الربوبية .. يخبرنا
جل شأنه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ
إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا
مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) البقرة:258.
- فمنطق الحجة في الحوار هنا كان حوار عقليا فقط .. دون أي معجزة أو خوارق عادات.
3- ويظهر المنطق العقلي الإبراهيمي
المصحوب بالعاطفة الإنسانية ورجاء المؤمن من الله .. في مجادلة الملائكة الذين أتوا لتدمير قرية
سدوم التي كان فيها ابن أخيه لوط عليه السلام .. فأخذ يناقشهم في أن في القرية نبي
الله لوط وهو من المؤمنين فكيف يهلكون من فيها من المؤمنين .. فقالوا هم أعلم بمن
فيها وأن الله سينجيه ومن آمن معه .. ثم أخذ يجادلهم في التأخير حتى يدعو ربه لعل
تكن لدعوته استجابة .. ويظهر لي ذلك من خلال جملة (لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) أن إبراهيم توجه لربه راجيا منه أن يؤخر العذاب قليلا لعل منهم من قد
يتوب ويؤمن لأن حال إبراهيم هو الصبر على الأذى رجاء التغيير والتألم دائما لهموم
الناس ودائم الرجوع إلى الله في كل شيء .. ولكن الله طلب من إبراهيم الإعراض عن
هذا الأمر .. فقد قضي الأمر ولا راد لأمر الله .. وكانت الآيات في ذلك: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ
الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا
فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ
أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ
عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) هود74-76 ..، وقال
تعالى: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ
بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا
كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ
إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا
لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ) العنكبوت31-32.
4- وحتى في قصة إيمان إبراهيم (قبل
النبوة) .. كان منطق الإيمان عنده بالعقل .. (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ
مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا
جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَا
أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ
لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)
فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ
يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ
لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الأنعام 75 - 79.
- فمنطق التفكر العقلي بحثا عن
الإيمان بالحق هنا كان عقليا فقط .. دون وجود ملائكة .. ولا مرائي
روحانية (كشف روحاني أثناء اليقظة) .. ولا حتى مرائي روحية (أثناء النوم).
5- وكذلك في طلب إبراهيم (قبل النبوة) من ربه: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ
الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ
تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) البقرة:260 ..، إنما كان هذا
بمنطق عقلي بحت .. وهذا ما سأظهره لك في الرسالة.
#- وخلاصة القول:
- أن إبراهيم عليه السلام .. كان يغلب عليه منطق العقل بقوة
في الأدلة الإيمانية .. سواء في طلبها أو عند إقامة الحجة بها على الغير .. كان
العقل سيد الموقف.
- حتى في مجادلة الملائكة .. لاحتمالية العقل عنده أن يكون
دعاءه لربه سببا في تأخير هذا العذاب.
- فإبراهيم عليه السلام يستخدم ملكات العقل
في كل شيء .. حتى يتبين له شاهد إثبات في الواقع .. ولا ييأس بترك
الأشياء وكأن المسألة لا حل لها .. بل يحاول ويجتهد .. بالرغم من أن الملائكة
أخبرته أنهم منفذين لأمر الله إلا أن وجد أن الرجاء إلى الله قد يشفع في ذلك ..
فلعل دعوته تكون سببا في رفع هذا العذاب ولو مؤقتا إلى حين .. ولكن إبراهيم لم يكن
يعلم أن نزول هذا العذاب حتمي ونافذ وليس مثل ما حدث في قرية قوم يونس.
*******************
..:: س2: كيف كان التفويض القلبي سببا في جعل النار
بردا وسلاما على إبراهيم عليه السلام ؟ ::..
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- إذا كنا تكلمنا باختصار على المنهج العقلي الإبراهيمي في
تعامله مع الإيمان .. فمن المهم أن نتكلم باختصار أيضا عن القلب
الإبراهيمي مع الإيمان.
1- عند قوله تعالى: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ
(69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) الأنبياء:68-70 ..، قد ذكر بعض الصحابة أن سيدنا إبراهيم حين بداية
إلقاءه في النار قال (حسبي
الله ونعم الوكيل) .. وفي رواية (حسبنا الله ونعم الوكيل) ..
- فجاء في (أثر موقوف صحيح) .. عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : (أَوَّلُ
كَلِمَةٍ ، قَالَهَا إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ طُرِحَ فِي النَّارِ "حَسْبِي
اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ") رواه ابن أبي شيبه في مصنفه برقم 35827 .. (قلت خالد صاحب الرسالة): السند صحيح موقوف
على قول عبد الله بن عمرو بن العاص .. ولكن له حكم الرفع لأن هذا ما لا يتم معرفته
إلا من خلال النبي صلى الله عليه وسلم .. والله أعلم.
- وجاء في (أثر موقوف صحيح) .. عن عبد الله بن عباس قال: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الوَكِيلُ .. قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي
النَّارِ .. وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» حِينَ
قَالُوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ
إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ) آل عمران:173) صحيح البخاري.
2- والقصة ببساطة: أن قوم
إبراهيم (وكان نبيا) لما حطم أصنامهم .. تظاهروا على إحراقه انتقاما لآلهتهم
المكسورة ..!! فقاموا بربط إبراهيم بالحبال وأشعلوا النيران بصورة قوية جدا .. حتى
يلقوه فيها فيسقط في وسطها وتأكله النيران ..
- وعند بداية إعداد
إبراهيم لإلقاءه في النار .. قال (حسبي الله ونعم الوكيل)
.. فكانت النتيجة: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا
وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) الأنبياء:69-70 ..، وكان بعد ذلك ان طردوا
إبراهيم من المدينة.
3- المهم عندنا هو تذوق ما وراء القصة:
- لو لاحظنا سنجد أن إبراهيم لم يطلب من ربه النجاة من النار
.. ولم يطلب المساعدة من الملائكة .. بل اكتفى أن يقول (حسبي الله ونعم الوكيل) .. أي يكفيني علم الله بحالي
فهو يسمع ويرى .. وقد وكلته أمري ليدبره لي كما يحب ويرضى.
- فهو بذلك التفويض والتسليم لرب
العالمين لم يدعو لنفسه .. وإنما ترك التدبير لربه .. إذ جعل الله وكيله
في تلك المسألة .. وهو جل شأنه يسمع ويرى ويعلم حاله .. ولذلك إبراهيم أسقط العوالم
من قلبه وأبقى في قلبه الرضا بقضاء الله مهما كان.. وكأن لسان حاله: ماض فيَّ حكمك
عدل فيَّ قضاؤك .. فافعل ما تريد يا فعَّال لما تريد.
4- ولذلك حينما تجد في قصة نار سيدنا
إبراهيم .. بعض المفسرين ينقل أقوالا منها: أن جبريل أتى ليساعده ..
فقال له إبراهيم مقولة (علمه بحالي يُغني عن سؤالي) أو (حسبي من سؤالي علمه بحالي)
..، فهذا المقولة مأخوذة من تفويض إبراهيم لربه الذي قال فيه: (حسبي الله ونعم الوكيل) أو (حسبنا الله ونعم الوكيل) .. إذ أن الحسبنة معناها يكفيني
الله أي يكفيني أنه يسمع ويرى ويعلم بحالي وقد وكلته أمري ليدافع عني وهو نعم
الوكيل .. فكانت مقولة حسبي من سؤالي علمه بحالي هي ترجمة لمقولة حسبي الله ونعم
الوكيل.
- فلما فوض الأمر راضيا بقضاءه .. وكان قلبه شاهد إثبات على صدق تفويضه .. كانت
النتيجة: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا
عَلَى إِبْرَاهِيمَ) الأنبياء:69.
5- هل انتبهت لقولي: (وكان قلبه شاهد إثبات على صدق تفويضه) .. وخاصة
لكلمة "صدق تفويضه" ؟!
-
فحينما نقول كلمة الصدق .. فنقصد بها مطابق الحال للواقع .. أي الواقع شاهد إثبات
على ما تقول .. فإن كنت تزعم أن ما تقوله هو واقع قد حدث .. فيظهر ذلك في الواقع
كشاهد إثبات على كلامك .. وإلا فإن وجدنا أن الواقع خلاف ما أنت قلته فأنت غير
صادق وتكذب .. وتصبح متهم بعد ذلك في أقوالك أي مشكوك فيك .. إذ أن من كذب مرة ما
المانع أن يكذب كل مرة ؟!!
- وحينما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ تعالى لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ
.. ولكنْ إِنَّما ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم) صحيح مسلم .. فذلك حتى تكون صادقا ومخلصا في أحوالك مع
الله لأنه رقيب عليك ..، فالنظر للقلوب لكشف الصدق والكذب وما شابه ذلك من أعمال
القلوب .. والنظر للأعمال من حيث الإخلاص والرياء حين فعلها وهي أصلا صفات منبعها
القلب ولكن يظهر أثرها في الواقع.
- والآن نعود لمقولة: (وكان قلبه شاهد إثبات على صدق تفويضه) .. يعني إيه ؟
- يعني لما قال إبراهيم (حسبي الله ونعم الوكيل) كان قلبه شاهد إثبات على ما نطق به لسانه
.. وكان الله ناظرا لقلبه حين تفويض إبراهيم لربه .. فلم يكن فيه شك فيقول مثلا:
"هل يا ترى ممكن ربنا يخلصني أم لا" .. لا .. لأن التفويض هو إنكسار
القلب لحكم القدر برضا مهما كانت العواقب لأنك تعلم أن الوكيل يفعل ما هو في صالحك
حتى ولو كانت العواقب تراها غير مناسبة لك في ظاهرها .. فهذه هي حقيقته التفويض
والتسليم.
6- فلما كان القلب محل نظر الله .. وكان قلب إبراهيم شاهد إثبات على ما نطق به
لسانه حينما قال (حسبي الله ونعم الوكيل) .. كانت النتيجة خمود نار الأذى وابدالها
بردا وسلاما مستوليا على إبراهيم في كل أنحاء جسده كالخيمة التي أحاطت بشخص .. ولم
يقل الله بردا فقط حتى لا يتأذى من البرودة .. بل وسلاما أي برودة سالمة من الأذى ..
وكأنه جلس في تكييف إلهي خاص.
- ولا أطيل عليكم .. وإنما أحببت فقط أن أظهر لكم
أعجوبة التفويض حينما تقول (حسبي الله ونعم الوكيل) بقلب صادق دون اختيار وراضي
بالمقسوم .. فتكون النتيجة فيها خير لك بقدر ما يقدره الله لك.
- ولا أخفي عليكم إعجابي بقصة سيدنا إبراهيم لأنها
ممتعة عقلا وقلبا .. فعذرا إن تكلمت في فرعية إضافية خارج نطاق الرسالة..، وإنما
أردت فقط في الفصل الأول بيان شيء جميل خاص بسيدنا إبراهيم في عقله وقلبه .. لنعرف
من هو أبو الأنبياء ولو بقليل من المعلومات.
- وإن شاء الله نكمل في الفصل
القادم .. مسألة مهمة أيضا وهي .. أن الصدق في طلب الحق يجعل الحق يسري في ظاهر الإنسان وباطنه من خلال قصة
إبراهيم عليه السلام .. والله ولي التوفيق.
اللهم صلى على سيدنا محمد وآل محمد 🌹
ردحذفاللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك 🌸
وعلى سيدنا ابراهيم السلام
ردحذفما شاء الله ..
كلام ممتع جداا ..
ربي يحققنا بما فيه من صفات قلبية ترتقي بنا حتى نكون من الصادقين ظاهرا وباطنا .. آمين يارب العالمين
بورك فيك استاذنا الفاضل
وزادك علما وحكمة ونورا
آمين يارب العالمين
مما ألهمت به لما قرأت الموضوع الجميل ..
حذفإنّ الذي يُلقى في النار .. وفي لحظة كسرعة البرق يقول : حسبي الله ونعم الوكيل .. حتما يحمل قلبا حاضر بالله .. قلب حاضر مع الله .. لا يسهو رمشة عين عن رؤية الله .. قلب لا يغيب عن الله .. قلب يرى أن الله معه .. موقن بربه القائل : { وَهُوَ مَعَكُمۡ أَیۡنَ مَا كُنتُمۡۚ }
وكأن تلك اللحظة كانت الامتحان لتقديم البرهان على صدق الإيمان .. فماذا تفعل لو كنت مكان سيدنا ابراهيم عليه السلام ؟!!!
( حسبي الله ونعم الوكيل ) .. تلك الكلمات في تلك اللحظة ترجمت حسن ظن سيدنا ابراهيم بالله .. وصدق توكله على الله .. ويقين قلبه بأن الله هو الحبيب الذي لا يخيب .. فسلم مطمئنا بإرادة الله فيه .. ثابتا بلا قلق .. إن شاء احترق .. وان شاء اخترق ..
قصة سيدنا ابراهيم وإلقائه في النار .. علمني كيف يكون التعلق الصادق بالله .. التعلق الذي لا يكون رجاء في غير من تعلقت به .. وبقدر التعلق تتدلى عليك انوار الحق فتُحلّق .. تحلق في فضاء لا معالم له ولا حدود .. انت الآن حر بلا قيود .. فتسكن روحك فلا تسمع إلا الصمت والهدوء .. فتعرف انك بين يدي الودود ..
رأيت في ابراهيم الثبات الراسخ .. ورأيت في النار الأمر الخاضع .. فلو شاء الله لأذن للنار فالتهبت والتهمت .. لكن .. صدق التعلق حقا دثار .. حمى ابراهيم من لهيب النار .. أما اليقين بوعد الله .. إقدام وثبات ؛ من الهلاك نجّاه ..
موقف سيدنا ابراهيم عليه السلام يذكرني بسيدنا ابي الدرداء رضي الله عنه لما قيل له ان دارك احترقت .. قال موقنا : كلا .. فقد قلت : اللهم انت ربي لا إله الا انت .. عليك توكلت وانت رب العرش العظيم .. لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .. ماشاء الله كان .. ومالم يشأ لم يكن .. اعلم ان الله على كل شيء قدير .. وان الله قد احاط بكل شيء علما .. واحصى كل شيء عددا .. اللهم اني اعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة انت آخذ بناصيتها ؛ إن ربي على صراط مستقيم .
وموقف اصحاب الأخدود .. ليس ببعيد عن موقف سيدنا ابراهيم ..
موقف سيدنا ابراهيم علمني كيف يكون التعلق الصادق بالله .. بالتعلق بالله .. النار تصبح رماد ..
التعلق بالناس يشغل عن رب الناس مالك الأنفاس .. انت عندما تمتليء بالحزن وتبحث عمن تفضفض له وجعك .. تغيب عمن ملكك .. !! .. فتعلق بالذي خلقك .. وحده الذي يفهمك .. كافي وحده يداويك ويؤنسك ...
التعلق بالله يشغلك عن غيره ..
التعلق بالله يجعلك لا تطلب غيره ..
التعلق بالله يلغي سقف توقعاتك بغيره ..
التعلق بالله يعوضك مافات ويؤمنك مما هو آت ..
ويبقى السؤال : ماذا تفعل لو كنت مكان سيدنا ابراهيم عليه السلام ؟!!!
اللهم علق قلوبنا بك .. وأعذنا من ان ننشغل عنك .. واجعل رجاءنا فيك وحدك .. آمين يارب العالمين
جزاك الله كل خير استاذنا الفاضل وأمدك بمدده وفتح عليك بكل خير
ردحذفجميل جدا جزء التفويض وفيه رسالة عميقة علينا ان نحفرها في القلب
----****
هل انتبهت لقولي: (وكان قلبه شاهد إثبات على صدق تفويضه) .. وخاصة لكلمة "صدق تفويضه" ؟!
- فحينما نقول كلمة الصدق .. فنقصد بها مطابق الحال للواقع .. أي الواقع شاهد إثبات على ما تقول .. فإن كنت تزعم أن ما تقوله هو واقع قد حدث .. فيظهر ذلك في الواقع كشاهد إثبات على كلامك .. وإلا فإن وجدنا أن الواقع خلاف ما أنت قلته فأنت غير صادق وتكذب .. وتصبح متهم بعد ذلك في أقوالك أي مشكوك فيك .. إذ أن من كذب مرة ما المانع أن يكذب كل مرة ؟!!
- وحينما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ تعالى لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ .. ولكنْ إِنَّما ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم) صحيح مسلم .. فذلك حتى تكون صادقا ومخلصا في أحوالك مع الله لأنه رقيب عليك ..، فالنظر للقلوب لكشف الصدق والكذب وما شابه ذلك من أعمال القلوب .. والنظر للأعمال من حيث الإخلاص والرياء حين فعلها وهي أصلا صفات منبعها القلب ولكن يظهر أثرها في الواقع.
الأستاذ خالد أبوعوف
---------
اللهم صل على سيدنا محمد صلاة حب موصولة من القلب إلى القلب وعلى آله وسلم
علمتني رسالتك استاذي الفاضل:
ردحذفالنار في قصة سيدنا ابراهيم لم تكن الا رمزا لكل ابتلاء نمر به او الم نفسي او ظلم كان بسبب غيرنا رمينا انفسنا فيه
فمن القي في نار الالم والابتلاء فلا يبحث عن ماء الاخْماد خارج قلبه
فقط الاعتراف والتفويض الصادق للخالق هو ما يطفئ حر الاحراق ويحوله الى برد الاشراق
فيا من تعاني من حر النيران آن الاوان ان تطهر قلبك من قش الاغيار الذي زاد لهيب تلك النيران
وقبل ان تقول "علمه بحالي يغني عن سؤالي"
فتش في اعماق فؤادك عن صدق التفويض وتمام الرضا لا الإستكانة والإدعاء
فابراهيم عليه السلام حين فوض الامر راضيا بقضاء الله ولم يدع لنفسه بل اسقط العوالم من قلبه وابقي فيه الرضا والتسليم فكان قلبه شاهد اثبات
نطق لسانه حسبي الله ونعم الوكيل وكان قلبه يوقن ان الوكيل لا يقضي الا بما هو في صالح عبده حتى لو بدا الامر في ظاهره ابتلاء او نارا
فكان الجزاء الالهي
"قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم"
فبرد النيران لا يكون الا لمن صدق في تفويضه وسلم قلبه لوكيله حقا و صدقا
اللهم اجعل توكلنا عليك توكل الصادقين وتفويضنا تفويض الموقنين ورضانا رضا من علم ان حكمك ماض وقضاؤك عدل
جزاك الله عنا ما هو أهله
--------
اللهم صل على سيدنا محمد صلاة حب موصولة من القلب إلى القلب وعلى آله وسلم