الثلاثاء، 21 أكتوبر 2025

Textual description of firstImageUrl

ج5: رسالة النبي ابراهيم وطلب اليقين من الله - ما المقصود من حديث النبي (نحن أحق بالشك من إبراهيم) كما فهمت (خالد صاحب الرسالة) - كيف فهم العلماء حديث النبي (نحن أحق بالشك من إبراهيم).

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

حول قوله تعالى (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)

ونظرات وتأملات حول مطلب إبراهيم عليه السلام

(رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى)

(الفصل الخامس)

 ما المقصود من حديث النبي (نحن أحق بالشك من إبراهيم) كما فهمت (خالد صاحب الرسالة) - كيف فهم العلماء حديث النبي (نحن أحق بالشك من إبراهيم).

#- فهرس:

:: الفصل الخامس :: كيف فهمت حديث النبي (نحن أول بالشك من إبراهيم) - وآراء العلماء في فهم الحديث النبوي ::

1- س9: ما المقصود من حديث النبي (نحن أحق بالشك من إبراهيم) كما فهمت (خالد صاحب الرسالة) ؟

2- س10: كيف فهم العلماء حديث النبي (نحن أحق بالشك من إبراهيم) ؟

#- أولا: سبب حديث النبي (نحن أحق بالشك) من وجهة نظر بعض العلماء.

#- ثانيا: سبب أن النبي محمد أدخل نفسه في لفظ الشك بكلمة (نحن).

#- ثالثا: مفهوم جزئية (نحن أحق بالشك من إبراهيم) عند العلماء.

================

:: الفصل الخامس ::

================

 

..:: س9: ما المقصود من حديث النبي (نحن أحق بالشك من إبراهيم) كما فهمت (خالد صاحب الرسالة) ؟ ::..

 

- في قوله تعالى: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) البقرة:260 .. جاء حديث نبوي صحيح .. يثبت الشك لسيدنا إبراهيم عليه السلام.. وهذا الحديث هو:

- ما جاء في (حديث صحيح) .. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ .. إِذْ قَالَ: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) البقرة:260) صحيح البخاري.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

-1 المقصد من الشك في الحديث .. وحسب ما ظننته من اجتهادي في تفسير الآية من الفصول السابقة .. فأقول عن اجتهادي في تفسير الحديث أن المقصود بالمعنى هو:

 

- نحن أولى بالشك من إبراهيم لو كنا في مثل حاله .. حين قال ربي أرني كيف تحيي الموتى .. إذ أن الشك لابد أن يتطرق في نفس أي عاقل كان في موقف إبراهيم عليه السلام حتى يتبين الحقيقة .. إذ ليس من الطبيعي أن يأتينا هاتف يقول لنا أنه الخالق ويحدثنا أنه الحق .. فنصدقه بدون شاهد إثبات ويقين يسكن في القلب إذ أن لكل حق حقيقة. (هذا رأيي والله أعلم).  

 

2- جاء النبي بكلمة (نحن): المقصود بها النبي وأمته .. وجمع النبي نفسه مع أمته تواضعا منه صلى الله عليه وسلم .. وذلك تنشيطا لهمتهم وعزيمتهم لدوام يقظة عقولهم .. لأن الشك من مجالات العقول بخلاف الطمأنينة من صفات القلوب.

 

3- والمقصد بالشك في الحديث: ليس شك مذموم دون فهم وتدبر ويترتب عليه عواقب سيئة .. بل شك محمود قائم على الترجيح بتدبر ليتبين الحق والأصوب.

 

- ولذلك لما شك إبراهيم .. لم ينكر الله على إبراهيم هذا الشك .. لأن شك إبراهيم كان في محله إذ أنه طلب أن يكون لكل حق حقيقة .. وحقيقة الحق هو أن يكون خالق ويستطيع أن يثبت ذلك.

 

4- وقول النبي (نحن أحق بالشك): أي أولى بهذا الشك منه إذا نحن لسنا مثل قوة انتباه ويقظة إبراهيم في تعامله مع الغيب .. فعلينا أن نكون أولى منه في الإنتباه واليقظة وأكثر حيطة وحذر إذ أننا لسنا مثل إبراهيم .. فلابد للعقل أن يتحرك بالشك فيما فيه غموض وغيب ويسأل ولا يفتني بما لا علم له فيه.

 

- وكأن النبي يحرضنا على استعمال العقل حتى مع المسائل الغيبية فلا نأخذها محل تسليم كالأحمق الذي يصدق أي شيء.

 

5- وذكر النبي كلمة (أحق): لزيادة اليقظة والإنتباه في التعامل مع الغيب دائما (مثل الكشوفات والهواتف والأحلام والوساوس والإلهامات وما شابه ذلك) .. واتخذ النبي من قصة إبراهيم مثالا .. وقال لأمته نحن أحق بذلك الشك .. لأنه إذا كان إبراهيم الذي هو إبراهيم قد شك وكان له بصيرة قوية في عقله .. ولا نجد أنفسنا أعلى منه

.. فنحن علينا ان نكون أكثر يقظة وحيطة وحذر .. فانتبهوا لأن القرآن دائما يأمرنا باستعمال العقل في التمييز بين الحق والباطل.

#- ملحوظة: من أمثلة القرآن دائما في تحريض الناس على استخدام عقولهم في الإيمان بالحق والتمييز بين الإيمان بالحق وحقيقة الباطل .. كما قال جل شأنه: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الأنبياء:21-22..، فجعل العقل حاكم للتمييز إذ أن الأصنام لا تتوفى أو تميت أحد .. فاعقلوا إن كنت تعقلون حتى تبصروا من الأولى بالعبادة والإيمان به ..!! ..، وكذلك يحرك الله خاصية العقل في إدراك الحقائق من خلال قوله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) المؤمنون:91.

 

- إذن: الشك للوصول إلى الحقائق هو في حقيقته ليس مذموم .. بل منهج محمود يؤدي إلى نتائج موفقة .. بشرط خلو الإنسان من أهواء ورغبات نفسية يطمع فيها ببقاء ما كان عليه .. وإلا فكيف يبصر الحقائق وهو لازال متمسكا بظلمات نفسه ..!!

 

6- وكان ما سبق هو ما جال بخاطري في شرح الحديث النبوي .. والإشارة لبعض ما حملت ألفاظه من معاني تؤثر في نفس السامع وتعلو من همته ويقظته العقلية .. والله أعلم.

 

#- أخي الحبيب .. مهم جدا فانتبه:

- انتبه إلى أنه لا يجوز ولا يمكن لنبي أو رسول أن يشك في الله ذاتا أو صفاتا أو أفعالا .. أي لا يشك في وجوده أو قدراته أو قيوميته بتدبيره في الكون أو وعوده أو إنذاراته .. لأن الشك ينافي عصمة الأنبياء والرسل .. ليه ؟

 

أ- لأن النبي لو شك في الله سواء ذاتا أو صفاتا أو أفعالا .. وطلب إثبات على وجود الله أو كونه قادرا أو كونه متصرفا في الكون بكن فيكون .. فهذا معناه وسواس تمكن من نفس السائل وهذا لا يمكن حدوثه في نفس نبي أو رسول .. لأن الشيطان لا سلطان تمكين له على الأنبياء والرسل.

 

ب- بل ولا يمكن لنبي أو رسول أن يشك في أي شيء يتعلق بالله ذاتا وصفاتا وأفعالا .. وإلا كان في ذلك اتهاما لله بأنه أخطا في اختيار هذا النبي أو الرسول لأداء مهمته ولم يكن يعرف حقيقة إيمانه وقت أن اختاره نبيا أو رسولا فكان الله متهما بأنه جاهل بما في القلوب وهذا باطل قطعا وحاشاه جل شأنه .. وسبق وناقشنا ذلك في الفصل السابق عندما ذكرت الإشكاليات التي يمكن أن تواجه من يقول أن إبراهيم كان نبيا حين قال (ليطمئن قلبي).

 

@- وأذكِّرك أخي الحبيب:

- بأن شرح الحديث السابق عن اجتهادي في فهمه .. وهو مرتبط عندي بشرح الآية الذي سبق وذكرته .. وذلك باعتبار أن إبراهيم لم يكن نبيا حين قال: (ليطمئن قلبي) .. بخلاف عموم العلماء يظهر من كلامهم أنهم يعتبرون إبراهيم كان نبيا حين قوله (ليطمئن قلبي) .. وبالتالي كذلك في شرحهم لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.

 

- أما عن أقوال العلماء في شرح الحديث النبوي .. فهذا أذكره في السؤال التالي إن شاء الله تعالى.  

 

********************

 

..:: س10: كيف فهم العلماء حديث النبي (نحن أحق بالشك من إبراهيم) ؟ ::..

 

- اختلف العلماء على فهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ .. إِذْ قَالَ: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) البقرة:260) صحيح البخاري.

 

- والإختلاف بين العلماء حسب ما يتبين لي من كثرة القراءة لهم .. فإن منشأه يرجع لعقيدة استحالة حدوث الشك للنبي صلى الله عليه وسلم أو لسيدنا إبراهيم (على افتراض أنه كان نبيا رسولا في ذلك الوقت) .. فكيف يتم تفسير الحديث حينئذ ؟!!

 

- ومن هنا حاول العلماء على اختلاف مشاربهم وثقافتهم فهم الحديث بصورة تنفي الشك .. وعلى هذا ستجد كل التفسيرات .. وإليك ما قاله العلماء سلفا وخلفا .. وسأحاول تهذيب كلام العلماء في أجزاء لسهولة فهمه .. وبالله التوفيق.

 

=======

#- أولا: سبب حديث النبي (نحن أحق بالشك) من وجهة نظر بعض العلماء.

 

#- مما ذكره الإمام بن حجر العسقلاني رحمه الله (المتوفى:852 هـ):

- قيل إن سبب هذا الحديث أن الآية لما نزلت قال بعض الناس شك إبراهيم .. ولم يشك نبينا .. فبلغه ذلك فقال (نحن أحق بالشك من إبراهيم) .. وأراد ما جرت به العادة في المخاطبة لمن أراد أن يدفع عن آخر شيئا .. قال مهما أردت أن تقوله لفلان فقله لي ..، ومقصوده لا تقل ذلك. (فتح الباري ج6 ص412).

 

#- تعقيب على ما سبق: هذا السبب الذي نقله الإمام بن حجر عن بعض العلماء .. ما هو إلا ظن قد تصوره البعض كسبب لقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول (نحن أحق بالشك ممن إبراهيم) .. وهو ظن محتمل وجائز .. ولكنه يبقى ظنا .. والله أعلم.

 

=======

 

#- ثانيا: سبب أن النبي محمد أدخل نفسه في لفظ الشك بكلمة (نحن).

 

- جاء في الحديث: (نحن أحق بالشك من إبراهيم) ..

 

#- قال الإمام القاضي عياض رحمه الله (المتوفى: 544 هـ):

- قيل ذلك: على سبيل التواضع أنه لم يشك ولو شك لكنت أولى بالشك ..

- "وقيل": إعظاما لإبراهيم وتنزيها له عن الشك .. وتواضعا منه (صلى الله عليه وسلم) .. كأنه قال أنا لا أشك فكيف إبراهيم.

- وَقيل: وقيل قال ذلك جوابا لقوم قالوا شك إبراهيم ولم يشك نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) فقال هذا على سبيل التنزيه له والتعظيم على ما تقدم. (مشارق الأنوار على صحاح الآثار ج2 ص252 – وما بين علامة التنصيص "وقيل" إضافة منى للتوضيح ولعلها سقطت من الناسخ).

 

#- تعقيبا على كلام القاضي عياض:

- ما ذكره القاضي عياض هو كلام محترم جدا .. في جزئية سبب مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في الكلام عن مسألة الشك ..

- ولكن في جزئية نفي الشك عن إبراهيم .. فأخالفه في ذلك لأن الآية أظهرت إبراهيم أنه في حاجة لاطمئنان قلبي .. ولذلك طلب رؤية كيفية إحياء الموتى .. فلو لم يكن قد حدث شك فعلا تمكن منه حتى أثر في قلبه .. ما كان طلب دليلا ليطمئن معه القلب ..!! خاصة وأن ما طلبه إبراهيم إنما هو يتعلق بالإيمان وإلا ما كان قال الله له (أولم تؤمن) ؟!!

- وفي كل الأحوال وببساطة: كيف يتم نفي الشك عن إبراهيم وهو يطلب إطمئنان القلب ؟!!

- والله أعلم.

=======

 

#- ثالثا: مفهوم جزئية (نحن أحق بالشك من إبراهيم) عند العلماء.

 

- كثير من العلماء في مفهوم المقصود من لفظ (نحن أحق بالشك من إبراهيم) في الحديث النبوي .. إلى أن المقصود به نفي الشك ..!!

 

#- وإليك بيان ذلك:

1- قال الإمام الخطابي رحمه الله (المتوفى:388 هـ):

- مذهب هذا الحديث: التواضع والهضم من النفس .. وليس في قوله: (نحن أحقُّ بالشَّكِّ من إبراهيم) اعتراف بالشك على نفسه ولا على إبراهيم عليه السلام .. لكن فيه نفيُ الشك عن كل واحد منهما.

- يقول: إذا لم أشكُّ أنا ولم أُرتب في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى .. فإبراهيم أولى بأن لا يشكَّ فيه وأن لا يرتاب.

- وفيه الإعلام أن المسألة من قِبَل إبراهيم لم تعرض من جهة الشك .. لكن من قِبَل طلب زيادة العلم واستفادة معرفة كيفية الإحياء.

- والنفس تجد من الطمأنينة بعلم الكيفية مالا تجده بعلم الآنيَّة .. والعلم في الوجهين حاصل والشك مرفوع.

- وقد قيل: إنما طلب الإيمان بذلك حسًّا وعياناً لأنه فوق ما كان عليه من الاستدلال .. والمُستدلُّ لا يزول عنه الوساوس والخواطر. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الخَبَرُ كالمُعايَنةِ) ..

- وحُكِىَ لنا عن ابن المبارك في قوله: (ولكن ليطمئن قلبي) قال: ليرى من أدعوهم إلى طاعتك منزلتي منك ومكاني فيجيبوني إلى طاعتك. (أعلام الحديث للخطابي ج3 ص1545-1546).

 

#- تعقيبا على كلام الخطابي:

- معنى (الهضم من النفس) أي التنقيص من حقها من باب التواضع ..، ومعنى (علم الكيفية - علم الآنيَّة) أي فعلم الكيفية هو علم التفصيل .. وعلم الآنية هو علم الإجمال .. وكأنه يقصد بذلك ضرب مثال: أن من يعرف كيفية صناعة الطعام ليس مثل من يتذوق الطعام ويأكله من الآنية أي الوعاء. (هذا ظني في فهم كلام الخطابي – والله أعلم).

 

- وحديث (ليس الخَبَرُ كالمُعايَنةِ) رواه أحمد وغيره .. وقال محققو المسند: حديث صحيح.

 

@- وما ذكره الإمام الخطابي هو كلام محترم جدا .. ولكن لي عليه عدة تعقيبات:

أ- كيف ينفي الحديث الشك عن إبراهيم .. إذا كان إبراهيم قال (ليطمئن قلبي) ؟!!

- إذ لو كان نبيا رسولا ويقول (ليطمئن قلبي) فهذا معناه وجود شك فعلا سكن في عقله من حيث كيفية إحياء الموتى .. حتى كان من وراء ذلك حدوث انزعاج قلبي وعدم طمأنينة ..!!

 

ب- لو كان ما طلبه إبراهيم هو زيادة علم وبيان ولا علاقة له بالإيمان .. فلماذا قال له الله (أولم تؤمن) ؟!! إذ أن مجرد طلب زيادة العلم مطلوبة من الله .. إذ قال جل شأنه للنبي صلى الله عليه وسلم: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) طه:114.

 

ج- أما عن جزئية طلب الإيمان حسا وعيانا لأن مجرد الدلالات لا تصرف الوساوس .. فهذا كلام لا يقال في حق الأنبياء طالما أصبحوا أنبياء .. لأن في ذلك تهمة لهم بأن الشيطان يمكن أن يتلاعب بهم وهم أنبياء ويؤثر عليهم حتى يفسد عليهم قلوبهم المطمئنة بالإيمان ..!!

 

د- ثم يقال: ألا يكفى المؤمن في كيفية إحياء الموتى .. قول الله له: (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) غافر:68 ..، وقوله (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس:82.

 

هـ- أما ما ذكره الإمام الخطابي نقلا عن عبد الله بن المبارك في قوله: (ولكن ليطمئن قلبي) أن إبراهيم قال ذلك لبيان منزلة إبراهيم ومكانته أمام قومه ... فهذا تفسير لا يمكن أن يصح .. إذ أن إبراهيم لم يطلب ذلك من الله أمام قومه .. وإلا كانت معجزة فعليه جعلت كل من هو موجود من قوم إبراهيم يؤمن به يقينا .. بل ولكان أظهر ذلك في مناظرته أمام النمرود وكشف له عن ذلك .. بدلا من المجادلة العقلية معه والتي هزمه فيها بمنطق العقل فقط.

 

- وتقريبا كل ما سيأتي بعد ذلك من كلام العلماء قريبا من كلام الخطابي ولكن بإضافة أو أسلوب مميز فأحببت أن أثبته .. ولذلك لا داعي لترك تعقيب أو تعليق أسفل كلام كل عالم.

 

3- قال الإمام القاضي عياض رحمه الله (المتوفى: 544 هـ):

- وَقَوله (نَحن أَحَق بِالشَّكِّ من إِبْرَاهِيم) ليس على ظاهره وإثبات الشك لهما ..، بل هو نفي الشك عنهما أي أنه لم يشك ونحن كذلك. (مشارق الأنوار على صحاح الآثار ج2 ص252).

 

4- قال بن الملك الكرماني رحمه الله (المتوفي:854 هـ):

- والقصد: نفي الشكِّ عن إبراهيم - عليه السلام - لا إثبات الشكِّ لنفسه، يعني: نحن لا نشكُّ فكيف يشكُّ إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - بسؤاله: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى)، مع علوِّ درجته لأنه أري ملكوت السموات والأرض ..

- وإنما سأل عن ذلك لزيادة العلم بالمشاهدة .. فإنها تفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيده الاستدلال.

- أراد بذلك: تعظيم شأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لكمال فكرته وعلوِّ همته الطالبة لحصول الاطمئنان بالوصول إلى درجة العَيَان. (شرح مصابيح السنة ج6 ص156).

 

5- قال الإمام القسطلاني رحمه الله (المتوفى: 923 هـ) في شرح حديث (نحن أحق بالشك من إبراهيم):

- لو كان الشك في القدرة متطرقًا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به .. وقد علمتم أني لم أشك .. فإبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يشك .. إذ قال: (رب أرني كيف تحي الموتى). (إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ج6 ص362).

 

6- قال الإمام بن حجر العسقلاني رحمه الله (المتوفى:852 هـ) عن تفسير الشك الإبرهيمي:

- واختلف السلف في المراد بالشك هنا:

أ- فحمله بعضهم على ظاهره .. وقال كان ذلك قبل النبوة.

 

ب- وحمله أيضا الطبري على ظاهره وجعل سببه حصول وسوسة الشيطان لكنها لم تستقر .. ولا زلزلت الإيمان الثابت.

 

ج- وذهب آخرون: إلى تأويل ذلك فروى الطبري وبن أبي حاتم من طريق السدي قال لما اتخذ الله إبراهيم خليلا استأذنه ملك الموت أن يبشره فأذن له فذكر قصة معه في كيفية قبض روح الكافر والمؤمن قال فقام إبراهيم يدعو ربه (رب أرني كيف تحيي الموتى) حتى أعلم أني خليلك.

 

د- وحكى بن التين عن الداودي الشارح أنه قال: طلب إبراهيم ذلك لتذهب عنه شدة الخوف .. قال بن التين وليس ذلك بالبين.

 

هـ- وقيل كان سبب ذلك أن نمرود لما قال له: ما ربك قال ربي الذي يحيي ويميت فذكر ما قص الله مما جرى بينهما فسأل إبراهيم بعد ذلك ربه أن يريه كيفية إحياء الموتى من غير شك منه في القدرة .. ولكن أحب ذلك واشتاق إليه .. فأراد أن يطمئن قلبه بحصول ما أراده .. أخرجه الطبري عن بن إسحاق وأخرج بن أبي حاتم من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة قال: (المراد ليطمئن قلبي أنهم يعلمون أنك تحيي الموتى).

 

و- وقيل معناه: أقدرني على إحياء الموتى .. فتأدب في السؤال .. وقال بن الحصار إنما سأل أن يحيي الله الموتى على يديه .. فلهذا قيل له في الجواب فصرهن إليك.

 

ز- وحكى بن التين عن بعض من لا تحصيل عنده أنه أراد بقوله (قلبي) رجلا صالحا كان يصحبه سأله عن ذلك.

 

ح- وأبعد منه: ما حكاه القرطبي المفسر عن بعض الصوفية أنه سأل من ربه أن يريه كيف يحيي القلوب.

 

ط- وقيل: أراد طمأنينة النفس بكثرة الأدلة.

 

ي- وقيل: محبة المراجعة في السؤال. (فتح الباري ج6 ص411-412 - مع الإختصار بعدم ذكر الروايات التي ذكرها الحافظ بن حجر عن الإمام الطبري لأنه سبق وناقشناها في فصل سابق .. ولكن أقوال العلماء تم نقلها كما كتبها الإمام بن حجر - وقمت بإضافة ترتيب الفقرات "أ- ب-ج–د").

 

@- ثم قال الإمام بن حجر العسقلاني عن تفسير (نحن أحق بالشك) فقال:

#- ثم اختلفوا في معنى قوله صلى الله عليه وسلم (نحن أحق بالشك):

 

أ- فقال بعضهم معناه: نحن أشد اشتياقا إلى رؤية ذلك من إبراهيم.

 

ب- وقيل معناه: إذا لم نشك نحن .. فإبراهيم أولى أن لا يشك .. أي لو كان الشك متطرقا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به منهم .. وقد علمتم أني لم أشك .. فاعلموا أنه لم يشك .. وإنما قال ذلك تواضعا منه أو من قبل أن يعلمه الله بأنه أفضل من إبراهيم وهو كقوله في حديث أنس عند مسلم: (أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا خير البرية قال ذاك إبراهيم).

 

ج- وقيل إن سبب هذا الحديث أن الآية لما نزلت قال بعض الناس شك إبراهيم ولم يشك نبينا .. فبلغه ذلك فقال (نحن أحق بالشك من إبراهيم) .. وأراد ما جرت به العادة في المخاطبة لمن أراد أن يدفع عن آخر شيئا قال مهما أردت أن تقوله لفلان فقله لي ومقصوده لا تقل ذلك.

 

د- وقيل: أراد بقوله (نحن) أمته الذين يجوز عليهم الشك وإخراجه هو منه بدلالة العصمة.

 

هـ- وقيل معناه: هذا الذي ترون أنه شك أنا أولى به .. لأنه ليس بشك .. إنما هو طلب لمزيد البيان.

 

و- وحكى بعض علماء العربية: أن أفعل ربما جاءت لنفي المعنى عن الشيئين نحو قوله تعالى (أهم خير أم قوم تبع) أي لا خير في الفريقين .. ونحو قول القائل: "الشيطان خير من فلان" أي لا خير فيهما .. فعلى هذا فمعنى قوله (نحن أحق بالشك من إبراهيم) لا شك عندنا جميعا.

 

ز- وقال بن عطية: ترجم الطبري في تفسيره فقال وقال آخرون: شك إبراهيم في القدرة وذكر أثر بن عباس وعطاء ..، قال بن عطية ومحمل قول بن عباس عندي (أنها أرجى آية) لما فيها من الإدلال على الله وسؤال الإحياء في الدنيا .. أو لأن الإيمان يكفي فيه الإجمال ولا يحتاج إلى تنقير وبحث ..

- قال: ومحمل قول عطاء: (دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس) .. أي من طلب المعاينة .

- قال: وأما الحديث فمبني على نفي الشك والمراد بالشك فيه الخواطر التي لا تثبت ..، وأما الشك المصطلح وهو التوقف بين الأمرين من غير مزية لأحدهما على الآخر فهو منفي عن الخليل قطعا لأنه يبعد وقوعه ممن رسخ الإيمان في قلبه .. فكيف بمن بلغ رتبة النبوة ..

- قال: وأيضا فإن السؤال لما وقع بكيف دل على حال شيء موجود مقرر عند السائل والمسئول .. كما تقول كيف علم فلان .. فكيف في الآية .. سؤال عن هيئة الإحياء .. لا عن نفس الإحياء .. فإنه ثابت مقرر.

 

- وقال بن الجوزي: إنما صار أحق من إبراهيم .. لما عانى من تكذيب قومه وردهم عليه وتعجبهم من أمر البعث .. فقال أنا أحق أن أسأل ما سأل إبراهيم لعظيم ما جرى لي مع قومي المنكرين لإحياء الموتى ولمعرفتي بتفضيل الله لي .. ولكن لا أسأل في ذلك. (فتح الباري ج6 ص412-413وقمت بإضافة ترتيب الفقرات "أ- ب-ج–د").

 

@- ثم عاد فقال الإمام بن حجر العسقلاني عن تفسير (أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي):

- قوله (قال أولم تؤمن) الاستفهام للتقرير .. ووجهه أنه طلب الكيفية وهو مشعر بالتصديق بالإحياء ..، قوله (بلى ولكن ليطمئن قلبي) أي ليزيد سكونا بالمشاهدة المنضمة إلى اعتقاد القلب لأن تظاهر الأدلة أسكن للقلوب .. وكأنه قال: أنا مصدق ولكن للعيان لطيف معنى.

 

- وقال عياض: لم يشك إبراهيم بأن الله يحيي الموتى ولكن أراد طمأنينة القلب وترك المنازعة لمشاهدة الإحياء فحصل له العلم الأول بوقوعه .. وأراد العلم الثاني بكيفيته ومشاهدته ..، ويحتمل أنه سأل زيادة اليقين وإن لم يكن في الأول شك .. لأن العلوم قد تتفاوت في قوتها .. فأراد الترقي من علم اليقين إلى عين اليقين .. والله أعلم. (فتح الباري ج6 ص413).

 

#- قلت تعقيبا: على جزئية أن إبراهيم أراد الترقي من الخبر للمعاينة أو من السماع للمكاشفة أو من علم اليقين إلى عين اليقين .. فهذا وإن كان كلام جميل وحلو ومحترم جدا .. ولكنه لا يجيب على جزئية (ليطمئن قلبي) لأن طلب الإطمئنان للقلب معناه حدوث انزعاج وعدم راحة وعدم يقين .. بل ويدل أن هذا الشيء المسبب ازعاج لإبراهيم مرتبط بعقيدة كيفية إحياء الموتى وليس المسألة طلب زيادة علم .. بدليل أن الله قال لإبراهيم (أولم تؤمن) ؟ ولو كان إبراهيم يريد ارتقاء في العلم وزيادة فيه لقال "بلى ولكن لأزداد علما" .. وليس كما قال (بلى ولكن ليطمئن قلبي) ..!! خاصة وأن كيفية إحياء الموتى تكفي أن يقول الله (بكن فيكون) فهذه وحدها كيفية من خلال الأمر المباشر.  

 

- ولو كان إبراهيم قال (ليطمئن قلبي) وهو نبي كما يظن البعض .. فهذا معناه وجود خلل حدث في القلب سبب له ازعاج وعدم راحة .. وإذا كان هذا لا نتصوره يحدث في حق ولي .. فكيف نتصور حدوثه مع رسول أو نبي ؟!!

 

#- خلاصة القول:

- العلماء اختلفوا في فهم حديث النبي الذي قال فيه (نحن أحق بالشك من إبراهيم) إلى تفسيرين حسب ما يمكن أن أجمع بين آرائهم فأقول:

- الأول: بمعنى نفي الشك عن سيدنا محمد وعن إبراهيم عليهما السلام .. أي أن إذا كان يمكن الظن بأن إبراهيم شك .. فنحن أحق بالشك منه لعلو مقام إبراهيم .. ولكن إذا كنا لا نشك فإبراهيم لم يشك.

 

#- واطمئنان إبراهيم عند أصحاب هذا الرأي إنما هو طلب الزيادة في العلم والمعرفة.

 

@- وجزئية تفسير اطمئنان القلب بمعنى زيادة العلم أو الإرتقاء فيه أو الإنتقال من حال علم اليقين إلى عين اليقين .. فهذا كلام فيه نظر .. وسبق التعليق عليه.

 

- الثاني: بمعني النبي محمد أحق بمثلية طلب إحياء الموتى ولكنه لم يطلب ذلك .. أي المعنى هو أن أنا أحق أن أسأل ما سأل إبراهيم لعظيم ما جرى لي مع قومي المنكرين لإحياء الموتى ولمعرفتي بتفضيل الله لي .. ولكن لا أسأل في ذلك.

 

#- ومفهوم اطمئنان إبراهيم عند أصحاب هذا الرأي لم يذكروه .. ولكن لنفترض المقصود به هو ليطمئن إبراهيم أنه خليل الله كما تم تبشيره بذلك .. فلذلك طلب رؤية إحياء الموتى كطلب خليل من خليله إن كان فعلا رفعه الله لمقام الخلة كما أخبره ملك الموت. (وقصة ملك الموت مع إبراهيم هي حكاية مجهولة المصدر).

 

@- وجزئية أن إبراهيم يجرب أنه أصبح خليل الله .. فهذا باطل .. لأن الأنبياء لا يجربون الله أي لا يختبرون الله .. لأن الإختبار شك .. والشك في الله هو سقوط عن مرتبة النبوة ..!!

 

@- ما سبق هو ما استطعت أن أربط به بين كلام العلماء خاصة بين نص الحديث وربطه بالآية .. وذلك من خلال خلاصة كلامهم .. والله أعلم.

 

#- وسبق وذكرت لك أخي الحبيب ..

- أن رأيي في شرح الحديث: هو أن النبي محمد يحرض أمته لعلو همتها في رفع مستوى الشك العقلي في تعاملهم مع الغيب عموما مثل الهواتف والأحلام والخواطر والوساوس وغيرها .. إذ كان إبراهيم منتبها يقظ في هاتف الحق له حينما كلمه .. وإذا كان هذا حال إبراهيم وكان له بصيرة قوية في عقله .. ولا نجد أنفسنا أعلى منه .. ولذلك نحن أحق وأولى بالشك من إبراهيم فننتبه ونأخذ حذرنا وحيطتنا حينما تصادفنا مسألة غيبية .. (وهذا قاله النبي محمد تعظيما لقدر إبراهيم ولبيان علو مقامه - إذ أن المقصود رفع همة أمته ولذلك جمع نفسه مع أمته في كلمة "نحن").

 

- إذن المعنى: نحن أولى بالشك من إبراهيم حتى ننتبه ونتيقظ في كل ما يهتفنا من غيبيات .. إذ أن إبراهيم حينما كلمه ربه .. فأراد إبراهيم أن يطمئن إلى أن من يكلمه هو ربه فعلا .. فطلب دليل إثبات على أن من يكلمه هو رب الوجود .. الذي كان آمن به إبراهيم فعلا ولكن من حيث أن للوجود ربا لا شريك له .. ولكنه لم يكن يعرف من هو هذا الرب .. فلما كلم الله إبراهيم فهنا إبراهيم طلب الدليل على كونه الخالق الحق .. إذ أن لكل حقا حقيقة .. ولذلك أجاب الله طلبه .. لأنه طلب مشروع وعقلاني وصحيح جدا لمن يجهل الغيب ولا يعلمه. والله أعلم.

 

- ولذلك من صدق في توجهه إلى الله .. ثبته الله على الإيمان وأمده وأيده في قلبه .. ولا يخلو صدق التوجه من حدوث ابتلاءات للعبد في الحياة .. إذ أن الإبتلاء هو اختبار الحياة.

 

- ثم يظهر جمال الآية بعد ذلك .. حينما يحقق الله مطلب إبراهيم عليه السلام .. وهذا ما نكمله إن شاء الله في الفصل القادم .. والله ولي التوفيق.  

*****************
يتبع إن شاء الله تعالى
*****************
والله أعلم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم
هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .

هناك 7 تعليقات:

  1. جمييييل جداااا ..
    اللهم زد وبااارك

    اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد .. كما صليت على سيدنا ابراهيم
    وعلى آل سيدنا ابراهيم .. وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد .. كما باركت على سيدنا ابراهيم
    وعلى آل سيدنا ابراهيم .. في العالمين إنك حميد مجيد

    ردحذف
  2. اللهم صلى على سيدنا محمد وآل محمد 🌹
    اللهم ارزقني حبك وحب من يحبك 🌸
    يارب بالمصطفى بلغ مقاصدنا 🕊️

    ردحذف
  3. اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى أل ابراهيم
    وبارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم
    في العالمين انك حميد مجيد ..

    ردحذف
  4. جزاك الله كل خير أستاذي الفاضل خالد ربنا يزيدك علم وفهم ونور وبيان ويبدل حالك لأحسن حال في كل زمان ومكان يارب العالمين..
    صراحة القصة من بدايتها فيها تذوقات دقيقة ورائعة ومتعة في العقل والقلب والتفكير وفيها عبر ووقفات جميلة تنفع كل قارئ ..
    فيارب يأدبنا بأدبه الجميل ويعرفنا ويفهمنا ويزيدنا علما يارب العالمين.
    ...............................................
    اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وأجزه عنا ما هو أهله حبيبك وصل وسلم على سيدنا إبراهيم وأجزه عنا ما هو أهله خليلك يارب العالمين.

    ردحذف
  5. الأحوال لا تثبت على حال..
    القوة والضعف، الغنى والفقر، الفرح والحزن.. كلها ظلال متحركة على جدار الزمن.
    لا شيء في هذه الدنيا دائم.. فحتى من ظن نفسه راسخًا في مكانه، تُبدّل الأيام مقامه كما تُبدّل الريح وجهتها.

    نحن نظن أن الأسباب هي التي تُغيّر مصائرنا، لكن الحقيقة أن الأسباب نفسها بيد من يُسيّرها.
    الله وحده هو مقلِّب القلوب، ومصرّف الأحوال.
    يُغيّر فلا يُسأل، ويُبدّل فلا يُراجع.

    الحياة ليست خطًا مستقيمًا، بل دائرة تدور فيها الأفراح والأوجاع،
    يتعاقب فيها النور والظلام كما يتعاقب الليل والنهار.

    ومن أدرك أن الحزن عابر، وأن القوة لا تدوم،
    سكنت نفسه، واطمأن قلبه،
    لأنه لم يعلّق أمله على دنيا تتبدّل كل لحظة،
    بل على ربٍّ لا يتبدّل أبدًا.

    د. مصطفى محمود

    ردحذف
  6. ﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ (يوسف: 18)

    كان صبر يعقوب عليه السلام صبرًا لا يضج بالشكوى، ولا يئن من القدر، بل يلوذ باليقين.
    لم يكن استسلامًا، بل تسليمًا واعيًا بأن الحكمة الإلهية أوسع من حدود الفقد، وأن ما غاب عن العيون لم يغب عن علم الله.

    هنا تتجلى أولى درجات الصبر الجميل؛ ذلك الصبر الذي لا ينطق إلا بـ”الله المستعان”، كأنها كلمة النجاة في وجه كل ألمٍ مباغت.

    ويمضي الزمن، ويُعاد المشهد ذاته ولكن في طبقةٍ أعمق من البلاء، حين يُفقد الابن الآخر، فيتكرر الوجع، وتختبر الأرض ما تبقى من يقين السماء في قلب يعقوب، فلا يقول إلا ما قاله من قبل، لكن هذه المرة تنضح كلماته بالثقة والسكينة التي لا تُكتسب إلا من طول المعاناة:

    ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ (يوسف: 83)

    لم يعد الصبر احتمالًا مؤلمًا، بل طمأنينةً راسخة بأن الله لن يخذل قلبًا صدق في التوكل. فالزمن لا يُضعف الإيمان الحق، بل يُصفّيه من شوائب الجزع، ليصير اليقين أنقى وأقوى.
    بين الآيتين مسافة عمرٍ كامل، لكنها كانت المسافة التي نضج فيها الصبر وتحول من احتمالٍ إلى عبادةٍ واعية.

    ثم تأتي لحظة الكشف، لحظة تتنفس فيها الأقدار وتظهر الرحمة في وجهٍ من الوجوه التي ظنّ الناس أنها ماتت في البئر.
    حين يتلاقى يوسف بأخوته، وتنكشف حكمة الله في تأخير الفرج، يفيض المشهد بصدق الوعد الإلهي، فيقول يوسف عليه السلام بكل تواضع المؤمن الذي أدرك المعنى بعد طول البلاء:

    ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف: 90)

    وهنا يعلن الله قانونه الأبدي:
    أن التقوى والصبر توأمان لا يفترقان، وأن الصبر الجميل لا يثمر بالفرج فقط، بل برفعة المقام، فالله لا يضيع أجر المحسنين لأن إحسانهم لم يكن في النتائج، بل في الثبات على الطريق.

    تلك هي الحقيقة التي تغيب عن كثيرٍ من القلوب في زمن السرعة والضيق؛ أن تأخر الفرج ليس علامة نسيان، بل إعداد للنفوس كي تحتمل النعمة بعد الشدة، وتقدّر الرحمة بعد الوجع.

    في قصة يوسف عليه السلام، كل حدثٍ كان يبدو مأساويًا هو في جوهره تمهيدٌ للعز والتمكين، حتى إن البئر والسجن لم يكونا نقيضين للكرامة، بل سلّمين إليها.

    فالصبر ليس صمتًا أمام القدر، بل وعيًا بمعناه، وأن المؤمن لا يُبتلى ليُكسر، بل ليُكمَّل.
    فصبر يعقوب لم يرد إليه يوسف فحسب، بل رد إليه سكينته وإيمانه أكثر إشراقًا.
    وصبر يوسف لم يخرجه من السجن فقط، بل رفعه إلى مقام الإحسان الذي لا يبلغه إلا من ذاق مرارة البلاء بثقةٍ ورضا.

    وهكذا، يعلّمنا الله من خلال يوسف أن كل ظلمةٍ في الحياة هي مرحلة عبور نحو النور، وأن كل تأخيرٍ في الفرج هو تهيئةٌ للقلب ليحسن حمل العطاء. فالصبر الجميل لا يطلب تعويضًا، بل يعيش في يقين أن كل ما كتب الله خير.

    حين تتأخر الإجابة، لا تظن أن الله أغفل سؤالك، بل يؤجله ليمنحك ما هو أوسع من حاجتك: يمنحك نضجًا وإيمانًا وسكينةً تُغنيك عن التساؤل.
    قصة يوسف عليه السلام ليست سردًا لمآسٍ متتابعة، بل خارطة طريق لكل من يطول عليه البلاء.
    فيها يُقال بوضوح إن الله لا ينسى، وإن الفرج حين يأتي يكون كاملاً، لأن الله لا يُتمّ النهايات إلا بقدرٍ جميلٍ يليق بمن صبر جميلًا.

    د. سلطان عقيل.

    ردحذف
  7. اللهم صل على سيدنا محمد سيد المرسلين وامام المتقين وخاتم النبيين امام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة وعلى آله وسلم

    ردحذف

ادارة الموقع - ا/ خالد ابوعوف