بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة
حول قوله تعالى (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)
ونظرات وتأملات حول مطلب إبراهيم عليه السلام
(رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى)
(الفصل السادس)
#-
فهرس:
:: الفصل السادس :: ج1/
نظرات في قصة إبراهيم عليه السلام عن جزئية طلبه من ربه رؤيته كيفية إحياء
الموتى ::
1- س11: ماذا أفادت لام التعليل في قول إبراهيم عليه السلام (ليطمئن قلبي) ؟
2- س12: لماذا طلب إبراهيم عليه السلام من ربه رؤية ومشاهدة كيفية
إحياء الموتى على وجه الخصوص ؟
3- س13: لماذا طلب الله من إبراهيم عليه السلام أن يأخذ أربعة طيور ويتفحصهم جيدا حين قال له (خذ أربعة من الطير فصرهن إليك) ؟
================
:: الفصل السادس
::
================
..:: س11: ماذا أفادت لام التعليل في قول
إبراهيم عليه السلام (ليطمئن قلبي) ؟ ::..
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- عند قول إبراهيم عليه السلام (ليطمئن قلبي) .. يوجد حذف في الآية مدرك للفهم وهو بمعنى
"ولكن سألتك
ليطمئن قلبي" .. واللام من قوله (ليطمئن)
هي لام التعليل وقد أفادت سبب طلب إبراهيم لرؤية كيفية إحياء الموتى .. وهو طمأنة
قلبه ومحو الشك عن عقله الذي يؤثر في طمأنة قلبه.
- وكأن إبراهيم أراد القول: إن ارتفاع الشك عن عقلي وتثبيت الطمأنينة في
قلبي لا يتم إلا بهذا المطلب.
- وهذا يجعلنا نتمسك أكثر بالتفسير القائم على أن إبراهيم لم يكن
نبيا حين قال (رَبِّ
أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى) .. إذ لا يمكن أن يكون إبراهيم نبيا حينئذ
.. لأنه لو كان نبيا كان عرف أن الكيفية بكن فيكون كما قال ربنا: (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ
لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) غافر:68 ..، بل أن الإيمان بالغيب لا يتطلب معرفة
كيفيات خاصة بالشئون الإلهية .. وهذا في حق المؤمن العادي فما بالنا بمن يكون نبيا
رسولا ؟!! وهذا أبسط رد ممكن أن نذكره.
#- إذن قول إبراهيم (ليطمئن قلبي):
أفادت لام التعليل سبب مطلبه وأن تحقيق الطمأنينة لا تكون إلا برؤية كيفية إحياء
الموتى.
- وكأن إبراهيم لما قال (بلى ولكن ليطمئن قلبي) فإنه يقصد أن يقول: ما سألت إلا وقلبي مؤمنا بوجود ربا خالقا لهذا
الوجود .. وإن كنت مطمئنا بأن للكون ربا واحدا لا شريك له .. ولكن لتحقيق
الطمأنينة في القلب بأن هذا الرب هو الذي يكلمني الآن .. فأرني يا رب كيف تحي
الموتى ليطمئن قلبي اطمئنانا كاملا .. وأخضع لك خضوعا تاما بأنك أن الرب الحق الذي
يكلمني وهو خالق الوجود.
- والله أعلم.
********************
..:: س12: لماذا طلب إبراهيم عليه السلام من ربه رؤية ومشاهدة كيفية
إحياء الموتى على وجه الخصوص ؟ ::..
#- قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى
قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ
أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ
مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة:260.
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- كنت تسائلت فقلت: لماذا سأل إبراهيم عليه السلام عن كيفية
إحياء الموتى على وجه الخصوص ؟!
- فقلت بيان ذلك في الآتي:
1- أريدك أن تنتبه لشيء مهم أخي الحبيب: وهو أن إبراهيم لم يطلب من
الله أن يريه قدرته على إحياء الموتى .. لا .. وإنما طلب رؤية كيفية إحياء الموتى
.. أي طلب رؤية الكيفية وليس مجرد الإيجاد .. يعني هو لا يريد رؤية النتيجة
النهائية .. وإنما يريد مشاهدة الكيفية التي يتم بها الوصول للنتيجة النهاية ..
2- فمثلا: فرق بين أن تقول أريد تصنيع هذا
الكرسي كرسي .. وبين أن تقول أريد كيفية تصنيع هذا الكرسي .. فالأول أنت طلبت
تصنيع الكرسي لك وتذهب لتدفع ثمنه دون معرفة كيف تم عمله .. ولكن في اللفظ الآخر
أن أردت معرفة كيف يتم عمله وذلك من خلال رؤية كيف يتم تجميع الكرسي من داخل
المصنع حتى يخرج كمنتج نهائي.
3- يعني إبراهيم عاوز يشوف أمام عينه كيفية تركيب
الخلق بيد القدرة الإلهية بعد فنائهم .. والمقصد هنا مشاهدة كيفية البعث .. أي مشاهدة
طريقة التركيب أو أعادة الهيكلة خطوة خطوة .. أي مشاهدة كيف يجمع الله بها ما تفرق
من أجزاء الميت التي لم يعد لها وجود .. سواء بعد أن تحلل جسده وأصبح رميم في قبره
.. أو لشخص أكلته السباع وتفرق جسده في
بطونهم .. أو مات في البحر فأكلت الأسماء جسده .. أو مات في صحراء فأكلت الطيور
جسده .. وفي كل الأحوال سيتفرق جسد الميت سواء دفن في قبره فتحلل مع تراب الأرض أو
أكلته الحيوانات ..
4- ولكن لماذا طلب إبراهيم هذا الطلب على وجه
الخصوص ؟!!
لسببين:
- الأول: لأنه لو انكشف له حقيقة ذلك .. ثبت بيقين أن من يكلم إبراهيم هو الخالق جل شانه.
- الثاني: لعل إبراهيم أراد أن يغلق مسألة البعث في عقله ..
إذ لعل قومه ممن كانوا يقولون ان الحياة لا بعث بعدها
..
- فبهذا المطلب الإبراهيمي من
ربه .. يمحو أي شبهة في نفسه .. ويغلق كل مسائل احتمالات العقل التي يمكن أن يفكر فيها .. بل
ويغلق كل وساوس يمكن أن يفكر فيها الشيطان بسبب هذا المطلب الذي يستحيل للشيطان أن
يتدخل فيه .. حتى إذا تحقق مطلبه .. اطمئن القلب بيقين كامل .. وخضع حينئذ
لاستقبال ما يطلبه منه ربه بكل اطمئنان وسلام وخضوع تام.
- والله أعلم.
*****************
..:: س13: لماذا طلب الله من إبراهيم عليه السلام أن يأخذ أربعة طيور
ويتفحصهم جيدا حين قال له (خذ أربعة من الطير فصرهن إليك) ؟ ::..
#- قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى
قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ
أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ
مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة:260.
#- قال الإمام محمد سيد طنطاوي رحمه الله (الممتوفى:1431 هـ):
- قوله: (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ): أي فاضممهن إليك - قرئ بضم الصاد
وكسرها وتخفيف الراء - يقال: صاره يصوره ويصيره .. أي أماله وضمه إليه.
- ويقال أيضا: صار الشيء .. بمعنى قطعه وفصله.
- والمعنى: قال الله- تعالى- لإبراهيم: إذا
أردت معرفة ما سألت عنه فخذ أربعة من الطير فاضممهن إليك لتتأملهن .. وتعرف
أشكالهن وهيئاتهن .. كيلا تلتبس عليك بعد الإحياء ..
- ثم اذبحهن وجزئهن أجزاء (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ
مِنْهُنَّ جُزْءاً): أي ثم اجعل على كل مكان مرتفع من الأرض جزءا من كل طائر
من تلك الطيور .. ثم نادهن يأتينك مسرعات إليك.
- والفاء في قوله (فَخُذْ): هي التي تسمى بالفاء الفصيحة .. لأنها
تفصح عن شرط مقدر .. أي: إذا أردت ذلك فخذ. (التفسير الوسيط
ج1 ص600-601).
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
1- طلب الله من إبراهيم أن يأتي بطيور مختلفة فيقتلها هو بيده .. ويخلط
أجزائها ببعض .. ويضع هذه الأجزاء في أماكن متفرقة .. ثم سيريه الله كيف يجمع كل
جزء مختلط ببعضه .. ويرده إلى الأجزاء المخصوصة بعضها لجسم كل طائر .. حتى يعاد
تشكيلها مرة أخرى ويعيدها سيرتها الأولى .. وإليك بيان ذلك:
2- قال لإبراهيم: (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ
فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ
ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
- أي خذ أربعة طيور .. وصرهن إليك .. أي ضمهم إليك متفحصا فيهم جيدا
لتتذكر أوصاف شكلهم جيدا وألوانهم وهيئتهم .. ثم اذبحهم وقطعهم إلى أجزاء ووضع على
كل جبل منهن جزء ..
3- وكأن الله يريد من إبراهيم أن
ينتبه ويتحقق من الآتي:
- إنك أنت الذي أتيت بالطير بنفسك وتفحصتهم فحصا دقيقا
..
- وأنت الذي بيدك ذبحت الطير ..
- وأنت الذي بيدك قطعت الطير ..
- وأنت الذي بيدك وضعت كل جزء من كل طير على جبل.
#- ولعل حكمة ذلك .. كأن الله يريد ان يقول لإبراهيم: أنت فعلت كل ذلك بنفسك .. حتى لا
يساورك أي شك من أي نوع .. فتقول أن في المسألة تدخل أو تلاعب بك من الشيطان .. لا .. أنت الفاعل بنفسك كل شيء .. والله أعلم.
#-
ملحوظة: ولا نعرف عدد الجبال .. وغالبا أربعة بعدد الطيور كما قال بعض السلف –
ولا نعرف نوع الطيور متشابهة أم مختلفة .. ويغلب على الظن أنها مختلفة الأشكال
والألوان والأحجام .. حتى يبين الله لإبراهيم أن الإختلاف في الشكل والنوع مع
اختلاطهم ببعض .. ليس معجزا للقدرة الإلهية .. بل المسألة أبسط من ذلك .. فقط
بكلمة .. ويعود كل شيء كما كان ..
- والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادارة الموقع - ا/ خالد ابوعوف