بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة التوضيح والبيان
في قصة هاروت وماروت وخاتم سليمان
وما تلته الشياطين في مملكة سليمان
والتعريف بالتفريق الذي أثبته القرآن
(الجزء السابع والثلاثون)
#- فهرس:
:: الفصل
السادس والثلاثون :: مسائل خطرت بعقلي أثناء بحثي في الآية عن قصة هاروت
وماروت ::
1- س105: ما هي المسائل التي تفكرت بها (خالد صاحب الرسالة) عند تدبر قوله تعالى (وما أنزل على الملكين بابل هارون
وماروت) ؟
@- السؤال الأول: ما علاقة قصة هاروت وماروت ببابل باليهود ؟
@- السؤال الثاني: في أي زمن حدثت قصة هاروت وماروت ؟
@- السؤال الثالث: هل تم تحريف قصة هاروت وماروت من حيث جنسية
هاروت وماروت.
@- السؤال الرابع: لو كان هما ملكين من الملائكة فعلا .. فلماذا
يرسل الله ملكين للتعليم وكان يكفي ملاك واحد ؟!! ولماذا لم يرسل نبيا ؟!
@- السؤال الخامس: هل محتمل أن يكون ما أنزل على الملكين هو علم التنويم المغناطيسي أو علم الأعشاب ؟
@- السؤال السادس: ماذا لو قيل أن (ما) بمعنى لم ينزل على الملكين شيئا ؟!!
@- السؤال السابع: عند قوله تعالى (وما أنزل على الملكين) .. كيف
عرف اليهود أن هذين ملكين لو افترضنا أنهما ملكين ونزلا في زمن اليهود ؟
@- السؤال الثامن: لو كان هاروت وماروت رجلين .. فهل يقولا
للناس: (إنما نحن فتنة فلا تكفر) ؟!! فكيف يكون هذين الرجلين من أصحاب الموعظة
الحسنة ؟
@- السؤال التاسع: قوله (فلا تكفر) هل هو كفر عقيدة أي كفر بالله .. أم كفر نعمة نتيجة معصية وجحود لعدم تنفيذ أمر الله باتباع الهوى ..؟!
================
:: الفصل
السادس والثلاثون ::
================
..:: س105: ما هي المسائل التي تفكرت بها (خالد صاحب الرسالة) عند تدبر قوله تعالى (وما أنزل على الملكين بابل هارون
وماروت) ؟ ::..
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- صادفني في تفسير هذه الآية العديد من المسائل التي شغلتني عقليا .. أحببت أن أشاركك أخي الحبيب البعض منها .. والتي من ورائها سيترتب عليها ما أميل إليه من التفسير.
==========
1- السؤال الأول: ما علاقة قصة هاروت وماروت ببابل باليهود ؟
- العلاقة هو أن هذه القصة .. يعرفها اليهود الذين كانوا في زمن النبي صلى
الله عليه وسلم تمام
المعرفة .. بدليل أنه لم يعترض أحد منهم أو ينكر ما ذكره القرآن .. وذلك كما
فعلوا في اعتراضهم على سليمان أنه كان نبيا صالحا واتهموه بأقبح ما يقال في إنسان ..
ونزل القرآن ليبرء سليمان عليه السلام بأنه ما كفر.
- فلو لم تكن قصة هاروت وماروت معروفة تمام المعرفة لهم ..
لكانوا نشروا بين المنافقين في المدينة أن هذا الكلام في القرآن باطل .. وأنهم لا
يعرفون شيئا من ذلك .. ولماذا ينسب القرآن إليهم ما لا علم لهم به ؟!!
- ولكن هذا لم يحدث من اليهود .. فكان هذا دليلا قاطع على
معرفتهم فعلا بهاروت وماروت تمام المعرفة حتى زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
- وسواء كان هاروت وماروت ملكين أو رجلين
.. ففي الحالتين هم على علم بهاروت وماروت.
=========
2- السؤال الثاني: في أي زمن حدثت قصة هاروت وماروت ؟
أ- هل حدثت في زمن قبل ظهور الديانة اليهودية وفي مدينة
بابل .. أم حدثت أثناء السبي البابلي لليهود في مدينة بابل ؟!!
- ولكن هنا قلت: لو حدثت في زمن ماضي قبل الديانة اليهودية ..
فكيف عرفها اليهود ولم
يعرفها غيرهم من الأمم .. ؟!!
- إذ أن الحدث عام حينئذ فلو عرفهما اليهود لعرفه غيرهم
بكل تأكيد ؟!!
ب- ويؤيد أن قصة هاروت وماروت كانت في زمن
اليهود: هو قوله (يعلمون الناس السحر)
وقوله (وما أنزل على الملكين) .. أنهما شيئين
مختلفين وعلى افتراض أن (وما أنزل) بمعنى الذي .. فهذا معناه أن هذه القصة حدثت في
زمن اليهود بلا شك .. لأن اليهود كانوا يعرفون السحر على هذا التفسير .. وإنما
ازدادوا علما بما أنزل على الملكين .. فتكون هذه المعرفة حدثت في زمن السبي
البابلي .. لأن اليهود كانوا يعرفون السحر قبل السبي البابلي .. ولكنهم ازدادوا
علما به في بابل .. والله أعلم.
ج- بل ويؤيد أن قصة هاروت وماروت كانت في
زمن اليهود: أن الآية نزلت في ذم اليهود وبيان ما أخفوه من اتباع الشياطين وتعليم
الناس طريق السحر .. وذلك على سبيل الذم والإتهام لهم وكشف حقيقتهم .. فكان هذا
دليلا على أن هذه الأحداث تتعلق باليهود فقط وليس بغيرهم ..
د- ولما كشف الله عن قصة هذين
الملكين في القرآن .. فهو كشفها للدلالة على اتباع معتقد موروث ومذموم كان
يفعله اليهود حتى زمن النبي صلى الله عليه وسلم .. سواء اتباع مذموم في حق النبي
سليمان بأنه كان يمارس الكفر .. أو اتباع مذموم بالباطل في حق الملكين فكشف قصة
الملكين لوجود اتهام بالباطل قيل فيهما .. كما قالوا في سليمان عليه السلام.
@- ولكن إن كان الملكين في عهد
اليهود .. فهذا
معناه أنهم قد أخذوا هذا العلم تلقينا من الملكين .. وهذا يظهر حينئذ من
قوله (إنما نحن فتنة فلا
تكفر) مع قوله (فيتعلمون منهما) فيه دلالة
على أن هذا التعليم كان تلقين وجها لوجه.
-
إذ لا يمكن الظن أن تكون الشياطين هي من علمت اليهود ما أنزل على الملكين .. وإلا
فما الدليل على ذلك .؟!! بل وما كانت الشياطين تقول أن هذا علم ملائكة استكبارا
وعلوا في أنفسهم إذ أنهم أهل جحود .. بخلاف أن الشياطين لا تتجسد في صورة آدمية
سوية للتواصل مع الإنس ..!!
-
ولذلك من كل ما سبق أظن .. أنه حدث لليهود تلقينا مباشرا من الملكين في زمن السبي
البابلي .. وقد سبق الكلام عن السبي البابلي بالتفصيل في فصول سابقة.
#- ملحوظة: وكان من أنبياء اليهود في السبي البابلي هو النبي حزقيال
والنبي دانيال .. وهما من تم سبيهما مع اليهود ولكن بفارق
زمني بينهما مدته عشر سنوات تقريبا فحزقيال تم سبيه أولا ثم بعد عشر سنوات تم سبي
دانيال .. وكانا حزقيال ودانيال كثيرا التحذير من اتباع أفعال السحرة والعرافين ..
ولعل سبب نزول الملكين هو لتعريف اليهود كرامة تعلو من شانهم بين أهل بابل وترتقي
بهم من مذلة السبي إلى كرامة المكانة بين الوسط البابلي بخصوصية ما بلغهم من هذا
العلم .. إلا أن كثيرا منهم استخدموه في الشر .. والله أعلم.
=========
3- السؤال الثالث: هل تم تحريف قصة هاروت وماروت من حيث جنسية هاروت وماروت.
- طالما قصة الملكين حقيقية فعلا باعتبار ظاهر النص القرآني .. فهل تم
تحريفها ؟
- أي هل تم تحريف القصة كما حرفوا التوراة بأيديهم وحرفوا سيرة النبي سليمان ؟
- فنسبوا لمن علمهم علم التفرقة بين المرء وزوجه أنهما ملكين من الملائكة ؟
- أم هما كانا نبيان وكانا حالهما موصوف بالملكين لأن معنى
كلمة ملاك أي مرسل .. فهل ممكن أن يكونا نبيين مرسلين .. ؟! خاصة وأن الأنبياء
يشدد بعضهما بعضا في النبوة .. إذ قد يكون في زمن أكثر من نبي واحد كحال موسى
وهارون.
- ولكن لو كانا نبيان لكانت المسألة ستكون شبهة وتأكيد
أن الأنبياء يمارسون السحر كما اتهموا سليمان من قبل .. (ولذلك هذا رأي بعيد جدا).
- أم هما كانا رجلين صالحين كان الوصفهم لهما بأنهما ملكين كدلالة
على صلاحهما .. ويؤيد هذا قوله تعالى المذكور فيما قلنه نسوة امرأة العزيز حينما
رأين يوسف: (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ
أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)
يوسف:31.
- أم هما رجلين فاسدين .. وكانا يستترا خلف قناع النبوة .. فوصفهما الناس
بظاهر ما يظهر منهما بأنهما ملكين لأنهم يرون فيهما تقديم خدمات بلا مقابل .. وهذا
في المجتمع اليهودي لا أشك أبدا بوصفهم بهذا الوصف طالما ما يقدمونه هو مجانا.
- ويكون حينئذ قوله (وما أنزل)
بمعنى نزول شياطين على هذين الرجلين .. كما قال تعالى عن حال أهل العرافة والكهانة
والتنجيم: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ
الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ
السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ) الشعراء221-223.
- إذن: هل كان هاروت وماروت .. ملكين من الملائكة فعلا
.. أم رجلين يدعيان النبوة .. أم نبيين فعلا ؟!!
- والحقيقة توقفت عن الميل لكنهما رجلين أم ملكين .. ولو كنت
أميل .. فكنت أميل لكونهما رجلين يدعيان النبوة .. وهذا له سبب سأذكره قريبا إن
شاء الله.
=========
4- السؤال الرابع: لو كان هما ملكين من الملائكة فعلا .. فلماذا يرسل الله ملكين للتعليم وكان يكفي ملاك واحد ؟!!
ولماذا لم
يرسل نبيا ؟!
أ- يعني: ألم يكن ملك واحد كافي ليقوم بهذه المهمة ؟!!
- وإلا فلماذا لم يرسل قافلة من الملائكة للتعليم .. طالما
المنطق هو تعدد الملائكة لنفس المهمة الواحدة ..!!
#-
ثم حاولت أن استحضر في عقلي طرق حضور الملائكة من خلال النصوص
القرآنية والنبوية .. فوجدت أنه يمكن تصنيف هذا الحضور للآتي:
- أن الملائكة الذين قد يأتون معلمين أو ياتون للتبليغ أو
بأتون للفتنة بالحق وليس بالباطل.. وقد يأتون بصورة فردية أو جماعية.
- ففي حال التعليم والتبليغ أو الفتنة بحق: يأتون فرادي .. مثلما أتى جبريل للنبي في
صورة الصحابي دحية الكلبي وجلس أمام الحاضرين وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان
..، ومثلما أتى الملك بفتنة الأعمى والأبرص والأقرع..، ومثلما جاء جبريل للسيدة
مريم.
#- ملحوظة: معنى
الفتنة بحق .. أي ما يأتون به هو حق وحلال ومباح ولكن يترتب عليه فتنة لمن يسيء استخدامه
.. مثلما حدث مع الأعمى والأبرص والأقرع فقد أعادوا لهم الصحة فيما يعينهم ودعوا
لهم بزيادة المال فحدث لهم ذلك .. فكان هذا العطاء فتنة لهؤلاء الثلاثة .. ولكن
فتنة بحق وليس بباطل .
#- ولكن الملائكة تنزل اثنين أو أكثر في وقت العقاب، ووقت التأييد والبشرى:
- ففي وقت نزول العقاب على قوم: فيكون نزول أكثر من ملك أو جمعا من الملائكة كما
في وقت سلب الروح من الكافر .. أو وقت تأييد المؤمنين في المقاتلة ضد الكفار يكون
أكثر من ملك واحد ..، أو وقت نزول الموت بكافر يأتون جماعة ..، أو وقت نزول العذاب
بقوم كما ذهبت الملائكة للوط.
- أو وقت نزول البشرى للمؤمن: يأتون جماعة سواء في الحياة كما كانوا يأتون
يسلمون على الصحابي عمران بن الحصين ..، وكما ذهبوا لإبراهيم بالبشرى ..، وكما
يأتون عند نزول الموت يبشرون المؤمن بالجنة.
- والشاهد مما سبق .. أن الحضور الفردي كان هو المعتمد للملائكة في
التبليغ أو الدعوة أو الفتنة بحق.
- وهذا كان سبب سؤالي: لماذا يرسل الله ملكين وليس ملك واحد طالما
المقصد هو الفتنة ؟ ولماذا تكون فتنة بباطل وليس بحق ؟
ب- أما عن مسألة لماذا لم يرسل نبيا ليقوم
بهذه المهمة .. فلعل ذلك حتى لا يظن الناس بالأنبياء الشر ويساوونهم
بالسحرة .. بل وسيقول السحرة أن حالهم كحال الأنبياء .. ويختلط الحق بالباطل .. والله
أعلم.
=========
5- السؤال
الخامس: هل محتمل أن يكون ما أنزل على الملكين هو علم يشبه التنويم المغناطيسي أو علم
الأعشاب ؟
أ- لو كان أنزل الله شيئا على الملكين .. فما الذي أنزله ؟
- لو كان أنزل رقية أو وقاية من السحر
الذي كان موجود .. فهذا حينئذ ليس فتنة بل كرامة عطاء.
- ولو كان ما أنزل هو نهي عن السحر واتباع
للشريعة .. فكيف يتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ؟
- ولو كان ما أنزل عليهما سحر .. فما
فائدته إذا كانوا يعرفون السحر ويعلمونه للناس وأصل السحر كله مبني على التفرقة
بأي شكل من الأشكال حتى التفرقة بين المرء ونفسه من خلال إصابته بالجنون.
- ولو كان ما أنزل عليهما هو تعليم الإسم الأعظم كما ذكر بعض العلماء .. فهذا مستحيل إن يحدث .. إذ أن الدعوة بقطع الأرحام غير مستجابة .. فضلا عن أن اسم الله لا يتم استخدامه في الباطل.
ب- لعل ما أنزل عليهما هو علما يجمع بين الخير والشر لكون الملائكة لا تعلم شرا محض وإلا كانت كالشياطين
"هذا رأيي".
- ولكن هذا العلم تغلب فيه الفتنة للنفس البشرية بصورة قوية لدرجة أنه
يميل لاستخدامه للشر .
- فما هو ؟
1-
هل هو علم مثل الكيمياء أو تركيب الأعشاب .. فمعرفة خواص الأشياء تكسب
الإنسان معرفة خطيرة إذ أن كثير من العلوم تجمع بين الضدين كما هو علم الكيمياء
والأعشاب .. إذ أن معرفة التركيبات إما أن تكون ترياق أو سم .. ومعرفة خصائص معينة
بنبات معين قد يجهلها البعض ويقدمها في صورة علاج ولكن في حقيقتها سم .. مثل نبات كالحلتيت
أو الحنتيت قد تؤدي لإسقاط الحمل ويفسد حليب الطفل ويؤدي للموت من خلال تلف الكبد
وجدار المعدة مع جرعات متعددة منه .. ولازال الجهلاء ومن لا يتقي الله في خلقه يستخدمونه
مع الناس ليوهموهم أنه مطهر لهم من السحر المأكول والمشروب وقاتل للعفريت .. في
حين فيه مادة مهيجة للمعدة تعطيك الشعور بالتقيوء .. لكن المصيبة في أن كثرة شربه
تفسد الكبد وتؤدي لموت الإنسان على المدى القريب مع شربه بكميات .. في حين يقدمه
البعض على أنه وسيلة علاج ..!!
#-
ولكن علم مثل الكيمياء أو الأعشاب .. أو علم التركيبات من الطبيعة عموما
.. كان معلوما كثير منه لأهل بابل لتفوقهم في الطب في زمنهم .. وعلى الرأي الذي
يقول أنه نزل إليهم سحرا فعلم التركيبات ليس بسحر لأنه عن فعل مادة تؤثر في مادة وعلاجه
بنفس التركيب من مادة أخرى .. ولو على الرأي القائل أنه ليس سحرا فمحتمل يكون مزيد
من علم التركيبات .. والله أعلم.
2- ثم ذهب عقلي لأنه شيء مميز يثير الفضول
والفتنة فعلا .. فذهب عقلي لطرق العلم
الروحاني .. وهذا يتطلب معرفة خاصة بقدرات الإنسان أو
طاقاته .. وكيف من خلالها يتم التأثير عليه نفسيا وجسديا لأذيته ومحتمل أيضا
تستخدمها لمساعدة إنسان .. إلا أنهما قاما بتوظيف الموضوع في الشر فقط .. وأقرب
طريقة خطرت ببالي تؤدي هذا الوصف هو طريقة التنويم المغناطيسي الذي محتمل أن تساعد
منه إنسان للخروج من ماضي محبوس فيه من خلال بيانه له .. أو لتسيطر عليه ليسمع
كلامك ويفعل ما تطلبه منه حتى لو هيقتل نفسه .. أو بمكن استخدام هذه الطريقة لمعرفة خبايا
البيوت من خلال غياب وعي الشخص .. أو يتم اغتصاب النساء بهذه الطريقة (وهي منتشرة
في زماننا) خاصة عند من يصفون أنفسهم رقاة وحقيقتهم سفلة .. ويفعلون ذلك من خلال
لمس المرأة في غرفة مكتبه وهي معه ويقترب منها يزعم أنه سيرقيها فتغيب عن الوعي
فجاة .. ويتم الزنا بها وهي في غيبوبة مؤقتة..، (هذا بخلاف من يرقي في وجود الناس وتحدث حالة إغماء لحالة
ممسوسة – فانتبه).
- وهذا التصور الأخير وهو التنويم
المغاطيسي أو ما يشبهه هو ما أرجحه .. لأنه شيء خاص جدا في العلم
الروحاني ويمكن تعلمه بسرعة بشرط أن تكون فيك مواصفات روحانية خاصة كإنسان حتى
تستطيع أن ينفعل معك هذا العلم .. ولذلك كان المنتفع بذلك هم بعض خاصة اليهود وليس
جميعهم.
#- ثم بعدما كنت كتبت ما أظنه .. وأثناء بحثي المتكرر في كتب
التفاسير .. وجدت أن الإمام محمد أبو زهرة رحمه الله (المتوفى: 1394هـ) حكى
شيئا ملفت للنظر لم انتبه له من قبل .. إذ قال رحمه الله:
- (وما يفرقون به بين المرء وزوجه): هو طريق الاستهواء بأن يعملوا
بالطريق الذي يسمونه التنويم المغناطيسي .. وهو من أشد أنواع
السحر .. ينزع شعور المحبة من أحد الزوجين لزوجه فيكون التفريق بينهما. (زهرة التفاسير ج1 ص343).
@- ومعنى (الإستهواء): الاضلال والغواية بما فيه تأثير
على عاطفة الإنسان ومشاعره.
- قوله (ينزع شعور المحبة): هذا كلام لم يوفق الإمام في
قوله .. لأن التنويم المغناطيسي يحجب الشعور مؤقتا لفقد الإدراك مؤقتا مثل الذي
يكون في خالة مخدرة .. ولكن لا يتم نزع الشعور من الشخص..، وإنما بطرق سحر أخرى يتم
حجب الإحساس أو تعطيلة من خلال الإحساس الدائم بعدم الرغبة في شيء وكأنه محبوس داخليا
وكأنه يشعر بفقد شيء منه .. وليس بنزع العاطفة ولا سلبها .. بدليل لو تم إبطال
السحر يعود لطبيعته .. وهذا معناه لم يتم سلب عاطفته ولا نزعها..
#- ثم ذكر الإمام أبو زهرة رحمه الله قصتين فقال:
-
ولقد كان لنا صديق كان يتخذ السحر والتنويم المغناطيسي، وكان
عالما رياضيا منظم العقل مستقيم الفكر .. فلما أكثر من هذا التنويم الذي هو
السحر .. اضطربت موازين تقديره .. وصار يصدق ما لَا يقبل التصديق ويقبل من القول
ما لَا يصدقه.
-
وآخر: كان مؤمنا أشد الإيمان .. وأكثر من هذا التنويم الذي
هو السحر حتى فسد التقدير عنده .. وصار يهرف بقول لَا يصدر عن مؤمن عاقل .. فيفضل
الرسول على رب العالمين ..، وذلك لأن السحر أفسد عقله المؤمن، وتفكيره السليم. (زهرة التفاسير ج1 ص344).
#- معنى (يهرف): أي ينطق بكلام غير معقول أو غير صحيح.
@- عموما أخي الحبيب .. وجدت نفسي تميل لمسألة التنويم المغناطيسي أو علم يشبهه ..
وأقصد بذلك أن يكون ما تعلمه الناس في التفرقة بين المرء وزوجه هو من قبيل التنويم
المغناطيسي.
- ولكن حتى
وإن كنت أميل لهذا التصور .. ولكن في نفسي مفهوم آخر لما أنزل على
الملكين .. سأذكره لاحقا إن شاء الله تعالى.. بعد إكمال المناقشات العقلية.
=========
6- السؤال السادس: ماذا لو قيل أن (ما) بمعنى لم ينزل على الملكين شيئا ؟!!
- فهل هذا معناه أنه من المحتمل أن يكون رجلين .. ولكن الحقيقة نفسي لا تميل لكون (ما أنزل على
الملكين) بمعنى النفي .. لأنه سيتم قلب تركيبة الآية بأسلوب فيه تقديم لكلام الآية
وتأخير .. وهذا فيه من التكلف ما فيه من أجل نفي نزول الشر على الملكين ..!!
-
ولكي أجد تفسيرا في نفسي سهلا .. على افتراض أنه لم ينزل على
الملكين شيئا .. فيكون التفسير يكون كالآتي: "وما كفر سليمان وما
أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت .. واللذين كان يعلمان الناس علما خاصا ولكن
ما كانا يعلمان أي أحد يطلب منهما التعليم حتى يخبراه أنهما مصدرا للفتنة لما
يملكان من هذا العلم فيجب عليك أن لا تكفر باستخدامه ... " (هذا مجرد رأي لي في التفسير – والله
أعلم).
#-
وبالتالي يفهم من سياق الآية .. طالما نفى الله الإنزال عن
الملكين .. فيكون بالبداهة المقصد بهما رجلين وإلا فماذا يكونان ؟!!
-
وذلك التفسير دون تغيير لألفاظ ولا تقديم ولا تأخير ويكون
السياق يسير بصورة صحيحة جدا. والله أعلم.
=========
7- السؤال السابع: عند قوله تعالى (وما
أنزل على الملكين) .. كيف عرف اليهود أن هذين ملكين لو افترضنا أنهما ملكين
ونزلا في زمن اليهود ؟
- ليس من المنطقي أن يظهر شخصين بمظهر بشري .. وقولا للناس أنهما ملكين من الملائكة في
صورة بشرية .. مهما فعلوا من الأعاجيب أمام الناس ..؟!!
- ولم أجد إجابة على هذا السؤال إلا
إجابة واحدة منطقية .. وهي أن هذين الملكين نزلا في وجود نبي كان يعلمه
اليهود ويثقون به .. وبالتالي هو من أخبر اليهود أن هذين ملكين .. وبالتالي تم
التسليم لكونهما فعلا ملكين من الملائكة.
- والله أعلم.
******************
8- السؤال الثامن: لو كان هاروت وماروت رجلين .. فهل يقولا
للناس: (إنما نحن فتنة فلا تكفر) ؟!! إذ كيف يكون
هذين الرجلين من أصحاب الموعظة الحسنة ؟
- ولكن هنا يقال: لعل هذا أسلوب من معلمهم الأول إبليس .. وذلك
كما أخبرنا القرآن عن فعل إبليس مع آدم: (فَوَسْوَسَ
لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا
وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا
مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا
لَمِنَ النَّاصِحِينَ) الأعراف:20-21.
- فالشيطان ظهر بمظهر الناصح الأمين لآدم وحواء
.. وأقسم لهما بالله أنه يريد بهما الخير ولا شيء غير الخير.
- فما العجب حينئذ أن يكون الرجلين يمارسان التأثير النفسي على الناس التي تأتي
للتعلم منهما .. من باب الإخلاص في النصيحة على مبدأ: أنا قلت لك وخلصت ضميري وأنت
حر ..!!
=========
9- السؤال التاسع: قوله (فلا تكفر)
هل هو كفر عقيدة أي كفر بالله .. أم كفر نعمة نتيجة معصية وجحود لعدم تنفيذ أمر
الله باتباع الهوى ..؟!
- لأن هذا مرتبط بتفسير باقي الآية .. عند قوله: (ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق).. فلو
كفر نعمة فهذا معناه أنه ليس لهم نصيب من رحمة الله لتطهرهم من عقوبة ما فعلوه
ولكن سيعذبون ويدخلون الجنة ..، وإنما لو كان كفر عقيدة فهذا معناه حجب الرجمة
الإلهية عنهم عقوبة لاستعانتهم بالشياطين اعتقادا فيهم بالتصريف الكوني والقدرة
على خلق الأفعال.
#- ودفعا للتوهم .. فمعنى قوله: (ولقد
علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق) .. يرتبط بتعليم السحر من
الشياطين في الأصل وهذا في حد ذاته كفر ..
#- ومعنى (فلا تكفر)
تحتمل الآتي:
-
فلا تكفر: أي فلا تكفر بهذا النهي الذي نهيناك عنه لأنه من أمر
الله .. فتجحده بعصيانك.
-
أو فلا تكفر: باعتقاد في ما نعلمك بأن تظن أنه مؤثر بذاته .. فتنكر
إذن الله في الكون.
-
أو فلا تكفر: بأن تفعل به أفعال أهل الكفر باستخدامه في الباطل.
-
والله أعلم.
@- وخلاصة
القول لكل ما سبق أخي الحبيب من مسائل في هذا الفصل.
-
فقط أحببت أن أشاركك به كمعلومات عما كنت أفكر فيه وأحاول الرد
عليه من حيث كل رأي تفسيري كنت أجده .. وطبعا اكتفيت فقط بما سبق من مسائل دفعا
للإطالة واكتفيت بما سيفيدنا في التفسير فيما بعد إن شاء الله ..
-
والفصل القادم إن شاء الله أذكر لك كلام مهم في مسألة
الملكين .. هل هما ملكين أم رجلين .. بأدلة لم أذكرها من قبل .. والله ولي
التوفيق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادارة الموقع - ا/ خالد ابوعوف