بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة التوضيح والبيان
في قصة هاروت وماروت وخاتم سليمان
وما تلته الشياطين في مملكة سليمان
والتعريف بالتفريق الذي أثبته القرآن
(الجزء الثالث والثلاثون)
#- فهرس:
:: الفصل الثاني
والثلاثون ::
1- س94: ما تفسير قوله تعالى: (ولبئس ما شروا به أنفسهم لو
كانوا يعلمون) ؟
#-
أولا: ما الذي أفادته اللام من كلمة (لبئس) من
قوله (ولبئس ما شروا به انفسهم).
#-
ثانيا: ما معنى كلمة "شروا" من قوله (لبئس ما شروا به أنفسهم).
#-
ثالثا: ما الذي أفادته كلمة (شروا) مع كلمة (أنفسهم) من قوله (ولبئس ما شروا به أنفسهم) ؟
#-
رابعا: معنى قوله (ولبئس ما شروا به أنفسهم).
#- خامسا: لماذا أثبت الله العلم لليهود فقال: (ولقد علموا لمن اشتراه) .. ثم نفى عنهم العلم في نفس الآية فقال: (لو كانوا يعلمون) .. فمرة "يعلمون" ومرة "لا يعلمون" ؟
2- س95: ما تفسير قوله تعالى (ولو أنهم آمنوا واتقوا
لمثوبة من عند الله خير) ؟
#-
أولا: معنى قوله (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند
الله خير).
#- ثانيا: ما الذي يمكن أن نفهمه من قوله تعالى: (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير) ؟
================
:: الفصل الثاني والثلاثون ::
================
..:: س94: ما تفسير قوله تعالى: (ولبئس ما شروا به أنفسهم لو
كانوا يعلمون) ؟ ::..
- قال تعالى: (وَاتَّبَعُوا
مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ
وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ
عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ
أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ
مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ
بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا
يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي
الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ) البقرة:102.
#-
أولا: ما الذي أفادته
اللام من كلمة (لبئس) من قوله (ولبئس ما شروا به انفسهم).
1-
قال الإمام محمد
أبو زهرة رحمه الله (المتوفى: 1394 هـ):
-
(وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفسَهُمْ لَوْ
كَانُوا يَعْلَمُونَ): في هذه الجملة السامية تأكيد
الذم للسحر وأكده باللام .. و (بئس) فعل دال
على الذم ..
-
أي بئس هذا السحر الذي باعوا به أنفسهم .. أي أن السحر فوق مضراته الواضحة
المفسدة للنفس وللجماعة هو في ذاته أمر مذموم لا يصح أن يطلب في ذاته .. ولكنهم
يدفعون فيه أغلى الأثمان إذ يدفعون أنفسهم، وعقلهم وإحساسهم وقلوبهم. (تفسير زهرة التفاسير ج1
ص345).
2-
قال الدكتور
الشيخ محمد الهلال:
(وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ
أَنفُسَهُمْ): الواو عاطفة .. واللام لبئس للتوكيد .. وبئس فعل
من أفعال الذم. (تفسير القرآن الثري الجامع ج1 ص142).
#-
ثانيا: ما معنى كلمة "شروا" من قوله (لبئس ما
شروا به أنفسهم).
1- قال الإمام الماتريدي رحمه الله (المتوفى: 333 هـ):
-
وقوله: (وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ
لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) أي: بئس ما باعوا به أنفسهم، يعني:
اليهود الذين يعلمون الفرفة والسحر.
-
وقيل: (مَا شَرَوْا بِهِ) يقول: ما باعوا به أَنفسهم من السحر
والكفر..، يعني: من لا يقرأَ التوراة.
-
أَو يعني: أن لو كانوا يعلمون ما باعوا به أنفسهم ولكنهم لا
يعلمون. أي: لو علموا أنهم بمَ باعوا أَنفسهم من العذاب الدائم لعلموا أنهم بئس ما
باعوا به. (تفسير
تأويلات أهل السنة ج1 ص528).
2- قال الإمام الماوردي رحمه الله (المتوفى: 450 هـ):
-
قوله عز وجل: (وَلَبِئْسَ مَا شَرَواْ بِهِ أَنفُسَهُم لَوْ
كَانُوا يَعْلَمُونَ) فيه تأويلان:
-
أحدهما: يعني ولبئس ما باعوا به أنفسهم من السحر والكفر في
تعليمه وفعله.
-
والثاني: من إضافتهم السحر إلى سليمان .. وتحريضهم على الكذب. (تفسير النكت والعيون ج1
ص168-169).
3- قال الإمام أبو الحسن الواحدي رحمه الله (المتوفى: 468هـ):
-
قوله تعالى: (وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) أي: بئس شيء باعوا به حظ أنفسهم، حيث
اختاروا السحر ونبذوا كتاب الله. (التفسير البسيط ج3 ص212).
4- قال الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى:1393 هـ):
-
(شروا) بمعنى باعوا بمعنى بذلوا .. وهو مقابل قوله: (لمن اشتراه) ومعنى بذل النفس هو التسبب لها
في الخسار والبوار. (التحرير
والتنوير ج1 ص647).
5-
قال الإمام محمد
سيد طنطاوي رحمه الله (المتوفى: 1431 هـ)
-
ثم قال تعالى: (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ
لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).
-
(شروا): بمعنى باعوا .. وبيع الأنفس هنا معناه بيع
نصيبها من الجنة ونعيمها.
-
والمعنى: ولبئس شيئا باع به أولئك السحرة حظوظ أنفسهم .. بتعلم ما
يضر من السحر والعمل به .. ولو كانوا ممن ينتفعون بعلمهم لما فعلوا ذلك. (التفسير الوسيط ج1 ص231).
6-
قال الدكتور
الشيخ محمد الهلال:
-
(مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ): باعوا به بالسحر أنفسهم .. أي:
اشتروا السحر. وباعوا أنفسهم. (تفسير القرآن الثري الجامع ج1 ص142).
#-
ثالثا: ما الذي
أفادته كلمة (شروا) مع كلمة (أنفسهم) من قوله (ولبئس ما
شروا به أنفسهم) ؟
1- قال الإمام إبراهيم بن عمر البقاعي رحمه الله (المتوفى:885 هـ):
-
جمع لهم المذامّ على وجه التأكيد فقال: (ولبئس ما شروا) .. أي باعوا على وجه اللجاجة (به أنفسهم) .. إشارة إلى أنه مما أحاط بهم
.. فاجتثت نفوسهم من أصلها .. فأوجب لهم الخلود في النار .. (تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ج2 ص81).
-
معنى (اللَّجَاجة): أي الإصرار على العناد مع تجاهل أي رأي
مخالف .. والمقصد هو اتباعهم للسحر وتجاهلهم كلام الله بالإبتعاد عن السحر.
2-
قلت (خالد صاحب الرسالة): كان من الممكن أن يقول النص
"ولبئس ما فعلوه" ولكن الله قال: (ولبئس ما شروا به أنفسهم) .. وأظن لأن الله أراد أن يوضح
لنا الآتي:
أ-
أراد أن يوضح لنا: أنهم غلبت عليهم شهوة حب السحر
لما يكسبهم من شهرة ومال .. فارتضوا أن يبيعوا أنفسهم للشيطان ليتصرف فيهم كيفما
شاء.
ب-
أراد أن يوضح لنا: أن بيع النفس إشارة
إلى أن خطيئة فعل السحر .. قد أحاطت بأنفسهم إحاطة كاملة ومانعة لوجود أي
منفذ لرحمة الله إليهم .. وكأنهم دخلوا جهنم المحيطة بالكافرين .. لأن هذا الإنسان
أصبح شيطانا حقا لا يستحق الرحمة .. فلا فرصة لهم للنجاة أبدا في الآخرة.
- ملحوظة: هذا لأنهم ارتضوا بالسحر منهجا لهم دون
توبة مما فعلوه إلى آخر يوم في حياتهم ..، أما من تاب وأصلح فنرجو أن يقبله
الله برحمته والله غفور رحيم.
ج-
وأتى لفظ (شروا) بالماضي .. ليفيد تحقيق فعلهم وأنهم تمكنوا
فعلا من السحر مقابل أن باعوا أنفسهم للشيطان .. أي أنهم يقينا قد باعوا أنفسهم
مقابل شهوة تعلم السحر والعمل به .. واستمروا على فعل السحر متحققين بفعله كمنهجا
لهم في حياتهم لآخر يوم في حياتهم دون أي توبة أو ندم.
-
والله أعلم.
#-
رابعا: معنى
قوله (ولبئس ما شروا به
أنفسهم).
-
جاء في التفسير
الوسيط لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر:
-
(وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ).
-
(شَرَوْا): أي باعوا .. وهي من الأضداد ..
ومما جاءت به بمعنى البيع أيضًا قوله تعالى (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) أي باعوه بثمن قليل.
-
والعلم هنا منزل منزلة اللازم .. غير منظور فيه إلى مفعول .. أيَ
لو كان عندهم علم وعقل.
-
والمعنى: ولبئس هذ الذي باعوا به حظ أَنفسهم من الخير، وهو تعلم
السحر والعمل به. ولو كان عندهم علم وعقل .. لأدركوا أَن هذا السحر ضار .. مفسد
للنفس والعقل والناس .. ولامتنعوا عن تعلمه والعمل به. (التفسير الوسيط – مجمع البحوث بالأزهر ج1 ص158).
#-
خامسا: لماذا أثبت
الله العلم لليهود فقال: (ولقد علموا لمن اشتراه) .. ثم نفى عنهم العلم في نفس الآية فقال: (لو كانوا يعلمون) .. فمرة
"يعلمون" ومرة "لا يعلمون" ؟
1-
قال الإمام مكي
أبو طالب رحمه الله (المتوفى: 437 هـ):
-
وقوله: (لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ).
-
قيل لهم ذلك: لأنهم صاروا في محل من لا علم عنده إذ لم ينتفعوا بعلمهم
.. فصاروا بمنزلة الجاهل بهذا الأمر .. فنفى عنهم العلم بعد أن أخبر أنهم علموا من
أجل ذلك. وهذا مشابه لقوله: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) البقرة:18 .. لأنهم لما لم
ينتفعوا بهذه الأعضاء كانوا بمنزلة من عَدِمَها .. فوصفوا بذلك وهم غير صم ولا بكم
ولا عمي. (تفسير الهداية
إلى بلوع النهاية ج1 ص380).
2- قال الإمام أبو الحسن الواحدي رحمه الله (المتوفى: 468هـ):
-
وقوله تعالى: (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) إن قيل: كيف نفى العلم عنهم .. ولقد أثبت
العلم لهم في قوله: (وَلَقَدْ عَلِمُوا) ؟
-
قيل: وصفهم بالعلم في قوله: (وَلَقَدْ عَلِمُوا) على المجاز لا على الحقيقة ..
كأنه قال: علموا هذا عِلمًا ظاهرًا .. ولم يعلموا كنه ما يصير إليه من بخس الآخرة من العقاب ..
لذلك قال: (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).
-
وقيل: إن الله تعالى وصفهم بالعلم ثم نفاه عنهم .. لأنهم لم
يعملوا بما علموا .. فكانوا بمنزلة من لم يعلم .. كما تقول: صلَّيتَ ولم تصلِّ .. وتكلّمتَ
ولم تتكلّم .. أي: لم تجوّد كلامك .. فكنت بمنزلة من لم يتكلم.
-
وقيل: إنما وصفهم بوصفين مختلفين .. لأنهم علموا أن الآخرة
يخسرها من آثر السحر .. ثم دخلوا فيه وآثروه طمعًا في عوض يصير إليهم من الدنيا ..
فقال الله عز وجل: (وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ) أن الذي قصدوه وآثروه لا يتم لهم من جهته ما يؤمِّلُون
.. لأن الدنيا تنقطع عنهم بالموت .. ثم يقدمون على الآخرة التي لا حظ لهم فيها. (التفسير البسيط ج3 ص212-213).
3-
قال الإمام محمد
سيد طنطاوي رحمه الله (المتوفى: 1431 هـ)
-
وأثبت لهم العلم في قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ
اشْتَراهُ) .. ثم نفاه عنهم في قوله تعالى: (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) جريا على الأسلوب المعروف في
فنون البلاغة .. من أن العالم بالشيء إذا لم يعمل بموجب علمه .. نزل منزلة الجاهل ..
ونفى عنه العلم كما ينفى عن الجاهلين.
#-
وإلى هذا المعنى الذي قررناه أشار صاحب الكشاف بقوله.
-
فإن قلت: كيف أثبت لهم العلم أولا في قوله: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ
اشْتَراهُ) على سبيل التوكيد القسمي، ثم نفاه عنهم في قوله: (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) ؟
-
قلت: معناه لو كانوا يعملون بعلمهم ..، جعلهم حين لم يعملوا به كأنهم
منسلخون عنه. (التفسير
الوسيط ج1 ص231).
4-
قال الإمام محمد
متولي الشعراوي رحمه الله (المتوفى:1418 هـ):
-
وقوله جل جلاله: (مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة
ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ القوم
الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين) الجمعة:5.
-
أي أنهم حملوا التوراة علما .. ولكنهم لم يحملوها منهجا وعملا .. وهؤلاء
السحرة علموا أَنَّ مَنْ يمارس السحر يكفر. . ومع ذلك لم يعملوا بما علموا. (تفسير الشعراوي ج1 ص501).
4-
قلت (خالد صاحب الرسالة):
-
في الآية نوعين من العلم حسب ما أرى:
أ-
علم بيان .. وهو خبر أتاهم من الله بحرمانية
فعل السحر.
ب- علم تحقيق .. وهو اتباع هذا الخبر الذي أتاهم ويلتزموا
به.
-
فالله أثبت لهم العلم أولا .. لأنه فعلا أخبرهم بحرمانية السحر
على إلسنة أنبيائهم وفي توراتهم .. فكان هذا علم بيان وخبر ..
-
ثم اتبعوا أهوائهم وتركوه وراء ظهورهم .. فما كان علمهم به تحقيقا باتباع
كلام الله .. وإنما فقط مجرد بيان وخبر وصل إليهم دون تحقيق وعمل بهذا العلم.
-
فقوله (لو كانوا يعلمون): أي لو كان يعلمون تحقيقا بهذا العلم
في نفوسهم .. ما كانوا باعوا أنفسهم مقابل تعلم السحر وفعله ظنا منهم أنهم بذلك
سيحققون منافع ومكاسب.
-
والله أعلم.
*******************
..:: س95: ما تفسير قوله تعالى (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من
عند الله خير) ؟ ::..
#- قال تعالى: (وَيَتَعَلَّمُونَ
مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ
فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ
كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) البقرة:102-103.
-
بعد أن انتهت ما قامت بتلاوته الشياطين على ملك سليمان .. وانتهت قصة هاروت وماروت .. وعرفنا
أن بعض علماء اليهود مارسوا السحر واعتقدوه .. ثم جاءت آية لتوضح حقيقة أخرى .. وهي
أن اليهود لو كانوا تركوا هذه الأباطيل وآمنوا بالنبي والقرآن لكان خيرا لهم ..
#-
أولا: معنى قوله (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير).
1- قال الإمام الماتريدي رحمه الله (المتوفى: 333 هـ):
-
وقوله: (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا): بتوحيد اللَّه.
-
(وَاتَّقَوْا): الشركَ، والسحر.
-
(لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ) يقول: لكان ثوابهم عند اللَّه خيرًا من
السحر والكفر.
-
(لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ): ولكنهم لا يعلمون علم الانتفاع
به .. وهو كقوله: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) .. ليسوا بصم ولا بكم ولا عمي
في الحقيقة .. ولكنهم صم من حيث لا ينتفعون به .. إذ الحاجة من العلم، والبصر ..
والسمع الانتفاعُ به .. فإذا ذهبت المنافع بهما فكان كمن لا علم معه ولا بصر له
ولا سمع .. حيث لا ينتفع .. ولا يعمل به .. واللَّه أعلم. (تفسير تأويلات أهل السنة ج1
ص528).
2-
قال الإمام مكي
أبو طالب رحمه الله (المتوفى: 437 هـ):
-
قوله: (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتقوا) أي: لو أن الذين يتعلمون السحر آمنوا
أي: بمحمد صلى الله عليه وسلم، وما أنزل الله، (واتقوا) .. أي اتقوا الكفر وعمل السحر
- لوجب لهم عند الله الثواب على ذلك. فهو خير لهم لو كانوا يعلمون قدر ذلك.
-
وقيل: (لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ): أي لو علموا مبلغ ثواب الله ورضاه
ومقدار ذلك.
-
وقيل: معنى: (لَمَثُوبَةٌ): لرجعة إلى الله خير.
-
وقيل معنى (لَمَثُوبَةٌ): أي لأثيبوا على ذلك،
فَاسْتُغْنِيَ بالمثوبة عن الثواب، لأن المثوبة مصدر يشتمل على الماضي وغيره.
" ولو " تحتاج إلى جواب يكون ماضياً، ودلت المثوبة على الماضي.
-
وقال ابن إسحاق: معنى (لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) أي: يعملون بعلمهم. (تفسير الهداية في بلوع النهاية ج1 ص383).
#-
ملحوظة: ابن اسحاق هو محمد بن اسحاق بن يسار (المتوفى:151 هـ) وهو
من رواة الحديث وأشهر من كتب في السيرة النبوية.
3-
قال الإمام محمد
سيد طنطاوي رحمه الله (المتوفى: 1431 هـ)
-
ثم بيَّن سبحانه المنافع التي تعود عليهم لو اتبعوا الحق .. بعد أن بين الاضرار التي ترتبت
على اتباعهم للباطل فقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا
لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أى: لو أن أولئك اليهود النابذين
لكتاب الله المتبعين للأوهام والأباطيل .. آمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم أو
بالتوراة إيمانا حقا .. واتقوا الله فاجتنبوا ما يؤثمهم ومنه السحر والتمويه ..
لكانت لهم مثوبة من عند الله .. هي خير لهم من السحر وغيره ..
-
ولو كانوا من أولى العلم النافع لفهموا ذلك ..
واستبدلوا بالسحر الإيمان والتقوى .. ولكنهم قوم لا يعقلون. (التفسير الوسيط ج1 ص231).
#-
ثانيا: ما الذي يمكن أن
نفهمه من قوله تعالى: (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من
عند الله خير) ؟
#-
قلت (خالد صاحب الرسالة):
- إذا كانت هذه الآية قيلت .. بعد ما أظهرت فعل اليهود من اتباع الشياطين
في استخدام السحر والتفريق بين الأزواج وغير ذلك.
-
فدل ذلك على إمكانية قبول توبة الساحر لو آمن واتقى وأصلح .. ويكون له ثواب من الله
لو اتقى وأصلح فيما بقى من حياته.
- والله أعلم.
@-
وبهذا يكون ختام تفسير الآيات (101-102-103) من سورة البقرة .. ويتبقى لنا في الرسالة تحقيق بعض المسائل
العلمية .. مع ذكر ذكر بعض الآراء التي أظنها عن اجتهاد خاص بي في مفهوم الذي أنزل
على الملكين ومن هما الملكين .. ثم ذكر خلاثة البحث إن شاء الله تعالى .. والله
ولي التوفيق.
*****************
وقل رب زدني علما🌸
ردحذف{ إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱشۡتَرَوُا۟ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِیمَـٰنِ لَن یَضُرُّوا۟ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ }[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١٧٧]
ردحذفاللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما
جزاك الله كل خير استاذنا الفاضل
آمين يارب العالمين
ماشاء الله لاقوة إلا بالله مدد ياالله مدد
ردحذفأسأل الله أن يعينك ويوفقك
بارك الله فيك استاذي الكريم وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد في الأولين والاخرين
ردحذفجزاك الله خيرا استاذ خالد
ردحذفاللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم
جميل ما شاء الله ربنا يعطيك الصحة يا استاذ خالد ويتقبل منك ومن الجميع آمين يا رب العالمين
ردحذفقلت (خالد صاحب الرسالة):
- في الآية نوعين من العلم حسب ما أرى:
أ- علم بيان .. وهو خبر أتاهم من الله بحرمانية فعل السحر.
ب- علم تحقيق .. وهو اتباع هذا الخبر الذي أتاهم ويلتزموا به.
- فالله أثبت لهم العلم أولا .. لأنه فعلا أخبرهم بحرمانية السحر على إلسنة أنبيائهم وفي توراتهم .. فكان هذا علم بيان وخبر ..
- ثم اتبعوا أهوائهم وتركوه وراء ظهورهم .. فما كان علمهم به تحقيقا باتباع كلام الله .. وإنما فقط مجرد بيان وخبر وصل إليهم دون تحقيق وعمل بهذا العلم.
- فقوله (لو كانوا يعلمون): أي لو كان يعلمون تحقيقا بهذا العلم في نفوسهم .. ما كانوا باعوا أنفسهم مقابل تعلم السحر وفعله ظنا منهم أنهم بذلك سيحققون منافع ومكاسب.
جزاك الله كل خير استاذنا الفاضل وأمدك بمدده وفتح عليك
ردحذف------------
يا ولدي..
إنّما النجاة بأن تنشغلَ بنفسك عن الخلق..
تُهذّب مساعيها، تُعاتِب تقصيرها، تُعاقب تَجاوزها، وتُجازي إحسانها!
إنّما النجاة بأن تراقب قلبك..
فتصلح منه ما مزّقته يد الغفلة والشهوة، وتحرس فيه مداخل الشيطان وحديث النفس!
يا ولدي..
(قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً .. الذين ضلّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً)!
إنّ الخسارة الحقيقة، أن تعمل وتَسعى في الحياة الدنيا فتظُنُّ أنّك أحسنت عملاً، وأتقنت سعياً، وتَغفل عن شِركٍ خَفيّ وهوىً متَّبع، واختلاطٍ للنوايا، وانتظارٍ للمدح ومقتٍ للذمّ، فيلتفتُ قلبك عن مراد الله من أعمالك إلى مراد نفسك! فيُصبحُ همّك رضا الناس عنك، ورأيهم في أعمالك! فتزيد بالعمل والسعي إذا أُثني عليك، وتُنقِص إذا تمّ ذمُّك!
يا ولدي..
قيل (من شهِد في إخلاصه إخلاص، فإخلاصُه يحتاج إلى إخلاص)!
إنّها رحلةٌ لن تنتهي، وإنّ المسير عند السالكين يحلو بعلاقَةٍ خاصّة بين العبد والربّ! يرجو بها وجه الله، فيمضي بين خوفٍ ورجاء!
- منقول
اللهم صل على سيدنا محمد صلاة حب موصولة من القلب إلى القلب وعلى آله وسلم
"قد نستطيع أن نمثل على بعضنا أدوارًا لبعض الوقت ..
ردحذفوقد يلبس كل واحد غير لبسه ويظهر في غير ثوبه ويرتفع إلى أعلى من منزلته
ولكن ما يلبث أن تفتضح الحقيقة ، لأن الزمن دوّار والنفس يزج بها في مأزق بعد مأزق حتى تفتضح رغم أنفها .
فلا مفر في النهاية من أن تكون نفسك وأن تظهر خبيئتك التي جاهدت طول عمرك في إخفائها ، ولا يستطيع أحد أن يمكر على الله الذي بيده ملكوت كل شيء والذي يعلم السر وأخفى ..
من كتاب : عالم الأسرار
د مصطفى محمود رحمه الله...
#العلم