ج10: قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة - متى كان زمن الإسراء والمعراج - من أين بدأت رحلة الإسراء والمعراج حسب القرآن ونصوص الحديث - لماذا لم يذكر البخاري تفاصيل رحلة الإسراء كما ذكر تفاصيل المعراج.

       بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل العاشر)

#- فهرس:

:: الفصل العاشر :: ج1/ عن مسائل ناقشها العلماء تتعلق برحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى :: 

1- س30: متى كان زمن الإسراء والمعراج من حيث السنة والشهر والليلة ؟

2- س31: من أين بدأت رحلة الإسراء والمعراج حسب القرآن ونصوص الحديث ؟

- ولماذا لم يذكر البخاري تفاصيل رحلة الإسراء كما ذكر تفاصيل المعراج ؟

*******************

:: الفصل العاشر ::

*******************

 ..:: س30: متى كان زمن الإسراء والمعراج من حيث السنة والشهر والليلة ؟ ::..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- اختلفت أقوال العلماء في تحديد موعد الإسراء .. وإن كان يغلب على الظن وما يميل إليه كثير من العلماء إلى أن حدوثه تقريبا بين العام العاشر للبعثة والعام الحادي عشر .. إلا أن تحديد اليوم والشهر فهذا هو الذي من المستحيل تحديده .. وهذا اليوم والشهر هو ما فيه اختلافا كبيرا .. ومن يقول بتحديد اليوم والشهر فإنما هي مجرد ظنون عن اجتهاد في تتبع أحداث من السيرة النبوية وبعض الآثار المروية عن بعض الصحابة والتي لم تصح .. ولكن في النهاية هذه الظنون تظل مجرد ظنون لا يقين فيها ..

 

@- وإليك مجمل ما قاله العلماء في تحديد أزمنة الإسراء والمعراج سواء كان عن تحديد السنة أو الشهر أو اليوم .

  

- أولا: قال الإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله  (المتوفى: 911 هـ):

1- فقيل: قبل البعثة، وهو شاذ .. وسبق تأويله. ولعل قائله تمسك بحديث الطبراني السابق فإنه صرح فيه أنه قبل ولادة فاطمة، وهي ولدت قبل النبوة بسبع سنين وشيء، لكن الحديث ضعيف، والأكثر أنه بعدها ثم اختلف.

 

2- وقيل: قبل الهجرة بسنة: قاله ابن مسعود، وجزم به النووي وقيل: قبلها بثمانية أشهر، حكاه ابن الجوزي.

 

3- وقيل: بستة أشهر، حكاه أبو الربيع بن سالم.

4- وقيل: بأحد عشر شهرا، قاله ابراهيم الحربي، ورجحه الى ابن المنير.

5- وقيل: بخمسة عشر شهرا، حكاه ابن فارس.

6- وقيل: بسبعة عشر شهرا، قاله السدي.

7- وقيل: بثمانية عشر، حكاه ابن عبدالبر.

8- وقيل: بعشرين.

9- وقيل: بثلاث سنين، حكاه ابن الأثير.

10- وقال الزهري: بخمس، حكاه عنه القاضي عياض، ورجحه بالاتفاق على أن خديجة صلت معه بعد فرض الصلاة، وأنها ماتت قبل الهجرة بثلاث أو خمس ولا خلاف أن فرضها ليلة الاسراء، وأجيب بأن الصلاة التي صلتها معه هي التي كانت أول البعثة لركعتين بالغداة وركعتين بالعشي.

 

11- وقيل: كان بعد البعثة بخمس سنين.

12- وقيل: بخمسة عشر شهرا.

13- وقيل: بعام ونصف وأما الشهر الذي كان فيه فالذي رجحه ابن المنير على قوله في السنة ربيع الآخر، وجزم به النووي في شرح مسلم، وعلى القول الأول في ربيع الأول، وجزم به النووي في فتاويه.

14- وقيل: في رجب وجزم به في الروضة.

15- وقال الواقدي: في رمضان.

 

16- والماوردي: في شوال، لكن المشهور أنه في رجب.

17- وأما تعيين تلك الليلة من الشهر .. فعينها ابن سعد ليلة السبت لسبع عشر من رمضان.

18- وقال ابن المنير - كالحربي: أنها ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر .. وبذلك رجح القول بأنه في ربيع الاخر قبل الهجرة بأحد عشر شهرا .. لأنه أحاط بتفصيل القضية وحررها بخلاف غيره.

 

#- ونقل الإمام السيوطي شرح بن المنير لطريقة استنباط تاريخ الإسراء .. حتى قال بن المنير:

- حينئذ "أي شهر ربيع الآخر" فالسابع والعشرون منه الاثنين .. وهو اليوم الذي أسفرت ليلة الاسراء عنه إن شاء الله، وحينئذ يوافق كون مولده يوم الاثنين (ومبعثه يوم الاثنين. وكذا هجرته ووفاته، فإن هذه الخمسة أطوار الانتقالات النبوية) واتفق على أربعة منها أنها يوم الاثنين، فيقرب جدا في الخامس أن يكون اسوتها وتكون يوم الاثنين في حقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كيوم الجمعة في حق آدم عليه السلام، فإنه فيه خلق، وفيه نزل الى الأرض، وفيه تيب عليه، وفيه مات. (راجع كل الأقوال السابقة في كتاب السيوطي الآية الكبرى في شرح قصة الاسراء ص23-24 – مختصرا في كلام بن المنير).

 

#- ثانيا: بعض الآراء التي ذكرت شهر رجب لكونه محلا للإسراء والمعراج:

1- قال الإمام مقاتل بن سليمان رحمه الله (المتوفى:150 هـ) في تفسير أول سورة الإسراء:

- (الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) في رجب يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- (لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) يعني بيت المقدس .. قبل الهجرة بسنة وفرضت عليه الصلوات الخمس تلك الليلة. (تفسير مقاتل بن سليمان ج2 ص513 طبعة دار احياء التراث).

 

2- ذكر الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي رحمه الله (المتوفى:600 هـ) في سيرته:

- حديثا لا يصح سنده أن الإسراء كان ليلة السابع والعشرين من رجب . (ذكر ذلك بن كثير في البداية والنهاية ج3 ص109 طبعة دار الفكر).

 

3- ذكر الإمام النووي رحمه الله (المتوفى: 676 هـ):

- فرض الله تعالى من قيام الليل ما ذكره في أول سورة المزمل، ثم نسخه بما في أواخرها .. ثم نسخه بإيجاب الصلوات الخمس ليلة الإسراء بمكة بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر ليلة سبع وعشرين من رجب .. وكان - صلى الله عليه وسلم - مأمورا بالصلاة إلى بيت المقدس مدة مقامه بمكة وبعد الهجرة ستة عشر شهرا أو سبعة عشر، ثم أمره الله تعالى باستقبال الكعبة. (روضة الطالبين ج10 ص206).

 

#- ولكن الإمام النووي كان له رأيا آخر في فتاويه إذ قال رحمه الله:

- وكان الِإسراء .. سنة خمس أو ست من النبوة .. وقيل سنة اثنتي عشرة منها، وقيل بعد سنة وثلاثة أشهر منها، وقيل غير ذلك ..

- وكانت ليلةَ السابع والعشرين من شهر ربيع الأول..، وكان الِإسراء به - صلى الله عليه وسلم - مرتين: مرة في المنام..، ومرة في اليقظة. (فتاوى النووي ص37).

 

#- ثالثا: بعض الآثار التي استند لها البعض في اثبات تاريخ الإسراء:

1- وفي (أثر ضعيف) .. قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عُثْمَان، عَن سعيد بن ميناء، عن جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا: (وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَفِيه بعث، وَفِيه عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء، وَفِيهِ هَاجَرَ، وَفِيهِ مَاتَ) ذكره بن كثير في كتابه البداية والنهاية ج3 ص109 طبعة دار المعرفة .. وقال بن كثير: فيه انقطاع ..، (قلت خالد صاحب الرسالة): هذا الأثر نقله بن كثير عن ابن أبي شيبه ولم أجده في مصنفه ولا في مسنده ..!! وعموما السند الذي ذكره فيه انقطاع بين عثمان بن عثمان وبين سعيد بن ميناء .. والله أعلم .

 

2- (حديث ضعيف جدا سندا ومنكرا جدا متنا) .. روى الواقدي عن أم هانيء وجد عمرو بن شعيب وأم سلمة وعائشة وبن عباس من خلال أسانيده .. وقال: دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ. قَالُوا: (أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ) رواه ابن سعد في الطبقات .. (قلت خالد صاحب الرسالة): والحديث باطل ويكفي أن راويه هو (محمد بن عمر الواقدي) وهو متروك الحديث ومتهم بالوضع ..

- هذا بالإضافة لنكارة متن الحديث أصلا .. لأن الإسراء كان من المسجد الحرام نفسه وليس قريبا منه في شِعَب أبي طالب .. ولا يخفى سخافة ما جاء في الرواية من أن الدابة البيضاء أو البراق شمست أي نفرت وامتنعت عن أن النبي يركبها وهي التي أرسلها الله لتنقله .. !!

 

3- (حديث ضعيف جدا أو موضوع) .. عن مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ رِجَالِهِ قَالُوا: ( كَانَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ السَّبْتِ لِسَبْعَ عَشَرَةَ خَلَتْ مِنْ شهر رَمَضَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَمَانِيَةَ عَشْرَ شَهْرًا.) رواه ابن سعد في الطبقات .. (قلت خالد صاحب الرسالة): حديث موضوع وعلى أحسن ظن هو ضعيف جدا .. وفي السند (محمد بن عمر الواقدي) وهو متروك الحديث ..، وفيه (عبد الله بن أبي سبرة): وهو متروك الحديث كما قال النسائي وعن احمد أنه كان يضع الحديث وكذلك قال بن عدي .. وقال البخاري ضعيف الحديث ..

- أما عن المتن فهو باطل .. لأنه يظهر المعراج أنه تم وقت الظهر .. وأن المعراج حدث عن دعوة دعاها النبي .. وهذا غير صحيح في هذا أو ذاك .. والله أعلم .

 

4- في رواية (موضوعة أي مكذوبة) .. جاء في أولها: (كنت في بيت أم هانيء بنت أبي طالب واسمها فاخته .. ليلة الإثنين ليلة السابع والعشرين من رجب سنة ثمان من البعثة) (قلت خالد صاحب الرسالة): هذه رواية منشورة في كتاب يباع من نشر - المكتبة الثقافية بيروت لبنان "وهي النسخة المصورة والمتداولة على الإنترنت"-  تحت عنوان (الإسراء والمعراج لابن عباس) .. والبعض يسميه (بمعراج بن عباس) وهو كذب على بن عباس وعلى النبي صلى الله عليه وسلم .. وفيها من الخرافات ما فيها .. !!

 

#- خلاصة القول:

- لا يوجد تحديد لليلة الإسراء والمعراج .. والمسألة خلافية .. فضلا عن كونها مسألة فرعية ولا تفيد في شيء إلا من حيث وقتها العام لمعلومية متى تم فرض الصلاة .. وهذا معلوم اتفاقا بأن ليلة الإسراء والمعراج كانت قبل الهجرة النبوية وتقريبا في العام العاشر أو الحادي عشر من البعثة النبوية ..

 

- والخوض في هذه المسألة لا طائل وراءه .. إلا تضييع الوقت .. ورحم الله الإمام السيوطي إذ جمع لنا كل الآراء .. حتى نعلم أنه لا يوجد اتفاق .. لأنه لا يوجد معلومة ولا دليل ترشد لذلك ..!!

 

**************************

 ..:: س31: من أين بدأت رحلة الإسراء والمعراج حسب القرآن ونصوص الحديث ؟ ::..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- من المفترض أخي الحبيب أن بداية رحلة الإسراء وفق نص القرآن أنها بدأت من المسجد الحرام .. وهذا باتفاق علماء المسلمين وفق نص القرآن الذي جاء فيه: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ...) الإسراء:1.

- إذن فالمسألة منتهية .. بأن الإسراء كان من المسجد الحرام باتفاق العلماء ..

 

- ولكن هل ظهر خلاف بين العلماء ؟!!

- نعم ظهر خلاف بينهم .. ولكن في تحديد بداية المكان الذي أتى فيه جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بحدوث كرامة له من الله في رحلة هو على موعد بها .

 

- وهذا الإختلاف بسبب روايات جاءت في الأحاديث .. سببت إشكالية عند بعض العلماء في حديث بداية الإسراء .. وحاول البعض في جمع الروايات ببعضها ليصل في نهاية الأمر إلى أن الإسراء كان من المسجد الحرام .. ولكن هذا الجمع أحسبه لم يكن موفقا فيه لأنه مستحيل التوفيق بين خمسة أربعة أماكن في نفس اللحظة .. ولعل قلة التوفيق في ذلك لأن بعض الروايات كانت لا يصح الإعتماد عليها أصلا لكونها ضعيفة ..  

 

- وروايات الإسراء والمعراج نقلها جماعة من الصحابة والتابعين بما لا يحتمل شك في حدوثها .. وقيل أن رواتها أكثر من عشرين صحابي .. بين مطول في الرواية وبين مختصر .. وبين صحيح وضعيف ..

 

- والذي أحسبه من خلال تتبع الروايات .. أن من الصحيح من الروايات المطولة لا يزيد عن خمسة روايات ذكرها الصحابة .. منهم أنس بن مالك ..، ومالك بن صعصعة "ورواها عنه أنس بن مالك" ..، وأبي ذر الغفاري "ورواها عنه أنس بن مالك" ..، حذيفة بن اليمان ..، عبد الله بن عباس "وحديثه خاص بالإسراء وشيء من المعراج" .. هذا بالنسبة للرواية التي قد تجدها مطولة وصحيحة الإسناد ... وأكثر طرق الروايات في الإسراء والمعراج عن أنس بن مالك ..

 

- أما عن الروايات المختصرة عن الإسراء والمعراج .. والتي يظهر منها فقط مشاهد معينة ولا تزيد روايتها عن عدة سطور قليلة .. فنجد فيها من الصحيح والضعيف والموضوع أي المكذوب ..

 

- ولكن في الروايات الصحيحة المطولة .. ظهر في بعضها اختلافات يظهر منها التعارض لبداية رحلة الإسراء كيف تمت .. وهذا ما أحاول هنا أن أوضحه لك أخي الحبيب ..

 

- وأذكر لك هنا الإختلافات .. وسأضطر لذكر روايات من الصحيح والضعيف والمكذوب .. وذلك لحكمة التعرف على سبب اضطراب بعض العلماء في التوفيق بين الروايات ..

 

- وبداية رحلة الإسراء المكانية التي ظهرت من الروايات حسب ما جمعتها .. هي في مجملها تنحصر في ستة بدايات مختلفة كما يتبين لي من مجموع الروايات .. أذكرها لك مبتدأ في ذلك بالروايات الصحيحة ثم الضعيفة ثم الموضوعة أي المكذوبة .. بيانها كالآتي ..

 

1- البداية كانت من بيت الكعبة عند الحطيم أي حجر إسماعيل في المسجد الحرام.

أ- (حديث صحيح) ..  حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَا أَنَا عِنْدَ البَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ، وَاليَقْظَانِ - وَذَكَرَ: يَعْنِي رَجُلًا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ -، فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ البَطْنِ، ثُمَّ غُسِلَ البَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، وَأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ، دُونَ البَغْلِ وَفَوْقَ الحِمَارِ: البُرَاقُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا: افْتَحْ .. قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ) صحيح البخاري ومسلم.

 

ب- وفي (حديث صحيح) .. بنفس السند السابق ولكن أتت بلفظ:  (أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ: " بَيْنَمَا أَنَا فِي الحَطِيمِ، - وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الحِجْرِ - مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَدَّ ..، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ - فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ - فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ البَغْلِ، وَفَوْقَ الحِمَارِ - أَبْيَضَ، - فَقَالَ لَهُ الجَارُودُ (التابعي الذي يروي عن أنس): هُوَ البُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ (وهي كُنية أنس بن مالك) ؟ قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ - يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ .. فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ .. فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ .. فَقِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ ....) صحيح البخاري.

 

#- انتبه: هذه الرواية والرواية السابقة بنفس السند .. ولكن مرة ظهر فيها (ليلة أسري بي) ومرة اختفت هذه الجملة من الرواية الأولى ..، ومرة وهو مضطجعا أي مستعدا للنوم على جنبه .. ومرة وهو بين اليقظة والنوم وهذا وصف لحال الإضطجاع .. وكلتا الروايتين لم يتم فيهما ذكر الإسراء للمسجد الأقصى بل تم ذكر العروج مباشرة .. ولكن أحد الروايتين قد أشار إلى أن المعراج تم ليلة الإسراء "وهي الرواية الثانية" .. ولكن لم تظهر لنا ما الذي حدث في هذا الإسراء ..!!

 

#- من معاني الرواية:

- قوله (مضطجعا): أي أخذ وضعية النوم بالجلوس على جنبه مستعدا للنوم .. إلا أنه لم يستغرق في النوم بل كان بين اليقظة والنوم ..

 

- قوله (أتاني آت فقدَّ): فقدَّ أي فشق ..

 

- قوله (الحَطِيمِ أو الحِجْرِ): هو المكان المرفق بالكعبة على هيئة سور صغير على شكل نصف دائرة ويسمى بحجر اسماعيل .. وسمي حطيم لأنه كان من جملة الكعبة ولكنه تحطم ولم يعاد بناءه ولكن تم تحديد باقي المكان بسور لتحديد أن هذا كان من الكعبة .. وسمي حجر لأنه مسور بحجارة .. والله أعلم .

 

- قوله (ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ): أي من أول نهاية الرقبة مع ملتقى الصدر من عند الترقوة .. إلى أول شعر العانة أي أسفل سرة البطن.

 

- قوله (قَصِّهِ): أي من صدره .

 

- قوله (بطست من ذهب): وهو مثل وعاء ودائرى .. وقوله من ذهب هذه خصوصية للملائكة ولا علاقة لها بالتشريع .. وإن كان البعض قال بأن هذا حدث قبل تحريم الذهب .. ولكن الأول أصح.

 

- قوله (البُرَاقُ): وهو دابة أكبر من الحمار وأصغر من البغل .. كأنه من فصيلة الفرس .. وسمى براق لأن لونه أبيض أو لشدة سرعتة الفائقة كالبرق .

 

- قوله (خطوة عن أقصى طرفه): أي منتهى بصره هو خطوته .. أي تقع يداه عند منتهى بصره .. فإذا مثلا كان يرى بعينه على مسافة مائتي متر فتكون خطوته تقطع هاتين المائتي متر بخطوة .

 

- قوله (فَحُمِلْتُ عليه): فيه دلالة أنه تم رفع النبي بواسطة جبريل ليركب على البراق .. ولعل ذلك تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم وليس استصعابا كما جاء في بعض روايات فيها ضعف.

 

- قوله (فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا): بسبب هذا اللفظ أشار بعض العلماء إلى أنه حدث معراجين .. لأن الأصل هو الصعود بالمعراج أي بسلم أو ما شابه ذلك وليس بالبراق ..، ولكن هنا قول جيد ذكره الإمام بن حجر رحمه الله عند هذه الجزئية: "فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا" وفي سياقه أيضا حذف تقديره حتى أتى بي بيت المقدس ثم أتى بالمعراج كما في رواية ثابت عن أنس رفعه أتيت بالبراق فركبته حتى أتى بي بيت المقدس فربطته ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم عرج بي إلى السماء. (فتح الباري ج13 ص481-482).

 

ج- وفي (حديث صحيح – اعترض عليه بعض العلماء لمخالفته في بعض أجزاءه لروايات أخرى قيلت عن أنس بن مالك وأهم المخالفات جعل الاسراء والمعراج نوما) .. عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: (لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِدِ الكَعْبَةِ، أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ .. فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ، فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ، فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى .. فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَتَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُهُمْ .. فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ .. فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ، فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ .. فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِيَدِهِ، حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ .. ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ .. مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً، فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ - يَعْنِي عُرُوقَ حَلْقِهِ - ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا .. فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا فَنَادَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ جِبْرِيلُ: قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مَعِيَ مُحَمَّدٌ ...) صحيح البخاري.

 

- وجاء في آخر تلك الرواية السابقة: (وَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي مَسْجِدِ الحَرَامِ) صحيح البخاري.

 

- قوله (قبل أن يوحى إليه): أي قبل أن يُلهم بأنه في موعد مع هذه الرحلة المباركة .. والتي علمها في ليلة أخرى .. ولكن لو كان المقصد قبل نزول الوحي على النبي فهذا كلام خطأ ولذلك اعترض وأنكر بعض العلماء على هذه الجزئية .. ولكن البعض فسرها بالإلهام عن موعد رحلة الإسراء ..

 

#- ملحوظة: وهذه الرواية لم تذكر حديث الإسراء للمسجد الأقصى .. وذكرت المعراج .. وإنما أشارت أن المعراج حدث ليلة الإسراء ..

 

د- (حديث مكذوب على بن عباس وعلى النبي) .. روى السدي عن محمّد بن السائب عن باذان عن ابن عبّاس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: دخل كلام بعضهم في بعض قالوا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لما كانت ليلة أسري بي وأنا بمكة بين النائم واليقظان ......) ذكره الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان ج6 ص56.. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث موضوع ومجموع من عدة أحاديث أخرى تجمع بين الصحيح والمكذوب .. وفي السند كذابان أحدهما (محمد بن مروان – السدي) وهو متهم بالكذب .. والآخر (محمد بن السائب) وهو متهم بالكذب ..

 

#- ومما جاء في تلك الرواية المكذوبة على النبي وعلى بن عباس:

- (فإذا أنا بالبراق- دابة فوق الحمار ودون البغل- خدّه كخد الإنسان وذنبه كذنب البعير وعرفه كعرف الفرس وقوائمه كقوائم الإبل وأظلافه كأظلاف البقر وصدره كأنه ياقوتة حمراء وظهره كأنه درة بيضاء .. عليه رحل من رحائل الجنة، وله جناحان في فخذيه يمر مثل البرق خطوة منتهى طرفه ..)

 

- (فبينما أنا أسير في السماء الدنيا إذ رأيت ديكا له زغب أخضر ورأس أبيض بياض ريشه كأشد بياض ما رأيته قط .. وزغب أخضر تحت ريشه كأشد خضرة ما رأيتها قط وإذا رجلا في تخوم الأرض السابعة السفلى ورأسه عند العرش مثنيّ عنقه تحت العرش له جناحان من منكبيه إذا نشرهما جاوز المشرق والمغرب فإذا كان في بعض [الميل] نشر جناحيه وخفق بهما، وصرخ بالتسبيح لله عزّ وجلّ يقول "سبحان الملك القدوس الكبير المتعال لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" ..، فإذا فعل ذلك سبّحت ديكة الأرض كلها وخفقت بأجنحتها وأخذت في الصراخ فإذا سكن ذلك الديك في السماء سكنت ديكة الأرض كلها، ثمّ إذا هاج بنحو ما فعلوا في السماء صاحت ديكة الأرض جوابا له بالتسبيح لله عزّ وجلّ بنحو قوله.

- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لم أزل منذ رأيت ذلك الديك مشتاقا إليه أن أراه ثانية) .. .

- (قال: ثمّ مررت بملك نصف جسده مما يلي رأسه نار والنصف الآخر ثلج وما بينهم رتق، فلا النار يذيب الثلج ولا الثلج يطفئ النار، وهو قائم ينادي بصوت له حسن رفيع: اللهم مؤلف بين الثلج والنار ألف بين قلوب عبادك المؤمنين.

فقلت: يا جبرئيل من هذا؟ قال: ملك من الملائكة يقال له حبيب .. وكلّه الله بأكناف السماوات وأطراف الأرضين). (أكتفي بهذا النقل من الرواية المكذوبة – والحديث الخاص بالديك هو كذب على النبي صلى الله عليه وسلم).

 

2- البداية كانت من بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

- (حديث صحيح) .. عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فُرِجَ سَقْفِي وَأَنَا بِمَكَّةَ .. فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .. فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ .. ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا .. فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ .. ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا) صحيح البخاري ومسلم.

 

- وفي رواية عن أبي ذر الغفاري بلفظ: (فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ..) صحيح البخاري.

 

#- ملحوظة: هذه الرواية أيضا لم يظهر منها إسراء النبي للمسجد الأقصى .. وإنما ذُكر المعراج فقط ..

 

3- البداية كانت من بيت أم هانيء وهي "خافتة" ابنة عم النبي وأخت علي بن أبي طالب.

أ- (حديث سنده ضعيف جدا – ومتنه منكر جدا) .. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ بَاذَامَ، عَنْ أُمِّ هَانِئِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، فِي مَسْرَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: (مَا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهُوَ فِي بَيْتِي نَائِمٌ عِنْدِي تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ نَامَ وَنِمْنَا، فَلَمَّا كَانَ قُبَيْلَ الْفَجْرِ أَهَبَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ قَالَ: «يَا أُمَّ هَانِئٍ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَكُمُ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ كَمَا رَأَيْتِ بِهَذَا الْوَادِي، ثُمَّ جِئْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَلَّيْتُ فِيهِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْغَدَاةِ مَعَكُمُ الْآنَ كَمَا تَرَيْنَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أُسْرِيَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَفِيهِ كَانَ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ) رواه الطبري في تفسيره واللفظ له وأبو يعلى في مسنده وابن سعد في الطبقات والطبراني في الكبير وابن هشام في سيرته عن ابن اسحاق مرسلا .. (قلت خالد صاحب الرسالة): وجميع طرق الحديث ضعيفة جدا .. فعند الطبري يوجد في سنده (بن حميد الرازي) وهو ضعيف جدا ، وفيه (محمد بن السائب الكلبي) وهو متروك الحديث، وفيه (باذام مولى أم هانيء) ضعيف الحديث ..، وعند أبو يعلى في سنده (محمد بن اسماعيل الوساوسي) متهم بالوضع والبعض اكتفى بتضعيفه ..، وعند الطبراني في سنده (عبد الأعلى بن أبي المساور) وهو متروك الحديث ..، وعند ابن سعد في سنده (محمد بن عمر الواقدي) وهو متروك الحديث .

 

#- هذا بالإضافة إلى وجود نكارة في متن الحديث .. وهي صلاة العشاء ولم تكن الصلاة قد فُرضت .. وكذلك نومه في بيت أم هانيء وهذا ما لا نعلم سببه .. ويظن البعض أنه كان نائما في منزلها بوجود وحضور كلا من عمَّيه حمزه وجعفر .. فضلا عن أن الإسراء تم من المسجد الحرام وليس من بيتها ..!!

 

ب- (أثر غير صحيح وباطل): وقال ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (أُسْرِيَ بهِ مِنْ بَيْتِ أُمِّ هَانِئ بنْتِ أبي طَالِبٍ أُخْتِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ ، وَالْحَرَمُ كُلُّهُ مَسْجِدٌ) ذكره أبو بكر الحداد في تفسيره المسمى "كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل" .. (قلت خالد صاحب الرسالة): لم أجد أي سند لهذه الرواية بهذا اللفظ ..، ولكن الجزء الأخير (والحرم كله مسجد) هو الذي له سند .. وأتى بسند عن يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَزْوِينِيُّ ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ ثنا سُفْيَانُ "الثوري"  الرُّكَيْنِ "بن الربيع" عَنْ مُجَاهِدٍ "بن جبر" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:  (الْحَرَمُ كُلَّهُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره .. (قلت خالد صاحب الرسالة): السند فيه انقطاع لأن (الركين بن الربيع) لم يقابل مجاهد لأنه ليس من مشايخه .. ولم يظهر لي أنه من تلامذته مجاهد بن جبر .. فكيف نقل الركين الخبر عن مجاهد ؟!!  ..، ويوجد خطأ في شيخ أبو حاتم وهو (يحيى) إذ أن اسم أبيه (عبد الأعظم) وليس (عبد الله) .. فلزم التنويه.. والله أعلم .

 

ج- في رواية (موضوعة أي مكذوبة) .. عن ابن عباس وجاء في أولها: (كنت في بيت أم هانيء بنت أبي طالب واسمها فاخته .. ليلة الإثنين ليلة السابع والعشرين من رجب سنة ثمان من البعثة وكان عند فاطمة الزهراء رضي الله عنها وعمرها تسع سنين ولم تكن تزوجت بعلي رضي الله عنه لأنه تزوجها بالمدينة المنورة .. وإذا بالباب قد طرقه طارق .. فخرجت فاطمة لترى من بالباب فرأت شخصا عليه الحلى والحلل وله جناحان أخضران قد سد بهما المشرق والمغرب وعلى رأسه تاج مرصع بالدر والجوهر مكتوب على جبينه لا إله إلا الله محمد رسول الله .. فقالت فاطمة: ما تريد ؟ قال : أريد محمد صلى الله عليه وسلم.. فرجعت ودخلت على رسول الله وقالت يا أبت بالباب شخص قد هالني وأفزعني ما رأيت مثله أصلا .. قال لي: أريد محمدا ..، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم - فلما رآه فإذا به جبريل عليه السلام فقال: الصلاة والسلام عليك يا حبيب الحق وسيد الخلق .. قال: فقلت يا جبريل .. أوحي نزل أم وعد حضر أم أمر حدث ؟ ..، قال: يا حبيبي قم والبس ثيابك وسكن قلبك ......إلى آخر الرواية التي تزيد عن خمسون صفحة ..!!) (قلت خالد صاحب الرسالة): هذه رواية منشورة في كتاب يباع من نشر - المكتبة الثقافية بيروت لبنان "وهي النسخة المصورة والمتداولة على الإنترنت"-  تحت عنوان (الإسراء والمعراج لابن عباس) .. والبعض يسميه (بمعراج بن عباس) وهو كذب على بن عباس وعلى النبي صلى الله عليه وسلم .. وفيها من الخرافات ما فيها .. !!

 

#- ومما جاء في تلك الرواية المكذوبة على النبي وراويها بن عباس:

- (فإذا بالبراق قائما وجبريل يقوده وإذا هو دابة لا تشبه الدواب- فوق الحمار ودون البغل- له وجه كوجه ابن آدم .. وجسده كجسد الفرس وهو دابة خير من الدنيا وما فيها .. عرفها من اللؤلوء الرطب .. منسوج بقضبان الياقوت يلمع بالنور .. وأذناها من الزمرد الأخضر .. وعيناها مثل كوكب دري يوقد لها شعاع كشعاع الشمس .. شهباء بلاء (أي بيضاء فيها بعض السواد) عليها جل (أي السرج الذي يجلس عليه الشخص) مرصع بالدر والجواهر .. لا يقدر على وصفها إلا الله تعالى .. نفسها كنفس ابن آدم ..)

 

- (وإذا أنا بملك نصفه من ثلج ونصفه من نار ، فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفئ النار ، له ألف رأس ، في كل رأس ألف وجه ، في كل وجه ألف ألف فم ، في كل فم ألف ألف لسان يسبح الله تعالى بألف ألف لغة لا يشبه بعضها بعضا ، من جملة تسبيحه يقول : سبحان من ألَّفَ بين الثلج والنار ، يا من ألَّفَ بين الثلج والنار ، ألِّف بين قلوب عبادك المؤمنين ، والملائكة تقول آمين .. فقلت : من هذا يا أخي جبريل ، قال : هذا الملك المكفل بأكتاف السماوات ، وهو أنصح الملائكة لبني آدم).

 

- (ثم رأيت ملكاً عظيم الخلقة والمنظر ، قد بلغ قدمه تخوم الأرض السابعة ، ورأسه تحت العرش ، وهو جالس على كرسي من نور ، والملائكة بين يديه وعن يمينه وعن شماله ينتظرون أمر الله عز وجل ، وعن يمينه لوح ، وعن شماله شجرة عظيمة ، إلا أنه لم يضحك أبداً ، فقلت : يا أخي يا جبريل من هذا ؟ فقال : هذا هاذم اللذات ومفرق الجماعات ، ومخرب البيوت والدور ، ومعمر القبور ، وميتم الأطفال ومرمل النساء ، ومفجع الأحباب ومغلق الأبواب ، ومسود الأعتاب وخاطف الشباب ، هذا ملك الموت عزرائيل). (نكتفي بهذا النقل من الرواية المكذوبة).

 

4- البداية من شِعب أبي طالب .. وهو وادي يقع بين جبلين .. وهذا الوادي قريب من المسجد الحرام.

- (حديث ضعيف جدا سندا ومنكرا جدا متنا) .. روى الواقدي عن أم هانيء وجد عمرو بن شعيب وأم سلمة وعائشة وبن عباس من خلال أسانيده .. وقال: دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ. قَالُوا: (أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ. مِنْ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى بيت المقدس. قال رسول الله. ص: حُمِلْتُ عَلَى دَابَّةٍ بَيْضَاءَ بَيْنَ الْحِمَارِ وَبَيْنَ الْبَغْلَةِ فِي فَخْذَيْهَا جَنَاحَانِ تَحْفِزُ بِهِمَا رِجْلَيْهَا. فَلَمَّا دَنَوْتُ لأَرْكَبَهَا شَمَسَتْ فَوَضَعَ جِبْرِيلُ يَدَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهَا ثُمَّ قَالَ: أَلا تَسْتَحْيِينَ يَا بُرَاقُ مِمَّا تَصْنَعِينَ؟ .....) رواه ابن سعد في الطبقات .. (قلت خالد صاحب الرسالة): والحديث باطل ويكفي أن راويه هو (محمد بن عمر الواقدي) وهو متروك الحديث ومتهم بالوضع ..

- هذا بالإضافة لنكارة متن الحديث أصلا .. لأن الإسراء كان من المسجد الحرام نفسه وليس قريبا منه في شِعَب أبي طالب .. ولا يخفى سخافة ما جاء في الرواية من أن الدابة البيضاء أو البراق شمست أي نفرت وامتنعت عن أن النبي يركبها وهي التي أرسلها الله لتنقله .. !!

#- قال أحد الأفاضل المجتهدين في تحقيقي روايات الإسراء والمعراج وهو محمود بن أحمد أبو مسلم: "و أصحّ روايات الإسراء لم تذكر شيئا من استصعاب البراق على رسول الله صلّى الله عليه وسلم". (الإسراء والمعراج دراسة حديثية فقهية ص26).

 

#- (حديث صحيح – وفيه نكارة) .. عن معمر عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالْبُرَاقِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مُسَرَّجًا مُلَجَّمًا لِيَرْكَبَهُ، فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ .. فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى هَذَا ؟ فَوَاللهِ مَا رَكِبَكَ أَحَدٌ قَطُّ أَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنْهُ .. فَارْفَضَّ (أي سال) عَرَقًا) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين.. (قلت خالد صاحب الرسالة): رواية معمر عن قتادة لا تقبل منفردة ولا متابعة له في هذه الرواية حسب ما أعلم .. وسبب عدم قبولها هو ما قال الدارقطني وغيره : أن معمر سيء الحفظ عن قتادة والأعمش. "نقلاً عن ابن رجب (( شرح العلل )) ج2 ص698 ..، وأنصحك بقراءة بحث كتبه الدكتور حسن محمد عبه جي تحت عنوان " معمر بن راشد ومرويات البصريين عنه في الصحيحين" كتاب إلكتروني على شبكة الإنترنت من انتاجات شبكة الألوكة .. وكذلك مراجعة بحث الإسراء والمعراج دراسة حديثية فقهية للفاضل محمود بن أحمد أبو مسلم كتاب إلكتروني على شبكة الإنترنت من انتاجات شبكة الألوكة.. كلا الكتابين يتم تحميلهم مجانا من موقع شبكة الألوكة..

 

- وعلى افتراض لو صح السند .. فالرواية فيها نكارة لبعض ألفاظه وهي استصعاب ركوب البراق إذا لا يعقل أن يرسل الله لنبيه ما يستصعب عليه .. هذا فضلا عن مخالفة هذه الرواية لما في الصحيحين من أن النبي تم حمله ورفعه على البراق .. وهذا الأليق بتشريفه والأفهم للعقل.

 

- ومن غرائب ما نلاحظة في روايات بن سعد عن شيخه الواقدي .. أن الواقدي مرة روى عن أم هانيء أن الإسراء كان من شِعَب أبي طالب .. وبعدها مباشرة روى أن أم هانيء قالت أن الإسراء كان من منزلها ..!! وكلا الروايتين ذكرهما بن سعد في الطبقات .. وكلتاهما مخالف للآخر .. وكلا من الروايتين باطل لم يصح .. !!

 

- وبعض العلماء كالإمام بن حجر رحمه الله حاول الجمع بين الروايتين فقال ما معناه أن لعل بيت أم هانيء كان في شعب مكة .. ولو افترضنا ذلك فلماذا لم تقل أنه كان في بيتها في الرواية السابقة .. يعني تذكرت تاريخ الإسراء ولم تتذكر انها كان في بيتها ..!! ولماذا باقي الصحابة الذين نقل عنهم الواقدي كما زعم وهم أربعة صحابة بخلاف أم هانيء لم يذكروا أنه كان في بيت أم هانيء ..!! ثم ما علاقة شعب أبي طالب بالإسراء أصلا إذا كانت لا علاقة للشِعَب بالمسجد الحرام .. فكيف تم الإسراء بالنبي من شِعَب أبي طالب والمفروض يكون من المسجد الحرام ..؟!!

 

5- البداية كانت بين المقام وزمزم .. وكانت معراجا منفردا فقط ووقت الظهر ..!!

- (حديث ضعيف جدا أو موضوع) .. مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ رِجَالِهِ قَالُوا: ( كَانَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ السَّبْتِ لِسَبْعَ عَشَرَةَ خَلَتْ مِنْ شهر رَمَضَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَمَانِيَةَ عَشْرَ شَهْرًا. وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَائِمٌ فِي بَيْتِهِ ظُهْرًا. أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ فَقَالا: انْطَلِقْ إِلَى مَا سَأَلْتَ اللَّهَ. فَانْطَلَقَا بِهِ إِلَى مَا بَيْنَ الْمَقَامِ وَزَمْزَمَ (أي داخل الحرم بين بئر زمزم ومقام إبراهيم) .. فَأُتِيَ بِالْمِعْرَاجِ فَإِذَا هُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ مَنْظَرًا. فَعَرَجَا بِهِ إِلَى السماوات سَمَاءً سَمَاءً. فَلَقِيَ فِيهَا الأَنْبِيَاءَ. وَانْتَهَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. وَأُرِيَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ. قَالَ رَسُولُ الله. صلى الله عليه وسلم: ولما انْتَهَيْتُ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ لَمْ أَسْمَعْ إِلا صَرِيفَ الأَقْلامِ. وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَنَزَلَ جبريل عليه السلام .. فَصَلَّى بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَوَاتِ فِي مَوَاقِيتِهَا) رواه ابن سعد في الطبقات .. (قلت خالد صاحب الرسالة): حديث موضوع وعلى أحسن ظن هو ضعيف جدا .. وفي السند (محمد بن عمر الواقدي) وهو متروك الحديث ..، وفيه (عبد الله بن أبي سبرة): وهو متروك الحديث كما قال النسائي وعن احمد أنه كان يضع الحديث وكذلك قال بن عدي .. وقال البخاري ضعيف الحديث ..

- أما عن المتن فهو باطل .. لأنه يظهر المعراج أنه تم وقت الظهر .. وأن المعراج حدث عن دعوة دعاها النبي .. وهذا غير صحيح في هذا أو ذاك .. والله أعلم .

 

6- البداية غير محددة المكان .. أي روايات بدات بسرد القصة دون تحديد المكان.

أ- (حديث صحيح) .. حدثنا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ»، قَالَ: «فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ»، قَالَ: «فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ»، قَالَ " ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ .. ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ ... إلى آخر الرواية التي جمعت معها حديث المعراج كاملا) صحيح مسلم.

 

#- ملحوظة: هذه الرواية هي الوحيدة التي جمعت بين الإسراء والمعراج بصورة مستقيمة ومقبولة في حديث طويل .. وتسمى رواية (ثابت البناني) لأنه الذي رواها عن أنس بن مالك .. ولكن في هذه الرواية لم يظهر مكان الإسراء وذلك لمعلومية أن الإسراء كان من البيت الحرام وهو الكعبة ..

 

- أما عن جزئية شق الصدر .. فتم ذكرها في رواية أخرى أيضا عن ثابت البناني راوي الحديث السابق عن أنس بن مالك ولكن من طريق سند آخر .. وجاء فيها الآتي:

- جاء في (حديث صحيح) يكمل الرواية السابق وقد جاء فيه .. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُتِيتُ فَانْطَلَقُوا بِي إِلَى زَمْزَمَ، فَشُرِحَ عَنْ صَدْرِي، ثُمَّ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُنْزِلْتُ) صحيح مسلم.

- هذا استكمال للرواية السابقة لجزئية لم تذكر فيها وهي شق الصدر قبل الإسراء .. وقد ذكرتها لك اخي الحبيب لتنتبه إلى أن الروايات تكمل بعضها .. فانتبه .

 

ب- (حديث صحيح) .. أتى ذكر الإسراء في رواية أخرى دون تحديد مكان البداية .. وهي ما جاء عن  سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ (أي بيت المقدس) .. بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ أَخَذَ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، وَلَوْ أَخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ) صحيح البخاري.

 

ج- (حديث حسن – وفيها إشكال بأن النبي لم يصلي ببيت المقدس) .. عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: (أَتَيْتُ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: فَانْطَلَقْتُ ـ أَوْ انْطَلَقْنَا ـ حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَمْ يَدْخُلَاهُ ...) رواه أحمد والترمذي .. وقال محققو المسند: إسناده حسن.

 

#- الملاحظ في كل الروايات السابقة .. أنه لم يتم ذكر تحديد بداية الإسراء .. وكأن رواتها تركوا ذلك لمفهومية المكان بأنه كان من المسجد الحرام حسب نص القرآن في آية الإسراء .. والله أعلم ..

 

@- ويوجد رواية مكذوبة على النبي .. لم تشير أيضا لمكان بداية الإسراء .. وأذكرها لك لتكون على علم بها:

#- (حديث موضوع أي مكذوب) .. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى الرَّقِّيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الرَّهَاوِيُّ، ثنا أَبُو قَتَادَةَ الْحَرَّانِيُّ، ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (كُنْتُ أَرَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ فَاطِمَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَرَاكَ تَفْعَلُ شَيْئًا مَا كُنْتُ أَرَاكَ تَفْعَلُهُ مِنْ قَبْلُ فَقَالَ لِي: «يَا حُمَيْرَاءُ (يقصد بها عائشة)، إِنَّهُ لَمَّا كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَوَقَفْتُ عَلَى شَجَرَةٍ مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ لَمْ أَرَى فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً هِيَ أَحْسَنُ مِنْهَا حُسْنًا، وَلَا أَبْيَضَ مِنْهَا وَرَقَةً، وَلَا أَطْيَبَ مِنْهَا ثَمَرَةً فَتَنَاوَلْتُ ثَمَرَةً مِنْ ثَمَرَتِهَا فَأَكَلْتُهَا فَصَارَتْ نُطْفَةً فِي صُلْبِي، فَلَمَّا هَبَطْتُ الْأَرْضَ وَاقَعْتُ خَدِيجَةَ فَحَمَلَتْ بِفَاطِمَةَ، فَإِذَا أَنَا اشْتَقْتُ إِلَى رَائِحَةِ الْجَنَّةِ شَمَمْتُ رِيحَ فَاطِمَةَ .. يَا حُمَيْرَاءُ: إِنَّ فَاطِمَةَ لَيْسَتْ كَنِسَاءِ الْآدَمِيِّينَ وَلَا تَعْتَلُّ كَمَا يَعْتَلُّونَ) رواه الطبراني في الكبير.. (قلت خالد صاحب الرسالة): وفي السند (عبد الله بن يحيى بن سعيد الرقي) مجهول ..، وفيه (عبد الله بن واقد وهو أبو قتادة الحراني) وهو ضعيف جدا وقد تركوا حديثه ..

- أما عن متن الحديث فهو موضوع بكل تأكيد .. لأن فاطمة كانت ولادتها قبل النبوة أصلا .. والإسراء حدث للنبي بعد وفاة السيدة خديجة ..!!

 

#- وهذه الروايات السابقة .. ذكرتها بالرغم من كونها مكذوبة .. وذلك لأنه يتم ذكرها أو الإشارة إليها في بعض كتب السيرة والتفاسير ويقال عنها أن الإسراء كان من بيت خديجة رضي الله عنها .. ولذلك ذكرتها لتنتبه إليها حتى إذا وجدتها في كتاب فتفهم أنها رواية مكذوبة وغير صحيحة ..

 

#- خلاصة القول:

1- أن مجمل الروايات التي تكلمت عن بداية تحديد مكان الإسراء .. قد أتت هذه الروايات على خمس بدايات كما سبق وأوضحنا .. منهم خمسة بدايات ذكرت أماكن بداية الحدث .. ومن هذه الروايات لم يصح إلا بدايتين فقط وهما البداية من الحطيم أو الحجر .. والبداية من بيت النبي .. وما عدا ذلك فباطل ولا يلتفت إليه كحديث الإسراء من شِعَب أبي طالب أو من بيت أم هانيء ..

 

- ومن ناحية أخرى .. وجدت من الروايات أيضا ما لم يحدد مكان بداية التقاء جبريل بالنبي وبدأ بسرد الإسراء مباشرة .. منها ما هو صحيح ومنها ما هو موضوع واكتفيت بحديث واحد موضوع أي مكذوب وهو ما قد تجده في بعض كتب السيرة وذلك حتى تنتبه لوجود مثل هذه الروايات.

 

2- قد رتبت بدايات رحلة الإسراء .. حتى لا تتوه بين الروايات .. ولتستوعب كل ما تقرأه في كتب السيرة أو التفسير حينما يشيروا إلى رواية معينة مشهورة ستجدها فيما سبق .. وتستطيع التمييز بين ما هو صحيح وضعيف .. وكذلك لتعرف ما قالته تلك الروايات بصورة مبسطة عن بداية قصة الإسراء ..

 

#- ملحوظة هامة جدا:

- ليس أن البخاري لم يذكر في الروايات المطولة سوى المعراج فقط .. فهذا ليس معناه أنه لم يذكر الإسراء في روايات أخرى .. لا .. فقد ذكر روايات مختصرة للإسراء منها:

- جاء في (حديث صحيح) .. جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ "حِينَ أُسْرِيَ بِي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ" قُمْتُ فِي الْحِجْرِ، فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَطَفِقْتُ (أي فأخذت) أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ) صحيح البخاري..، (قلت خالد صاحب الرسالة): جزئية (حِينَ أُسْرِيَ بِي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ) من طريق آخر في البخاري وكلاهما عن جابر بن عبد الله .. فجمعتهما في رواية واحدة للتسهيل على القاريء.

 

- ولعل سبب عدم ذكر البخاري لجزئية الإسراء مع المعراج .. فذلك لأنه يذكر ما بلغه من الخبر .. ولعل اهتمامه كان في تحقيق المعراج على وجه الخصوص لإبهامه في سورة النجم وعدم وضوحه في سورة الإسراء .. ولذلك اهتم بذكر المعراج على وجه الخصوص لثبوته وتحقيق حدوثه .. ولعل كان له ظن بأن المعراج حدث مرتين في اليقظة والمنام .. والله أعلم .

 

#- وهنا سؤال بعد كل ما سبق في هذا السؤال .. كيف نجمع بين الروايتين الصحيحتين التي بدأتا قصة حادثة الإسراء مرة من بيت النبي ومرة من الحطيم أو الحجر ؟!!

- وهذا نناقشة في الفصل القادم إن شاء الله مع مسائل أخرى تتعلق بالإسراء .. والله ولي التوفيق.

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .