ج8: رسالة التعريف بعقد الشيطان وحقيقة سحرة الجان - هل جاء في القرآن خبر عن وجود الغيلان سحرة الجن - كيف نفهم تفسير قوله تعالى: (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ) - التزوير في كتابة العلم الديني لتلفيق وجود الغيلان في آيات القرآن .

       بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

التعريف بعقد الشيطان وحقيقة سحرة الجان 

من السعالي والغول وأم الصبيان

و هل يستطيع الشيطان عمل السحر للإنسان ؟

(الفصل الثامن)

#- فهرس:

:: الفصل الثامن :: عن التوهم بوجود ذكر الغيلان سحرة الجن في القرآن ::

1- س15: هل جاء في القرآن خبر عن وجود الغيلان سحرة الجن ؟  

2- س16: كيف نفهم تفسير قوله تعالى: (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ) ؟

3- س17: كيف يتم التزوير في كتابة العلم الديني والإنتصار لمعتقد الغيلان سحرة الجن ونشره في نفوس المؤمنين ؟

4- س18: ما هي بعض الآيات التي أشار فيها بعض العلماء أنها تشير للغيلان ؟

************************

:: الفصل الثامن ::

:: عن التوهم بوجود ذكر الغيلان سحرة الجن في القرآن ::

**********************

 ..:: س15: هل جاء في القرآن الكريم خبر عن وجود الغيلان سحرة الجن ؟ ::..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- قد تستغرب أخي الحبيب من السؤال .. وقد تتسرع وتقول قطعا ..لا .. وكلامك صحيح فعلا .. ولكن بعض المفسرين القدماء قال كلام غريب جدا عند آية في القرآن أنه يوجد غيلان سحرة للجن .. ولكن سبب كلامهم هو روايات تفسيرية كآراء عن بعض السلف (وليست أحاديث نبوية) .. قد وصلت إليهم وظنوا فيها احتمالية صحتها .. وهذا من غرائب بعض المفسرين القدماء التي يقف العقل مستغربا ومستنكرا لها والقلب مستقبح لها .. إذ أن الآية لا علاقة لها بالغيلان ولا يمكن أن يكون لها علاقة بهم ..!!

 

- وطبعا لا يمكن لجماعة الرقاة والروحانيين من محبي نشر كل ما فيه تعظيم لقدرات الشيطان وأنه يسحر الإنسان .. أن يتركوا كلام هؤلاء العلماء بل يجب أن يستدلوا به .. ولكن طبعا مع اخفاء كلام باقي العلماء كعادتهم المعتادة .. وأيضا مع التعتيم على أن ما ينقلونه أنه مجرد رأي تفسيري مستند لروايات باطلة فيكون الرأي التفسيري باطل أصلا .. لأنه إذا بطل الدليل فقد بطل الاستدلال به .. ولكن بعض النفوس التي تعيش في عصرنا من محبي تعظيم قدرات الشيطان في نفوس المؤمنين لا تعرف إلا شيء واحد فقط .. وهو كيف تقوم بنشر ما يؤثرون به على نفسية الناس ويكون سببا في كسبهم المادي بعد ذلك .. وطبعا لابد من أن يصبغوا خرافاتهم بصبغة شريعة لتنال القبول في نفوس المؤمنين .. !!

 

#- وما يهمنا الآن .. ما هي الآية التي أستدل بها البعض على وجود الغيلان سحرة الجن في القرآن ؟

 - تأمل معي قوله تعالى: (قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) سورة الأنعام:71 ..

 

#- أولا: ما علاقة الغول بهذه الآية ؟ ... تابع معي ..

1- جاء في (أثر تفسيري ضعيف جدا عن ابن عباس) .. عن أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (الصحابي المتوفى: 68هـ وكان عمره يوم وفاة النبي 10 سنوات) وقال عند: قَوْلَهُ: ({قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا} [الأنعام: 71] .. قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْآلِهَةِ .. وَلِلدُّعَاةِ الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى اللَّهِ .. كَمَثَلِ رَجُلٍ ضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ تَائِهًا ضَالًّا إِذْ نَادَاهُ مُنَادٍ: فُلَانُ ابْنَ فُلَانٍ هَلُمَّ إِلَى الطَّرِيقِ .. وَلَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ: يَا فُلَانُ .. هَلُمَّ إِلَى الطَّرِيقِ .. فَإِنِ اتَّبَعَ الدَّاعِيَ الْأَوَّلَ انْطَلَقَ بِهِ حَتَّى يُلْقِيَهُ فِي هَلَكَةٍ .. وَإِنْ أَجَابَ مَنْ يَدْعُو إِلَى الْهُدَى اهْتَدَى إِلَى الطَّرِيقِ .. وَهَذِهِ الدَّاعِيَةُ الَّتِي تَدْعُو فِي الْبَرِّيَّةِ مِنَ الْغِيلَانِ .. يَقُولُ: مَثَلُ مَنْ يَعْبُدُ مِنَ الْآلِهَةِ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّهُ فِي شَيْءٍ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ فَيَسْتَقْبِلَ الْهَلَكَةَ وَالنَّدَامَةَ) رواه أبو حاتم في تفسيره واللفظ له وكذلك رواه الطبري في تفسيره .. (قلت خالد صاحب الرسالة): هذه الرواية ضعيفة جدا .. وفي سند الرواية يوجد علتين في رواية أبو حاتم .. العلة الأولى وهي (عبد الله بن صالح - كاتب الليث بن سعد) وهو ضعيف الحديث..، والعلة الثانية هي انقطاع السند حيث أن "علي بن أبي طلحة" لم يسمع من بن عباس ..وكان يرسل عنه .. قال عنه أحمد بن حنبل: روى التفسير عن ابن عباس ولم يره .. ، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس ممن يعتمد على تفسيره الذي يروى عن معاوية بن صالح عنه .. (راجع تاريخ الإسلام ترجمة برقم 313 ج 3 ص 932) ..، ويوجد علة ثالثة في رواية الطبري وهي أن شيخ الإمام الطبري واسمه (المثنى بن إبراهيم الآملي الأُبُلي) وهو مجهول الحال ..

 

2- وفي (أثر تفسيري ضعيف جدا عن ابن عباس) .. حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: ( (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ) يَقُولُ: هُمُ الْغِيلانُ يَدْعُونَهُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ فَيَتْبَعُهَا وَيَرَى أَنَّهُ فِي شَيْءٍ، فَيُصْبِحُ وَقَدْ أَلْقَتْهُ فِي هَلَكَةٍ، وَرُبَّمَا أَكَلَتْهُ، أَوْ تُلْقِيهِ فِي مَضَلَّةٍ مِنَ الأَرْضِ يَهْلِكُ فِيهَا عَطَشًا. فَهَذَا مِثْلُ مَنْ أَجَابَ الآلِهَةَ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) رواه أبو حاتم في تفسيره واللفظ له ورواه الطبري في تفسيره .. (قلت خالد صاحب الرسالة): وفيه نفس العلل الموجودة في الرواية السابقة .. من انقطاع السند وضعف أبو صالح .

 

#- أنتبه اخي الحبيب لما سبق .. فالرواية المنقولة عن رأي بن عباس في الآية تكاد تكون ملفقة إليه لفساد إسنادها ..!! فانتبه لذلك جيدا .. يعني غالبا هذا ليس كلام بن عباس أصلا ..!!

 

@- في حين تجد رواية أخرى عن ابن عباس خلاف ما سبق تماما .. وهي أيضا ضعيفة جدا ..

3- وفي (أثر تفسيري ضعيف جدا عن بن عباس) .. عن عطية بن سعد بن جنادة عن ابن عباس قال: (قَوْلُهُ: {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى} [الأنعام: 71] : فَهُوَ الرَّجُلُ الَّذِي لَا يَسْتَجِيبُ لِهُدَى اللَّهِ، وَهُوَ رَجُلٌ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ وَعَمِلَ فِي الْأَرْضِ بِالْمَعْصِيَةِ وَحَارَ عَنِ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُ، وَلَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الَّذِيَ يَأْمُرُونَهُ هُدًى، يَقُولُ اللَّهُ ذَلِكَ لِأَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ: إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ، وَالضَّلَالَةَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْجِنُّ " فَكَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَرَى أَنَّ أَصْحَابَ هَذَا الْحَيْرَانِ الَّذِينَ يَدْعُونَهُ إِنَّمَا يَدْعُونَهُ إِلَى الضَّلَالِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ هُدًى، وَأَنَّ اللَّهَ أَكْذَبَهُمْ بِقَوْلِهِ: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [البقرة: 120] ، لَا مَا يَدْعُوهُ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ) رواه أبو جعفر الطبري .. (قلت خالد صاحب الرسالة): والسند إلى ابن عباس ضعيف جدا وهو سند أسرة عطية العوفي وهو سند الضعفاء ..!!

 

- وهذا الرأي بالرغم من عدم صحة نسبته لابن عباس .. إلا أن فيه تفسير جيد للآية .. والله أعلم .

 

#- أخي الحبيب .. حينما اقول (أثر تفسيري) وأحققه .. لأنه رأي تفسيري ولا نعرف هل هذا الرأي التفسيري فعلا منسوب لهذا الشخص أم لا .. لأن بن عباس لم يترك تفسيرا كتبه بخط يده .. ولذلك نحقق هذه الروايات .. وكذلك كلما تجد رأي تفسير أحققه فهذا لأن صاحب هذا الرأي لم يترك تفسيرا وإنما هي اقوال منقوله عنه .. وهذا يتطلب تحقيق صحة هذا الكلام المنسوب إليه إن كان فعلا قاله أم لا ..!! فانتبه

 

#- ثانيا: هل الكلام المنقول عن ابن عباس هو فقط ما قيل عن السلف في الآية ؟

- لا يا أخي .. بل يوجد آراء أخرى ولكن عن التابعين .. إليك منها:

1- (أثر تفسير صحيح) .. عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبى كريمة السُّدِّى التابعي (المتوفى:127هـ) قال: ({قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} [الأنعام: 71] قَالَ: " قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ: اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا، وَاتْرُكُوا دِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا، هَذِهِ الْآلِهَةُ، وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ، فَيَكُونَ مَثَلُنَا كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ، يَقُولُ: مَثَلُكُمْ إِنْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ الْإِيمَانِ كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَ مَعَ قَوْمٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَضَلَّ الطَّرِيقَ، فَحَيَّرَتْهُ الشَّيَاطِينُ وَاسْتَهْوَتْهُ فِي الْأَرْضِ، وَأَصْحَابُهُ عَلَى الطَّرِيقِ، فَجَعَلُوا يَدْعُونَهُ إِلَيْهِمْ، يَقُولُونَ: ائْتِنَا، فَإِنَّا عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَبَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ. فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ يَتَّبِعُكُمْ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِمُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدٌ الَّذِي يَدْعُو إِلَى الطَّرِيقِ، وَالطَّرِيقُ هُوَ الْإِسْلَامُ) رواه أبو جعفر الطبري في تفسيره .. .(قلت خالد صاحب الرسالة): والسند إلى السُّدِّى موصول ومقبول .

 

2- (أثر تفسيري صحيح) .. عَنْ قَتَادَةَ بن دعامة التابعي (المتوفى:100هـ): ({اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ} [الأنعام: 71] قَالَ: أَضَلَّتْهُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ) رواه أبو جعفر الطبري في تفسيره .. (قلت خالد صاحب الرسالة): والسند إلى قتادة موصول صحيح.

 

3- (أثر تفسيري صحيح) .. عَنْ مُجَاهِدٍ بن جبرالتابعي (المتوفى: بسن سنة 101-104 هـ): (فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ} [الأنعام: 71] قَالَ: «رَجُلٌ حَيْرَانُ يَدْعُوهُ أَصْحَابُهُ إِلَى الطَّرِيقِ، كَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ يَضِلُّ بَعْدَ إِذْ هُدِيَ) رواه أبو جعفر الطبري في تفسيره .. (قلت خالد صاحب الرسالة): والسند إلى مجاهد من كلا الطريقين الذين ذكرهما الطبري موصول صحيح.

 

- وفي (أثر تفسيري ضعيف) .. عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: ثنا رَجُلٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: (حَيْرَانَ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكَافِرِ، يَقُولُ: الْكَافِرُ حَيْرَانُ يَدْعُوهُ الْمُسْلِمُ إِلَى الْهُدَى فَلَا يُجِيبُ) رواه أبو جعفر الطبري في تفسيره .. (قلت خالد صاحب الرسالة): والسند إلى مجاهد فيه رجل مجهول ..!!

 

#- ثالثا: قلت (خالد صاحب الرسالة) .. تعقيبا على ما سبق من آراء تفسيرية عن السلف ..

- قد تبين لك أخي الحبيب .. أن ما نُسب لابن عباس لم يصح منه شيئا .. وآراء التابعين بعضها صحيح ..

 

- ولكن انتبه أخي الحبيب: هل حتى لو صحت نسبة كل الآراء التفسيرية لأصحابها .. فهل هذا معناه قبول هذا التفسير ؟

- بكل تأكيد .. لا .. لأنه ليس تفسير قد نقله عن النبي .. وإنما عن اجتهاد خاص به وقد يكون عن فهم خطأ أو استنبط التفسير بدليل غير صحيح أو غير ذلك لأنه ليس نبي معصوم لنأخذ عنه التفسير كأمر مسلم به .. بل نتفكر فيه ونرى هل يتطابق ويتماشى مع الآية أم لا ..

 

- ولكن في آيتنا التي نفسرها .. قد تبين لك من أين أتي الرأي التفسيري الذي ستجده محشو في بعض كتب التفسير القديمة عن ان المقصد بالشياطين هو الغيلان .. !! فهل قال الله الغيلان أو الشياطين الغيلان ؟!! لا .. بل قال الشياطين .. ، وإذا كان بعض المفسرين ذكروا روايات عن أقوال السلف ظنا في صحتها .. فلماذا بعض المتأخرين يعتنقون الخرافات ولازالوا ينشروها وكأنها حقيقة يتم التسليم لها .. ولا يلتزمون بكلام النبي حينما قال: (لا غول) كما في صحيح مسلم .. !!

 

#- خلاصة القول:

1- لا يوجد تفسير نبوي للآية .. يعني النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر تفسير لهذه الآية يخبرنا فيه أن هذه الشياطين هي الغيلان أو السعالي ولا أي خرافة مما تم ذكرها في بعض كتب التفاسير القديمة ..

 

2- أن كلام الله لم يأت فيه ذكر عن الغيلان ولا السعالي .. ولا أي خرافة من هذه الخرافات التي ذكرها البعض على كلام الله بما لا يحمله ألفاظه .. لا من قريب ولا من بعيد .. ولا يوجد في كلام تفاسير السلف ما يثبت هذا الكلام إلا من خلال رواية تفسيرية منسوبة لابن عباس بالباطل وهو بريء منها براءة الذئب من دم بن يعقوب ..!!

 

- ولكن ما هو تفسير الآية وما قاله المفسرين ..؟ وكيف البعض يقوم بتزوير المعلومات في الدين ليقنعك بكلامه ويضللك في الدين لينتصر لكلامه وتخاريفه ومعتقداته الخاصة ..

- تعال نشوف الموضوع ده مع بعض ف بعض كلام المفسرين فقط .. حتى يتبين لك الفهم الصحيح من الآية .. إن شاء الله تعالى ..

 

************************

..:: س16: كيف نفهم تفسير قوله تعالى: (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ) ؟ ::..

 

- قال تعالى: (قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) سورة الأنعام:71 ..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- أولا: وجدت النبي بنفسه يشرح لفظ استهواء الشياطين ..

- وذلك من خلال حديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم .. إذ قال أنس بن مالك: (أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا، وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ، لَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللهُ) رواه أحمد وغيره .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة، فمن رجال مسلم..، وصححه أحمد شاكر في عمدة التفسير ..، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة وغيرها ..

- وفي (حديث صحيح) جاءت بلفظ: (أَنْتَ وَلِيُّنَا، وَأَنْتَ سَيِّدُنَا، وَأَنْتَ أَطْوَلُ عَلَيْنَا، قَالَ يُونُسُ: وَأَنْتَ أَطْوَلُ لَنَا عَلَيْنَا طَوْلًا، وَأَنْتَ أَفْضَلُنَا عَلَيْنَا فَضْلًا، وَأَنْتَ الْجَفْنَةُ الْغَرَّاءُ، فَقَالَ: "قُولُوا قَوْلَكُمْ" .. وَلَا يَسْتَجِرَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ "، قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ: " وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات ..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- قوله (أطولنا): أي أعلانا مقاما ..، (أفضلنا): صاحب الكرم علينا بمزيد إحسان منك إلينا ..، (الجفنة الغراء): أي صاحب الكرم في إطعام الناس بما فيه من سمين الأكل من اللحم الدسمة بالشحم ..، (قولوا قولكم): أي قولوا بمثل قولكم هذا وما يشابهه مما قلتم ولكن لا تخرجوا عنه بمدح فيه مغالاة مذمومة ..، (يستجرنكم): أي لا يجركم أو يستدرجكم إلى ما فيه مغالاة مذمومة .. و(لا يستهوينكم): بأن يحرك الهوى فيكم بتزيين المغالاة المذمومة في نفوسكم عني بأن تمدحوني كما مدح النصارى عيسى بن مريم حتى جعلوه إله وابن الإله.. والله أعلم .

 

- وفي (حديث ضعيف السند وصحيح لغيره مما سبق في المتن) .. جاء بلفظ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا بِقَوْلِكُمْ وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَرَسُولُ اللهِ، وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَا رَفَعَنِي اللهُ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف مؤمل بن اسماعيل، وقد توبع.

 

- قوله (قُولُوا بِقَوْلِكُمْ): أي قولوا ما شئتم، لكن مع الاحتراز عن غلبة الشيطان عليكم بأن ينزلكم عن مراعاة التقوى. (من شرح نور الدين السندي على مسند أحمد (1138هـ).

 

#- ثانيا: تفسير لفظ الإستهواء عند العلماء .. يوضح لك المسألة .. وهو لا يخرج عن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم السابق ...

1- قال الإمام أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310 هـ):

- قوله:(استهوته) .."استفعلته" .. من قول القائل:"هوى فلان إلى كذا يهوي إليه"، ومن قول الله تعالى ذكره: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) سورة إبراهيم:37 ..، بمعنى: تنزع إليهم وتريدهم.

- وأما (حيران) .. فإنه"فعلان" من قول القائل:"قد حار فلان في الطريق، فهو يَحَار فيه حَيرة وحَيَرَانًا وَحيرُورة"، وذلك إذ ضل فلم يهتد للمحجَّة.

 

- قال أبو جعفر (أي الطبري): وهذا مثل ضربه الله تعالى ذكره لمن كفَر بالله بعد إيمانه، فاتَّبَع الشياطين، من أهل الشرك بالله .. وأصحابه الذين كانوا أصحابه في حال إسلامه المقيمون على الدين الحق يدعونه إلى الهدى الذي هم عليه مقيمون، والصواب الذي هم به متمسكون، وهو له مفارق وعنه زائل .. يقولون له:"ائْتِنَا" فكن معنا على استقامة وهدى .. وهو يأبى ذلك .. ويتبع دواعي الشيطان .. ويعبد الآلهة والأوثان.(تفسير جامع البيان للطبري ج11 ص451 – مختصرا في كلامه).

 

2- يقول الإمام ابن كثير رحمه الله  (المتوفى: 774هـ) بعد أن ذكر روايات السلف من كلام بن عباس والسُّدِّي وقتادة من تفسير الطبري وقد سبق ذكرهم .. ثم قال:

- الذي استهوته الشياطين في الأرض حيران، وهو منصوب على الحال .. أي في حال حيرته وضلاله وجهله، وجه المحجة .. وله أصحاب على المحجة سائرون .. فجعلوا يدعونه إليهم وإلى الذهاب معهم على الطريقة المثلى، وتقدير الكلام فيأبى عليهم، ولا يلتفت إليهم. (تفسير بن كثير ج3 ص251).

 

- لعل مقصد بن كثير في قوله (وجه المَحَجَّة): أي في حال حيرته .. أمامه وجهه طريق الصواب وأصحاب له يسيرون عليه ويراهم ويدعونه إليه.. والله أعلم .

 

3- ويقول الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى:1393 هـ):

- (كالذي استهوته الشياطين في الأرض) ..، وهو تمثيل بهيئة متخيلة مبنية على اعتقاد المخاطبين في أحوال الممسوسين.

- والاستهواء .. استفعال .. أي طلب هوى المرء ومحبته، أي استجلاب هوى المرء إلى شيء يحاوله المستجلب.

 

#- ثم قال الإمام بن عاشور بعد كلام:

- والعرب يقولون: استهوته الشياطين، إذا اختطفت الجن عقله فسيرته كما تريد.

- وذلك قريب من قولهم: سحرته .. وهم يعتقدون أن الغيلان هي سحرة الجن .. وتسمى السعالى أيضا، واحدتها سعلاة.

- ويقولون أيضا: استهامته الجن إذا طلبت هيامه بطاعتها.

 

- وقوله: (في الأرض) متعلق ب استهوته، لأنه يتضمن معنى ذهبت به وضل في الأرض. وذلك لأن الحالة التي تتوهمها العرب استهواء الجن يصاحبها التوحش وذهاب المجنون على وجهه في الأرض راكبا رأسه لا ينتصح لأحد .. كما وقع لكثير من مجانينهم ومن يزعمون أن الجن اختطفتهم. ومن أشهرهم عمرو بن عدي الإيادي اللخمي ابن أخت جذيمة بن مالك ملك الحيرة. (تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور ج7 ص301).

 

- تعليق: قول الإمام بن عاشور عن سحرة الجن .. هو يذكره من باب المعرفة بما كان يقوله العرب ويعتقدونه .. وليس لأن هذا هو فعلا يحدث .. ولذلك قال: (وهم يعتقدون أن الغيلان .....) !!

 

- وفي تفسيره رحمه الله يذكر الغيلان على أنها من مزاعم العرب .. فيقول (ج1 ص631): والعرب تزعم أن الغيلان سحرة الجن لما تتشكل به من الأشكال وتعرضها للإنسان.. ، وقال في (ج1 ص642): وكانت الجاهلية تقول إن الغيلان عجائز من الجن ساحرات فلذلك تستطيع التشكل بأشكال مختلفة..، وقال في (ج30 ص628): وكان العرب يزعمون أن الغول ساحرة من الجن.. (انتهى النقل).

 

4- وقال الشيخ طنطاوي رحمه الله (المتوفى: 1431 هـ):

- (اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ): أى استغوته وزينت هواه ودعته إليه.

- والعرب تقول: استهوته الشياطين، لمن اختطف الجن عقله فسيرته كما تريد دون أن يعرف له وجهة في الأرض.

- والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: أتريدون منا أن نعود إلى الكفر بعد أن نجانا الله منه فيكون مثلنا كمثل الذي ذهبت به مردة الشياطين فألقته في صحراء مقفرة وتركته تائها ضالا عن الطريق القويم ولا يدرى ماذا يصنع وله أصحاب يدعونه إلى الطريق المستقيم قائلين له: ائتنا لكي تنجو من الهلاك ولكنه لحيرته وضلاله لا يجيبهم ولا يأتيهم.. (التفسير الوسيط للشيخ طنطاوي ج5 ص104).

 

5- من أجمل التفاسير في آية استهواء الشيطان هو ما قال الإمام الشعراوي رحمه الله (المتوفى:1418) في تفسيره :

- (قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ على أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا الله) الأنعام: 71 .

- جاء هذا التصور في صورة استفهام. إنّ الحق طلب من رسوله أن يقوله ..

-  فكأن الصورة: أن قوماً هداهم الله إلى الحق فدُعُوا إلى أن يعبدوا غير الله ويدعوا ما لا ينفع ولا يضر، فيردوا على أعقابهم، أي بعد الهداية، وهذه هي صورة الحيرة والتردد .. لأنهم كانوا على هدى، ثم دُعُوا إلى أن يعبدوا من دون الله ما لا ينفع ولا يضر.

 

#- وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يعطينا صورة لهذه الحيرة، ولهذا التردد، فقال: (كالذي استهوته الشياطين) .

 

- و«استهوته» من مادة «استفعل» .. وتأتي دائماً للطلب؛ كقولنا «استفهم» ..أي طلب الفهم، و «استخرج» . أي طلب الإخراج للشيء.

 

#- (فاستهوته) طلبت هُوِيَّه .. أي جعلته يتقبّل ما تريد واستولت عليه دون أن يكون لديه أي دليل أو حجة على صحة ما تدعوه إليه بأن صار عجينة تشكله الشياطين كما تشاء، وترده مادة «الهاء والواو والياء» لمعانٍ، إن مُدَّت؛ فهي الهواء الذي نتنفسه، وما به أصل الحياة، وإن قُصِرَت، فإنها هي الهَوَى وهو ميل النفس إلى شيء، أو تكون هُويًّا أي سقوطاً.

 

- إذن فالمادة تأتي .. إما للهواء إن كانت ممدودة .. وإن كانت بالقصر فهي من الهَوَى .. أو من الهُوِىّ .. كأن تقول: «هَوَى، يَهْوِي؛ هُوِيّاً» أي سقط من علوٍّ إلى أسفل، وهَوِىَ، يَهْوَى، هَوّى. أي أحبَّ.

 

#- وهكذا نعرف أن (استهوته) أي طلبت هويَّه أو هواه أي ميل نفسه إلى اتباع الهَوَى .. وحين تستهوي الشياطين الإنسان فهي تريد أن تجتذبه إلى ناحية هواه، وتوقظ الهوى في النفس، وبذلك تدعوه ليَهْوِي. والحق يقول: (وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السمآء فَتَخْطَفُهُ الطير أَوْ تَهْوِي بِهِ الريح فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) الحج: 31.

 

- وحين يخرّ عبد من السماء .. إما أن تتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق، وحين تأتي إلى الهَوَى والهُوِىّ فاعلم أن الهوى يجذبك إلى ما يضرك، ولذلك لا تسلم منه إلا أن يكون هواك تبعاً لما جاء به الحق، ولكن إن اتبعت هواك فلا بد أن يؤدي بك إلى الهُوِيّ: (كالذي استهوته الشياطين فِي الأرض حَيْرَانَ) الأنعام: 71 .

 

#- وما هي الحَيْرة ؟ هي التردد بين أمر ومقابله.

- وعرفنا من قبل .. أن الحَيْرة في هذه الآية جاءت لمن اهتدى وسار خطوة للمنهج .. ثم رُدَّ على أعقابه ورجع .. ولكن له أصحاب يدعونه إلى الهدى، فهو بين شيطان يستهويه، وأصحاب يدعونه للمنهج؛ لذلك يكون حيران: بين هاوية ونجاة.

- والشيء الذي يهوي لا استقرار له .. وحين نرى - على سبيل المثال - حجراً يهوي للأرض نجده يدور، ولا اتجاه له. وهذه صورة معبرة، ويأتي له القول الفصل: (قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى) الأنعام: 71 .

- فمن يتبع إذن ؟

- إنه يتبع الذين يدعونه إلى منهج الحق سبحانه وتعالى .. لأن الهدى هو المنهج والطريق الموصل للغاية، والصنعة لا تضع غاية لنفسها، بل الذي يضع الغاية هو من صنعها. (تفسير الشعراوي ج6 ص3721).

 

6- قلت (خالد صاحب الرسالة) .. تعقيبا على ما سبق من كلام المفسرين:

- ما أفهمه من أهل التفسير هو الآتي:

- أن لفظ الإستهواء في الآية .. هو من ألفاظ الإستفعال .. أي طلب استدعاء واستحضار للشيء ليظهر أثره .. والمقصد هنا هو استغواء الشياطين من خلال استحضار ما يهواه هذا الإنسان في نفسه من باطل .. هو قد تصوره وارتضاه في نفسه .. ويقومون بتزيينه له بأنه شيء حسن وأنه خير له وأنه على حق حتى يظل معتقدا فيه .. مستغلين في ذلك جهله واعتقاده في نفسه.. فأصبح تائها في حياته عن الحق ولا يستجيب لأني نداء من اهل الحق للرجوع عن الباطل الذي ارتضاه ومال إليه .

 

- فلفظ الإستهواء: هو أن الشياطين زينت له هواه أي ما تميل إليه نفسه بالباطل .. وحسنت له ما يعتقده من الباطل في نفسه وهو ارتضى بذلك وسار عليه .. و الله أعلم.

 

- وكان تشبيه حال من ارتد عن الإيمان وتركه بمن فقد عقله وفقد الإدراك .. كالذي أصابه مس من الشياطين أفسد عقله وفقد الإدراك ولم يعد يميز الصواب من الخطأ .. فهذا هو حالهم .. وأتى بجزئية أصحابه الذين ينادون عليه لتأكيد غياب العقل عن إدراك الحق لغلبة استيلاء الباطل على باطنة .. كما هو حال من استولت الشياطين على عقله فلا يستجيب لمن ينادي عليه ليعود إلى بيته الذي تاه عنه لأنه غير مدرك لهم لغياب عقله .. والله أعلم .

 

#- خلاصة القول:

1- لا وجود لمسألة الغيلان سحرة الجن في كلام المفسرين في الغالب .. وإنما يتم ذكره على سبيل ما تقوله العرب وكانت تحكيه كمزاعم يزعموها .. وليس كحقيقة وجودية ..!!

 

2- أن استهواء الشيطان في الآية يقصد منه تضليل الإنسان بتزيين الباطل في نفسه بعدما جاءه من الحق .. حتى يستوطنه في نفسه ويصبح كحجاب لا ينفع معه إرشاد المرشدين ولا نفع الواعظين .. فحاله كحال من أصابته الشياطين في عقله بمس فتسبب ذلك بعطل فيه لم يعد يستطيع أن يدرك طريق العودة لمنزله مهما نادى عليه أصحابه والمقربون منه لأنه ف غيبة عن سماعهم بسبب ما أصابه من ضرر في عقله .. والله أعلم .

 

3- ذكر الإمام أبو اسحاق الثعلبي (المتوفى: 427هـ) في تفسيره:

- وقال ابن عباس (رضي الله عنه): كالذي استغوته الغيلان في الْمَهَامَةِ وأضلوه. (الكشف والبيان ج4 ص159).. وكذلك ذكره (البغوي في تفسيره ج2 ص134).

- قوله (في المهامة): أي الصحاري التي لا ماء فيها .

 

- تعليق: ما ذكره الإمام الثعلبي هو كلام لم يقل به بن عباس أصلا ..!! والروايات المنقولة عن ابن عباس وذكرها الطبري وأبو حاتم في هذا الشأن .. كلها روايات تالفة وفاسدة ولا يمكن أن نقول بأن هذه أقوال بن عباس من أساسه ..!!

 

- فانتبه يا مؤمن .. لأن القول السابق الذي ذكر الثعلبي ستجده متكرر في بعض كتب التفسير القديمة .. وأظنهم اعتمدوا على الروايات الضعيفة جدا المروية عن ابن عباس .. (طبعا مع عدم معرفتهم بكونها ضعيفة جدا) ..!!

 

***************************

 ..:: س17: كيف يتم التزوير في كتابة العلم الديني والإنتصار لمعتقد الغيلان سحرة الجن ونشره في نفوس المؤمنين على الإنترنت ؟ ::..

 

- جماعة محبي الانتصار لمعتقد وجود الغيلان سحرة الجن المؤثرة على الإنسان .. وجدت لهم كتابات مزورة وغير أمينة في نقل العلم .. وأنقل لك نموذجين وجدتهما على شبكة الإنترنت ..

 

1- النموذج الأول: تجد أحد لينتصر لفكرة الشيطان الساحر .. ويأت على الآية السابقة (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ) الانعام:71 .. ثم يكتب تعقيب على الآية :

- ويذكر لك قائلا: قال ابن كثير وجمهور المفسرين : هم الغيلان ..!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- طيب بالله عليك يا مؤمن .. بقى ابن كثير قال كده ؟!! ارجع لتفسيره في السؤال السابق .. وستجد أن بن كثير بريء من هذا القول المكذوب عليه ..!!

- وأين هم جمهور المفسرين الذين قالوا بهذا الرأي ؟!!

- لا حول ولا قوة إلا بالله ..!!

 

- وسأترك لك كلام الإمام النووي رحمه الله .. حتى تعلم ما هو رأي جمهور العلماء .. وتعرف كيف يتم التزوير في الحقائق الدينية انتصارا للشيطان الغيلان ..!!

 

#- قال الإمام النووي رحمه الله (المتوفى: 676هـ):

- قال جمهور العلماء: كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات وهي جنس من الشياطين فتتراءى للناس وتتغول تغولا أي تتلون تلونا فتضلهم عن الطريق فتهلكهم فأبطل النبى صلى الله عليه وسلم ذاك .

- وقال آخرون: ليس المراد بالحديث نفي وجود الغول وإنما معناه إبطال ما تزعمه العرب من تلون الغول بالصور المختلفة واغتيالها قالوا ومعنى لاغول أى لاتستطيع أن تضل أحدا. (شرح النووي على صحيح مسلم ج14 ص217).

 

2- النموذج الثاني: تجد آخر يقول لك: وتفسير من يُخطِّأ قول العرب أن الغيلان تفعل كذا وكذا .. يرده قوله تعالى : (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ) الأنعام:71..!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- أين ذُكرت الغيلان في الآية يا مؤمن حتى ترد قول من يُخطِّأ العرب في زعمهم ؟!! فهل قال الله غيلان أم شياطين ؟!! أكيد قال شياطين .. فلماذا لا تقف عند هذا الوصف أم يوجد غرض آخر في نفسك تريد تسويقه ونشره في نفوس المؤمنين ؟!!

 

- فما هذا السخف لإثبات معتقد الغول بأي طريقة في نفوس المؤمنين لتخويفهم من الشيطان ..!!

 

2- يقول لنا النبي: (لا غول) .. وهم يقول: لا .. يوجد غول ..!!

- بل والأوقح يستدلون بكلام الله على وجود غيلان .. في حين لم يقل الله بذلك ..!!

- أليس هذا يسمى هرطقة وكذب على الله ..!!

 

@- انتبه يا مؤمن .. وكن بصير في دينك وكلام ربك .. وعلى معرفة بكلام العلماء .. حتى لا يضللك أحد في دينك..

- فما أكثر محبي ذكر الغيلان سحرة الجن في زماننا .. ونشر هذا المعتقد في زماننا هذا تعظيما لقدرات الشيطان في نفوس المؤمنين لتخويفهم من الشيطان ..

 

#- ورحم الله الإمام محمد رشيد رضا رحمه الله (المتوفى: 1354هـ) إذ قال:

- الجن من عالم الغيب .. لا نصدق من خبرهم إلا ما أثبته الشرع .. أو ما هو في قوته من دليل الحس أو العقل .. ولم يثبت شرعا ولا عقلا ولا اختيارا أن شياطين الجن تأكل الناس .. ولا أنها تظهر لهم في الفيافي والقفار.. كما كانت تزعم العرب وغير العرب في طور الجهل والخرافات. (تفسير المنار ج7 ص440).

 

#- خلاصة القول:

- لا تصدق كل ما تجده مكتوب على الإنترنت .. فما أكثر محبي الانتصار للشيطان .. وتعظيم قدراته في نفوس المؤمنين لتخويفهم .. ولا يفعل هذه الأفعال إلا من ينتسبون لجماعة الرقية والعلاجات الروحانية .. فيضللون المؤمنين بأساليب ملتوية في الدين ليشحنوا نفوسهم بالخوف الكبير من الشيطان .. ليلجئوا إليهم ويدفعوا لهم الأموال الطائلة لتخليصهم من هذا الغول الشيطاني ساحر الجن ..

- فاحذرهم يا مؤمن واتعلم دينك .

 

************************

 ..:: س18: ما هي بعض الآيات التي أشار فيها بعض العلماء أنها تشير للغيلان ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- من غرائب ما قد يصادفك في بعض كتب التفسير هو أن تقرأ في التفسير ثم تجد كلمة الغيلان دخلت في الموضع ؟!!

- طيب ما علاقة الغيلان بالآية .. ؟!! مش عارف ..!!

- إليك آيتين وجدتهما مصادفة بعض العلماء تكلم عنهما .. وذكر اسم الغيلان عند الكلام عليهما .. ونبدأ بأولهما:

 

#- أولا: يقول تعالى: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ) الصافات62:65.

 

#- قال أبو بكر الجرجاني رحمه الله (المتوفى: 471هـ):

- (كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) .. لرؤية المخاطبين الغيلان والسعالي في أسفارهم في الفلوات .. أو لقبح تصوّر الشياطين في الأوهام.

- وقيل: أراد بالشياطين الحيّات؛ فإنّ العرب تسمّي الحيّة شيطانا. (دَرْجُ الدُّرر في تَفِسيِر الآيِ والسُّوَر ج2 ص512).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على رأي الجرجاني:

1- الإمام الجرجاني ذكر كلاما لا دليل عليه .. فمن هؤلاء الذين رأوا الغيلان والسعالي في أسفارهم ؟!! إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا غول) ؟!!

- ولعله اضطر لقول ذلك لأن الوعد والإيعاد يكون على ما هو معهود وملعوم .. فظن بذلك أنهم رأوا الغول ..، ولكن قد يتم الإيعاد على قدر ما هو موهوم تصوره في العقول .. وهذا يظهر في كلام الإمام أبو عبيدة فيما يلي ..

 

2- ذكر الإمام الدميري رحمه الله (المتوفى: 808هـ) في كتاب الحيوان:

- سأل رجل أبا عبيدة عن قوله تعالى: (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ)... وإنما يقع الوعد والإيعاد .. بما قد عرف مثله .. وهذا لم يُعرف ؟!!

- فأجابه: بأن الله تعالى كلم العرب على قدر كلامهم .. أما سمعت امرأ القيس كيف قال:

أتقتلني والمشرفيّ مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال

- وهم لم يروا الغول قط .. ولكنه لما كان يَهُولُهم أَوعَدُوا به ..

- قال أبو عبيدة: ومن يومئذ عملت كتابي الذي سميته المجاز. (حياة الحيوان ج2 ص263).

 

- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على كلام الدميري: أبو عبيدة الذي ذكره الإمام الدميري .. هو الإمام أبو عبيدة معمر بن المثنى من أئمة اللغة والأدب توفى رحمه الله في سنة 208 هجرية.

 

3- وجاء في تفسير المنتخب في شرح الآيات السابقة:

- أذلك الرزق المعلوم المعد لأهل الجنة خير أم شجرة الزقوم المعدة لأهل النار ؟

- إنها شجرة فى وسط الجحيم، غذيت من النار ومنها خلقت.

- ثمرها قبيح المنظر، كريه الصورة، تنفر منه العيون كأنه رؤوس الشياطين التى لم يرها الناس، ولكن وقع فى وهمهم شناعتها وقبح منظرها.(انتهى النقل).

 

#- ويتبين لك أخي الحبيب مما سبق .. أن ما ذكره الإمام الجرجاني هو كلام خطأ حول هذه الآية .. إذ لا دليل عليه .. ولم يقل أحد أنه رأس شيطان ووصفها لنا ..!!

 

#- ثانيا: يقول تعالى: (وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) الصافات:10 ..:

 

- قال بن عجيبة رحمه الله عند قوله تعالى: (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) الصافات:10 ..:

- لا يتسمّع الشياطين إلا الشيطان الذي خَطِفَ الخطفةَ، أي: اختلس شيئاً من كلام الملائكة بسرعة، فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ أي: نجم مضيء يثقبه، أو يحرقه، أو يخبله، ومنه تكون الغيلان. والله تعالى أعلم. (البحر المديد ج4 ص591).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على رأي بن عجيبة:

- أن الإمام بن عجيبة .. قد جعل حسب كلامه السابق أن أصل الغيلان هم المردة الذين يخطفون الخطفة أي المعلومة الغيبية أثناء تناقلها بين الملائكة .. أو قد يكون مقصد الإمام بن عجيبة هو أن المارد يتحول بعد أصابته بالشهب إلى غول يمشي في الأرض .. وكأن الغول هو انحدار من سلالة الشياطين المَرَدة التي أصابها الشهب لما حاولت التسمع للسماء .. ولما أصيبت تحولت للغيلان ..!!

 

- وهذا كلام مستغرب جدا .. ولا دليل عليه .. فمن أين أتى به الإمام بن عجيبة ؟!!

 

- ولكن جاء بعض كلام بن عجيبة مأخوذا من بعض الآراء التفسيرية .. قد رواه الطبري في تفسيره:

- وذلك في (أثر تفسيري ضعيف جدا) .. قال الطبري: حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: (في قوله (إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) هو كقوله (إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) كان ابن عباس يقول: إن الشهب لا تقتل ولكن تحرق وتخبل وتجرح من غير أن تقتل) رواه الطبري في تفسيره .. (قلت خالد صاحب الرسالة): يوجد في السند جهالة شيخ الطبري الذي نقل عن (الحسين) إذ قال في بداية السند (حُدِّثت) ..،  وفي السند انقطاع بن الضحاك بن مزاحم وابن عباس ..، وفي السند (عبيد الله مولى عمر بن مسلم) وهو مجهول ..

 

- فجزئية أن الشهب تخبل ولا تقتل .. هي أيضا لم تصح عن ابن عباس لأن السند ضعيف جدا ولا يعتمد على هذا التفسير ولا صحة نسبته لابن عباس ..

 

#- خلاصة القول:

- كل ما ذُكر عن الغيلان في التفاسير إنما هو محض كلام باطل .. ولا علاقة بالآيات القرآنية بالغيلان .. ولا دليل على الغيلان من القرآن .. والله أعلم.

 

- وبعد ذلك ننتقل إن شاء الله في فصل جديد .. للتعرف على الأحاديث والروايات التي تكلمت عن الغيلاة سحرة الجن التي قيل أنها جاءت في الأحاديث وقد احتج بها البعض .. والله ولي التوفيق.

 *****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .