ج4: رسالة التوضيح والبيان في قصة هاروت وماروت وخاتم سليمان - سفر وصية سليمان - سفر التلمود البابلي وقصة الشيطان أشمداي مع سليمان وكيف سرق خاتمه واستولى على ملكه ونساءه - مصادر يهودية تكلمت عن ملك سليمان وخاتم سليمان وتسخير الشياطين بالخاتم السحري.

  بسم الله الرحمن الرحيم

 

رسالة التوضيح والبيان

في قصة هاروت وماروت وخاتم سليمان

وما تلته الشياطين في مملكة سليمان

مع التعريف بسحر التفريق الذي أثبته القرآن

 

 (الجزء الرابع)

#- فهرس:

:: الفصل الثالث :: عن مصادر يهودية تكلمت عن ملك سليمان وخاتم سليمان وتسخير الشياطين بالخاتم السحري - وهو مما تلته الشياطين على ملك سليمان ::

1- س7: ما هي أقدم المصادر اليهودية قبل الإسلام والتي تكلمت عن ملك سليمان في علاقته بالشياطين ؟

#- أولا: سبب النقل من مصادر يهودية تم كتابتها قبل الإسلام.

#- ثانيا: سفر وصية سليمان وسفر تلمود اليهود – وقصة الشيطان أشمداي الذي سرق خاتم سليمان السحري وسرق ملكه وجامع نساؤه - من مصادر أسطورة ما تلته الشياطين على ملك سليمان.

#- ثالثا: سفر الرازيم Sefer ha-Razim – أي كتاب الأسرار والغوامض.

2- س8: ماذا جاء في سفر العهد السليماني عن علاقة سليمان بالشياطين وقصة الخاتم السليماني ؟

3- س9: هل في التلمود البابلي يظهر تسخير سليمان للشياطين من خلال السحر حتى خدعة الشيطان وسرق خاتمه السحري ومملكته ؟

********************

:: الفصل الثالث ::

********************

..:: س7: ما هي أقدم المصادر اليهودية قبل الإسلام والتي تكلمت عن ملك سليمان في علاقته بالشياطين ؟ ::..

 #- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- سبق وتكلمنا عما قالته توراة اليهود عن سيدنا سليمان .. وهو ما يعتقده كل اليهود والمسيحيين في حق سليمان عليه السلام .. من حيث كونه اتبع شهواته وعصى الرب وبنى الأصنام مرضاة زوجاته .. وانحرف عن طريق الله .. ولكنه عاد إلى الله في أواخر عمره.

- مع ملاحظة أنهم أيضا يعتقدون أنه ملك حكيم .. عنده حكمة عظيمة .. ولكن كيف يكون هذا الحكيم هو حكيم ونسبوا إليه ما نسبوه ؟!!

 

- المهم: توجد كتابات تم كتابتها على يد بعض اليهود .. تكلمت أيضا على ملك سليمان .. وهذه الكتابات أحببت أن أذكرها لكم قبل الكلام على الروايات الإسلامية التي تكلمت على ملك سليمان .. لأنك ستفهم بمنتهى البساطة من أين أتى المسلمون الأوائل بالقصص المفتراه التي قيلت على ملك سليمان.

 

- ولا أطيل عليك أخي الحبيب .. ولكنك ستجد فصل ممتع جدا ممتليء بالغرائب والعجائب .. وقد اهتممت بذكر المصادر التي تكلمت عن سليمان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أي قبل الإسلام .. وهذه المصادر التي سأنقل منها تم كتابتها بين القرن الأول إلى القرن الخامس أو السادس الميلادي أي قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم..، وبذلك نفهم ماذا كان يقال عن ملك سليمان بصورة إجمالية قبل نزول القرآن.. ولماذا قال القرآن (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ...) .. فنزداد فهما بصورة أوسع ما تلته الشياطين على ملك سليمان.

 

#- أولا: سبب النقل من مصادر يهودية تم كتابتها قبل الإسلام.

- وقد تسألني أخي الحبيب فتقول: لماذا قمت بزيادة البحث عما قاله اليهود على ملك سليمان .. في حين أن ما ذكرته عن توراة اليهود في الفصل السابق كافي جدا ؟!!

 

- أقول لك:  هذا يعود لسببين:

- الأول: توراة اليهود لم تذكر شيء عن تسخير سليمان للشياطين .. ونعلم أن توراة اليهود بالنسبة إلينا كمسلمين هي نصوص فيها تحريف بالزيادة والنقصان مع ضياع الأصل ..، ولكني مع مراجعة الآية (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ...) البقرة:102..، فهذا أعطاني مفهوم أوسع من مجرد توراة اليهود .. لأن المسألة هنا تتعلق بعلماء اليهود أنفسهم .. فضلا عن أن مفهوم كلمة الشياطين في الآية البعض يرجح أن المقصود بها (شياطين الإنس) وليس (شياطين الجن).

 

- الثاني: القصص الذي سنذكرها عن علماء المسلمين .. لابد أن يكون لها أصل إسرائيلي وإلا فمن أين أتوا بها ..؟!!

     

#- ثانيا: سفر وصية سليمان وسفر تلمود اليهود – من مصادر أسطورة ما تلته الشياطين على ملك سليمان.

- ما سأنقله هنا في هذا الفصل .. هو منقول من ثلاث مصادر..

 

- الأول: هو سفر العهد السليماني أو سفر وصية سليمان.

- وكلمة "سفر" تعني كتاب والمقصد هو نص مقدس مكتوب .. وهي مشابهة لكمة "سورة" في القرآن ..

 

#- ولكن انتبه:

- هذا السفر السليماني الذي سننقل منه .. هو ليس سفر مقدس عند اليهود والنصارى .. لا .. وإنما يعتبروه هو سفر منحول أي مزور أو مكذوب على سليمان عليه السلام.. وليس سليمان هو من كتبه.

 

- إذن: فلماذا ننقل منه طالما مزور ؟

- لأننا نبحث عما تلته الشياطين على ملك سليمان ولابد أن يكون مزور .. ونظرا لأن هذا السفر تم كتابته في الفترة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم .. وكان يتناقله بعض اليهود .. فهذا يعطينا مزيد فهم أكثر عما كان بعض اليهود ينسبونه لسليمان قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن.

 

- وتم كتابة هذا السفر السليماني .. في الفترة ما بين القرن الأول الميلادي والقرن الرابع الميلادي .. حسب تقدير علماء المخطوطات .

 

#- ملحوظة: هذا السفر السليماني تكلمنا عن بعضه في الفصل السابق .. ونقلنا مما ذكرته موسوعة ويكيبيديا ..، ولكن ما سأنقله هنا عنه فقط بعض المختصرات القليلة حتى لا نعيد ما كتبناه سابقا .. مع أضافة ملاحظة عن الشياطين الذين تكلم معهم سليمان كما تم ذكره في هذا العهد السليمان .. لأنها ستفيدنا عند الكلام على الروايات المذكورة في التفاسير الإسلامية. 

 

#- ثانيا: سفر في التلمود البابلي .. وقصة الشيطان أشمداي الذي سرق خاتم سليمان السحري وسرق ملكه وجامع نساؤه.

- هو مجرد تفسيرات وشروحات لأحبار اليهود الذين لهم شأن كبير في الديانة اليهودية .. وهذا التلمود فيه من القداسة أيضا ما فيه بالنسبة لليهود فقط .. وإنما قداسة مستمدة من كاتبي هذه التفسيرات وليس قداسة لما كتبوه .. كما يحدث عندنا فيقال "قال الصحابي وقال التابعي وقال شيخ الشيوخ فلان" .. فهي تقريبا نفس المنطق .. صبغة الشريعة بهيبة العلماء وليس بالحق ..!! 

 

- المهم .. هذا التلمود البابلي الذي سننقل عنه مكتوب في الفترة بين القرن الثالث الميلادي والقرن الخامس الميلادي ..

 

- والجزء التلمودي .. الذي سننقل منه الكلام على قصة ملك سليمان موجود في "سفر جيتين" .. وهو سفر يتعلق بأمور الطلاق في الشريعة اليهودية .. ولا أدري ما العلاقة أو الرابط بين ذكر قصة سليمان مع الشيطان الذي سرق ملكه .. بأن يذكروها أمور الطلاق الخاصة بهم .. إلا لو كان المقصد مثلا ان من لم يهتم بوصية الرب فسيستولى الشيطان على أهل بيته ويسبب له الخراب فيه كما حدث مع سليمان .. فكانت القصة كمثال .. !! والله أعلم.

 

#- وتتكلم هذه القصة التلمودية عن سليمان والشيطان .. في نقاط:

أ- كيف سيطر سليمان على الشياطين بخاتمه.

ب- كيف خدعه الشيطان أشمداي وسرق الخاتم.

ج- كيف طرد الشيطان أشمداي الملك سليمان من مملكته بعيدًا.

د- كيف كانت معاناة سليمان في استعادة ملكه.

 

#- ثالثا: سفر الرازيم Sefer ha-Razim – أي كتاب الأسرار والغوامض.

- وهو سفر منسوب للنبي سليمان .. ولكن في استحضار عالم الملائكة العلوية لمعرفة الحكمة العلوية والأرضية ومعرفة الغيبيات بصفة عامة .. ويقصد بالغيبيات هو معرفة ما هو غيب من العوالم والعلوم التي لم يكشفها الله للبشر في العالم المادي.

 

#- وهذا السفر: تم كتابته في زمن كتابة التلمود في الفترة ما بين القرن الثالث والخامس الميلادي.

 

- وهذا السفر ليس من الأسفار اليهودية المقدسة .. وتم اكتشافه مخطوطته سنة 1963 ميلاديا ..، ويقال عنه أن أصله تم في زمن آدم قد أعطاه لآدم الملاك رزئيل .. ثم تنقل بين الأنبياء حتى وصل إلى سليمان .. وكانت بسببه حكمته وسيطرته على مملكته بواسطة هذا الكتاب السحري الذي تخدمه الملائكة بواسطته .. والذي كان مصدرًا عظيمًا لحكمته وقواه السحرية المزعومة.

 

- وسفر الرازيم .. يختلف عن سفر رازيل الملك .. الذي أعطاه الملاك نفسه لآدم .. مع أن كلا العملين ينبع من نفس التقليد .. وقد أُدمجت أجزاء كبيرة من سفر رازيم في سفر رازيل تحت عنوانه الأصلي.. إلا أن سفر رازيل المكتوب في القرن الثالث عشر الميلادي تقريبا هو موسوعة أكبر من سفر رازيم .. ويمكننا القول أن سفر الرازيم المكتوب بين القرن الثاني والخامس الميلادي .. هو السفر الأصغر .. لسفر رازيل المكتوب في القرن الخامس عشر الميلادي بإضافات خبرات وكهنة وحاخامات اليهود.

 

- يُعتقد أنه كتاب مصدر للمعرفة الغيبية اليهودية .. ومصدر للتصريف به في الحوائج من جلب ودفع ومنع وعطاء وغير ذلك .. حيث يستعين بالملائكة بدلاً من الله لأداء مآثر خارقة للطبيعة.  (راجع موسوعة ويكيبيديا تحت اسم Sefer HaRazim) – أو بالعربي في (ويكيبيديا تحت اسم سيفر هرازيم).

 

#- ملحوظة هامة جدا .. سفر الرازيم .. موجود باللغة العربية في مخطوطات قديمة وتم نشره مطبوعا أيضا .. ولكن كان يباع على أن اسمه (سفر آدم) .. باعتبار أن الملاك رازيل نزل به على آدم .. فانتبه.

 

- وفي سفر الرازيم .. يظهر أسماء الملائكة الموجودين في كل سماء ووظائفهم وقدراتهم وطرق الإستعانة بهم.

 

#- ومن الأسماء الملائكية المذكورة مثلا في السماء الثانية:

1- رِمِيئِيل: يُستدعى لكشف الأسرار الغيبية.

2- سُورِيئِيل: يُستدعى للحماية من الأرواح النجسة.

3- أزريئيل: يُستدعى للراحة في لحظة الموت، أو للطمأنينة النفسية.

4- هَمالِيئِيل: يُستدعى للسفر الآمن في البر والبحر.

5- رافائيل: يُستدعى للشفاء من الأسقام الجسدية والروحية.

6- يَهُودِيئِيل: يُستدعى لتيسير العمل والرزق.

7- بَراكِيئِيل: يُستدعى لنيل البركة في الولد والمال.

8- كاسِيئِيل: يُستدعى لفهم الأحلام والرؤى.

9- سَبورِيئِيل: يُستدعى للصبر على الشدائد.

10- أيُوفِيئِيل: يُستدعى لنيل الحكمة والفهم.

11- ميِتاترون: يُستدعى للحماية الكبرى والكشف العظيم.

 

#- وهذا السفر الرازيم او كتاب الأسرار .. منسوب إلى أن سليمان كان يستخدم في تسخير الملائكة ليخدموه .. والحقيقة هو نوع من السحر الذي كان يستخدمه اليهود ولكن بالنسبة إليهم السحر العلوي وبعضهم يصفه بأنه السحر الطاهر أو السحر الأبيض أو السحر النوراني .. ويقصد به معرفة العلوم الغيبية بطرق غيبية من خلال الملائكة أي من خلال التواصل مع الملائكة السماوية أو العالم النوراني.

 

@- انتبه أخي الحبيب: ذكرت لك منذ قليل أن هذا السفر تم كتابته باللغة العربية وطباعته تحت اسم .. "سفر آدم" .. ولكن باسماء ملائكية مختلفة عن السابق ذكرها .. وكل واحد حسب ما بيتخرع من أسماء ملائكة فهو يكتبها ..!!

  

#- ملحوظة هامة جدا:

- اليهود كانوا يضعون هذه الأسماء الملائكية لاستدعائهم .. ظنا منهم في أنهم يتحركون لقضاء حوائجهم لو صلوا إليهم أي دعوهم مخلصين لهم بالتوجه إليهم ..!! وهذا باطل في دين الإسلام ..

 

#- ولا يوجد للأسماء الملائكية في الدين الإسلامي إلا الآتي:

1- جبرائيل: في القرآن.

2- ميكائيل: في القرآن.

3- مالك: في القرآن.

4- إسرافيل: في الحديث الصحيح.

5- هاروت وماروت: في القرآن .. على افتراض أنهما "ملكين".

 

@- وما عدا ذلك .. فعليه خلاف إن كان اسما أم وصفا مثل منكر ونكير .. وباقي الملائكة أتى التعريف بمهامها وليس بأسمائها .. ولعل الله فعل ذلك ليمنع المؤمنين من الإعتقاد في الملائكة ودعائهم كما فعل اليهود.. والله أعلم.

 

@- خلاصة القول أخي الحبيب لكل ما سبق:

1- الغرض مما سأذكره عن المصادر اليهودية .. إنما هو مزيد تحقيق لما قاله اليهود عن سليمان في الفترة قبل ظهور الإسلام ونزول القرآن .

 

2- ستدرك حقيقة أن ما تم كتابته في تفاسير المسلمين .. عن قصة سليمان والشيطان الذي سرق ملكه والخاتم السليماني .. إنما هو محض افتراض منقول من مصادر يهودية أي ما يسمى بالروايات الإسرائيلية.

 

3- انتبه إلى أن ما سنذكره عن السفر السليماني أو التلمود البابلي أو غيرهم .. ليس كتابات مقدسة عند اليهود أو المسيحيين مثل توراة اليهود .. لا .. وإنما مجرد كتابات كتبها بعض اليهود مثل تصورات أن يكون سليمان قالها كما في السفر السليماني .. أو تفسيرات وشروح كما في التلمود البابلي .. ولكن سواء هذا أو ذاك ليس نصوص مقدسة.. وهذا للتنبيه وللأمانة العلمية.

 

**********************

 

..:: س8: ماذا جاء في سفر العهد السليماني عن علاقة سليمان بالشياطين وقصة الخاتم السليماني ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- سفر العهد السليماني يتكلم عن جزئيتين:

- الجزئية الأولى: يرى الملك سليمان أحد رعيته يتم أذيته من أحد الشياطين .. فيتوسل إلى الله أن يساعده في قهر هذا الشيطان .. فيأتي إليه الملاك ميخائيل ويعطيه خاتم سحري فيه تأثير على كل الشياطين.

 

- ملحوظة: الملاك ميخائيل هو ميكائل في الإسلام.

 

- الجزئية الثاني: هو استحضار سليمان لستة وثلاثين شيطان لمعرفة ما يفعلونه .. ثم الحكم عليهم بإبعادهم عن البشر.

 

#- ويقول هذا السفر في بدايته عن سبب إعطاء سليمان قوة الخاتم المسيطر على الشياطين .. وهذا السفر يتم كتابته على أساس أن سليمان هو من كتبه:

1- وصية سليمان بن داود، الذي كان ملكًا على أورشليم، وسيطر على جميع أرواح الهواء، على الأرض، وتحتها. وبواسطتها أيضًا صنع جميع أعمال الهيكل الجليلة. ويخبر أيضًا عن السلطات التي يمارسونها على البشر، وعن الملائكة التي تُبيد هؤلاء الشياطين.

- من الحكيم سليمان: تباركتَ يا ربّ الإله، الذي منحت سليمان هذا السلطان. لك المجد والسلطان إلى أبد الآبدين. آمين.

 

2- وإذ كان هيكل مدينة أورشليم يُبنى .. وكان الصناع يعملون فيه، فاجأهم أرنياس الشيطان عند غروب الشمس، فأخذ نصف أجرة كبير المهندسين، ونصف طعامه. واستمرّ يمص إبهام يده اليمنى كل يوم. فضعف الطفل، مع أنه كان محبوبًا جدًا من الملك.

 

3- فدعا الملك سليمان الغلام ذات يوم وسأله: ألا أحبك أكثر من جميع الصناع الذين يعملون في هيكل الله؟ ألا أعطيك ضعف الأجر وضعف الطعام؟ لماذا تنقص وزنك يومًا بعد يوم وساعة بعد ساعة؟.

 

4- فقال الطفل للملك: أرجوك أيها الملك، اسمع ما حلَّ بكلِّ ما حلَّ بابنك. بعد أن نُخلَّص جميعًا من عملنا في هيكل الله، بعد غروب الشمس، عندما أستلقي للراحة، يأتي أحد الشياطين الشريرة ويأخذ مني نصف راتبي ونصف طعامي. ثم يمسك بيدي اليمنى أيضًا ويمص إبهامي. وها هي روحي مُضطهدة، وهكذا يزداد جسدي نحافةً يومًا بعد يوم."

 

5- فلما سمعتُ أنا سليمان هذا .. دخلتُ هيكل الله وصليتُ من كل قلبي ليلًا ونهارًا أن يُسلَّم الشيطان إلى يدي وأن أُسيطر عليه. وبفضل صلاتي، وُهِبتُ لي نعمة من الرب الصباؤوت بواسطة ميخائيل رئيس ملائكته. أحضر لي خاتمًا صغيرًا عليه ختمٌ من حجرٍ محفور، وقال لي: "خذ يا سليمان الملك يا ابن داود .. الهدية التي أرسلها إليك الرب الإله .. الصباؤوت الأعظم. بها تُحبس جميع شياطين الأرض، ذكورًا وإناثًا؛ وبمساعدتهم تُبني أورشليم. ولكن يجب عليك أن ترتدي ختم الله هذا. وهذا النقش لختم الخاتم الذي أُرسل إليك هو خماسي.

 

6- ففرحتُ أنا سليمان فرحًا عظيمًا .. وسبّحتُ ومجّدتُ إله السماء والأرض. (راجع سفر العهد السليماني من المقطع رقم 1 إلى رقم 6).

 

@- وباختصار يقول السفر عما حدث بعد ذلك: أن سليمان قبض على الشيطان الذي كان يضايق كبير المهندسين .. ثم أصبح يأتي بكل شيطان يسمع عنه .. فيحكم عليه ويجعله يعمل في بناء الهيكل .. ويمنعه عن أذية الناس .. حتى أظهر هذا السفر أن سليمان تكلم مع ستة وثلاثون شيطان .. وعرف وظيفتهم والملائكة الحاكمة عليهم .. (راجع سفر العهد السليماني من المقطع رقم 6 إلى رقم 127).

 

@- ومن الشياطين الذين أتى ذكرهم في السفر السليماني:

1- أورنياس: وهو شيطان كان يعذب شابًا عن طريق امتصاص طاقته..، ووظيفته أنه يسبب الهزال ويُضعف الشباب..، والملاك القادر عليه هو الملاك أورئيل.

 

2- بعلزبول: وهو ملك الشياطين ويتمتع بقدرات هائلة .. وظيفته هي نشر الحسد وإثارة الفتن .. والملاك القادر عليه هو الملاك ميخائيل.

 

3- أشمداي: وهو شيطان الشهوة .. وظيفته افساد العلاقات الزوجية وإثارة الشهوات في النفس .. والملاك القادر عليه هو الملاك رفائيل.

- وأشمداي هذا له أسماء كثيرة منها أسموديوس.

 

4- إنيبسيغوس: وهي شيطانة بثلاثة رؤوس لها ارتباط بالقمر .. وتسبب الجنون وتنبيء بالمستقبل..ن والملاك القادر عليه هو الملاك راثانيئيل.

 

5- أوبيزوث: وهو شيطان يهاجم النساء الحوامل والأطفال .. يسبب الإجهاض وقتل الأطفال حديثي الولادة .. والملاك القادر عليه هو الملاك ميخائيل.

 

- إلى آخر الستة وثلاثون شيطان المذكورين في هذا السفر ...

 

#- وفي ختام سفر العهد السليماني جاء الآتي:

128- وأنا سليمان: مجّدتُ الله، وزيّنتُ هيكل الرب بكل بهجة. وفرحتُ روحيًا في مملكتي، وساد السلام أيامي. واتخذتُ نساءً لي من كل أرض، وهنّ لا يُحصى عددهنّ. وزحفتُ على اليبوسيين، فرأيتُ هناك يبوسية ابنة رجل، فعشقتها حبًا شديدًا، ورغبتُ في الزواج منها مع سائر زوجاتي. فقلتُ لكهنتهم: "أعطوني الشونميات زوجةً لي ". فقال لي كهنة مولوك: "إن كنتَ تحب هذه الفتاة، فادخل واعبد آلهتنا، الإله العظيم رافان والإله المدعو مولوك". فخشيتُ مجد الله، ولم أتبعه. وقلتُ لهم: "لن أعبد إلهًا غريبًا. ما هذا الاقتراح الذي تُجبرونني عليه؟ " فقالوا: « ... من آبائنا».

 

129- ولما أجبتُ بأنني لن أعبد آلهةً غريبةً مهما كان .. قالوا للفتاة ألا تضاجعني حتى أذعن وأُضحي للآلهة. عندها تأثرتُ، لكن إيروس الماكرة أحضر لي خمسة جراد، قائلاً: "خذي هذه الجراد واسحقيها باسم الإله مولوك، وحينئذٍ سأضاجعكِ". وهذا ما فعلتُه بالفعل. وفجأةً فارقني روح الله، وأصبحتُ ضعيفًا وغبيًا في كلامي. وبعد ذلك، ألزمتني ببناء معبدٍ للأصنام لبعل، ورافا، ومولوك، وسائر الأصنام.

 

130- فتبعتُ نصيحتها .. وأنا بائسٌ أنا .. ففارقني مجد الله تمامًا؛ وأظلمت روحي، وأصبحتُ تسليةً للأصنام والشياطين. لذلك كتبتُ هذه الوصية، لكي تشفقوا أنتم الذين تملكونها، وتنتبهوا إلى الأمور الأخيرة ، لا إلى الأولى. لكي تجدوا النعمة إلى الأبد. آمين. (راجع سفر العهد السليماني من المقطع 128-130).

 

#- خلاصة القول:

1- هذا العهد أو السفر السليماني .. يتكلم عن بداية حصول سليمان على الخاتم السحري الذي استطاع بواسطته أن يسيطر على ستة وثلاثون شيطانا لبناء الهيكل ..، وبعد اكتمال الهيكل انحرف سيلمان بحبه لأحدى النساء وسحق خمسة جرادات داعيا باسم الإله مولوك الصنم .. ففارقه روح الله وأصبح ضعيفا غبيا .. حتى بنى معبد للأصنام خاص للصنم بعل ورافا ومولوك وأصنام أخرى ..!!

 

2- ونلاحظ أن الجزء الأخير .. يتفق مع الذي جاء في توراة اليهود التي يؤمن بها اليهود والمسيحيين .. وهو قصة بناء معابد للأصنام من اجل زوجاته واتباعا لشهواته ..!!

 

#- والقرآن يبريء سليمان عليه السلام من تهمة الكفر مطلقا .. سواء كانت بخصوص السحر أو بناء الأصنام لعبادتها.

 

********************

 

..:: س9: هل في التلمود البابلي يظهر تسخير سليمان للشياطين من خلال السحر حتى خدعة الشيطان وسرق خاتمه السحري ومملكته ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- قصة الشيطان الذي سرق خاتم سليمان ونجح في أن يطرده من ملكه .. ويستولى على كل ما فيه .. حتى جعله طريدا في الشوارع شحات لأعوام .. هذه القصة قد أتت في التلمود البابلي .. ونظرا لأن الترجمة الحرفية قد تكون متناسقة .. فسأكتبها مختصرة مع المحافظة على السياق العام .. ومما جاء في القصة:

1- عندما أراد سليمان بناء الهيكل أو المعبد .. أراد أن يأت بالشامير وهو حيوان مثل الدودة يقطع الحجارة .. لأنه كان ممنوع قطع الحجارة بالمعادن.

 

2- وأتى بالعفاريت ليستشيرهم عن مكان الشامير .. فأخبروه أن الوحيد الذي يعرف مكانها هو "أزموديوس" ملك العفاريت .. وهو يسكن في جبل بعيد وله بثر مخصوص يشرب منه الماء وكان يضع على هذا البئر خاتما من الحجر حتى يعرف أنه لم يسمه أحد .. ثم بحيلة ما تم وضع الخمر في البئر وحينما شرب منه أموديوس تمكنت منه قوات سليمان وختموه بخاتم سليمان ..

- فأتوا به إلى سليمان .. واخبر سليمان عن مكان الشامير ..، وأتى سليمان بالشامير واستخدمه في تقطيع حجارة المعبد .. وبعد الإنتهاء من البناء ..  

 

3- سأل سليمان أزموديوس فقال له: كيف لعفريت مثلك أن يخضع لبشر ؟

- فطلب منه أسموديوس .. أن يفك عنه الطوق المكتوب عليه اسم الله الأعظم الذي هو مختوم بخاتم سليمان وأن يعطيه الخاتم .. وسيريه عظمته ولن يؤذيه ..

 

4- فوقف أزموديوس أمام سليمان وأحد جناحيه يصل للسماء .. بينما الآخر يلمس الأرض .. ثم أمسك بسليمان فألقاه إلى مسافة بعيدة جدا خارج أورسليم .. وجلس أزموديوس على العرش وجعل نفسه ملكا بدلا من سليمان ..!!

 

5- ثم أن أعضاء مجلس الشيوخ اليهودي والموصوف ب (السنهدريم) .. لاحظوا في سليمان تصرفات غريبة .. فأرسلوا إلى بعض المقربين له أن يعرفوا منه عن حال سليمان معه .. فيخبرهم أن سليمان لا يتعامل معه ..، ثم سألوا زوجاته عن قدميه .. فقلن أنه ياتهن يرتدي جوارب في قدميه ..، ويأتيهن في وقت فصلهم .. (يقصد وقت فصلهم عن الطهارة – أي وقت الحيض) ..

 

6- وفي تلك اللحظة عرف الكهنة أن هذا ليس سليمان .. وعرف أزموديوس أنه انكشف أمره وهرب .. وأخذ الكهنة خاتم سليمان وأعطوه لسليمان .. واستعاد ملكه .. وكان بذلك نهاية القصة حسب رواية التلمود البابلي. (راجع التلمود البابلي سفر Gittin جزء 68A-68B).

 

7- وهناك إضافات ذكرها صاحب كتاب آساطير اليهود .. مثل المدة التي ظل سليمان فيها شريدا وطريدا عن مملكته .. كانت ثلاث سنوات .. وذلك تكفيرا عن خطاياه الثلاث وهم: الزوجات الكثيرة، والجياد الكثيرة، والذهب والفضة. (راجع كتاب أساطير اليهود ج4 ص165).

 

#- وخلاصة القول:

1- القصة في تلمود بابل .. لا تقول أن سليمان كان ساحر .. وإنما تقول أن شيطانا قد استولى على عرش سليمان .. وهذا الشيطان هو ملك العفاريت واسمه أزموديوس .. واحيانا يكتب "أسموديوس" .. وأحيانا يكتب "أزموداوس" .. وأحيانا يكتب "أسموديس" .. واحيانا يكتب "أشمداي".

 

- وأيا ما كان اسم الشيطان .. فهو خدع سليمان وسرق خاتمه وسرق ملكة .. وجامع نساءه وهن في حالة حيض ..

- ولعل مسألة الجوارب في القدمين للدلالة على أن الشيطان مهما تحول لشكل إنسان فهو تظل أطراف قدمه بشكل غير آدمي .. (لعلهم هكذا يتصورون) ..

 

2- هذه القصة بتفاصيلها .. ستجدها في الروايات الإسلامية .. في حين هي مكتوبة في التلمود البابلي قبل مجيء الإسلام بأكثر من ثلاثمائة سنة ..!!

 

@- الملاحظ بعد ما سبق:

- أنه ليس في النصوص اليهودية المتاحة حسب ما توفر لي .. أنه لا يوجد ذكر لجزئية السمكة التي ابتعلت خاتم سليمان ..، ولا يوجد ذكر صريح بأن سليمان كان ساحر  .. وإنما يظهر من كلامهم أن سليمان تسخيره للشياطين إنما كان بواسطة خاتم سحري أعطاه له ملك.

 

- وسواء جزئية السمكة أو جزئية الخاتم .. فكلاهما باطل أصلا .. وهذا ما سنذكره في فصول تالية إن شاء الله.

 

$- وأظن أن بعض اليهود ربطوا تسخير سليمان للشياطين بالسحر .. لأن أغلب السحر واسطته الشيطان ..، ولما كان سليمان استخدم الشياطين في بناء المعبد .. فيكون سليمان استخدم السحر في استحضار الشياطين ليبنوا له المعبد وليفعلوا له ما يريد .. ومن هذا المنطق جعلوا من سليمان ساحر .. والله أعلم.

 

@- عموما لا تنسى أخي الحبيب:

- أن كل ما سبق في هذا الفصل من مصادر اليهود .. يندرج تحت باب ما تلته الشياطين على ملك سليمان.

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .