ج9: رسالة التوضيح والبيان في قصة هاروت وماروت وخاتم سليمان - أحاديث باطلة منسوبة للنبي محمد وللصحابي عبد الله بن عباس في تفسير قوله تعالى (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان).

      بسم الله الرحمن الرحيم

 

رسالة التوضيح والبيان

في قصة هاروت وماروت وخاتم سليمان

وما تلته الشياطين في مملكة سليمان

مع التعريف بسحر التفريق الذي أثبته القرآن

 

 (الجزء التاسع)

#- فهرس:

:: الفصل الثامن :: عن روايات باطلة بعضها منسوب للنبي وبعضها منسوب للصحابي عبد الله بن عباس في تفسير تلاوة الشياطين ومعرفة من هم الشياطين ::

1- س23: ما هو الحديث المنسوب للنبي محمد بالباطل وقد اعتمد عليه بعض المفسرين في تفسير تلاوة الشياطين ومعرفة من هم الشياطين من قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) ؟

2- س24: ما هي الروايات المنسوبة للصحابي بن عباس والتي اعتمد عليها بعض المفسرين في تفسير تلاوة الشياطين ومعرفة من هم الشياطين من قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) ؟

********************

:: الفصل الثامن ::

********************

..:: س23: ما هو الحديث المنسوب للنبي محمد بالباطل وقد اعتمد عليه بعض المفسرين في تفسير تلاوة الشياطين ومعرفة من هم الشياطين من قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) ؟ ::..

  

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- أحببت أن أذكر لك أخي الحبيب في هذا الفصل والذي يليه إن شاء الله ... بعض الروايات التي استند إليها بعض المفسرين خاصة القدماء منهم .. في تفسير قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) البقرة:102 .. لتنتبه إلى أن بعض الآراء التفسيرية قد قيلت بناء على روايات لم تصح ..!!

 

- ومن هذه الروايات .. توجد رواية منسوبة لنبي صلى الله عليه وسلم .. وهي لم تصح .. وإليك بيان ذلك:

 

#- حديث منسوب للنبي محمد ويرويها عنه التابعي (الربيع بن أنس).

- جاء في (حديث باطل) .. قال الطبري حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: (فِي قَوْلِهِ: {وَاتَّبَعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: 102] قَالُوا: إِنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَانًا عَنْ أُمُورٍ مِنَ التَّوْرَاةِ .. لَا يَسْأَلُونَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ فَيَخْصِمُهُمْ.

- فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا: هَذَا أَعْلَمُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنَّا.

- وَإِنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنِ السِّحْرِ وَخَاصَمُوهُ بِهِ.

- فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: {وَاتَّبَعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانَ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102].

- وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ عَمَدُوا إِلَى كِتَابٍ .. فَكَتَبُوا فِيهِ السِّحْرَ وَالْكَهَانَةَ وَمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ .. فَدَفَنُوهُ تَحْتَ مَجْلِسِ سُلَيْمَانَ .. وَكَانَ سُلَيْمَانَ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ.

- فَلَمَّا فَارَقَ سُلَيْمَانَ الدُّنْيَا .. اسْتَخْرَجُوا ذَلِكَ السِّحْرَ .. وَخَدَعُوا بِهِ النَّاسَ .. وَقَالُوا: هَذَا عِلْمٌ كَانَ سُلَيْمَانَ يَكْتُمُهُ وَيَحْسُدُ النَّاسَ عَلَيْهِ.

- فَأَخْبَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ.

- فَرَجَعُوا مِنْ عِنْدِهِ، وَقَدْ حَزِنُوا وَأَدْحَضَ اللَّهُ حُجَّتَهُمْ) رواه الطبري في تفسيره ..

 

@- قلت (خالد صاحب الرسالة) – تعقيبا على هذه الرواية السابقة التي ذكرها التابعي "الربيع بن أنس":

- هذا حديث باطل ولا يصح نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم .. وقد اغتر البعض بما جاء في آخر الرواية من لفظ : (فَأَخْبَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ) .. فظن البعض بذلك أن هذا حديث نبوي .. ولكن الحقيقة هو حديث لا أشك في كونه مكذوب على النبي .. وهو حديث باطل لفساد سنده ونكارة متنه .. وإليك بيان ذلك:

 

- أولا: أما عن سبب فساد السند ففيه:

أ- انقطاع السند من أوله .. إذ أن الطبري لم يسمع من (عمار بن الحسن) ..!! ولذلك قال (حُدثت) بصيغة المجهول .. ولا نعرف من هذا المجهول ..!! 

 

ب- فيه (أبو جعفر الرازي – وهو عيسى بن ماهان) وهو ضعيف الحديث .. وقال عنه ابن حبان: كان ينفرد عن المشاهير بالمناكير ، لا يعجبنى الاحتجاج بحديثه إلا فيما وافق الثقات (راجع تهذيب التهذيب ج12 ص57) ، و ابنه (ابن أبي جعفر) فيه ضعف .. بل ورواية ابنه عن أبيه هي رواية باطلة غير معتبرة إذ قال ابن حبان: يعتبر حديثه من غير روايته عن أبيه (راجع تهذيب التهذيب ج5 ص177).

 

ج- انقطاع السند بين التابعي (الربيع بن أنس) .. وبين النبي صلى الله عليه وسلم ..

 

@- فالحديث "معلق" أي منقطع السند في أوله .. ومنقطع في آخره .. فكيف يصح مثل هذا الحديث .. وكيف ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم ..!!

 

- وأظن أن الذي كذب بهذا الحديث على النبي صلى الله عليه وسلم .. هو الشخص المجهول الذي نقل الحديث للطبري عن عمار بن الحسن .. والله أعلم.

 

#- ثانيا: أما عن فساد المتن:

1- لا يمكن تصديق هذه الرواية .. لأنه لو صدقنا هذه الرواية .. فهذا معناه أن الله جعل للشياطين سلطان على سليمان بأن تمكنت من خداعه والمكر به والكيد له .. وهذا من المغالطات الصريحة والمخالفة للقرآن .. لأن الله قال أن الشيطان لا سلطان له على عباد الله والذين منهم الأنبياء والمرسلين .. إذ قال جل شأنه: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) الإسراء:65 ..، وقال تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) النحل:99-100.

 

2- جاء في الرواية: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ عَمَدُوا إِلَى كِتَابٍ فَكَتَبُوا فِيهِ السِّحْرَ وَالْكَهَانَةَ وَمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَدَفَنُوهُ تَحْتَ مَجْلِسِ سُلَيْمَانَ .. وَكَانَ سُلَيْمَانَ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ) ..

- وهذا الجزء من الرواية مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى النبي سليمان عليه السلام .. ليه ؟

 

- لأن هذا فيه مخالفة صريحة للقرآن .. لأن الله يقول: (وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ) الأنبياء83 .. أي وكنا لهم مراقبين لأعمالهم ولا يتمرَّدون على أمر سليمان ..، ويقول تعالى (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) سبأ12 .. أي ومن ينحرف من الجن عن أمرنا لهم بطاعة سليمان نُذقه من عذاب النار المستعرة ..

 

- فهل بعد كلام الله يصح لك أن تصدق يا مؤمن .. أن الشياطين تلاعبت بملك نبي مثل سليمان واستغفلته .. حتى دفنت تحت كرسي عرشه كتابا للسحر ..!!

- فهذا كلام لا يمكن تصديقه ..!!

- بل هذا بهتان عظيم ..!!

- وحاشا النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون قال بمثل هذا الكلام ..!!

 

3- أما عن جزئية (وَكَانَ سُلَيْمَانَ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ) .. نعم هو لا يعلم الغيب .. ولكنه مؤيد من الله بملائكته .. ويعلم من الله كيف يحكم الشياطين في مملكته جيدا بما أعطاه الله من قدرة في ذلك .. وإذا كان المؤمن يتم حفظ أشياءه من الشيطان بالذكر .. أيقال في سليمان نبي الله والحاكم على بعض عوالم الشياطين الذين كانوا يعملون في مملكته .. أنهم اخترقوا خصوصيته ودفنوا تحت مجلسه أو كرسي عرشه كتابا للسحر ..!!

- إن هذا إلا افتراء ..!!

- ولا يصدقه إلا من فقد نور البصيرة ..!!

 

4- أما عن جزئية (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ عَمَدُوا إِلَى كِتَابٍ .. فَكَتَبُوا فِيهِ السِّحْرَ وَالْكَهَانَةَ) فهذا كلام لا يصدقه أهل البصيرة .. ليه ؟

- إذ يستحيل تصرف الشياطين في كتب الإنس .. سواء بالإضافة عليها أو الإنقاص منها .. وإلا كانوا فعلوا ذلك في كل شيء .. وجعلوا من الباطل حقا ومن الحق باطل ..!!

- إن هذا إلا افتراء وبهتان .. وعجبا لعاقل أن يصدق هذا الكلام ؟!!

 

5- وهذا الجزء من الرواية: (فَلَمَّا فَارَقَ سُلَيْمَانَ الدُّنْيَا .. اسْتَخْرَجُوا ذَلِكَ السِّحْرَ .. وَخَدَعُوا بِهِ النَّاسَ) يجعلنا نفهم الآتي:

- أن الشياطين ظهرت بصورة بشر .. حتى أتوهم بكتاب السحر .. وهذا من أبطل الباطل أن نظن بتجسيد الشياطين في صورة بشر .. وهذا وصف الملائكة وليس وصف الشياطين في الشريعة الإسلامية .. وإنما يقال بذلك عند اليهود والنصارى لأن الشياطين في معتقدهم هم ملائكة ولكن عصت ربها وسقطت من رحمته .. وطالما هم ملائكة فيمكنهم التحول لصورة البشر (وهذا معتقد اليهود والنصاري وليس المسلمين) .. فانتبه !!

 

- فتمثل الشيطان في صورة إنسان سويا يكلم الناس .. هو كلام غير صحيح .. إذ لا قدرة للشيطان على التمثيل في صورة إنسانا سويا .. وإلا قلنا أنه كالملائكة .. وهذا من أبطل الباطل ..!!

 

- وإذا كان له القدرة على التمثيل في هيئة بشريا سويا .. فلماذا لا يظهر الشيطان في كل زمان ومكان ليكون له من السهولة تضليل كل البشر بدلا من ارهاق نفسه بالوسوسة ..؟!!

 

- ولماذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الجن يتمثل أو يتجسد في صورة إنسان .. في حين قال أن منهم من يتشكل في أشكال حيوانات كالحيات والكلاب .. ولم يذكر أن منهم من يتمثل في صورة إنسان .. ؟!!

- وهذا من أقوى الأدلة على بطلان هذه العقيدة المزيفة في الشيطان بقدرته على ظهوره بصورة إنسان.

 

#- وعموما سبق مناقشة خرافة تجسيد الشيطان في صورة إنسانا سويا .. وذلك في رسالتي (رسالة إمكانية تجسيد الجن والملاك والشيطان في صورة إنسان) .. فارجع إليها لو أردت.

 

6- وإذا كان كل ما سبق في حالة كان الظن بأن الشيطان ظهر في صورة إنسانا سويا .. أما لو كان مقصد الرواية أن الشيطان ظهر في صورته الحقيقية .. فهذا معتقد لا يقل تخريف عن سابقه .. لأنه معتقد حينئذ مخالف للقرآن .. إذا قال تعالى: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) الأعراف:27.

- فكيف يظهر للناس بكونه شيطانا والناس تراه .. وهذا محال حدوثه لأنه إن حدث فهو يحدث من وراء حجاب المادة ..!!

 

7- القصة المذكورة في الرواية .. ما علاقتها بتلاوة الشياطين ؟!!

- فهل الشياطين كانت تتلو على الناس أن سليمان كان يستخدم كتب السحر ..!!

- فهذا لا يسمى تلاوة أصلا .. وإنما خبرا قيل فيهم ..

 

- ولكن حقيقة التلاوة فعلا .. هي أن اليهود كتبوا بأيديهم في توراتهم كلام كفر عن سليمان .. وذلك ليكون كلام مقدس ويتم تلاوته باستمرار على مر الزمان .. فكذبوا على فترة ملك سليمان بما يسيئوا به لسليمان وإظهاره بكونه كافر .. حينما قالوا عنه أنه صنع الأصنام وسمح بطقوسها مرضاة لزوجاته.

- ودليل ذلك استمرار اليهود حتى زمن النبي بل وحتى زماننا يتلون هذا الكلام على سليمان من توراتهم باعتبارها كتاب مقدس ..

 

#- وخلاصة القول:

- أن سند الرواية تالف .. ومتن الرواية فاسد .. والرواية كلها باطلة .. وفيها كذب على النبي صلى الله عليه وسلم.

- والله أعلم.

 

************************

س24: ما هي الروايات المنسوبة للصحابي بن عباس والتي اعتمد عليها بعض المفسرين في تفسير تلاوة الشياطين ومعرفة من هم الشياطين من قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) ؟

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- هناك روايات مشهورة استند عليها البعض في تفسير (واتبعوا ما تتلوا الشياطين) .. وهذه الروايات منسوبة للصحابي عبد الله بن عباس.. وهي عدة روايات .. وإليك بيانها ..

 

======================

 

#- (الرواية الأولى): عن الصحابي عبد الله بن عباس.

 

1- (أثر باطل - منكر المتن جدا) .. عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ عن ابن عباس أنه قال: (كَانَتِ الشَّيَاطِينُ يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ مِنَ السَّمَاءِ فَيَأْتِي أَحَدُهُمْ بِكَلِمَةِ حَقَّ قَدْ سَمِعَهَا .. فَإِذَا حَدَثَ مِنْهُ صِدْقٌ كَذَبَ مَعَهَا سَبْعِينَ كِذْبَةَ ..

- قَالَ: فَيُشْرِبُهَا قُلُوبَ النَّاسِ ..

- فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا سُلَيْمَانَ .. فَدَفَنَهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ.

- فَلَمَّا تُوُفِّيَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ .. قَامَ شَيْطَانٌ بِالطَّرِيقِ .. فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ الْمُمَنَّعِ (أي المخفي) الَّذِي لَا كَنْزَ مِثْلُهُ ؟

- تَحْتَ الْكُرْسِيِّ .. (أي تجدوه تحت الكرسي).

- فَأَخْرَجُوهُ ..

- فَقَالُوا: هَذَا سِحْرٌ .. فَتَنَاسَخَهَا الْأُمَمُ .. حَتَّى بَقَايَاهُمْ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ.

- فَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَ سُلَيْمَانَ: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانَ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102]) رواه الطبري في تفسيره..، ورواه الحاكم.

 

#- وبنفس سند الرواية السابقة بلفظ جاء فيه: ( .. فَأُشْرِبَتْهَا قُلُوبُ النَّاسِ وَاتَّخَذُوهَا دَوَاوِينَ .. فَاطَّلَعَ عَلَيْهَا سُلَيْمَانُ .. فَدَفَنَهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ ...) رواه سعيد بن منصور في تفسيره.

 

#- وبنفس السند أيضا وبلفظ آخر .. عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِمْرَانَ السُّلَمِيِّ يَعْنِي ابْنَ حَرْبٍ الْحَارِثَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (لَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ .. قَامَ شَيْطَانٌ .. فَقَالَ: أَنَا أَدُلُّكُمْ .. عَلَى كَنْزٍ لَيْسَ لَهُ مِثْلُهُ ..

- قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ ؟

- قَالَ: تَحْتَ كُرْسِيِّهِ.

- قَالُوا: إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ .. !! فَتَنَاسَخَتْهَا الْأُمَمُ فَاتَّخَذُوهَا سِحْرًا ..

- فَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَ سُلَيْمَانَ: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} [البقرة: 102] .. فَبَقِيَّةُ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ يَتَحَدَّثُ بِهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ (أي أن بقية أحاديث الشياطين في السحر وعلاقة سليمان به لازال يتحدث به أهل العراق ويصدقونه) ) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) .. تعقيبا على رواية الصحابي بن عباس:

- أولا: عن السند ..

1- في رواية الطبري يوجد (بن حميد الرازي) .. وهو متروك الحديث ..

- وإنما في رواية الحاكم: فالسند قال عنه الذهبي أنه صحيح .. ولكن منكر المتن.

- وكذلك رواية ابن أبي حاتم: صحيحه السند .. ولكن منكر المتن.

 

#- ملحوظة هامة: معنى كون السند صحيح .. هو أن احتمالية أن يكون الصحابي بن عباس قد قال ما جاء في هذه الرواية فعلا ..، ولكن ليس معناه أن ما قاله بن عباس هو صحيح فعلا .. لا .. لأن بن عباس لم يذكر لنا مصدر معرفته بهذه القصة الغيبية.

 

- ولا تنخدع أخي الحبيب بمن ينقلون تصحيحات بعض الأئمة لأسانيد بعض الروايات .. إذ أن الرواية لا تصح بصحة السند فقط .. وإنما تصح بصحة السند والمتن معا ..!! فانتبه ولا تنسى.

 

2- انقطاع السند بين الصحابي بن عباس وعمن أخذ عنه هذه القصة الغيبية التي لم يخبرنا عمن عرف هذه القصة .. أي ما هو مصدرها .. لأنها تتحدث عن قصة غيبية كان مر عليها أكثر من ألف وخمسمائة سنة حين نزول القرآن ..!!

- وهذا سبب كافي لبطلان الأثر ..

 

- ثانيا: عن المتن ..

1- الرواية الأولى غير مفهومة المعنى .. إذ ما علاقة ما كانت تلقيه الشياطين من غيبيات ويتم إضافة سبعين كذبة عليها .. بجمع سليمان لها ودفنها تحت مجلسه ؟!!

- فإذا كانت القصة تتكلم عن العرافة وتدوين معلومات غيبية .. فما علاقة العرافة بالسحر ؟!! وما علاقة ذلك بالقصة أصلا حينئذ ؟!!

 

2- قصة إخفاء سليمان لكتب تحت كرسي عرشه ..، يظهر أنها كتب عرافة وليس كتب سحر .. وفرق بين العرافة والسحر وإن كان كلاهما وسيطه الشيطان .. ولكن السحر تعليم أفعال .. والعرافة تلقين أخبار .. والفارق كبير ..

 

- وعلى افتراض أن من جملة الكتب كانت جمعها سليمان وتقصد القصة بذلك كتب السحر والعرافة .. فهذا فيه شبهة اتهام لسليمان عليه السلام بممارسة السحر والعرافة .. وإلا لماذا احتفظ بهذه الكتب تحت كرسي عرشه ؟!!

- والظن بذلك في سليمان هو من الباطل الذي لا بعده باطل ..!!

 

3- كيف يمكن تصديق .. أن يجمع نبي الله كتب العرافة أو العرافة والسحر ليحتفظ بهذا الباطل تحت كرسيه .. بدلا من أن يقتل الفتنة نهائيا فيحرق هذه الكتب المملؤة بالشيطانيات ....؟!!

- فكيف يظن أحد أن هذا يكون فعل نبي مع كتب السحر ؟!!

- ثم كيف كان سليمان يذكر الله .. وهو يعلم أنه جالس على ما كتبته الشياطين ؟!!

 

4- أما عن خرافة تمثل الشيطان في صورة إنسان سويا يكلم الناس فهذا باطل .. إذا لا قدرة للشيطان على التمثيل في صورة إنسانا سويا .. وإلا قلنا أنه كجبريل عليه السلام .. وهذا من أبطل الباطل ..!!

- وسبق الكلام عن ذلك في الرواية الأولى المنسوبة للنبي بالباطل.

 

5- القصة المذكورة ما علاقتها بتلاوة الشياطين ؟!!

- كما سبق وذكرنا في الرواية الأولى المنسوبة للنبي بالباطل ..

 

#- ملحوظة هامة – عن مجمل القصة:

- الرواية السابقة أظهرت أن ابن عباس قال: أن سليمان أخذ كتب العرافة التي تم كتابتها في زمنه .. ودفنها أسفل كرسي عرشه .. وأن الشيطان بعد موت سليمان أخبر الناس عن مكان هذه الكتب المدفونة .. وقال عنها الناس أنها سحرا.

 

#- إذن القصة في ثلاث نقاط:

1- القصة تتكلم عن العرافة.

2- القصة تتكلم عن أن الشيطان أرشد الناس لكنز.

3- القصة تتكلم عن أن الناس فهموا أن هذا سحرا وليس الشيطان من قال بذلك.

 

==================

 

#- الرواية الثانية: رواية الصحابي عبد الله بن عباس.

 

8- جاء في (أثر باطل – ومتن منكر جدا) .. عن مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيُّ، فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا عَمِّي الْحُسَيْنُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (قَوْلُهُ: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 102] .

- وَكَانَ حِينَ ذَهَبَ مُلْكُ سُلَيْمَانَ .. ارْتَدَّ فِئَامٌ (أي جماعة) مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ .. وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ..

- فَلَمَّا رَجَّعَ اللَّهُ إِلَى سُلَيْمَانَ مُلْكَهُ .. وَقَامَ النَّاسُ عَلَى الدِّينِ كَمَا كَانَ .. وَإِنَّ سُلَيْمَانَ ظَهَرَ عَلَى كُتُبِهِمْ فَدَفَنَهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ .. وَتُوُفِّيَ سُلَيْمَانُ حَدَثَانَ ذَلِكَ (أي توفى في وقت قريب بعد دفنه للكتب) ..

- فَظَهَرَ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ عَلَى الْكُتُبِ بَعْدَ وَفَاةِ سُلَيْمَانَ.

- وَقَالُوا: هَذَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ نَزَلَ عَلَى سُلَيْمَانَ أَخْفَاهُ مِنَّا، فَأَخَذُوهُ فَجَعَلُوهُ دِينًا ".

- فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 101] .

- وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ الَّتِي كَانَتِ الشَّيَاطِينُ تَتْلُوا وَهِيَ الْمَعَازِفُ وَاللَّعِبُ وَكُلُّ شَيْءٍ يَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) .. تعقيبا على رواية الصحابي بن عباس:

- أولا: من حيث السند:

1- هذا السند ضعيف جدا .. وفيه (عطيه العوفي) وابنه (الحسن بن عطية العوفي) و (محمد بن الحسن بن عطية) و (الحسين بن الحسن بن عطية العوفي) وهو عم سعد بن محمد العوفي .. جميعهم ضعفاء .. وهذا يسمى بسند العوفيين .. ومنتشر بكثرة في التفاسير .. فإذا رأيت هذا السند فاعرف مباشرة أنه سند ضعيف جدا .. ، وقال الإمام أحمد شاكر رحمه الله في تخريج تفسير الطبري ج1 ص 263: هذا الإسناد من أكثر الأسانيد دورانا في تفسير الطبري، وهو إسناد مسلسل بالضعفاء من أسرة واحدة، إن صح هذا التعبير .. وهو معروف عند العلماء بـ "تفسير العوفي". (انتهى النقل).

 

2- انقطاع السند بين الصحابي بن عباس وعمن أخذ عنه هذه القصة الغيبية التي لم يخبرنا عمن عرف هذه القصة .. أي ما هو مصدرها .. لأنها تتحدث عن قصة غيبية كان مر عليها أكثر من ألف وخمسمائة سنة حين نزول القرآن ..!!

 

#- ثانيا: أما عن المتن.

1- أخيب نكارة وخرافة قيلت في تلك القصة .. فهي خرافة ذهاب ملك سليمان ..!!

- حيث تقول الرواية (فَلَمَّا رَجَّعَ اللهُ إِلَى سُلَيْمَانَ مُلْكَهُ) ..!!

- وهذا كلام يدل على أن سليمان قد سُلب ملكه .. كما أوضحت ذلك روايات أخرى باطلة ومنكرة وفيها من الكذب ما فيها .. وهي رواية سرقة الشيطان لخاتم سليمان والإستيلاء على ملكه .. وسيأتي ذكرها في فصل مستقل.

 

#- عموما سبب أن هذه الرواية منكرة .. لأن الله لم يسلب سليمان عليه السلام ملكه ويعطيه للشيطان كما زعمت بعض الروايات .. وإلا كان هذا مخالفا للقرآن ومعارضا له .. لأن الله يقول (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ . فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ . وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ . وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ . هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ . وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) ص35-40.

 

- والآيات توضح بيقين أن الله حينما أعطاه الملك وسخر له من فضله عالم الجن والريح وغير ذلك .. لم يسلبه أحد من سليمان عليه السلام .. ويكفيك قوله تعالى (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ..!! وكيف الذي يعطيه الله لك يسلبه منك أحد .. كيف ذلك وهو يقول جل شأنه: (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يونس107 ..؟!!

 

2- أما عن جزئية إخفاء سليمان للكتب تحت كرسي عرشه .. فلم توضح لنا الرواية ماهية هذه الكتب ؟!! ولماذا أخفاها تحت كرسيه ولم يحرقها طالما هي من المنكرات ؟!!

 

3- أما عن تفسير تلاوة الشياطين .. فهذه نكارة غير معقولة أصلا في تلك الرواية .. وهي أن يكون تفسير تلاوة الشياطين هي المعازف واللعب وكل ما يصد عن ذكر الله .. لأن التلاوة مرتبطة بكلام منطوق أو مقروء .. فما علاقة هذا بالمعازف واللعب ؟!!

- وبالتالي ما علاقة القصة المذكورة في الرواية بالسحر أصلا .. والرواية لم يتم فيها ذكر أي شيء عن السحر سوى الآية ..!!

 

4- اضطراب الرواية بين أن سليمان جمع كتبهم فدفنها .. ثم قيل انهم استخرجوا كتابا واحد بعد موت سليمان وقالوا هذا نزل من عند الله ..!!

- فكيف جمع كتبا وكيف استخرجوا كتابا ؟!!

 

#- ملحوظة هامة – عن مجمل القصة:

- الرواية السابقة أظهرت أن ابن عباس قال: أن سليمان تم الإستيلاء على ملكه .. ثم عاد إليه ملكه .. وأثناء فترة الإستيلاء على ملكه .. انحرف الإنس والجن واتبعوا الشهوات .. ولما عاد سليمان جمع ما كتبوه من انحرافات ودفنها تحت كرسيه .. ولمات مات استخرد الناس كتابا قالوا عنه أنه كتابا أنزل من عند الله وأخفاه سليمان .. فجعل الناس من هذا الكتاب دينا لهم .. وكان من تلاوة الشياطين في ذلك الزمان هو المعازف واللعب وكل ما فيه انحراف عن ذكر الله.

 

#- إذن القصة في أربعة نقاط:

1- القصة تتكلم عن أن سليمان تم سرقة ملكه منه والإستيلاء عليه (والذي فعل ذلك شيطان – كما جاء في روايات أخرى أظهرت ذلك).

2- القصة تتكلم عن كتب دفنها سليمان ولا نعرف ما هية هذه الكتب.

3- القصة تتكلم عن أن الإنس والجن معا أخرجوا كتابا مدفونا تحت كرسي سليمان وجعلوه دينا لهم.

4- القصة تتكلم عن أن تلاوة الشياطين هي المعازف واللعب وكل ما فيه انحراف عن ذكر الله .

 

=========================

 

#- الرواية الثالثة: رواية الصحابي عبد الله بن عباس.

 

3- (أثر باطل) .. عن الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: (كَانَ آصِفُ كَاتِبَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ .. وَكَانَ يَعْلَمُ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ .. كَانَ يَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ يَأْمُرُهُ بِهِ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَدْفُنُهُ تَحْتَ كُرْسِيِّهِ ..

- فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ .. أَخْرَجَتْهُ الشَّيَاطِينُ .. فَكَتَبُوا بَيْنَ كُلِّ سَطْرٍ مِنْ سِحْرٍ وَكَذِبٍ وَكُفْرٍ ..

- فَقَالُوا (أي الشياطين قالوا للناس): هَذَا الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ سُلَيْمَانُ بِهَا.

- فَأَكْفَرَهُ جُهَّالُ النَّاسِ وَسُفَهَاؤُهُمْ وَسَبُّوهُ .. وَوَقَفَ عُلَمَاؤُهُمْ (أي لم يشارك علماؤهم في الطعن بسليمان).

- فَلَمْ يَزَلْ جُهَّالُهُمْ يَسُبُّونَهُ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ جَلَّ وَعَزَّ: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 102]) رواه النسائي في السنن الكبرى..، و رواه ابن أبي حاتم في تفسيره.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) .. تعقيبا على رواية الصحابي بن عباس:

#- أولا: أما عن السند ..

1- فيه عنعنة الأعمش عن المنهال بن عمرو .. وهذا غالبا يدل على عدم سماع الأعمش من المنهال ..، وإذا كان من الممكن قبول العنعنة في الصحيحين ثقة فيهما .. إلا أنه في غير الصحيحين .. تكون عنعنة الاعمش محل اتهام وعلة في ضعف الحديث..، خاصة وأن متن الرواية يثير الشبهة في أن يكون قائلة هو بن عباس فعلا لأنه هو بنفسه كان يمنع الناس من الأخذ عن أهل الكتاب أو سؤالهم عن شيء .. فكيف هو من يحكي عنهم .. وإلا فمن أين أخذ هذه القصة ؟!!

 

- أو لعله حكاها على سبيل ما سمعه من أهل الكتاب الذين أسلموا .. ولكنه لا يعتقد فيها ولا يقر بصحتها .. إلا أن أحد الرواة أخفى ذلك ظنا منه أنه رأى محتمل .. والله أعلم.

 

- وعن رأيي الخاص هذا الحديث لم يقل به بن عباس أبدا .. بل ملفق له بنسبة مائة في المائة .. ودون شك ولو حتى واحد في المائة .. وذلك لأسباب أذكرها في الطعن على المتن.

 

2- انقطاع السند بين الصحابي بن عباس وعمن أخذ عنه هذه القصة الغيبية التي لم يخبرنا عمن عرف هذه القصة .. التي يزيد عمرها عن ألف وخمسمائة سنة من وقت نزول القرآن ..!!

 

#- ثانيا: أما عن المتن.

1- بداية الرواية منكرة .. إذ من قال أن وزير سليمان كان يكتب معارف سليمان ويدونها في كتب ويدفنها أسفل كرسي سليمان ؟!!

- ولماذا يدفنها طالما هي معارف من الحق ؟!

- بل أن هذا كذب ولم يحدث ..!!

 

2- أما عن جزئية استخراج الشياطين لهذه الكتب .. وأنهم زادوا فيها بين كل سطر سحر وكفر .. فهذا كلام لا يصدقه أهل البصيرة ..

- إذ يستحيل تصرف الشياطين في كتب الإنس .. سواء بالإضافة عليها أو الإنقاص منها .. وإلا كانوا فعلوا ذلك في كل شيء .. وجعلوا من الباطل حقا ومن الحق باطل ..!!

- بل أين نجد ذلك في أي وحي سماوي .. قيل أن الشياطين كانت تكتب كتبا وتنشرها بين الناس ؟!!

- إن هذا إلا افتراء وبهتان .. وعجبا لعاقل أن يصدق هذا الكلام ؟!!

 

3- وكيف الشياطين أخرجت هذه الكتب للناس .. وسمح العلماء بتكفير الناس وسبهم لسليمان دون الدفاع عنه ؟!!

 

#- ملحوظة هامة – عن مجمل القصة:

- الرواية السابقة أظهرت أن ابن عباس قال: أن سليمان كان يملي على وزيره آصف علما ومعرفة ويكتبها آصف .. ثم يدفنها آصف أسفل كرسي سليمان .. ثم لما مات سليمان استخرجت الشياطين هذه الكتب وكتبت بين هذه المعرفة سطورا من السحر والكفر .. وقالوا للناس أن بهذا الكتاب أو هذه الكتب كان يحكم سليمان مملكته ..!!

- فأكفره الناس وسبَّوه .. ووقف العلماء لم يدافعوا عن سليمان ..!!

 

#- إذن القصة في أربعة نقاط:

1- القصة تتكلم عن أن سليمان كان ينقل معرفته لوزيره آصف .. وآصف يكتب هذه المعرفة في كتب ويدفنها أسفل كرسي سليمان ..!!

2- القصة تتكلم عن أن الشياطين بعد موت سليمان استخرجت كتب المعرفة التي كان يكتبها وزير سليمان آصف .. وأضافوا فيها سحرا وكفرا.

3- القصة تتكلم عن أن الشياطين هم الذين اخرجوا الكتب للناس وأخبروهم أن سليمان حكم بهذا السحر مملكته.

4- القصة تتكلم عن أن الناس قاموا بتكفير وسب سليمان لما رأو كتب السحر .. والعلماء لم يشاركوهم في سبهم ولكنهم أيضا لم يدافعوا عن سليمان .!!

 

@- وخلاصة القول في كل الروايات السابقة عن الصحابي عبد الله بن عباس:

1- كلها روايات باطلة وتالفة السند ومنكرة المتن .. ولا يصح منها شيئا .. !!

2- وفي النهاية تسأل نفسك سؤال مهم:

- أي واحدة من الروايات هي التي قالها الصحابي عبد الله بن عباس .. وكلها متعارضة ؟!! لأنه يستحيل أن يكون قال هذه الروايات الثلاثة السابق ذكرها ... (هذا بخلاف الرواية الكبيرة المذكور فيها خاتم سليمان ورق مملكته من الشيطان) فهذه رواية لها فصل خاص .. إن شاء الله.

 

- وهذا التعارض في الروايات .. يجعلك تفهم بيقين أنه كانت الروايات يتم تزويرها على الصحابي بن عباس خاصة فيما يتعلق بالقصص القرآن .. لكونه من آل بيت النبي .. والنبي دعا له أن يعلمه الله التأويل .. فيكون كل ما هو منسوب لابن عباس مقبول .. ولكن الحقيقة أن هذه روايات بن عباس بريء منها .. فانتبوا.

- والله أعلم. 

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .