ج9: قصة نبي الله لوط مع قومه الشواذ جنسيا بالمثلية - جرائم قوم لوط الموصوفة في القرآن بأنها فاحشة ومنكر وقطع سبيل - الفرق بين (إنكم لتأتون الفاحشة) و (أإنكم لتاتون الرجال) - ما الذي أفادته كلمة (الفاحشة) من قول لوط لقومه (إنكم لتأتون الفاحشة) - ماذا أفادت كلمة (ناديكم) مع كلمة (المنكر) من قول لوط لقومه (وتأتون في ناديكم المنكر) - ما هو حقيقة المنكر الذي كان يفعله قوم لوط في ناديهم حينما قال لهم لوط (وتأتون في ناديكم المنكر).

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة نبي الله لوط عليه السلام

مع قومه الشواذ جنسيا بالمثلية

اللُّواطِيُّون والسُّحَاقيَّات

(الجزء التاسع)

#- فهرس:

:: الفصل التاسع :: عن التعريف بجرائم قوم لوط – فاحشة اللواط – وقطع السبيل – وفعل المنكر في ناديهم ::

1- س24: ما هي جرائم قوم لوط الموصوفة في القرآن بأنها فاحشة ومنكر وقطع سبيل والتي حاول النبي لوط في منعهم عنها ؟  

#- أولا: معني كلمة  فاحشة – منكر – قطع سبيل.

#- ثانيا: من تفسير العلماء لجرائم قوم لوط الذي قال عنها النبي لوط (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ).

2- س25: ما الفرق بين (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ) و (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ) ؟

3- س26: ما الذي أفادته كلمة (الفاحشة) من قول لوط لقومه (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ) ؟

4- س27: ماذا أفادت كلمة (ناديكم) مع كلمة (المنكر) من قول لوط لقومه (وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) ؟

5- س28: ما هو حقيقة المنكر الذي كان يفعله قوم لوط في ناديهم حينما قال لهم لوط (وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) ؟

*****************

:: الفصل التاسع ::

******************

 

..:: س24: ما هي جرائم قوم لوط الموصوفة في القرآن بأنها فاحشة ومنكر وقطع سبيل والتي حاول معهم النبي لوط في منعهم عنها ؟ ::..

 

#- قال تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) العنكبوت:28-29.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- القرآن ذكر لقوم لوط ثلاث جرائم .. وقد ذكرها لهم لوط عليه السلام في مناقشته مع قومه حينما كان يدعوهم إلى تقوى الله للإيمان به والإبتعاد عن هذه الشرور التي يفعلوها.

 

#- ففي الآية السابقة يظهر معنا ثلاث جرائم اتهمهم النبي لوط بها:

- جريمة الفاحشة.

- جريمة قطع السبيل.

- جريمة فعل المنكر في ناديهم.

 

#- وجريمة الفاحشة على وجه الخصوص قد خصصها القرآن بالذكر كثيرا في قصة لوط عليه السلام .. وهي فاحشة الشذوذ الجنسي أو مناكحة المثليين أو ركوب الرجال على الرجال في فتحة الشَّرج (الخراء) .. ولعل النساء كن يفعلن ذلك من جملة المنكر الذي كان يحدث في ناديهم.

 

#- أولا: معني كلمة  فاحشة – منكر – قطع سبيل.

1- الفُحْشُ والفَحْشَاءُ والفَاحِشَةُ: "ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال .. وقال: (إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) الأعراف:28". (المفردات في غريب القرآن ص626).

 

2- المُنْكَرُ: ما تنكره العقول والشرائع والمروءات. (البحر المحيط ج8 ص354).

- والمروءات يقصد بها: أصحاب الأخلاق الحميدة والصفات النبيلة التي تدفع الإنسان لفعل ما هو رشيد وخير ومستحسن شرعا وعرفا.

#- والمنكر بلفظ آخر: فهو ما تستنكره النفوس المعتدلة وتكرهه الشريعة من فعل أو قول. (التحرير والتنوير ج14 ص257).

 

3- قطع السبيل "الطريق": "القَطْعُ: فصل الشيء".

- "وإنما سمّي ذلك قطع الطريق: لأنه يؤدّي إلى انْقِطَاعِ الناس عن الطريق .. فجعل ذلك قطعا للطريق". (المفردات في غريب القرآن ص667- 668 - مختصرا).

 

#- ثانيا: من تفسير العلماء لجرائم قوم لوط الذي قال عنها النبي لوط (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ).

1- قال الإمام أبو منصور الماتريدي رحمه الله (المتوفى: 333 هـ):

- يخبر عن سوء صنيعهم في كل حال وكل وقت .. يقول: إنكم تعملون بالفواحش والمناكير في كل حال: في الطريق، وفي المجلس، وفي المنزل .. ما سبقكم بذلك كله من أحد من العالمين .. واللَّه أعلم. (تفسير تأويلات أهل السنة ج8 ص223).

 

2- قال الإمام أبو الحسن الماوردي رحمه الله (المتوفى:450 هـ):

أ- (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ): أي تنكحون الرجال.

 

ب- (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) فيه ثلاثة أوجه:

- أحدها: أنه قطع الطريق على المسافر .. قاله ابن زيد.

- الثاني: أنهم بإتيان الفاحشة من الرجال قطعوا الناس عن الأسفار حذراً من فعلهم الخبيث .. حكاه ابن شجرة.

- الثالث: أنه قطع النسل للعدول عن النساء إلى الرجال ..، قال وهب: استغنواْ عن النساء بالرجال.

 

ج- (وَتَأْتُونَ فِي نَادِيِكُمُ الْمُنكَرَ) أي في مجالسكم المنكر فيه أربعة أوجه:

- أحدها: هو أنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم .. قالته عائشة رضي الله عنها.

- الثاني: أنهم كانوا يخذفون من يمر بهم ويسخرون منه .. روته أم هانىء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

- الثالث: أنهم كانوا يجامعون الرجال في مجالسهم .. رواه منصور عن مجاهد.

- الرابع: هو الصفير ولعب الحمام والجلاهق والسُّحاق وحل أزرار القِيان في المجلس .. رواه الحاكم عن مجاهد.(تفسير النكت والعيون ج4 ص281-282).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعليقا وشرحا لبعض المعاني لما ذكره الإمام الماوردي:

أ- معنى (يتضارطون): أي يخرجون الريح من أدبارهم يتفاخرون بذلك ويضحكون.

 

ب- معنى (الصفير): الصوت الخارج من ضم الشفتين .. ولعل المقصود به المقصود به صوت الضراط.. والله أعلم.

 

ج- معنى (لعب الحمام): هو الجري وراء الحمام وتتبع طيرانه وما يكون في ذلك من تتبع عورات الناس في بيوتهم إذ تتبع الحمام يترتب عليه تسلق البيوت أو إفساد زرع مزروع لوطئه بالأقدام أو ما شابه ذلك..، أو قد يكون من وراءه لعب مراهنة بالمنافسة في سرعة طيرانه .. أو في إمكانية اصطياده .. ولعل المراهنة هي المقصودة هنا .. والله أعلم.

 

د- معنى (الجلاهق): هو الحصى الصغير المصنوع من الطين .. ويتم رميه بأصابع اليد (كالذي يرمي شيئا بسبابته من على إبهامه) .. أو بالنبل فيتم وضع الحصى في النبلة ويقذف بها.

 

هـ- معنى (حل أزار القِيَان): جمع قين وهو كل عبد أو جارية .. أي يأتون بالعبيد والإماء الجواري يقومون بتعريته ويمارسون فيهم الفحشاء .. أو يجعلون العبيد يمارسون الفحشاء ببعض أمامهم وهم يتفرجون عليهم.

 

و- علما بأن كل ما سبق عن فعل المنكرات لقوم لوط .. فيما يتعلق بما روي عن السيدة عائشة وعن النبي فكلاهما باطل غير صحيح وسيأتي بيان ذلك في سؤال منفرد .. وباقي الآراء هي مجرد تصورات تصورها كل عالم لما يمكن أن يكون فعله هؤلاء من منكر .. وحسب ما بلغه من العلم ..، بل والبعض جعل التصفيق ومضغ اللبان من أفعال المنكر التي فعلها قوم لوط (وهذا كلام باطل قطعا).

 

3- قال الإمام الفيروزأبادي رحمه الله (المتوفى:817 هـ):

- وقوله تعالى: (وَتَقْطَعُونَ السبيل): يعنى سبيل الولد ..، وقيل: تعرضون للنَّاس في الطريق لطلب الفاحشة. (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ج3 ص186).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا: على جزئية أن قطع السبيل بمعنى قطع سبيل التناسل وبقاء النوع الإنساني .. فهذا تفسير غير جيد ولا أظنه .. ليه ؟ .. لأن هذه الفاحشة استمرت زمنا طويلا ولا يعقل أن لا يكونوا قد أنجبوا خلال سنوات كثيرة .. بل وكيف سيستمر تجارتهم واستمرار بقاء قريتهم .. ولذلك من حيث الإنجاب كانوا يجامعون النساء لبقاء النوع .. أما من حيث مناكحة الذكور في أدبارهم فهذه كانت متعتهم ومزاجهم الخاص الناتج عن فجور نفوسهم وجرأتهم على استباحة الحرام .. والله أعلم.    

 

4- قال الشيخ أسعد حومد رحمه الله (المتوفى:2011 م) في تفسيره:

- بيان المنكرات التي كانوا يأتونها وهي:

- أنهم كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء .. وهو منكر لم يسبقهم إليه أحد من البشر.

- أنهم كانوا يقطعون السبيل على المارة فيقتلونهم، ويعتدون عليهم ويأخذون أموالهم.

- أنهم كانوا يفعلون المنكر قولا وفعلا في نواديهم .. ومجتمعاتهم .. جهرة ودون تحرج، ولا يستحي أحد منهم من فعل، ولا ينكر أحد منهم على أحد فعل منكر أتاه. (أيسر التفاسير ص3251).

 

#- خلاصة القول:

- قوم لوط فعلوا ثلاث جرائم بخلاف جحودهم للإيمان ..

1- فكان أعلى الجرائم هي فاحشة المثلية بجماع الذكور في أدبارهم.

 

2- وقطع السبيل على المارة بطريق قريتهم .. وذلك باغتصاب أموالهم وتجارتهم ثم هتك عرضهم باغتصابهم هم أنفسهم فيفعلون بهم فعل الفحشاء..، فكانوا بذلك قطعوا الطريق على مصالح عباد الله لتهديدهم بفعل الفاحشة معهم إن مروا بجوار قريتهم.

 

3- ويأتون في مجتمعهم من المنكرات جهرا وعيانا وبيانا ما لا يتصوره العقل.

 

#- فكانت الفاحشة موجودة في منازلهم ومجتمعهم بل ومشهورة في القرى من حولهم نتيجة ما يفعلوه بالمارين بقريتهم.

 

*****************

 

..:: س25: ما الفرق بين (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ) و (أئِنكم لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ) ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- قال تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) العنكبوت:28-29.

 

- فهنا قد تسأل فتقول: ما الفرق بين قوله (إنكم) و (أئنكم) ؟!!

 

#- أولا: حقيقة لفظ (إنكم).

- لفظ (إنكم) .. هو ليس جزء واحد .. وإنما ثلاثة أجزاء .. (إن) + (ك) + (م) = إنكم.

- فحرف (إن) حرف توكيد ونصب.

- حرف (ك) الكاف ضمير متصل يفيد الخطاب في محل نصب اسم (إن).

- حرف (م) علامة جمع الذكور.

 

#- ثانيا: الفرق في الأسلوب بين (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ) وبين (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ):

1- حينما قال لوط لقومه: (قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ) .. فلوط عليه السلام يقصد تحقيق الفعل فيهم أي أنهم متحققين بهذا الفعل وليس تهمة لهم بل تحقيق فعلي واقعي يفعلوه .. ولذلك قال (إنكم) بحرف النون المؤكدة وكاف الخطاب وميم الجمع .. أي أن هذا محقق فيكم جميعكم أهل القرية ومؤكد فعله منكم لا من غيركم .. وأضاف تأكيد آخر وهو حرف اللام من قوله (لتأتون الفاحشة) لتأكيد إضافي على تحقيق الوصف فيهم وهو فعل الفاحشة.

 

2- حينما قال لوط لقومه: (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ) .. فزيادة الهمزة (أ) في أول الكلمة أفادت الإستفهام على وجه الإنكار والتوبيخ .. وكأنه يقول لهم: أأسوياء أنتم لتفعلون كذا وكذا أي هذه المنكرات .. إذ أن هذا لا يليق بالأسوياء أن يفعلوه..، وأضاف لام التأكيد من قوله (لتأتون الرجال) لتأكيد وتحقيق حدوث جماع الرجال في أدبارهم.

 

#- فلفظ (إنكم) أفاد إثبات وتأكيد تهمة الفاحشة عليهم لأنهم متحققين بها وأنها خاصة بهم لا بغيرهم .. ولذلك قال في آخر الآية (مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ) العنكبوت:28.

 

- ولكن لفظ (أإنكم) بزيادة همزة الإستفهام لتفيد الإنكار عليهم والتوبيخ لهم بأنهم يفعلون ما لا يفعله الأسوياء من هذه الفاحشة وقطع السبيل الذي يترتب عليه الفاحشة وما يفعلونه من منكر فيه أيضا هذه الفاحشة .. ولذلك ردودا عليه حين إنكاره عليهم فقالوا له: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) العنكبوت:29.

 

#- ثالثا: لفظ (أإنكم) أفاد الرد على توراة اليهود والنصارى.

- أجد أن لفظ (أإنكم) بالإنكار والتوبيخ من لوط لقومه على فعلهم .. أفاد الرد بتكذيب توراة اليهود والنصارى فيما ذكروه عن لوط عليه السلام .. من حيث جزئية أنهم يظهرون لوط عليه السلام (وهو ليس نبيا عندهم) ولكن يظهرونه أنه كان موافق لما يفعله قومه دون اعتراض منه عليهم .. بدليل أنه حين أتاه ضيوفه .. قدم بناته لهم ليفعلوا بهن ما يريدون فعله بالرجال وأمام الجميع وعلى الملأ جهرا عيانا بيانا ولمن يريد أن يفعل شيئا فليفعله بهن كما يحلو له ..!!

 

#- فمما جاء في توراة اليهود والنصارى على لسان لوط حين كان يدافع عن ضيوفه: (لاَ تَفْعَلُوا شَرًّا يَا إِخْوَتِي. 8 هُوَ ذَا لِي ابْنَتَانِ لَمْ تَعْرِفَا رَجُلًا . أُخْرِجُهُمَا إِلَيْكُمْ فَافْعَلُوا بِهِمَا كَمَا يَحْسُنُ فِي عُيُونِكُمْ . وَأَمَّا هَذَانِ الرَّجُلاَنِ فَلاَ تَفْعَلُوا بِهِمَا شَيْئًا لأَنَّهُمَا قَدْ دَخَلاَ تَحْتَ ظِلِّ سَقْفِي) التكوين 19: 8-9.

 

#- وخلاصة القول:

1- لفظ (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ) أفاد ثبوت التهمة عليهم بكل تأكيد .. ولفظ (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ) أفاد الإنكار عليهم والتوبيخ لهم لأنه نافر منهم وناقم على ما يفعلوه.

 

2- وإنكار سيدنا لوط عليه السلام يكشف لنا أنه كان منكر لما يفعله قوم لوط .. وهذا الإنكار ظهر بصورة أوضح في قوله لهم: (إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ) الشعراء:168 .. أي من المبغضين الكاهرين أشد البغض والكراهية لما تفعلون ..، وهذا خلاف ما تشير إليه توراة اليهود والنصارى من أنه لم يكن ممانع لما يفعلوه بدليل أنه وهب لهم بناته ليفعلوا بهن ما يريدون فعله جهارا وعيانا وبيانا ..!!

- والله أعلم.

*********************

 

..:: س26: ما الذي أفادته كلمة (الفاحشة) من قول لوط لقومه (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ) ؟ ::..

 

- قال تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- حينما نلاحظ قول لوط لقومه (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ) .. فقد يخطر ببالك سؤال فتقول: لماذا لم يقل النص القرآني "فاحشة" بدلا من (الفاحشة) ؟

 

#- وأجيب على سؤالك: بأن لفظ (إنكم) مع لفظ (الفاحشة) أثبتت أمرين:

- الأول: لفظ (إنكم) تأكيد بثبوت خصوصية فعل الفاحشة لقوم لوط بصورة حصرية ليست لغيرهم.

 

- الثاني: لفظ (الفاحشة) أتى معرفا بالألف واللام لبيان المبالغة في أنها الفاحشة التي فاقت جميع الفواحش .. وكأنه لا يرتقي لها فاحشة لتسمى فاحشة بعد هذه الفاحشة .. وكأن كل الفواحش بجانب هذه الفاحشة لا ترتقي لتسمى فاحشة ..، وأصبح من يفعل فعل قوم لوط فهذا الفعل اسمه الفاحشة .. أي الجريمة الفاجرة التي فاقت كل جرائم الفجور.

 

#- ولذلك قال الإمام إبراهيم بن عمر البقاعي رحمه الله (المتوفى:885 هـ):

- (إنكم لتأتون الفاحشة): أي المجاوزة للحد في القبح .. فكأنها لذلك لا فاحشة غيرها .. (نظم الدرر ج14 ص428-429).

- والله أعلم.

 

****************

 

..:: س27: ماذا أفادت كلمة (ناديكم) مع كلمة (المنكر) من قول لوط لقومه (وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) ؟ ::..

 

#- قال تعالى حكاية عن قول لوط لقومه: (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) العنكبوت:28-29.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- بالرغم مما ذكرناه سابقا في تفسير الآية .. ولكن أحببت توضيح شيء مهم خاص بكلمة (ناديكم) .. والنادي هو مجلس يكون في مكان يجتمع فيه الناس للحديث أو اللعب أو المناقشة أو الدراسة أو ما شابه ذلك .. ولكن إن تفرق الناس فلا يسمى نادي .. إذ أن النادي يكون باجتماع الناس.

 

- المهم: أن لفظ (ناديكم) له دلالة مهمة في القصة .. وهو أن كلمة النادي تشير إلى مجتمع يجتمع فيه الناس نهارا .. أي في وضح النهار وهذا بخلاف السامر وهو الإجتماع في مكان ليلا .. وقد يطلق النادي على الإجتماع ليلا أيضا لدلالة على مكان مجموع فيه الناس وليس للدلالة على الوقت .. كما يقال في زماننا لأي مكان يجتمع فيه الناس نهارا أو ليلا بوصفه نادي .. سواء نادي رياضي أو نادي خمر أو نادي ديسكو.  

 

- والغرض مما سبق .. أن في قوله (ناديكم) ينكشف لنا وجه للقصة مهم جدا .. وهو أن هذه الفاحشة وجميع منكراتهم كانوا يفعلونها جهرا وعيانا وبيانا في وضح النهار .. وهذا يدل على فجور لم يصل إليه أحد من العالمين ..!!

 

#- ولذلك قال الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى:1393 هـ):

- والنادي: المكان الذي ينتدي فيه الناس .. أي يجتمعون نهارا للمحادثة والمشاورة وهو مشتق من الندو بوزن العفو وهو الاجتماع نهارا ..، وأما مكان الاجتماع ليلا فهو السامر .. ولا يقال للمجلس ناد إلا ما دام فيه أهله .. فإذا قاموا عنه لم يسم ناديا. (التحرير والتنوير ج20 ص240-241).

 

#- وقال الشيخ أسعد حومد رحمه الله (المتوفى:2011 م) في تفسيره:

- أنهم كانوا يفعلون المنكر قولا وفعلا في نواديهم .. ومجتمعاتهم .. جهرة ودون تحرج، ولا يستحي أحد منهم من فعل .. ولا ينكر أحد منهم على أحد فعل منكر أتاه. (أيسر التفاسير ص3251).

 

#- خلاصة القول:

- كلمة (ناديكم) في القصة كشفت مفهوم آخر لفجور قوم لوط .. وهو أنهم كانوا يفعلون منكراتهم جهرا عيانا بيانا دون حياء أو خجل.

- والله أعلم.

 

*********************

 

..:: س28: ما هو حقيقة المنكر الذي كان يفعله قوم لوط في ناديهم حينما قال لهم لوط (وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) ؟ ::..

 

#- قال تعالى حكاية عن قول لوط لقومه: (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) العنكبوت:28-29.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- كما سبق وذكرنا أن النادي هو المجلس الذي كان يجتمع فيه قوم لوط ..، والمنكر تنكره العقول والشرائع والمروءات من أقوال وأفعال.

 

- وحينما ذكر لنا القرآن عن المنكر الذي يفعله قوم لوط في ناديهم أي عيانا بيانا أي جهرا عيني عينك على الملأ .. فالقرآن لم يظهر لنا حقيقة هذا المنكر بالتحديد .. إلا أنه ذكره بلفظ (المنكر).

 

- ولعل الله أبهم لنا تحديد ما كان يفعله قوم لوط في ناديهم من المنكر الذي ذكره معرفا بالألف واللام (المنكر) .. كبيان للعقل أن يطلق خياله في كافة ما يمكن أن يفعله إنسان من منكر في الحياة .. هم قد فعلوه .. حتى إذا لم يجدوا منكرا آخر يفعلوه فابتدعوا على المنكر منكرا وزادوا عليه فاحشتهم التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين .. وكان فعلهم علنا أمام الجميع.

 

#- قال الإمام إبراهيم بن عمر البقاعي رحمه الله (المتوفى:885 هـ):

- (المنكر) أي هذا الجنس .. وهو ما تنكره الشرائع والمروءات والعقول .. ولا تتحاشون عن شيء منه في المجتمع الذي يتحاشى فيه الإنسان من فعل خلاف الأولى .. من غير أن يستحي بعضكم من بعض. (نظم الدرر ج14 ص429).

 

#- وقال الدكتور الشيخ محمد الهلال في تفسيره:

- المنكر: كلّ ما خالف الشّرع يقال له: منكر من قول وفعل ..، مثل: فعل الفاحشة مجاهرة، وسوء الخلق والعُري، والسّخرية من المارة والصفير، وتشبّه الرجال بالنّساء والنّساء بالرّجال .. وغيرها من الأعمال الّتي تخالف الفطرة السّليمة من العادات القبيحة. (تفسير القرآن الثري الجامع في الإعجاز البياني واللغوي والعلمي ج7 ص57).

 

#- وخلاصة القول:

- أن لفظ المنكر في قوله (وتأتون في ناديكم المنكر) هو لفظ مطلق وعام لكل ما هو منكر .. ويجعلك تتفهم أن ما من فعل منكر يمكن ان يخطر ببالك أو قد حدث في زمنهم إلا وقد فعلوه قوم لوط .. ولذلك قال بعض العلماء أن من ذلك المنكر ممارسة السحاق بين النساء كما يمارس الرجال مع الرجال .. فكان ناديا جامعا للفحش بكل ما يتصوره العقل من فواحش.

 

#- ولذلك قال عن الإمام بن حيان الأندلسي رحمه الله (المتوفى: 745 هـ):

- هم أول من لاط ومن ساحق. (البحر المحيط ج8 ص354).

 

- معنى: لاط: من اللواط وهو ركوب الرجل على الرجل ..

- معنى ساحق: من السحاق وهو ركوب المرأة على مرأة فتسحق (تدلك) فرجها في فرج المرأة الأخرى.

- والله أعلم.

  

 

 *****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .