السبت، 22 نوفمبر 2025

Textual description of firstImageUrl

ج14: قصة سحر بعض زوجات النبي حفصة وعائشة - ما هو معنى التحصين - وهل التحصين بذكر الله يمنع نزول البلاء - ما فائدة أذكار التحصينات إذا كان يمكن أن يتسلط علينا الشيطان - ما هو سلطان الشيطان - ما الفرق بين المتمسك بالقرآن ويتبع النبي وبين الغافل طالما كلاهما مبتلى - هكذا يحدثك الشيطان في نفسك وقت الابتلاء - ما فائدة التحصينات الإلهية من الشيطان الرجيم بقراءة القرآن والأذكار النبوية إذا كان يمكن حدوث تسليط من الشيطان على المؤمنين المتقين - لماذا لا ينفعل الذكر مع البعض حينما يقرأ الأذكار ويستعيذ بالله من الشيطان ثم لا يجد أي نتيجة.

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

التحقيق الجلي

لقصة سحر حفصة وعائشة

زوجتي النبي صلى الله عليه وسلم 

(الفصل الرابع عشر)

  ما فائدة أذكار التحصينات إذا كان يمكن أن يتسلط علينا الشيطان - ما هو سلطان الشيطان - لماذا لا يجد البعض نتيجة التحصين بالأذكار - هكذا يحدثك الشيطان. وقت الإبتلاء

#- فهرس:

:: الفصل الرابع عشر :: ج3/ مسائل عامة قد تخطر ببالك حين معرفتك بقصة سحر بعض زوجات النبي وهما السيدة حفصة والسيدة عائشة ::

1- س37: ما الفرق بين المتمسك بالقرآن ويتبع النبي وبين الغافل طالما كلاهما مبتلى وكلاهما قد يكون من قدره رفع الضر عنه ؟

:: (ما الذي كسبه المؤمن من إيمانه وذكره لربه).

:: (هكذا يحدثك الشيطان في نفسك وقت الابتلاء).

#- أولا: قياسك للإبتلاء بين المؤمن والغافل هو قياس خاطيء.

#- ثانيا: المتمسك بعبادته وإيمانه - يثبته الله: بقدر صدق إيمانه الذي يسكن فيه وكان يتوجه به إلى ربه - وبقدر إحسانه في معاملاته مع الخلق.

#- ثالثا: تنكشف حقيقة المؤمن والغافل مع الإبتلاء.

2- س38: ما فائدة التحصينات الإلهية من الشيطان الرجيم بقراءة القرآن والأذكار النبوية إذا كان يمكن حدوث تسليط من الشيطان على المؤمنين المتقين ؟ ::..

#- أولا: ما هو معنى التحصين ؟

#- ثانيا: هل التحصين بذكر الله .. يمنع نزول أي بلاء أراده الله بك ؟

#- ثالثا: ما فائدة أذكار التحصينات إذا كان يمكن أن يتسلط علينا الشيطان ؟

#- رابعا: ما هو سلطان الشيطان ؟

#- خامسا: لماذا تتعجب من نزول ابتلاء السحر بك ولا تتعجب من نزول ابتلاء المال بك ؟

3- س39: لماذا لا ينفعل الذكر مع البعض حينما يقرأ الأذكار ويستعيذ بالله من الشيطان ثم لا يجد أي نتيجة ؟

@- عدم انفعال الذكر معك وظهور أثره معك فهذا أراه في أمرين.

@- والتحصين أو الإستعاذة أو الإعتصام بالله مرتبط بأمرين ليثمر معك بنتيجة.

@- لماذا يسخر منك الشيطان ويقول لك: أين ربك ليساعدك ؟

*******************

:: الفصل الرابع عشر ::

*******************

 

..:: س37: ما الفرق بين المتمسك بالقرآن ويتبع النبي وبين الغافل طالما كلاهما مبتلى وكلاهما قد يكون من قدره رفع الضر عنه ؟ ::..

:: (ما الذي كسبه المؤمن من إيمانه وذكره لربه) ::

:: (هكذا يحدثك الشيطان في نفسك وقت الابتلاء) ::

 

- قد يخطر ببالك سؤال فتقول: ما الفرق حينئذ بين المتمسك باتباع النبي والقرآن والغافل مثلا ؟

- إذ أن المؤمن والغافل من حيث نزول الإبتلاء .. فهو قد يحدث لكلاهما .. ومن حيث رفع الإبتلاء عنهما .. فهو قد يحدث لكلاهما .. فمثلا كلاهما يمرض وكلاهما يجد العلاج فيشفى.

- فما الفرق حينئذ ؟

- وما الذي كسبه المؤمن من إيمانه وذكره لربه ؟!

 

#- بل وأحيانا يحدثك الشيطان وقت الإبتلاء فيقول لك: ها أنت تعبد ربك ولم يتغير من حالك شيء .. والمصائب تنزل عليك .. ولا ينحل شيء .. وتدعوه ولا يستجيب لك .. وكان من المفترض أن يكافئك على عبادتك بأن يساعدك .. فما الفرق بينك وبين غيرك طالما الجميع سواسية في الإبتلاء .. يبقى أنت تاعب نفسك ليه في عبادته ؟!! ألا ترى أنك تتعبد كالمسكين المتذلل لربه في حين هو تركك  في أشد أزماتك .. فأين رحمته بعبده المطيع له ؟!! ولكن هل سألت نفسك يوما وقلت أين الله الذي تدعوه أم أنت تتوهم إله خاص بعقلك ولا وجود له ؟!! وإلا لو كان موجودا فأين إجابته لك ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- الغافل: أقصد به الغير ملتزم بأوامر ربه ظاهرا وباطنا (وليس ظاهرا فقط) .. فالذي يلتزم بالظاهر .. دون الباطن (وهي أعمال القلوب – سلبا وإيجابا .. أي مجاهدة الصفات السلبية مثل الكذب والتزكية بتثبيت الصفات الإيجابية مثل الصدق) فلا خير فيه لأنه لازال في حال الغفلة ..، وكذلك أقصد بالغافل الغير مؤمن من أساسه مثل الملحد وغيره.

 

- فإذا علمت ما سبق .. فانتبه للآتي جيدا:

 

#- أولا: قياسك للإبتلاء بين المؤمن والغافل هو قياس خاطيء.

- ولذلك لم تنتبه للفرق بين المؤمن والغافل ..

- فأنت نظرت من حيث نزول الإبتلاء .. ورفع الإبتلاء .. ونسيت أهم جزء وهو كيفية التعامل مع الإبتلاء وقت نزوله.

 

#- فالتعامل مع الإبتلاء .. هو محل الفرق بين المتمسك بإيمانه وقلبه متعلق بربه .. وبين الغافل .. ولذلك أنت كان قياسك ونظرتك للأمور بصورة خاطئة ..

 

- والفرق بين من يعمل مع الله والغافل في وقت الإبتلاء .. يظهر في الثبات وعدم الإنحراف .. ولطف الله به فيما جرت به المقادير .. ولا قدرة للشيطان على أن يجعله خاضعا له .. وبيان ذلك في البند التالي.

 

#- ثانيا: المتمسك بعبادته وإيمانه - يثبته الله: بقدر صدق إيمانه الذي يسكن فيه وكان يتوجه به إلى ربه - وبقدر إحسانه في معاملاته مع الخلق..

1- فنجد أن المؤمن الصادق في توجهه .. يثبت بإيمانه مع الله فلا ينحرف .. ويكون في حالة قرب من ربه .. وقد يزداد قربا مع الإبتلاء .. لأن الأمل بالنسبة له هو الله وليس غيره ..، ولكن الغافل في وقت الإبتلاء تزيده غفلته ظلمة في نفسه بالإنكار والإعتراض والسخط .. ويتخبط في الحياة تائها ساخطا على كل شيء وحاقد على النعمة التي يعيش فيها غيره ويقول: لماذا لست كهؤلاء ؟!! .. ويزيده الإبتلاء غفلة وبعدا أكثر مما كان عليه.

 

2- والمؤمن الصادق في توجهه لربه .. وقت الإبتلاء يجد ألطاف العناية الخاصة من ربه في قلبه .. فيجد برد الرضى في قلبه حاضر .. ويمده الله بالصبر .. وقد تعينه الحياة بأسبابها من حيث لا يدري .. ويجد من الله لمسة طبطبة على خاطره .. وكأنه يستشعر من الله أنه يجبر بخاطره ويقول له اصبر يا طيب ..

 

3- والمؤمن الصادق في توجهه لربه .. لا يؤثر الشيطان فيه بوسوسته أي لا يستجيب لوسوسة الشيطان .. بسبب الإيمان وتعلق قلبه بربه ..، بخلاف الغافل الساخط على حاله الدائم الإعتراض على ما قسمه الله له..، فهذا الغافل هو من يتلاعب الشيطان بكلامه فيه .. كما سبق وذكرنا كيف تكون وسوسته حينما يخبرك ماذا فعلت لك عبادتك لربك ؟!! .. فهذا سؤال يؤثر في الغافل عن ربه ولا يؤثر في المؤمن المتمسك بربه والمؤمن به حقا .. لأن المؤمن يعلم يقينا أن ما شاء الله كان .. وما لم يشأ لم يكن .. وأنه ماض فيه حكم الله وعدل فيه قضاؤه.

 

- ولذلك لا حاجة للمؤمن في مناقشة مسألة: ماذا فعلت عبادته مع ربه .. ولا أين الله .. لأن المؤمن حسم المسألة في قلبه .. بأن الله حكيم يفعل ما يريد كيفما يريد وقتما يريد .. هو المولى ونحن العبيد .. فحكمته تكون كما يريد .. وليس كما أردنا نحن منه .. وهو حسبنا ونعم الوكيل ..

- وانتهت المسألة بذلك في قلب المؤمن.

 

4- والمكسب الحقيقي للمؤمن المتمسك بعبادته والمتعلق بربه .. هو في الآخرة .. إذ بقدر ما اجتهد المؤمن وأحسن في العلاقة مع الله .. بقدر ما يكرمه ربه ويحسن إليه ربه ولكن إحسان ربه بقدر عظمة عطاءه .. والعاقبة للمتقين.

 

#- ثالثا: تنكشف حقيقة المؤمن والغافل مع الإبتلاء ..

- من جميل القدر .. أن الإبتلاءات دائما تكشف لنا من هو المؤمن الصادق في توجهه إلى الله ومن الغافل .. إذ بعض الناس تظن أنهم مؤمنون حق الإيمان .. ووقت الإبتلاء تنكشف حقائق أنفسهم بأنهم أول من يسخط ويعترض وينكر على الله فعله .. وبعض الناس من نحسبهم أهل غفلة في وقت الإبتلاء نكتشف منهم أن قلوبهم متوجهة إلى الله بصدق ويقولون يا رب بمنتهى الإخلاص ... والله أعلم.

 

#- ملحوظة هامة جدا: قد يكون الإنسان غافلا .. ولكن قد تأتي عليه لحظة حب صادقة في توجهه لربه .. فيجعله الله بها ولي لله ومحبا له .. وتتغير حياته كليا .. لأنه طلب الله بصدق توجه .. فرفعه الله بصدق توجهه إليه .. لمقامات أهل القرب.

 

#- وخلاصة القول:

1- حينما تريد أن تعرف فعل الله مع المؤمن المطمئن بإيمانه والغافل .. ليس في وقت حدوث الإبتلاء ولا وقت رفع الإبتلاء .. وإنما في وقت التعايش مع الإبتلاء .. فهنا تنكشف حقائق النفوس .. ويظهر حقيقة الإيمان وحقيقة الغافل.

 

2- والإيمان والأذكار وقراءة القرآن .. تنفع المؤمن الصادق في توجهه إلى الله .. إذ في وقت الإبتلاء .. يكرمه الله في نفسه بالتثبيت والصبر والمعونة وإن تسلط عليه الشيطان فهو لا يؤثر فيه بوسوسته أي لا يستجيب له .. بخلاف الغافل الذي لا يفعل شيئا من دنياه إلا أن يأكل ويشرب وينام .. ولا يعبد الله كما طلب منه الله .. ولا يحسن إلى الناس كما أمره الله .. فهذا من السهل أن يتلاعب به الشيطان بوسوسته ويؤثر فيه ويجعله يستجيب له.

 

3- هل في قصة سحر السيدة عائشة والسيدة حفصة .. وجدت أحد منهما ساخط ومعترض ومنكر أو حتى مستغرب من فعل الله معه أن سلط عليه أحد ليفعل له السحر بالموت ؟

- أكيد .. لم يحدث.

 

#- إذن: فلماذا من يظن أنه حدث له سحر أو به مس .. يظل ساخط ومعترض ومنكر وقرفان من نفسه وزمانه ودنيته واللي حواليه واللي جابوه ..، وكأنه المسكين الذي ما كان يستحق أن يحدث له ذلك ؟!! في حين أن بعض هؤلاء يكون ارتكب من الحماقات في حياته ..، واستخدم لسانه أشر استخدام في الكلام على خلق الله واتهامهم بالباطل ..!! 

- فالإبتلاءات تكشف حقائق النفوس ..

- وما الإبتلاءات إلا مرايا نرى فيها حقائق أنفسنا.

- والله أعلم.

 

******************

 

..:: س38: ما فائدة التحصينات الإلهية من الشيطان الرجيم بقراءة القرآن والأذكار النبوية إذا كان يمكن حدوث تسليط من الشيطان على المؤمنين المتقين ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- بالرغم ما ذكرته في الفصل السابق والسؤال السابق .. سنجد البعض يقول: ما فائدة التحصينات الإلهية من الشيطان الرجيم بقراءة القرآن والأذكار النبوية إذا كان يمكن حدوث سحر ومس للمؤمنين المتقين ؟!!

 

- وكأنهم لم يفهموا المقصد من التحصين .. وظنوا أن التحصين هو تحصين من نزول الإبتلاء مطلقا .. وكأن التحصين مانع من حدوث ما يكرهه الإنسان ..!!

 

- تعالى معي أخي الحبيب .. نناقش هذه المسألة جزئية وراء الأخرى لتستوعب.

 

========

 

#- أولا: ما هو معنى التحصين ؟

- التحصين هو لفظ يقصد به التقوية بشيء ضد شيء .. ولفظ الحصن معناه المكان الذي يجمع الحماية والوقاية والحفظ .. ومنه تم أخذ كلمة التحصينات بالذكر .. أي الأذكار التي لو قرأتها كنت في حماية ووقاية وحفظ .

 

- فإن كنت تقرأ التحصينات المخصصة للحماية من الشيطان .. مثل خواتيم سورة البقرة وآية الكرسي والمعوذتين .. فهذه أذكار مخصصة للحماية من الشيطان.

 

- علما بأن التحصين في الشريعة الإسلامية .. ليس من الشيطان فقط .. بل من كل ذي شر عموما .. كما قال تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) الفلق:1-2.

 

- وعموما نحن هنا فقط نهتم بمسألة التحصين من الشيطان.

 

- والتحصين يأتي في النصوص الشرعية بلفظ الإستعاذة .. ويكون من شياطين الإنس والجن ..، كما قال تعالى في شياطين الجن: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فصلت:36..، وقال تعالى في شياطين الإنس: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) غافر:56.

 

#- والإستعاذة: معناها طلب اللجوء إلى الله للحماية والوقاية والحفظ ..، فحينما تقول: (أعوذ بالله) أي ألجأ واحتمي واحفظ نفسي بقوة الله وحفظه وحمايته التي يختص بها من يشاء من خلقه الذي يلجئون إليه طلبا للحماية والوقاية والحفظ .

 

========

 

#- ثانيا: هل التحصين بذكر الله يمنع نزول أي بلاء أراده الله بك ؟

- بكل تأكيد .. لا يوجد تحصين يمنع نزول بلاء لو أراد الله حدوثه .. إذ قال تعالى: (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) الرعد:11.

 

- والمعنى من تفسير المنتخب: وإذا أراد الله أن ينزل بقوم ما يسوؤهم فليس لهم ناصر يحميهم من أمره، ولا من يتولى أمورهم فيدفع عنهم ما ينزل بهم. (انتهى النقل).

 

- ولكن الذكر والعبادة تكون سببا للطف الله بك إن نزل بك بلاء مثل المرض من أن تسخط على ربك فتنحرف أو تضل عن سبيل الله.

 

- وكذلك الذكر يكون سببا في لطف الله بك لو تسلط عليك شيطان .. فهذا الذكر يمنع من أن يكون للشيطان سلطانا عليك بالخضوع له.

 

========

 

#- ثالثا: ما فائدة أذكار التحصينات إذا كان يمكن أن يتسلط علينا الشيطان ؟

 

- للإجابة على هذا السؤال .. فيجب أن تفهم الفرق بين التسليط والسلطان .. فالفرق بينهما مثل رؤية السيف .. وقتلك بالسيف ..!!

 

- فتسليط الشيطان: هو مجرد ظهور أثر لوسوسة الشيطان .. وأحيانا يحضر بصور متخيلة أمام بعض الناس ممن يرون ذلك ..، أما السلطان فهو استحواذ الشيطان على عقلك ويؤثر فيك حتى يفتنك أو يضلك أو يجعلك تكفر. 

 

#- وإليك أمثلة من إمكانية حدوث التسليط من الشيطان بدون أن يكون  له سلطان:

1- من أمثلة من القرآن على إمكانية حدوث التسليط:

أ- إذ يمكن أن يحدث تسليط لعموم الناس حتى المؤمنين المتقين منهم وحتى الرسل ..

- كما قال تعالى لنبيه: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فصلت:36.

 

- ومعنى (ينزغنك) أي يحاول أن يتسلط عليك بوسوسة فوجدت لها أثر في نفسك .. فاستعذ بالله حتى لا يظهر لها تأثير في الواقع.

 

#- والنزغ هو وسوسة في الصدر بحدوث انفعال داخلي في النفس لإحداث وقيعة مع آخرين .. أو هي مجرد بداية تحريك الوسوسة في النفس ..، ولكنه قيل للنبي هذا التنبيه والمقصود به أمته .. لأنه صلى الله عليه وسلم لم يتسلط عليه الشيطان بنزغ وظهر له أثر في الواقع .. وإنما الآية قيلت على سبيل الإفتراض.

 

ب- وكما قال تعالى عن المؤمنين المتقين: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) الأعراف:201.

- فهذا مجرد تسليط بوسوسة يمسهم بها في أنفسهم كخواطر سيئة يلقيها في أنفسهم .. فيتنبهون لذلك ولا يسترسلون مع هذه الخواطر المؤذية .. ويعتصمون بالله ويستعيذون به فيعيذهم.

 

#- ويظهر مما سبق .. أنه يمكن أن يحدث وسوسة من الشيطان للمؤمنين المتقين على سبيل الإختبار .. كخواطر سيئة يلقيها في أنفسهم .. فيتنبهون لذلك ولا يسترسلون مع هذه الخواطر المؤذية .. ويعتصمون بالله ويستعيذون به فيعيذهم.

 

#- فألفاظ (إما) ، (إذا) .. تدل على افتراض لو حدث .. أي احتمالية الحدوث ممكنة ولكن قد لا تحدث أيضا.. ولكن إن حدثت فالجأ واحتمي بالله فورا.

 

- ولكن هذا التسليط إن حدث .. فيستحيل أن يجعل الله للشيطان سلطان على أي نبي أو رسول أو الصالحين الذي أخلصوا في إيمانهم لله وقلوبهم متوكلة على ربهم .. لأن الله قال: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) النحل:99-100.

 

#- إذن مما سبق: تستوعب أن الشيطان قد يتسلط على الناس لحكمة أرادها الله .. وهذه الحكمة لا تخلو من أنها اختبار للعبد في إيمانه .. وكأنه الله يقول لك: اعتصم بي حتى أحميك من هذا الملعون.

 

2- مثال ذلك التسليط بقصة بسيطة:

- الشيطان حينما تعرض للنبي في صلاته في أحد المرات وحضر أمامه وهو يصلي مع أصحابه ولم يراه أحد من الصحابة وإنما رآه النبي فقط .. مثل ما جاء عن أبي الدرداء حين قال: (قَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَسَمِعْنَاهُ يقولُ: أعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ، ثُمَّ قالَ ألْعَنُكَ بلَعْنَةِ اللهِ ثَلَاثًا، وبَسَطَ يَدَهُ كَأنَّهُ يَتَنَاوَلُ شيئًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، قدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ في الصَّلَاةِ شيئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذلكَ .. ورَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ .. قالَ: إنَّ عَدُوَّ اللهِ إبْلِيسَ، جَاءَ بشِهَابٍ مِن نَارٍ لِيَجْعَلَهُ في وجْهِي .. فَقُلتُ: أعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلتُ: ألْعَنُكَ بلَعْنَةِ اللهِ التَّامَّةِ .. فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .. ثُمَّ أرَدْتُ أخْذَهُ .. واللَّهِ .. لَوْلَا دَعْوَةُ أخِينَا سُلَيْمَانَ لأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ به وِلْدَانُ أهْلِ المَدِينَةِ) صحيح مسلم.

 

- فهل هذا معناه أن النبي لم يكن يتحصن بالله من الشيطان ؟

- أكيد .. لا ..

#- وإنما معناه أن التسليط من اختبار الله للمؤمن .. ولكن هل هذا التسليط أنتج عنه أثر أو نتيجة من الشيطان بالتأثير على النبي في شيء حتى يستجيب له ؟!!

 

- لا .. بل أمسكه النبي بيده وكاد يحكم عليه .. ولكنه تراجع عن ذلك تكريما لسليمان عليه السلام.

 

#- إذن: التسليط من الشيطان هو شيء محتمل حدوثه من الشيطان .. لأنه من جملة ابتلاءات الحياة التي يبتلينا الله بها لأن الشيطان من جملة الشرور.

 

- والتحصينات بالأذكار وقراءة القرآن .. هذا ليس بمنع الشيطان مطلقا عن الوصول إليك .. وإنما بمعنى منع الشيطان من التصرف فيك والخضوع له فتستمع لكلامه بعصيان الله وترك أوامر الله .. أي هو تحصين لنفسك من أن يستحوذ عليك الشيطان فتكون من جنوده وأتباعه .. أو يجعلك من الغافلين عن طاعة رب العالمين ..

 

======

 

#- رابعا: ما هو سلطان الشيطان ؟

 

1- سلطان الشيطان يقصد به: أن الشيطان يجعل من المتسلط عليه .. متحكما فيه بوسوسته وخاضعا له .. ليوافق على مراد الشيطان منه كلما وسوس له بالشر ..

 

#- ومثال من ظهر سلطان الشيطان عليهم حتى خضعوا له:

أ- جماعة المنافقين .. إذ قال عنهم رب العالمين: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) المجادلة:19.

 

ب- وكل من انحرف عن طريق الله ولم يستجيب لنداء الحق .. كما قال تعالى بعد أن ذكر قصة مملكة سبأ: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) سبأ:20-21.

 

2- هذا بخلاف من امتلأت حياته بالذكر فيكون حاله مع الله وبالتالي ليس للشيطان طريقا إليه..

#- ولذلك قال جل شأنه: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) الحجر:42 ..، وقال جل شأنه: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) النحل:99-100.

 

#- والمعنى من تفسير المنتخب:

- إنه ليس له تأثير على الذين عمرت قلوبهم بالإيمان باللَّه، واستمداد العون منه - وحده - والاعتماد عليه.

- إنما تأثيره وخطره على الذين خلت قلوبهم من التعلق باللَّه وحبه فلم يكن لهم عاصم من تأثيره، فانقادوا له كما ينقاد الصديق لصديقه .. حتى أوقعتهم في أن يُشركوا باللَّه في العبادة آلهة لا تضر ولا تنفع.. (انتهى النقل من التفسير).

 

#- إذن: العبادة والأذكار .. جعلت نورا مستورا كحجاب بينك وبين الشيطان من أن يؤثر في عقلك أو قلبك بوسوسته فلم يستطع أن يجعلك تكفر أو تنحرف .. وهذه هي فائدة التحصينات والقرب من الله .. ولذلك قال جل شأنه: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا) الإسراء:45.

 

#- فالحجاب المستور: نور الله الذي لا يستطيع الشيطان أن يتخطاه .. حتى يتمكن بوسوسته من صدر الشخص ليجعله خاضعا له .. فهذا لن يحدث.

 

#- يبقى تفهم أخي الحبيب: أن الأذكار هي مثل حجاب من النور يمنع سلطان الشيطان عنك فلا يؤثر فيك ولا تخضع له ..، ولكن التحصين لا يمنع عنك احتمالية تسليط الشيطان عليك لاختبار الله لك ليميز الله الخبيث من الطيب في صدق إيمانه بربه .. فافهم وكن بصير.

 

3- وبعد ما سبق .. هذا أوان أن تتحرر من خرافة التحصين المطلق والدائم من تسليط الشيطان .. لأنه لا يوجد شيء مثل ذلك في الدين .. وإنما الموجود هو أن قولك للأذكار والتحصينات وبشرط أنك معتقدا فيها بمعية الله لك .. مع صدق التوجه لله .. فهذا يمنع وحجب الشيطان من أن يكون له تأثير استجابة لوسوسته .. ويستحيل أن تخضع له .. إذ كلما حاول الشيطان التأثير في نفسك وجد نور الذكر في نفسك يحجبه .. وعدم التأثير من الشيطان في نفسك مرتبط بشرط دوام التعلق بالله ..، ولو كان هناك أحد أحق بالتحصين المطلق والدائم طوال حياته .. لكان حدث ذلك للأنبياء والرسل من باب أولى طوال حياتهم.

 

#- ويظهر لك اخي الحبيب:

- أن الأذكار وقراءة القرآن والعبادة لله .. هي طوق نجاة للمؤمن من الشيطان الرجيم .. حيث أنها تمنع الشيطان من أن يؤثر على عقله وقلبه من الكفر أو الإنحراف أو اليأس أو غير ذلك .. فهو فقط قد يسمح الله له أن يتسلط عليك بوسوسة منه اختبارا لك .. ولكن الله يثبتك ببركة الذكر وقراءة القرآن .. فلا يجعل لوسوسته تأثير عليك لتخضع لهذه الوسوسة.

- ولكن ليس التحصين بمعنى الحماية المطلقة من الشيطان في كل الأحوال كما يتوهم البعض ..!!

========

 

#- خامسا: لماذا تتعجب من نزول ابتلاء السحر بك ولا تتعجب من نزول ابتلاء المال بك ؟

 

1- إذ أن الإيمان والذكر والقرآن لا يعصمون المؤمن من نزول الإبتلاء بك .. ولكن الإيمان والذكر وقراءة القرآن يعينوك على الإبتلاء.

 

- وطالما السحر من جملة الإبتلاءات .. فلماذا تستغرب من إمكانية حدوث سحر لك ؟!!

- أليس هذا تفكير غريب منك حينئذ ؟!!

 

2- بل والأغرب .. لماذا تتعجب من نزول ابتلاء السحر به مثلا .. ولا تتعجب من نزول ابتلاء المال لك لو كثر في يدك .. فتقول حينئذ: ما هذا الإبتلاء بالمال ولماذا يحدث لي كثرة المال في حين كوني مؤمن واقرأ القرآن واذكر الله ؟!!

 

- فما الفرق بين ابتلاء السحر وابتلاء المال ؟!

 

- أليس هذا من غرائب وعجائب النفوس ؟!!

 

- فقط أحببت أن أضع لك مرآة لنفسك .. يا من تعترض على حدوث سحر لك أو أي شيء روحاني قد يحدث معك .. وتنكر أن الأذكار لا تجدي معك نفعا ..، مع أنه لو أبصرت حقيقة نفسك ووقفت أمام مرآة نفسه الحقيقية .. لكنت علمت أن اعتراضك وانكارك هو دليل عليك أنك لم تتعبد بالقرآن ولا بالأذكار إيمانا بهم وإنما فقط وسيلة للوصول إلى غرضك وبعد ذلك لا قرآن ولا أذكار.

 

- فأنت غالبا تقرأ القرآن والأذكار ولسان حالك يقول "عاوز أخلص بقى  - أف أنا زهقت" .. أو لسان حالك يقول: "هشوف وهجرب يمكن تنفع" ..!!

 

- فماذا تنتظر لو كان هذا حالك وأنت تقرأ القرآن أو تقول الأذكار ؟!! 

 

- والإيمان والذكر والقرآن لو صدقت فيهم أثناء توجهك لله .. والصدق هو ملازمة طاعة الله دون اعتراض ولا سخط ولا أف .. فصدق التوجه إلى الله بالقرآن والأذكار يكسبك كرامة من الله في قلبك بتغيير صفات قلبك بنور من عنده .. ويكسبك تحصين من اقتراب الشيطان فلا يؤثر فيك لتستجيب له "وإن كان لا يمنع الشيطان من التسليط عليك بالوسوسة أحيانا كاختبار لك – ولكن دون أن يؤثر فيك".

 

3- إذن: القرآن والذكر فيهما كرامة لقلبك بالنور العائد على نفسك من قرائتك للقرآن أو للأذكار .. والعمل مع الله في تحصين لنفسك من تأثير وسوسة الشيطان لك .. وكلما استعذت بالله منه ظهر النور من قلبك فطرده فجأة .. ولذلك لا سلطة للشيطان عليك بالتأثير عليك حتى تستجيب له.

 

#- وخلاصة القول:

1- لا تجعل نفسك تتوهم أن مجرد قرائتك للقرآن أو قولك للأذكار تحصنك من الإبتلاء .. لا .. فالإبتلاء لو أراده الله بك فهو قدر وسيحدث لا محالة .. وإنما من يعيش مع القرآن والأذكار فهذا شخص وقت نزول الإبتلاء به فهو يكون لطف الله محيط به وقراءة القرآن والأذكار تكسب القلب نور .. وهذا النور يوفقك الله من خلاله لكيفية التعامل مع هذا الإبتلاء .. سواء كان ابتلاء بالخير أو بالشر.

 

2- أما عن أسطورة أن الذكر والقرآن يعصمان المؤمن من نزول الإبتلاء مطلقا .. فكان من باب أولى يمنعان ما نزل من الإبتلاء والبلاء على الأنبياء والرسل وهم أقرب الخلق إلى الله.

 

3- ولذلك السيدة عائشة والسيدة حفصة لم يعترضا على الله من ابتلاء السحر الذي حدث لهما .. ولم يسخطا من قدر الله فيهما .. ولم يقولا أين تحصينات الله لنا .. لا .. لم يقولا من هذه السخافات التي لا تليق بمؤمن أن يقولها .. حتى أن السيدة عائشة حتى حينما ظهر أثر السحر عليها فترة طويلة بالمرض .. وفوضت أمرها لله وظلت ملتزمة بحالها مع الله تدعو وتقول يارب وهي راجية فيه .. في غير سخط ولا اعتراض .. حتى أغاثها الله في الرؤيا بما فيه علاج لها.

 

- فتعلَّم يا مؤمن من أم المؤمنين عائشة .. وقل يارب .. ولا تشك في الله .. واصبر ولا تيأس .. فإن النصر مع الصبر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

- والله أعلم.

 

********************

 

..:: س39: لماذا لا ينفعل الذكر مع البعض حينما يقرأ الأذكار ويستعيذ بالله من الشيطان ثم لا يجد أي نتيجة ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- عدم انفعال الذكر معك وظهور أثره معك فهذا أراه في أمرين:

- الأول: سوء معاملتك مع الخلق ..

- خاصة من يغتاب خلق الله ويخوض في أعراضهم .. فقد جاء في حديث المعراج .. عن النبي قال (لمَّا عُرِجَ بي مررتُ بقومٍ لَهم أظفارٌ من نحاسٍ يخمِشونَ (أي يخدشون بها) وجوهَهم وصدورَهم .. فقلتُ من هؤلاءِ يا جبريلُ قال الَّذينَ يأكُلونَ لحومَ النَّاسِ ويقعونَ في أعراضِهِم) رواه أبو داوود .. وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.

 

- ويكفي أن نقول للمسيء والمؤذي .. تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ) صحيح مسلم.

 

- وسأل الصحابة ذات يوم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: (يا رَسولَ اللهِ! إنَّ فلانةَ تقومُ اللَّيلَ و تَصومُ النَّهارَ و تفعلُ، و تصدَّقُ، و تُؤذي جيرانَها بلِسانِها؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليهِ و سلم لا خَيرَ فيها، هيَ من أهلِ النَّارِ. قالوا: و فُلانةُ تصلِّي المكتوبةَ، و تصدَّقُ بأثوارٍ، و لا تُؤذي أحدًا ؟ فقال رسولُ اللهِ: هيَ من أهلِ الجنَّةِ) صحيح الأدب المفرد.

 

- ومن تاب بصدق .. وجد الحق له غفور رحيم ..

 

- الثاني: قلة إيمانك بربك ..

- لأن معنى قولك انك تستعيذ بالله من الشيطان ولا يعيذك .. فهنا أقول لك سؤال وعليك أن تكون صادق في إجابتك: هل إيمانك بأن الشيطان يمكن يؤذيك .. بمثل قوة إيمانك بأن الله قدير على طرده وقهره ؟!!

 

- الحقيقة .. أن كتير من الناس يخاوفون من الشيطان أكثر من إيمانهم في قدرة الله .. وبالتالي كيف يظهر معهم عطاء الذكر بالحماية والحفظ ؟!!

 

- وعشان تصدق .. تأمل قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) الأعراف:201.

 

- انتبه لقوله (تذكروا) ولقوله (فإذا هم مبصرون) .. فالمتقين حينما انتبهوا لكون هذا خاطر شيطاني يحرضهم على فعل السوء أو ظن السوء .. تيقظت قلوبهم ولجأوا إلى الله بطلب الإعاذة من الشيطان .. فأذهب الله عنهم نار هذا الوسواس من صدورهم .. وقد صح حالهم باليقظة والإنتباه إلى أن ما كان يجول بخاطرهم من خطأ أو فساد أو معصية إنما كان وسواس .. وقد طهرهم الله منه ببركة استعاذتهم بربهم لقوة صدق اعتقادهم في قدرة الله أنه مغيثهم دون أدنى شك .. ولذلك أغاثهم الله.

 

2- والتحصين أو الإستعاذة أو الإعتصام بالله مرتبط بأمرين ليثمر معك:

- الأول: أن تكون متقين أن الله عليم بما يحدث معك في ظاهرك وباطنك .. وسميع باستعاذتك به .. ومجيب لك ولكن وقت أن يريد الله ووفق حكمته هو وليس وقت ما أنت تريد منه ووفق مرادك أنت.

 

- الثاني: أن تكون متقين أن الله هو القدير القاهر فوق عباده .. وسلطان قيوميته بقدرته وقهره وقوته محيط بالأكوان .. وإنما يتصرف الله بقدرته حسب حكمته من اختبار الخلق .. وليس كما أنت تريد لنفسك أن يفعله لك الله ..!!  

 

3- ومع فقد الإعتقاد بيقين أن الله عليم سميع مجيب .. وأنه هو القيوم القدير القاهر القوي المدبر لشئون الكون والمتصرف فيه .. ماذا يحدث ؟

 

- يحدث أن الشيطان يستغل هذه الثغرة في نفوس البعض .. ويذهب لبعضهم فيقول له: اقرأ قرآن كما تحب .. وصلي وصوم كما تحب .. وسأظل واقف بجوارك ولا أتحرك .. لما نشوف ربنا اللي بتعبده هو فين عشان يساعدك ؟!!

- ثم يسخر منك الشيطان في نفسك ويضحك ويقول لك برافو: تحب أقرأ معك سورة البقرة ؟!!

 

4- ليه الشيطان بيعمل كده معاك ؟

 

- لأنه يعلم تمام العلم واليقين .. أن هذا الانسان قلبه لا يحمل يقينا في نفسه أن الله يسمعه ويراه .. وأنه متشكك في قدرة الله .. وإلا فلماذا لم يغيثه من الشيطان ؟!!

 

- لكن الحقيقة الظاهرة أمامنا: أن هذا إنسان انهزامي يائس وما يفعله إنما هو فقط ليقول لنفسه ولغيره: "عملت كل شيء ولم يحدث شيء .. فماذا أفعل بعد ذلك ؟!!".

 

- والحقيقة التي لا يريد أن يعترف بها لنفسه .. هو أنه فقد اسم الله القدير من قلبه منذ زمن بعيد .. واستسلم لوسوسة الشيطان بأنه المسيطر عليه والغالب له .. وارتضى أن يواسي نفسه بأنه "المسكين الغلبان العاجز الذي لا يفهمه أحد .. ولا يقدر مشاعره أحد .. ولا يعرف أحد حقيقة ما يتذوقه من تعب نتيجة هذا الشيطان" .. !!

 

- نعم صحيح نحن لا نعرف .. ولكن نعرف شيئا آخر .. أن الذي يتمكن الإيمان منه .. لا يتمكن الشيطان منه .. ومن كان في ابتلاء من الله فهو في عز المجاهدة بالله أمام الشيطان .. وليس يظل يعيش في عزاء نفسه ومواساتها ..!!

 

- أفق أخي الحبيب من غيبوبة دور الضحية والغلبان وشهيد الزمان .. لأنه لم يعد هناك وقت كثير في الحياة لتظل تعيش بهذه النفسية الإنهزامية اليائسة .. وتوقف عن عبادة الله بهذه النفسية وكأنك تتعلق بأمل مزيف لا نتيجة من وراءه .. لأنك فاقد الإيمان من نفسك ولسان حالك يقول: أين الله ليساعدني ؟!!

 

- والحقيقة هي: أنك لا تريد أن تجاهد نفسك وشيطانك .. وتريد أن تلقي فقط بالتهم على الله .. لتبرر لنفسك أنك المسكين .. لا يا شاطر .. أنت تخدع نفسك بالكلمات التي تراضي بها نفسك فقط حتى لو كان في ذلك اتهام لله .. ولكنك تريد أن تظهر نفسك أنك ضحية من ضحايا الله .. وهذا هو منهج الشيطان في الأرض أنت تلعب دور البطولة بدلا من الشيطان الذي يقول أن الله ظلمني وهو كذاب.

 

@- فإذا أردت أن تفيق من غيبوبة الغفلة التي تعيشها وتمثيلية الضحية .. فافهم وكن متيقنا أن الله سميع عليم .. وأن الله هو القدير جل شأنه وليس بغافل عن أي شيء لأنه القيوم .. فانشط وقل يا مؤمن بكل عزيمة: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث".

 

- واعلم أن سلطان القدير .. قاهر للشيطان الحقير .. فاعلو بعزة إيمانك وكأنك تقول: يا قدير .. اطرد هذا الحقير .. واجعل بيني وبينه حجابا مستورا.

 

- ولا تنسى يا مؤمن أن في معركة الإيمان مع الشيطان .. لابد من أن يتسلط الشيطان لحكمة اختبار يريدها الله فينا .. فإما أن تظهر عز إيمانك بالله في مواجهة الشيطان .. وإما أن تعيش بائس تعيس تشكو وتعترض وتسخط.

 

- ولكن ستبقى الحقيقة شاهدة عليك .. وهذه الحقيقة هي أنك أردت ان تأخذ دور البطولة من الشيطان في الحياة لتقول: أن الله ظلمك ولا يؤيدك ولا يستجيب لك .. مثلما فعل الشيطان تماما فيقول موسوسا في النفوس: "ربنا ظلمني لما حكم عليا بالكفر .. ولم يؤيدني برحمته كما أيد آدم .. ولا يستجيب لي كما استجاب لآدم .. ثم طردني رجيما "..، وإذا كان هذه تمثيلية الشيطان والتي أنت تحب أن تفعلها .. فاعلم انك لو فعلتها فأنت كذاب مثل الشيطان.

 

- فاصلح ما بينك وبينك الله .. وتحرر من تمثيلية الشيطان التي تعيشها .. حتى يطرد الله الشيطان عنك .. والعاقبة للمتقين.

- والله أعلم.

 

#- وخلاصة القول:

1- إذا أردت أن تجد مدد في الواقع يظهر أثره لك من خلال عبادتك لله .. فأحسن إلى الخلق .. وكن صادقا في توجهك لله في كل وقت .. وأعبد الله حبا في عبادته وليس فقط لمجرد مصلحة تريدها منه ثم تذهب وكأنك لم تعرف الله بعد ذلك ..!!

- فانتبه .. لأن الله بصير بالعباد .. وهو ولي المتقين.

 

2- وفي قصة سحر السيدة حفصة والسيدة عائشة .. لم يستعيذا بشيطان .. لأن الشيطان الذي كان فعل السحر هو شخص من الإنس .. ولا علاقة للشيطان بالموضوع لا من قريب ولا من بعيد .. وقوى تأثير السحر ليست بالشيطان .. وإنما بما يتم فعله الساحر ليؤثر به على قوى الإنسان .. وقد سبق وشرحنا ذلك من قبل.

- والله أعلم.

*****************
يتبع إن شاء الله تعالى
*****************
والله أعلم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم
هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .

هناك 4 تعليقات:

  1. اللهم نسألك ايمانا يباشر قلوبنا ويقينا صادقا حتى نعلم انه لن يصيبنا الا ما كتبته لنا ورضنا في قضائك ولا تنزع عنا سترك ولا تنسنا ذكرك ولا تجعلنا من الغافلين آمين يارب العالمين

    زادك الله نورا على نور استاذنا الفاضل
    اللهم صل على سيدنا محمد النور وعلى آله وسلم

    ردحذف
  2. اللهم صلى على محمد وآل محمد 🌹
    اللهم ارزقني حبك وحب نبيك 🌸
    يارب بالمصطفى بلغ مقاصدنا 🕊️

    ردحذف
    الردود
    1. لاادري يااستاذ خالد هل هذه رحمه الله نزلت بي ام فعلا أثر حروف الرسالة بفضل الله
      والله يااستاذ كانك ماسك قلم تكتب في قلبي ليس مجرد قراءه اقراها
      كان حروف هذه رساله لها مدد خاص كختم يختم في القلب نقشا نقشا يزهق الباطل
      كان قلبي يحترق بنور هذه الرسالة
      رب يزيدك مدد فوق مدد يحجبك عن اي سبب يكون اذى او حجب

      رب يزقك قدر صدقك اخلاصك يارب

      حذف
  3. جزاك الله كل خير استاذنا الفاضل وأمدك بمدده وفتح عليك بكل خير موضوع ممتع جدا زادك الله من فضله
    ----------------
    تخليص للجزء الاول من الموضوع :

    ✅حدوث البلاء وارتفاعه يحدث للمؤمن والغافل معا، لكن الفرق يظهر في كيفية التعايش مع الابتلاء لا في وقوعه

    ⛔️- الشيطان يوسوس وقت الشدة: أين أثر عبادتك؟ لماذا لم يستجب الله لك؟ ما الفرق بينك وبين من لا يتعبد؟

    💎- وهذه الوساوس تسقط الغافل ولا تحرك قلب المؤمن

    ✅- الغافل هو الذي لا يلتزم بأموار ربه ظاهرا وباطنا، وكذلك غير المؤمن

    ⛔️- الملتزم ظاهرا دون الباطن لا خير فيه لانه لايزال في حالة غفلة

    ⛔️- قياس الإبتلاء بين المؤمن وغافل قياس خاطئ اذا تم النظر للامر من حيث نزول الإبتلاء او رفعه فقط دون الانتباه لكيفية التعامل وقت النزول

    ✅- التعامل مع الابتلاء وردة الفعل هي التي تكشف بين من يعمل مع الله ومن هو في حالة غفلة عنه

    💎- المؤمن وقت الابتلاء:

    1. يثبته الله بقدر صدقه، فيزداد قربا ولا ينحرف

    2. يجد ألطاف العناية: برد الرضا، وصبرا، وأسبابا تخدمه دون أن يشعر، ولمسة جبر تقول لقلبه: اصبر يا طيب

    3. لا يستجيب لوساوس الشيطان، لأنه يعلم أن كل شيء بقدر الله وحكمته وباب مناقشة مسألة ماذا فعلت عبادتك مغلق معه وعنده ليقينه فيمن يعبده ورضاه بحكمه

    4- المؤمن الحق يعلم يقينا أن مكسبه الحقيقي في الآخرة وان الدنيا دار ابتلاء

    ⛔️- الغافل وقت الابتلاء:

    يشتد ظلام نفسه، ويكثر اعتراضه، ويتخبط في سخط وحسد، ويفتح قلبه لوسوسة الشيطان الذي يهون اثر و اهمية الطاعة ويعظم البلاء في قلبه ليسقطه

    💎- الابتلاءات مرايا النفوس

    من يظنه الناس مؤمنا قد يسقط أولا في السخط والاعتراض

    ومن يظنونه غافلا يفاجئ بالصدق والإخلاص، ويقول “يا رب” من أعماق قلبه دون ملل ولا كلل

    💎- قد يرفع الله الغافل بلحظة صدق خالصة، فيجعلها بداية ومقام قرب

    ⭕️- الفرق الحقيقي بين المؤمن والغافل يرى في ساعات الإبتلاء: ثبات الأول، وتخبط الثاني

    ✅-الإيمان والذكر والقرآن ثمرته: تثبيت، وصبر، ومعونة، وحفظ من كيد الشيطان، بخلاف الغافل الذي يتلاعب به الشيطان بسهولة
    ---------
    اللهم صل على سيدنا محمد صلاة حب موصولة من القلب إلى القلب وعلى آله وسلم

    ردحذف

ادارة الموقع - ا/ خالد ابوعوف