بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة
التحقيق الجلي
لقصة سحر حفصة وعائشة
زوجتي النبي صلى الله عليه وسلم
(الفصل الخامس)
:: الفصل
الخامس :: ج1/
مسائل عن قصة سحر السيدة عائشة زوجة النبي صلى الله عليه
وسلم ::
1- س13: كيف عرف الرجل الطبيب السِّنَدي الزُّطي
بأن السيدة عائشة معمول لها سحرا ؟ وكيف عرف من قام بفعله ؟
#- ما المقصود بالكشف الروحاني ؟
#- لماذا تم وصف هذا الكشف بأنه روحاني ؟
2- س14: هل يعتبر سؤال السيدة عائشة عمن فعل ذلك السحر
هو ضرب من طلب العرافة ؟
3- س15: لماذا السيدة عائشة
سألت الطبيب عمن فعل السحر إذا كان فعل النبي هو سؤال الله وقت أن تم سحره ؟
*******************
:: الفصل
الخامس ::
*******************
..:: س13: كيف عرف الرجل الطبيب السِّنَدي
الزُّطي بأن السيدة عائشة معمول لها سحرا ؟ وكيف عرف من قام بفعله ؟ ::..
#- جاء في (أثر صحيح) .. عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ
ابْنِ عَمْرَةَ، عَنْ عَمْرَةَ: (أنَّ عائشةَ رضي اللهُ عنها دبَّرَتْ
أمَةً لها .. فاشتكت عائشةُ .. فسأل بنو أخيها طبيبًا من الزُّطِّ .. فقال إنكم تُخبروني عن امرأةٍ
مسحورةٍ سحرتْها أمَةٌ لها ....) رواه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح.
#- وجاء في (أثر صحيح): عن مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو
الرِّجَالِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ: (أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتْ أَعْتَقَتْ جَارِيَةً لَهَا عَنْ دُبُرٍ
مِنْهَا، ثُمَّ إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ اشْتَكَتْ
مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَشْتَكِيَ .. ثُمَّ إِنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا رَجُلٌ سِنْدِيٌّ .. فَقَالَ
لَهَا .. أَنْتِ مَطبُوبَةٌ .. فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: وَيْلَكَ .. مَنْ
طَبَّنِي ؟
- قَالَ: امْرَأَةٌ مِنْ
نَعْتِهَا كَذَا وَكَذَا .. فَوَصَفَهَا .. وَقَالَ: إِنَّ فِي حَجْرِهَا الآنَ
صَبِيًّا قَدْ بَالَ.
- فَقَالَتْ عَائِشَةُ: ادْعُوا
لِي فُلانَةً .. جَارِيَةً كَانَتْ تَخْدُمُهَا .. فَوَجَدُوهَا فِي بَيْتِ
جِيرَانٍ لَهُمْ فِي حَجْرِهَا صَبِيٌّ ..
- قَالَتْ: الآنَ حَتَّى أَغْسِلَ
بَوْلَ هَذَا الصَّبِيِّ .. فَغَسَلَتْهُ ثُمَّ جَاءَتْ ..
- فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ:
أَسَحَرْتِنِي ؟
- قَالَتْ: نَعَمْ .....) رواه مالك في الموطأ .. (قلت خالد صاحب الرسالة): سنده صحيح .
#- وسبق
وشرحت وجه الجمع بين الروايتين فقلت: لعل بنو أخو عائشة ذهبوا إليه
ليسألوه فأخبرهم .. ثم لما قالوا للسيدة عائشة ما حدث .. فطلبت مقابلته لتتبين منه
بنفسها .. والله أعلم.
#- وقال الإمام محمد بن رشد القرطبي رحمه الله (المتوفى:520 هـ) "وهو جد الفيلسوف
بن رشد":
- إنما قال السندي لعائشة: "إنها سحرت وإن الذي سحرها
جارية في حجرها صبي وقد بال" ....، من ناحية الكهانة ..، والكاهن قد يصيب في يسير من كثير بما يلقيه
إليه وليَّه من الجن فيما استرق من السمع .. فيخلط إليها مائة كذبة على ما جاء من
ذلك في الحديث .. والله أعلم. (البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة ج15 ص154).
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- من الأسئلة التي قد تخطر ببالك: كيف عرف هذا الطبيب أن السيدة عائشة مسحورة
وهو لم يراها بل مجرد ما سمع عن حالها فأخبر أنها مسحورة ؟ وكيف عرف أن من سحرها
وصفه أنه يفعل كذا وكذا الآن في نفس اللحظة التي يتكلم فيها ؟
#- الجواب:
- الموضوع بسيط ..
كيف ذلك ؟
1- أما عن كيفية معرفته بأنها مسحورة ..
هي نفس الكيفية التي عرف بها من فعل لها السحر .. ليه
؟
- لأن الوسيلة واحدة .. وهي
من خلال كشف روحاني مفاجيء وكان صحيح .. قد ظهر لهذا الرجل الزطي الطبيب .. وتبين
له هذا المشهد .. وذلك حينما كان يحكي بنو أخي عائشة عن حالتها له .. فظهرت أمامه صورة
من يقوم بعمل السحر لها .. فأدرك أن من يتم الحكاية عنها هي مسحورة.
- وطالما هذه مسألة غيبية .. فلابد
من شاهد إثبات لها في الواقع .. خاصة وأن فيها إتهام لإنسان محدد.
- ولذلك السيدة عائشة .. لم تأخذ الكلام بمحمل اليقين .. وأرادت التحقيق من الخبر .. وكأن لسان
حالها يقول بقول سليمان للهدهد لما جاءه بخبر مملكة سبأ: (سَنَنْظُرُ
أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) النمل:27 ..،
أو لعل لسان حالها هو قوله تعالى: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ
بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا
فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)
الحجرات:6.
- فاستدعت السيدة
عائشة هذه الجارية .. فاعترفت بأنها قد سحرتها وأظهرت سبب فعلها للسحر .. وتبين
صدق كلام الرجل الطبيب السندي الزطي.
2- ولكن قد يسأل
البعض فيقول: ما المقصود
بالكشف الروحاني ؟
- شوف يا سيدي .. الكشف الروحاني ده عبارة معرفة تأتي للإنسان من خلال وسائل الإدراك
للإنسان وذلك بطريقين:
- الأول: من
خلال صورة أو مشهد يظهر في داخل الإنسان ..
- الثاني: من
خلال صوت يسمعه في داخله بقوة كما يسمع بأذنه الخارجية ..
#- ولكن انتبه: ليس
كل كشف هو صحيح .. فقد يكون صحيح .. وقد يكون باطل .. وقد يكون جامع بين الصواب
والخطأ .. وهذا هو الفرق الكشفي بين الإنسان العادي وبين النبي أو الرسول .. إذ أن
النبي أو الرسول لا يرى ولا يسمع إلا حقا على الدوام من بدأ نبوته أو رسالته.
3- ولماذا تم وصف
هذا الكشف بأنه روحاني ؟
- لسببين ..
أ- من حيث استقباله: أن هذا الكشف غير مدرك للحواس الظاهرة بالنسبة لمستقبل هذا الكشف ..
وبالنسبة لجميع الآخرين.
- فالشخص الذي يرى أو
يسمع هو فقط من يمكنه إدراك هذا الكشف بإدراك باطني خفى وذلك مثل الوسواس والإلهام
لعموم الناس .. وسبب استقباله لهذا الكشف الروحاني لأن عنده جانب روحاني نشط في
نفسه يؤهله لهذا الإستقبال الروحاني الكشفي.
- إذن: هو
كشف موصوف بالروحاني لأن طريقة استقباله خفية كخفاء الروح في الجسم.
ب- من حيث مصدره: قد
يكون مصدر هذا الكشف إما من الجن أو الملائكة .. والجن قد يكون صالح أو طالح أي
فاسد.
- إذن: هو
كشف موصوف بالروحاني لأن مصدره هو من عالم الأرواح.
4- أما ما ذكره بعض العلماء .. من أن ما فعله هذا الرجل الزطي بأنه فعل من
أفعال الكهانة .. فهذا خطأ .. لأن الكهانة تنبؤ عن مستقبل .. وهذا لا علاقة له
بالمستقبل حتى يصفه بالكهانة ..!! وكيف يكون كهانة وهو يصف مشهد واقعي حادث فعلا
.. ؟ وما علاقة الكهانة السمعية المستقبلية والتي يزيد فيها الكاهن من رأسه كلاما
ويخلط معها مائة كذبة .. بكلام هذا الزطي الذي يرى حاضرا يحدث فعلا وذكره بتفاصيله
وثبت صحة كلامه ؟!!
- يعني ببساطة: الكشف الروحاني لما حدث أو يحدث .. لا يصح
وصفه بأنه كهانة لأن الكهانة توصيف لمعرفة غيبية مستقبلية القصد منها التجسس على
قدر الله .. وهذه الكهانة حرام.
- وحتى يستطيع الشخص الحكم على مسألة روحانية
.. خاصة بالكشف الروحاني .. فهذا يتطلب أن يفهم ما هو الكشف الروحاني
وأنواعه ومصادره .. والفرق بين الكشف الصحيح والكشف الفاسد .. والكشف المباح
والكشف المحرم .. وكشف المفاجئة وكشف الطالب .. والمؤهل روحانيا والغير مؤهل
روحانيا .. وهل هو طالب للعالم الروحاني أم مطلوب من العالم الروحاني .... وغير
ذلك من مسائل ..
- ولا أظن أن له علم مدون ومكتوب كمرجع للفقيه في فهم
تلك المسائل بصورة صحيحة .. والله أعلم.
#- ولعل هذا من الأسباب التي جعلتني أتكلم عن الكشف في رسالة خاصة
كمرجع ودليلا لأهل العلم .. وهي (رسالة المكاشفات الروحانية للعوالم الغيبية في الشريعة الإسلامية – أ/ خالد أبوعوف) .. يسر الله إخراجها على
المدونة إن شاء الله.
#- خلاصة
القول:
1- أن
هذا الشخص
السندي الزطي قد عرف أن
السيدة عائشة بها سحر من خلال كشف روحاني مفاجيء حدث له .. وأدرك به من خلاله أن
السيدة عائشة مسحورة ورأى في نفس اللحظة أوصاف من فعل السحر لها .. وأنه يفعل كذا
وكذا الآن .
2- ليس ما فعله هذا الرجل الزطي الطبيب .. هو نوع من الكهانة ولا العرافة .. بل مجرد كشف مفاجيء حدث له وظهر له
منه .. أن السيدة عائشة مسحورة لأنه ظهر له كشف رأى فيه من فعل لها السحر.
- وقلت "كشف مفاجيء": لأنه لم يكن عن استحضار ولم يظهر
ذلك في الرواية .. ولعله كان من المؤهلين روحانيا للتواصل الروحاني معه من العالم
الروحاني فكوشف بذلك نوعا من الكرامة له ليبصر سبب الضر .. وكذلك نوعا من الكرامة
للسيدة عائشة لتعرف من أساء إليها في منزلها.
- والله أعلم.
******************
..:: س14: هل يعتبر سؤال السيدة عائشة
عمن فعل ذلك السحر هو ضرب من طلب العرافة ؟ ::..
- وقد يخطر ببالك سؤال فتقول: هل يعتبر سؤال السيدة عائشة عمن فعل ذلك السحر هو ضرب من طلب العرافة ؟ وإلا فما الفرق
حينئذ بين سؤال هذا الرجل الزطي وبين سؤال الساحر وسؤال العراف وفتح المندل وقراءة
الفنجان ؟!!
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- أنت فهمت سؤال السيدة عائشة للطبيب الزطي بصورة خاطئة تماما
.. ليه ؟
1- لأن السيدة عائشة لم تذهب إليه ولم تسأله عن سبب
مرضها .. وإنما هو من أتاها بصفته
طبيب .. وقال لها أنها مسحورة .. فأرادت أن تتبين من صدق كلامه بشاهد إثبات
على كلامه .. فأخبرها بأن دليل صدق قوله هو أن من فعل ذلك هو جارية مملوكة .. وحالها
الآن أن في حجرها صبي قد بال عليها.
- ولعل سبب استماعها لكلامه .. أن هذا الطبيب لعل له كرامة كشفية من الله
صحيحة .. كما حدث لعمر بن الخطاب حينما كاشفه الله بما يحدث مع جنوده في فارس ..
وأخبر قائد جيشة (سارية) وقال له: يا سارية الجبل أي احتمي بالجبل .. وقد سمع
الجيش صوت عمر بالرغم أن عمر كان بالمدينة وجيشه في فارس (إيران) ..
2- العرافة لا وجود لها في القصة أصلا .. فلا الرجل عراف وإنما طبيب .. ولا السيدة
عائشة سعت إليه أو طلبته ليكشف لها المستخبي والخفي أمره ..!!
- لأن طلب العرافة تستوجب عزم وسعي لطلب العرافة من العراف ..
وهذا لم يحدث في القصة .. بل هي سمعت خبر قيل لها أنها مسحورة .. فطلبت هذا الطبيب
لتتبين منه حقيقة ما سمعت .. فأتاها وأخبرها بما كان ذكره لأبناء أخيها.
#- وخلاصة القول:
1- أن القصة لا يوجد فيها عرافة من أساسه .. لأنه لا يوجد
عراف .. ولا يوجد طالب عرافة.
2- وأن سؤال السيدة عائشة للطبيب إنما هو ردا على خبرا أخبرها به .. فأرادت أن
تتحقق من صدق قول الرجل الزطي الطبيب وإن كان ما قاله له شاهد إثبات من الواقع أم
لا.
- والله أعلم.
*********************
..:: س15: لماذا السيدة عائشة سألت
الطبيب عمن فعل السحر إذا كان فعل النبي هو سؤال الله وقت أن تم سحره ؟ ::..
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- ما علاقة هذا السؤال
ببعضه ؟
1- السيدة عائشة: سألت سؤالا عن خبر قيل لها عن طبيب .. لتتحقق
من مصداقية ما قاله عنها لبنو أخيها .. وليس لتسأل الطبيب عن حالها.
- فضلا عن أن سؤال الطبيب هو من أسباب الله المطلوب الأخذ بها .. لأن
فيها علم الله الذي أعطاه لبعض خلقه وهم الأطباء .. حتى يتداوى الناس بمعرفتهم
التي عرفهم الله بها.
- يعني
ببساطة: السيدة عائشة لم تسأل الطبيب سؤال عبادة حتى يقال:
ولماذا لم تتبع النبي فتسأل الله ؟!!
2- أما النبي صلى الله عليه وسلم: فسئل ربه عن سبب التخييل الذي يحدث له .. ولو
كان أحد أخبره بأن فلان سحره لكان تحقق .. بل أن النبي لما رأى الرؤيا فقد تحقق
منها أيضا.
- ولذلك ما علاقة سؤال السيدة عائشة للطبيب لتتبين ما قاله
الطبيب لها .. بسؤال النبي لربه وذلك لمعرفة ما أصابه من خيال يتكرر معه .. وهو يعلم أنه خيال .. وإلا فلماذا
سأل ربه عن سببه ؟
#- خلاصة القول:
- السيدة عائشة لم تسأل الطبيب سؤال عبادة حتى يقال لماذا لم
تفعل مثلما فعل النبي .. ؟!!
- إنما كان سؤالها هو سؤال عادة .. أي سؤال عادة ما يتطرق للذهن عن سماع خبر
يقال لك أنك مسحور .. فيسأل ومن سحر وسبب فعله للسحر.
- أما سؤال النبي فهو سؤال عبادة .. لأنه يسأل ربه عن سبب ما كان يحدث له.
- والله أعلم.
:: الفصل
الخامس :: ج1/
مسائل عن قصة سحر السيدة عائشة زوجة النبي صلى الله عليه
وسلم ::
1- س13: كيف عرف الرجل الطبيب السِّنَدي الزُّطي
بأن السيدة عائشة معمول لها سحرا ؟ وكيف عرف من قام بفعله ؟
#- ما المقصود بالكشف الروحاني ؟
#- لماذا تم وصف هذا الكشف بأنه روحاني ؟
2- س14: هل يعتبر سؤال السيدة عائشة عمن فعل ذلك السحر
هو ضرب من طلب العرافة ؟
3- س15: لماذا السيدة عائشة سألت الطبيب عمن فعل السحر إذا كان فعل النبي هو سؤال الله وقت أن تم سحره ؟
*******************
:: الفصل
الخامس ::
*******************
..:: س13: كيف عرف الرجل الطبيب السِّنَدي
الزُّطي بأن السيدة عائشة معمول لها سحرا ؟ وكيف عرف من قام بفعله ؟ ::..
#- جاء في (أثر صحيح) .. عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ
ابْنِ عَمْرَةَ، عَنْ عَمْرَةَ: (أنَّ عائشةَ رضي اللهُ عنها دبَّرَتْ
أمَةً لها .. فاشتكت عائشةُ .. فسأل بنو أخيها طبيبًا من الزُّطِّ .. فقال إنكم تُخبروني عن امرأةٍ
مسحورةٍ سحرتْها أمَةٌ لها ....) رواه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح.
#- وجاء في (أثر صحيح): عن مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو
الرِّجَالِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ: (أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتْ أَعْتَقَتْ جَارِيَةً لَهَا عَنْ دُبُرٍ
مِنْهَا، ثُمَّ إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ اشْتَكَتْ
مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَشْتَكِيَ .. ثُمَّ إِنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا رَجُلٌ سِنْدِيٌّ .. فَقَالَ
لَهَا .. أَنْتِ مَطبُوبَةٌ .. فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: وَيْلَكَ .. مَنْ
طَبَّنِي ؟
- قَالَ: امْرَأَةٌ مِنْ
نَعْتِهَا كَذَا وَكَذَا .. فَوَصَفَهَا .. وَقَالَ: إِنَّ فِي حَجْرِهَا الآنَ
صَبِيًّا قَدْ بَالَ.
- فَقَالَتْ عَائِشَةُ: ادْعُوا
لِي فُلانَةً .. جَارِيَةً كَانَتْ تَخْدُمُهَا .. فَوَجَدُوهَا فِي بَيْتِ
جِيرَانٍ لَهُمْ فِي حَجْرِهَا صَبِيٌّ ..
- قَالَتْ: الآنَ حَتَّى أَغْسِلَ
بَوْلَ هَذَا الصَّبِيِّ .. فَغَسَلَتْهُ ثُمَّ جَاءَتْ ..
- فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ:
أَسَحَرْتِنِي ؟
- قَالَتْ: نَعَمْ .....) رواه مالك في الموطأ .. (قلت خالد صاحب الرسالة): سنده صحيح .
#- وسبق وشرحت وجه الجمع بين الروايتين فقلت: لعل بنو أخو عائشة ذهبوا إليه ليسألوه فأخبرهم .. ثم لما قالوا للسيدة عائشة ما حدث .. فطلبت مقابلته لتتبين منه بنفسها .. والله أعلم.
#- وقال الإمام محمد بن رشد القرطبي رحمه الله (المتوفى:520 هـ) "وهو جد الفيلسوف
بن رشد":
- إنما قال السندي لعائشة: "إنها سحرت وإن الذي سحرها
جارية في حجرها صبي وقد بال" ....، من ناحية الكهانة ..، والكاهن قد يصيب في يسير من كثير بما يلقيه
إليه وليَّه من الجن فيما استرق من السمع .. فيخلط إليها مائة كذبة على ما جاء من
ذلك في الحديث .. والله أعلم. (البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة ج15 ص154).
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- من الأسئلة التي قد تخطر ببالك: كيف عرف هذا الطبيب أن السيدة عائشة مسحورة
وهو لم يراها بل مجرد ما سمع عن حالها فأخبر أنها مسحورة ؟ وكيف عرف أن من سحرها
وصفه أنه يفعل كذا وكذا الآن في نفس اللحظة التي يتكلم فيها ؟
#- الجواب:
- الموضوع بسيط ..
كيف ذلك ؟
1- أما عن كيفية معرفته بأنها مسحورة ..
هي نفس الكيفية التي عرف بها من فعل لها السحر .. ليه
؟
- لأن الوسيلة واحدة .. وهي
من خلال كشف روحاني مفاجيء وكان صحيح .. قد ظهر لهذا الرجل الزطي الطبيب .. وتبين
له هذا المشهد .. وذلك حينما كان يحكي بنو أخي عائشة عن حالتها له .. فظهرت أمامه صورة
من يقوم بعمل السحر لها .. فأدرك أن من يتم الحكاية عنها هي مسحورة.
- وطالما هذه مسألة غيبية .. فلابد
من شاهد إثبات لها في الواقع .. خاصة وأن فيها إتهام لإنسان محدد.
- ولذلك السيدة عائشة .. لم تأخذ الكلام بمحمل اليقين .. وأرادت التحقيق من الخبر .. وكأن لسان
حالها يقول بقول سليمان للهدهد لما جاءه بخبر مملكة سبأ: (سَنَنْظُرُ
أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) النمل:27 ..،
أو لعل لسان حالها هو قوله تعالى: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ
بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا
فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)
الحجرات:6.
- فاستدعت السيدة
عائشة هذه الجارية .. فاعترفت بأنها قد سحرتها وأظهرت سبب فعلها للسحر .. وتبين
صدق كلام الرجل الطبيب السندي الزطي.
2- ولكن قد يسأل
البعض فيقول: ما المقصود
بالكشف الروحاني ؟
- شوف يا سيدي .. الكشف الروحاني ده عبارة معرفة تأتي للإنسان من خلال وسائل الإدراك
للإنسان وذلك بطريقين:
- الأول: من
خلال صورة أو مشهد يظهر في داخل الإنسان ..
- الثاني: من
خلال صوت يسمعه في داخله بقوة كما يسمع بأذنه الخارجية ..
#- ولكن انتبه: ليس
كل كشف هو صحيح .. فقد يكون صحيح .. وقد يكون باطل .. وقد يكون جامع بين الصواب
والخطأ .. وهذا هو الفرق الكشفي بين الإنسان العادي وبين النبي أو الرسول .. إذ أن
النبي أو الرسول لا يرى ولا يسمع إلا حقا على الدوام من بدأ نبوته أو رسالته.
3- ولماذا تم وصف
هذا الكشف بأنه روحاني ؟
- لسببين ..
أ- من حيث استقباله: أن هذا الكشف غير مدرك للحواس الظاهرة بالنسبة لمستقبل هذا الكشف ..
وبالنسبة لجميع الآخرين.
- فالشخص الذي يرى أو
يسمع هو فقط من يمكنه إدراك هذا الكشف بإدراك باطني خفى وذلك مثل الوسواس والإلهام
لعموم الناس .. وسبب استقباله لهذا الكشف الروحاني لأن عنده جانب روحاني نشط في
نفسه يؤهله لهذا الإستقبال الروحاني الكشفي.
- إذن: هو
كشف موصوف بالروحاني لأن طريقة استقباله خفية كخفاء الروح في الجسم.
ب- من حيث مصدره: قد
يكون مصدر هذا الكشف إما من الجن أو الملائكة .. والجن قد يكون صالح أو طالح أي
فاسد.
- إذن: هو
كشف موصوف بالروحاني لأن مصدره هو من عالم الأرواح.
4- أما ما ذكره بعض العلماء .. من أن ما فعله هذا الرجل الزطي بأنه فعل من
أفعال الكهانة .. فهذا خطأ .. لأن الكهانة تنبؤ عن مستقبل .. وهذا لا علاقة له
بالمستقبل حتى يصفه بالكهانة ..!! وكيف يكون كهانة وهو يصف مشهد واقعي حادث فعلا
.. ؟ وما علاقة الكهانة السمعية المستقبلية والتي يزيد فيها الكاهن من رأسه كلاما
ويخلط معها مائة كذبة .. بكلام هذا الزطي الذي يرى حاضرا يحدث فعلا وذكره بتفاصيله
وثبت صحة كلامه ؟!!
- يعني ببساطة: الكشف الروحاني لما حدث أو يحدث .. لا يصح
وصفه بأنه كهانة لأن الكهانة توصيف لمعرفة غيبية مستقبلية القصد منها التجسس على
قدر الله .. وهذه الكهانة حرام.
- وحتى يستطيع الشخص الحكم على مسألة روحانية
.. خاصة بالكشف الروحاني .. فهذا يتطلب أن يفهم ما هو الكشف الروحاني
وأنواعه ومصادره .. والفرق بين الكشف الصحيح والكشف الفاسد .. والكشف المباح
والكشف المحرم .. وكشف المفاجئة وكشف الطالب .. والمؤهل روحانيا والغير مؤهل
روحانيا .. وهل هو طالب للعالم الروحاني أم مطلوب من العالم الروحاني .... وغير
ذلك من مسائل ..
- ولا أظن أن له علم مدون ومكتوب كمرجع للفقيه في فهم
تلك المسائل بصورة صحيحة .. والله أعلم.
#- ولعل هذا من الأسباب التي جعلتني أتكلم عن الكشف في رسالة خاصة
كمرجع ودليلا لأهل العلم .. وهي (رسالة المكاشفات الروحانية للعوالم الغيبية في الشريعة الإسلامية – أ/ خالد أبوعوف) .. يسر الله إخراجها على
المدونة إن شاء الله.
#- خلاصة
القول:
1- أن
هذا الشخص
السندي الزطي قد عرف أن
السيدة عائشة بها سحر من خلال كشف روحاني مفاجيء حدث له .. وأدرك به من خلاله أن
السيدة عائشة مسحورة ورأى في نفس اللحظة أوصاف من فعل السحر لها .. وأنه يفعل كذا
وكذا الآن .
2- ليس ما فعله هذا الرجل الزطي الطبيب .. هو نوع من الكهانة ولا العرافة .. بل مجرد كشف مفاجيء حدث له وظهر له
منه .. أن السيدة عائشة مسحورة لأنه ظهر له كشف رأى فيه من فعل لها السحر.
- وقلت "كشف مفاجيء": لأنه لم يكن عن استحضار ولم يظهر
ذلك في الرواية .. ولعله كان من المؤهلين روحانيا للتواصل الروحاني معه من العالم
الروحاني فكوشف بذلك نوعا من الكرامة له ليبصر سبب الضر .. وكذلك نوعا من الكرامة
للسيدة عائشة لتعرف من أساء إليها في منزلها.
- والله أعلم.
******************
..:: س14: هل يعتبر سؤال السيدة عائشة
عمن فعل ذلك السحر هو ضرب من طلب العرافة ؟ ::..
- وقد يخطر ببالك سؤال فتقول: هل يعتبر سؤال السيدة عائشة عمن فعل ذلك السحر هو ضرب من طلب العرافة ؟ وإلا فما الفرق
حينئذ بين سؤال هذا الرجل الزطي وبين سؤال الساحر وسؤال العراف وفتح المندل وقراءة
الفنجان ؟!!
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- أنت فهمت سؤال السيدة عائشة للطبيب الزطي بصورة خاطئة تماما
.. ليه ؟
1- لأن السيدة عائشة لم تذهب إليه ولم تسأله عن سبب
مرضها .. وإنما هو من أتاها بصفته
طبيب .. وقال لها أنها مسحورة .. فأرادت أن تتبين من صدق كلامه بشاهد إثبات
على كلامه .. فأخبرها بأن دليل صدق قوله هو أن من فعل ذلك هو جارية مملوكة .. وحالها
الآن أن في حجرها صبي قد بال عليها.
- ولعل سبب استماعها لكلامه .. أن هذا الطبيب لعل له كرامة كشفية من الله
صحيحة .. كما حدث لعمر بن الخطاب حينما كاشفه الله بما يحدث مع جنوده في فارس ..
وأخبر قائد جيشة (سارية) وقال له: يا سارية الجبل أي احتمي بالجبل .. وقد سمع
الجيش صوت عمر بالرغم أن عمر كان بالمدينة وجيشه في فارس (إيران) ..
2- العرافة لا وجود لها في القصة أصلا .. فلا الرجل عراف وإنما طبيب .. ولا السيدة
عائشة سعت إليه أو طلبته ليكشف لها المستخبي والخفي أمره ..!!
- لأن طلب العرافة تستوجب عزم وسعي لطلب العرافة من العراف ..
وهذا لم يحدث في القصة .. بل هي سمعت خبر قيل لها أنها مسحورة .. فطلبت هذا الطبيب
لتتبين منه حقيقة ما سمعت .. فأتاها وأخبرها بما كان ذكره لأبناء أخيها.
#- وخلاصة القول:
1- أن القصة لا يوجد فيها عرافة من أساسه .. لأنه لا يوجد
عراف .. ولا يوجد طالب عرافة.
2- وأن سؤال السيدة عائشة للطبيب إنما هو ردا على خبرا أخبرها به .. فأرادت أن
تتحقق من صدق قول الرجل الزطي الطبيب وإن كان ما قاله له شاهد إثبات من الواقع أم
لا.
- والله أعلم.
*********************
..:: س15: لماذا السيدة عائشة سألت
الطبيب عمن فعل السحر إذا كان فعل النبي هو سؤال الله وقت أن تم سحره ؟ ::..
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- ما علاقة هذا السؤال
ببعضه ؟
1- السيدة عائشة: سألت سؤالا عن خبر قيل لها عن طبيب .. لتتحقق
من مصداقية ما قاله عنها لبنو أخيها .. وليس لتسأل الطبيب عن حالها.
- فضلا عن أن سؤال الطبيب هو من أسباب الله المطلوب الأخذ بها .. لأن
فيها علم الله الذي أعطاه لبعض خلقه وهم الأطباء .. حتى يتداوى الناس بمعرفتهم
التي عرفهم الله بها.
- يعني
ببساطة: السيدة عائشة لم تسأل الطبيب سؤال عبادة حتى يقال:
ولماذا لم تتبع النبي فتسأل الله ؟!!
2- أما النبي صلى الله عليه وسلم: فسئل ربه عن سبب التخييل الذي يحدث له .. ولو
كان أحد أخبره بأن فلان سحره لكان تحقق .. بل أن النبي لما رأى الرؤيا فقد تحقق
منها أيضا.
- ولذلك ما علاقة سؤال السيدة عائشة للطبيب لتتبين ما قاله
الطبيب لها .. بسؤال النبي لربه وذلك لمعرفة ما أصابه من خيال يتكرر معه .. وهو يعلم أنه خيال .. وإلا فلماذا
سأل ربه عن سببه ؟
#- خلاصة القول:
- السيدة عائشة لم تسأل الطبيب سؤال عبادة حتى يقال لماذا لم
تفعل مثلما فعل النبي .. ؟!!
- إنما كان سؤالها هو سؤال عادة .. أي سؤال عادة ما يتطرق للذهن عن سماع خبر
يقال لك أنك مسحور .. فيسأل ومن سحر وسبب فعله للسحر.
- أما سؤال النبي فهو سؤال عبادة .. لأنه يسأل ربه عن سبب ما كان يحدث له.
- والله أعلم.

رب زدنا علما
ردحذفتحليل جميييييل ..
بارك الله فيك استاذنا الفاضل
واعتقد لحد الان محاولة اجتهادي الاجابة على التساؤلات في تعليقات الجزء السابق مقبولة نوعا ما هههههه .. يارب اكون وفقت فيما بقي 🤲