ج12: قصة سحر بعض زوجات النبي حفصة وعائشة - ما الذي نلاحظه في طريقة علاج السيدة عائشة وطرق إبطال النبيين محمد وموسى للسحر - مع ملاحظة طرق إبطال النبيين محمد وموسى للسحر - كيف يحدث السحر للسيدة حفصة والسيدة عائشة إذا كان الله نفى فلاح الساحر حيث قال: (ولا يفلح الساحر حيث أتى).

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

التحقيق الجلي

لقصة سحر حفصة وعائشة

زوجتي النبي صلى الله عليه وسلم 

(الفصل الثاني عشر)

#- فهرس:

:: الفصل الثاني عشر :: ج1/ مسائل عامة قد تخطر ببالك حين معرفتك بقصة سحر بعض زوجات النبي وهما السيدة حفصة والسيدة عائشة ::

1- س33: ما الذي نلاحظه في طريقة علاج السيدة عائشة من السحر ؟

#- مع ملاحظة طرق إبطال النبيين محمد وموسى للسحر.

2- س34: كيف يحدث السحر للسيدة حفصة والسيدة عائشة إذا كان الله نفى فلاح الساحر حيث قال: (ولا يفلح الساحر حيث أتى) ؟

#- ظنك بتفسير نفي الفلاح للساحر مطلقا هو خطأ ومعارض للقرآن.

#- إليك اجتهادي وفهمي لقوله تعالى: (لَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) .. والله ولي التوفيق.

*******************

:: الفصل الثاني عشر ::

*******************  

..:: س33: ما الذي نلاحظه في طريقة علاج السيدة عائشة من السحر ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- لعلك تكون لاحظت أخي الحبيب .. أن في طريقة فك السحر عن السيدة عائشة .. لم يقال لها في المنام اقرئي من القرآن كذا وكذا بل قيل لها استخدمي ماء الآبار بعدد معين ..، وكذلك في قصة سحر السيدة حفصة لم يظهر لنا سوى أنها أخرجت السحر ..، وكذلك إن شاء الله حينما سنتكلم في رسالة خاصة عن قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم لم يقال له في الرؤيا اقرأ من القرآن كذا لتبطل السحر بل قيل له اذهب لإخراج السحر من المكان الفلاني ..، وكذلك في قصة سيدنا موسى في مواجهة سحرة فرعون لم يذكر شيئا متلوا من التوراة لأن التوراة لم تكن أنزلت عليه حينئذ فواجه سحرة فرعون بعصاه مستعينا بقدرة الله أمام عصيهم وحبالهم ..

- والجميع كان مستعينا بالله .. متوكلا عليه ..

 

- ألم يلفت نظرك شيء في كل ما سبق .. لم يتم التوجيه للنبي محمد أو لزوجاته لقراءة القرآن .. ولم يتم التوجيه لموسى بقول كلمات خاصة فينتهي مشهد السحرة فورا بدلا من إلقاء العصا أمام عصي السحرة وحبالهم ؟!!

 

- أليس مثيرا للإهتمام أن تنتبه لذلك ؟ ولابد أن لذلك حكمة.

 

- أليس مثير للإهتمام .. أن تلاحظ  في كل القصص السابق ذكرها لم يظهر الشيطان بدور البطولة في أي موقف في القصص السابقة ؟ ولم يذكر أحد أن الشيطان هو من يفعل كذا ؟! بل وفي قصة سيدنا موسى مع سحرة فرعون لا وجود للشيطان مطلقا في القصة .. لا بالتصريح ولا بالتلميح ..!!

 

- أليس مثيرا للإنتباه .. في كل القصص السابقة لم نجد حتى ولو استعاذة من الشيطان ؟!!

 

#- أخي الحبيب: متعة العلم الروحاني .. ليست في أن تحكي قصص خرافية .. أو تكذب بحكاية معارك مع الجن ليصفق لك الناس .. بل المتعة هو أن تتعلم الحكمة .. ليطمئن قلبك وعقلك .. وتسعد بحكمة الله .. والقرآن علم الله إلينا .. وحكمته الخاصة التي اختص بها نبيه صلى الله عليه سلم .. وأستطيع أن اصف القرآن بأنه الحروف الناطقة بالحكمة في كل زمان ومكان بقدر القلب الذي يستقبل هذه الحروف القرآنية .. وأقصد بالحروف ليس أوائل الحروف المقطعة في بعض السور .. وإنما أقصد كل القرآن لأنه من مجموعة حروف تحولت إلى كلمات .. والكلمات تحولت إلى جملة .. والجملة تحولت لمجموعة جمل حتى اكتملت في هيئة سورة.

 

#- المهم: تعال معي أوضح لك حقيقة ما طلبت منك الإنتباه إليه (وذلك عن اجتهاد خاص بي):

1- السحر ليس معناه تسليط شيطان على إنسان .. فهذا يسمى تسليط روحاني أو تسليط بالمس بقصد الضرر .. وليس سحر ..، وإن كان البعض يوصف هذا التسليط الروحاني بالسحر فهو من باب المجاز لتشابه حدوث الضرر بالمراد أذيته ..

 

- ولكن السحر الذي هو سحر فعلا .. فالشيطان هو المعلم .. أي أن الشيطان هو من يعلم عزيمة الكلام للساحر الذي يؤثر بها على المسحور .. فيأخذ الساحر هذه العزيمة ويتلوها على الأثر الذي يسرقه من الشخص .. وكأنه بهذا الأثر يستحضر هذا الشخص وكأنه واقف أمامه .. وبعد تلاوة العزيمة يحدث لذلك أثر في نفس الآخر المراد سحره .. لأن الكلمات في حد ذاتها هي حروف والحروف أرواح لها نسيم .. وهذا النسيم مثل رائحة البخور أو رائحة الحريق .. فرائحة تشرح صدرك ورائحة تضيقك صدرك .. ولكن مع الفارق أن عالم الحروف هو عالم روحاني خفي .. يظهر أثره ولا ترى فعله ..

 

2- وقد تقول: وكيف لبعض الكلمات تؤثر في النفس ؟

- أوضح لك الأمر بمثال ذلك لتفهم الأمر: في الواقع الذي تعيشه أنت تلاحظ أنه يوجد كلام طيب وكلام سيء .. وهو يؤثر في الناس سلبا وإيجابا .. فكلمة سيئة قد تصيبك باكتئاب أو شلل .. وكلمة حسنة قد تجعلك تطير في الهواء من السعادة.

 

- وهنا تسأل نفسك وتفكر فتقول: ما الذي جعل لهذه الكلمات سلطة تأثير في النفس وهي مجرد كلمات منطوقة ؟!!

 

- ذلك لأن الكلمات كما أخبرتك لها مثل روح النسيم .. إما أن تكون بخورا أو حريقا .. وكل شيء في الوجود يحدث بإذن الله ..

 

3- إذن: كل ما تقرأه في الكتب أو على الإنترنت ممن ينكرون حديث سحر النبي .. وأنه كيف يحدث ذلك وأنه مستحيل أن يتسلط عليه شيطان .. فكل هذا كلام فارغ ولا قيمة له أصلا .. لأنهم جعلوا الشيطان هو المنفذ للسحر .. وهذا خطأ كبير .. لأن الشيطان هو المعلم فقط للسحر وليس هو المنفذ .. وإن كان أحيانا يتم إضافة تسليطا في السحر ولكنه ليس من السحر فعلا .. لأن السحر علم له ضوابط وخطوات إن فعلها الساحر وصل إلى نتيجة .. وتسليط الشيطان ليس علم وإنما عبادة للشيطان ليخدم الساحر في ضرر آخر ..

 

- ومما سبق تفهم لماذا في الأسحار .. يتم أخذ آثار من الشخص المراد سحره مثل قطعة من ملابسه أو شعر منه أو ما شابه .. لأنه يتم التأثير عليه من خلالها لأن هذا الأثر يعتبر جزء من الإنسان حتى لو فيه رائحته وليس جزءا من جسمه مثل جزء من شعر رأسه.

 

4- وتفهم أيضا مما سبق لماذا حينما يتم إخراج السحر فهو يبطل .. لأنه يتم فك قوى الكلمات الخاصة بالعزيمة السحرية من حول أثر الشخص الذي كان مقصود بالسحر .. ولو كان للشيطان علاقة بالمسألة لكان ظل موجود حتى لو تم فك السحر .. ولكن وجود شيطان بالرغم من فك سحر .. فهذا معناه أنه كان يوجد تكليف إضافي مع السحر وهو التسليط بوجود شيطان حتى إن لم يظهر أثر السحر فيقوم الشيطان بعمل مشابه للسحر وهو التأثير على الشخص في قواه العقلية .. وهذا هو الأسهل لأي ساحر أن يفعله .. لأن علم السحر نادرا ما يعرفه أحد لأنه علم خفي .. ويحتاج لعبادة مطولة للشيطان ليمنحك شيئا من هذا العلم.

 

#- ولذلك الأسهل دائما هو تسليط شيطان بالضرر .. فهذا أسرع وأنجح بالنسبة للسحرة .. وما هم بمؤذيين بهذا السحر لأي أحد إلا بإذن الله.

- واكتفي بالله .. لأن من اكتفى بالله كفاه .. فثق في ذلك ..

- وقول: يا رب.

 

#- واعلم أخي الحبيب: أن كل ما ذكرته لك هو من اجتهادي الخاص الذي رزقني الله به من علم .. وإنما ذكرته لك لترتقي بفهمك وعلمك في الحكمة حينما تقرأ قصص فيها سحر ولا يظهر فيها الشيطان بدور البطولة .. فتفهم أن القصص التي سبق الإشارة إليها وهي قصص سحر النبي وبعض زوجاته بعد وفاته وسحر موسى وشعب مصر .. فكان دور الشيطان فقط في تعليم السحر .. ولكنه ليس هو المنفذ للسحر. (وسيأتيك أخي الحبيب مزيد من الفهم بتوسع أكبر .. خاصة في جزئية فهم كيفية تأثير الحروف .. وذلك في رسالة بحثية خاصة عند الكلام على  قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم).

 

5- وانتبه لما سأقول لك أخي الحبيب:

أ- لا تظن أن العبادة والإيمان لم يكن لهم دور في إبطال هذا السحر .. لا .. فليس هذا المقصود قطعا من كلامي .. لأنه لولا الإيمان والتقرب إلى الله بكشف الضر .. ما كان الله وهب هؤلاء من مدده ما يكون خيرا لهم .. وسببا في كشف الضر عنهم .. أو ما يكون لهم عونا على مواجهته .. علما بأن هذه القلوب كانت مفوضة أمرها لله توكلا عليه في تلك المسألة الغيبية التي لا قانون أسباب فيها .. وكان الدعاء لهم هو طوق النجاة وحبلهم الموصول إلى الله في غير ملل أو ضجر أو سخط.

 

ب- وأحببت أيضا أن أوضح لك أن السحر على وجه الخصوص .. له حلول مختلفة غير ما أنت تعرف أو يقال لك .. فهو يتم فكه وإبطاله بقوى من الطبيعة أو بإخراجه .. وإنما الآيات والدعوات إنما تساعدك في تقربك إلى الله عسى أن يرزقك إيجاد الحلول لكيفية التخلص من هذا السحر .. "هذا على افتراض يوجد سحر أصلا – ولست متوهم أو مخدوع بكلام مجموعة من الكذبة ممن جالستهم واوهموك بانك مسحور دون دليل ولا برهان".  

 

6- وأخيرا أقول لك أخي الحبيب:

- إن كنت تظن أن السحر هو تسخير للشياطين .. فأنت في غلط كبير وفهم بعيد .. إذ كيف تظن أو تعقل أو تتصور يا مؤمن أن الشيطان من الحماقة والعبط أن يمنح الإنسان ما يستطيع أن يسخره ويقهره به ليجعل منه الإنسان ذليلا مطاعا له ليفعل له الشيطان ما يريد ؟!!

 

- وإلا فما خصوصية تسخير الله الشياطين لسليمان .. بقهر من الله لهم في وجوب طاعة سليمان ؟!! أي ما الكرامة في ذلك طالما أي إنسان يقدر يسخر الشيطان ليخدمه ؟!!

 

- ومن هنا تفهم أن الذين يخبروك أن معهم خدام وملوك من الجن يخدموهم .. إنما هم جماعة مضللين من الشيطان .. وفي الحقيقة أنهم هم الخدام لهؤلاء الجن .. وأبسط دليل في ذلك أنهم هم من يحتاجون الجن متوسلين لهم أن يخدموهم ويكاشفوهم بما يجعلونهم به مميزون .. ولو غابوا عنهم يبكون الليالي ويظنون أن هناك من سرق روحانيتهم أو تم قتلهم أو ما شابه ذلك .. وكأن روحانياتهم هذه مجموعة ملابس داخليه تم سرقتها من على حبل الغسيل ..!!

- فيا لهم من نفوس ساقطة .. نزلوا من مقام الرجولة لمقام السفالة ..!!

 

#- أخي الحبيب:

- قد ذكرت لك ذلك لتفهم أن السحر ليس عن تسليط شيطان .. وإنما تسليط قوى من الطبيعة له تأثير في النفوس من خلال عالم أرواح الحروف وأحيانا ذلك يكون مخلوط باستخدام النِّرِنْجَات وهي كلمة يقصد بها استخدام مكونات من الطبيعة سواء أعشاب أو أجزاء حيوانات أو دم أو تراب .. وهذه القوى (الحروف المخلوطة بمكونات الطبيعة) تؤثر في الشخص المراد التأثير عليه.

 

- أما حل السحر وفكه .. فهو من رزق الله لمن يرزقه الله البصيرة في حل السحر .. هذا على افتراض كان بك سحرا .. وليس مجرد توهم يجعلك البعض متوهما به أنك مسحور  ليسرق أموالك منك ويخبرك أنه سيفك عنك السحر.

- وهذا والله أعلم.

 

******************

 

..:: س34: كيف يحدث السحر للسيدة حفصة والسيدة عائشة إذا كان الله قد نفى فلاح الساحر فقال: (ولا يفلح الساحر حيث أتى) ؟ ::..

 

- قد يخطر ببالك أخي الحبيب .. سؤال عند قرائتك قصة سحر السيدة حفصة والسيدة عائشة .. فتقول:

 

- قال تعالى: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) طه:69 ..، وكلمة (يفلح) تدل على دوام عدم فلاح الساحر ونجاح عمله .. أي كلما أتى الساحر بسحره فلا فلاح له .. فكيف يقال بعد ذلك أنه يمكن للساحر أن يؤثر بسحره في السيدة حفصة أو السيدة عائشة ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- لو كنت تفهم من قوله تعالى: (لَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) .. هي نفي مطلق بعدم ظهور فلاح للساحر .. وبالتالي لا يمكن أن يؤثر بسحره مطلقا ..، فهذا فهم خطأ .. ليه ؟

 

#- أولا: هذا الفهم خطأ لمخالفته ما جاء في القرآن.

- لأنه يقال لك ببساطة .. أنت مخالف لما جاء في قصة موسى وسحرة فرعون .. ومخالف للقانون العام الذي ذكره الله في تأثير ضرر السحر من الساحر .. ولذلك أقول لك أخي الحبيب:

 

1- كيف أثر الساحر بسحره في موسى حيث قال تعالى: (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) طه:66 ..، وكيف السحر أثر في أعين الحاضرين بدليل قوله تعالى: (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) الأعراف:116.

- وكيف موسى يبطل بقدرة الله ما لم يكن له أثر ولا نتيجة حدثت فعلا في الواقع .. إذ قال تعالى: (قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ) يونس:81 ..؟!! ..، وبمعنى آخر يقال: لو لم يكن للسحرة تأثير بسحرهم .. فما الذي أبطله موسى عليه السلام حينما قال (السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ) ؟!!

 

- وإذا كان سحرة فرعون لم يظهر لسحرهم أثر في الواقع .. فلماذا وصف الله سحرة فرعون بأنهم أتوا بسحر عظيم: (وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) الأعراف:116 ..؟!!

 

- فما سبق نفهم منه: أن سحرة فرعون قد ظهر أثر لسحرهم فعلا .. بدليل قوله تعالى: (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) الأعراف:116.

 

- إذن: السحرة قد ظهر تأثير لسحرهم في أعين الناس بما فيهم موسى عليه السلام.

 

2- وحينما قال تعالى في فعل السحرة: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) البقرة:102 ..، فقد أثبت الله إمكانية حدوث الضرر ..، ولكن هذا الضرر .. قد أوقف الله تأثيره حسب مشيئته هو .. وليس وفق مشيئة السحرة .. ولذلك قال تعالى: (إلا بإذن الله).

 

- ولو لم يكن للسحرة أي قدرة على الأذى والضرر .. ما كان الله قال: (إلا بإذن الله).

 

- إذن: قد ثبت بهذا إمكانية حدوث الضرر من السحرة .. ولو حدث هذا الضرر ولو بشيء بسيط .. فهو يوصف بكونه حدث له فلاحا .. لكونهم نجحوا في إحداث سحرا ولو بسيط.

 

#- وهنا يعود السؤال: طالما السحرة قد ظهر لهم تأثير بسحرهم .. فكيف نفهم حينئذ قوله تعالى: (لَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) ؟!

 

- وأجيبك عليه ببساطة .. ولكن انتبه بما سأذكره لك في البند التالي.

 

#- ثانيا: انتبه لقوله تعالى: (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) طه:69.

#- فأقول لك: (حسب اجتهادي في فهم كلام الله) .. وبالله التوفيق:

1- ستلاحظ أنك لما تقرأ كامل الآية وليس جزء منها .. فالآية أظهرت كشفت الحقيقة .. وهي أن هناك أسباب استخدمها موسى لإبطال هذا السحر .. وإلا فكيف يبطل موسى ما لم يكن له أثر ولا نتيجة ظهرت أمام عيون الناظرين جميعا ؟!!

 

- والآن .. انتبه إلى قوله: (تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ) .. فالآية أثبتت أنهم صنعوا شيئا بسحرهم ..، وهذا السحر من كيد السحرة .. وهذا السحر نتج عنه ظهور صورة أمام العين لا وجود لها في الواقع .. أو ما يسمى بسحر التخييل.

 

- إذن: السحر الذي استخدمه سحرة فرعون هو علم .. وبه تم صناعة الوهم وخيال.. وظهر أثره في موسى والناس والحضور.

 

2- والآن من المفترض أن تقول: كيف ظهر كيد الساحر وأثر في الموجودين .. وفي نفس الوقت ينفي الله عن الساحر أنه لا يفلح ؟!!

- فعلى هذا المنطق .. فالآية تعارض بعضها .. بل وتعارض قوله تعالى: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) البقرة:102 ..!!

 

- لكن الحقيقة أنه لا يوجد تعارض .. لأن الساحر فعلا لم يفلح ولم ينجح ..

- ولكن في أي شيء لم ينجح أو لم يفلح ؟!!

 

- هو لم يفلح في قلب حقائق الأشياء كما فعل موسى بقدرة الله .. فهم فعلوا خيالا .. ولكن موسى فعل حقيقة .. فكان نفي نجاح الساحر ليس من حيث أنه يمكن أن يسحر أو يؤثر بسحره .. وإنما من حيث عجزه عن قلب حقائق الأشياء.

 

3- ويتبين لك مما سبق .. أن قوله تعالى: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) هو نفي لقلب حقائق الأشياء التي أوجدها الله بواسطة السحر .. فمثلا لا يجعل من العصا ثعبان .. ولا يجعل من الحمار إنسان .. ولا يجعل من الحجر طائر .. ولا يجعل من الميت حيا .. ولا يجعل من الحديد تراب .. ولا يجعل من الرجل امرأة أو العكس .. ولا يجعل من البحر صحراء .. وما شابه ذلك ..

 

@- فالمقصود من قوله: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) أي لا يفلح الساحر متى نزل بسحره في مكان .. إذ أنه لا قدرة له على قلب الأعيان في هذا المكان عن حقيقتها .. لأن أقصى ما يستطيع فعله هو صناعة الخيال .. "وهذا هو الظاهر من قصة موسى مع سحرة فرعون" .. فيكون الكلام مخصص بجزئية قلب الأشياء عن حقيقتها التي خلقها الله عليها .. فلا قدرة لهم على جعل الإنسان كلب .. ولا جعل الكلب إنسان .. ولا جعل الصنم حيوان حي .. ولا تحويل الإنسان لجماد .. ولا تحويل التراب لماء مشروب .. وهكذا.

 

#- وعلى هذا يكون النفي في قوله (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) .. هو نفي قدرة الساحر أن يؤثر بسحره في قلب الأشياء عن حقيقتها .. وبالتالي هذا لا علاقة له بالسحر الذي يحدث الضرر بالناس من خلال أذيتهم ببعض الأفعال مثل تسليط شيطان يفسدهم بمزيد من الوسوسة أو بسحر يضعف قواهم الجسدية أو العقلية وما شابه ذلك من ضرر .. ولكنه لا يقلب جسم إنسان لجسم حمار أو صنم كما ترونه في الأفلام .. لا .. فهذا باطل ولن يحدث.

 

- وما سبق كان من اجتهادي في فهم الآية ولم أجده في تفاسير أهل العلم .. وأحسب أن هذا التفسير هو الأليق من ظاهر سياق النص .. ثم خطر ببالي تفسيران يظهران من سياق الآية وقد خطرا ببالي .. وأذكرهما في البند التالي.

 

#- ثالثا: تفسيران خطرا ببالي حول قوله (لَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) .. فأقول وبالله التوفيق:

أ- قد يكون المقصود من قوله: (لَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) .. أي لا يفلح الساحر متى نزل بسحره في مكان .. إلا بإذن الله وليس بسحره .. فإن الله لو أذن بحدوث ضرر من السحر فسيحدث .. وإن أراد الله أن يبطله فسيبطله .. وهذا وفق حكمة الله لمن أراد الله ابتلاءه بهذا السحر .. وليس لأن السحر هو الذي يؤثر بذاته.

 

ب- قد يكون المقصود من قوله: (لَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) .. أي لا (يفلح) في كل مرة يؤتي بها السحر .. لأن لفظ (يفلح) تفيد الإستمرارية .. فقد نفى الله عن الساحر استمرارية قدرته على فعل السحر في كل مرة .. فإن نجح مرة فلا يفلح كل مرة.

 

#- وعلى سبيل الإشارة .. يقصد بقوله (لَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) .. أي لا يفلح الساحر بنشر التخويف بسحره في أي مكان .. إلا مع غياب سلطان الحق في ذلك المكان .. ولكن مع ظهور سلطان الحق في ذلك المكان .. فإن الساحر لا يستطيع أن ينجح بتخويف الناس بسحره لأنه سيتم معاقبته وينتهي كيده .. ولو قتل بسحره أو قال أن سحره يقتل به الناس .. فسيقام حد الله عليه بقتله.

 

#- رابعا: لو تأملنا كل ما خطر ببالي من فهم للآية .. فيمكن جمعه في تفسير الآية.

- فأقول وبالله التوفيق ..

 

@- أن عدم الفلاح في قوله تعالى: (لَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) .. يشير أربعة أمور:

- الأول: لا يفلح الساحر .. أي لا قدرة له في إنجاح أمره من حيث قلب الأشياء عن حقيقتها التي خلقها الله عليها .. وذلك في أي مكان يذهب إليه بسحره.

 

- الثاني: لا يفلح الساحر .. أي لا قدرة له في إنجاح أمره من حيث تأثير الضرر بالسحر في أي مكان إلا بإذن الله .. فالساحر لا يفلح في أي مكان قام بتسليط سحره عليه بالضرر إلا بإذن الله ومشيئته .. وليس بإذن الساحر ولا بتأثير السحر.

 

- الثالث: لا يفلح الساحر .. أي لا قدرة له في إنجاح أمره كل مرة يقوم بها بسحره .. فإن نجح مرة فلا يفلح في كل مرة.

 

- الرابع: لا يفلح الساحر .. أي لا قدرة له في إنجاح أمره بنشر التخويف بسحره في مكان .. إلا كان سلطان الحق غائبا عن هذا المكان ..، وسلطان الحق هو تنفيذ أوامر الله بطرد السحرة وقتلهم إن قتلوا بسحرهم.  

 

#- وخلاصة القول:

1- كونك تظن أن قوله تعالى: (لَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) .. هي نفي مطلق لنجاح الساحر في إمكانية التأثير بسحره .. فهذا وهم منك حينئذ في فهم كلام الله .. لأن تفسيرك حينئذ يتعارض مع قوله تعالى: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) .. ويتعارض مع ما جاء في قصة موسى مع سحرة فرعون وكان لسحر السحرة تأثير في عيون الناس برؤية الخيال الذي لا وجود له في الواقع.

 

2- وبالتالي قد يؤثر الساحر بسحره إن أراد الله .. ولكن هل هذا الضرر له علاقة بقلب الأشياء عن حقيقتها ؟ يعني مثلا هل ممكن أن يهددك ساحر بأن يقلبك حمارا أو صنما ؟

- بكل تأكيد .. لا ..

- إذن: عقيدة المسلمين هي أن الساحر لا يفلح بمعنى لا قدرة له على قلب حقائق الأشياء مطلقا .. ولا يفلح في أن يؤثر بسحره فيضر به أحد إلا بإذن الله.

 

@- وتبقى أن أقول لك أخي الحبيب: أن سبب اجتهادي في قوله تعالى (لَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) .. هو لأني لم أجد فيما توافر لدي من مراجع تفسيريه .. ما ارتضيه في تفسير الآية ويطمئن له عقلي وقلبي في تفسير مفهوم نفي الفلاح عن الساحر وربطه بمفهوم تأثير السحر فعلا في قصة موسى وسحرة فرعون ..، ثم بعد قراءات كثيرة لأهل العلم .. فقد خطر ببالي هو ما اطمأننت له وذكرته لكم .. وأحسبه تفسير جيد إن شاء الله في التفسير الأول على وجه الخصوص .. فهو منضبط مع سياق النص والقصة.

- هذا والله أعلم.

 

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .