ج10: قصة سحر بعض زوجات النبي حفصة وعائشة - هل تعلم أن سيدنا محمد استخدم ماء من سبعة آبار مختلفة ليعالج بها نفسه - هل تعلم أن السيدة عائشة كانت أرشدت إلى العلاج من السحر والسم والنشرة بماء نهر الفرات الطهور - معنى حديث النبي عن النشرة فأجاب هي من عمل الشيطان - الرد على من طعن في فهم السيدة عائشة وروايتها لقولها (من أصابه بسرة أو سم أو سحر فليأت الفرات).

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

التحقيق الجلي

لقصة سحر حفصة وعائشة

زوجتي النبي صلى الله عليه وسلم 

(الفصل العاشر)

#- فهرس:

:: الفصل العاشر :: ج6/ مسائل عن قصة سحر السيدة عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ::

1- س27: هل تعلم أن سيدنا محمد استخدم ماء من سبعة آبار مختلفة ليعالج بها نفسه بطريقة مشابهة لما حدث فيما بعد في رؤيا السيدة عائشة لعلاجها ؟

 

2- س28: هل تعلم أن السيدة عائشة كانت أرشدت إلى العلاج من السحر والسم والنشرة بماء نهر الفرات الطهور ؟

#- أولا: كلام السيدة عائشة لا يخضع للتشريع وإنما للتجربة.

#- ثانيا: معاني لفظ النُّشرة التي سأل الناس عنها السيدة عائشة.

@- ومعنى حديث النبي عن النشرة فقال: (من عمل الشيطان).

#- ثالثا: معنى ألفاظ :( مَنْ أَصَابَهُ بُسْرَةٌ) أو (مَنْ أَصَابَهُ نُشْرَةٌ).

#- رابعا: المقصد من لفظي: ( سُمٌّ أَوْ سِحْرٌ ).

#- خامسا: معنى ألفاظ: (الفرات) - (يَسْتَنْقِعُ فِيهِ أَحَدُكُمْ سَبْعًا يَسْتَقْبِلُ الْجِرْيَةَ) – (فَلْيَسْتَقْبِلِ الْجِرْيَةَ، فَيَغْتَمِسْ فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ).

#- سادسا: ما الحكمة من طلب السيدة عائشة من تكرار فعل الغطس في مياه النهر سبعة مرات للعلاج من إصابة البُسْرة أو النُّشْرة والسُّم والسحر ؟

#- سابعا: قال بعض أهل زماننا على الإنترنت تعقيبا بالإنكار على توجيه السيدة عائشة فقال: (من أين لعائشة رضي الله عنها بهذا الفهم ؟)

*******************

:: الفصل العاشر ::

*******************

 

..:: س27: هل تعلم أن سيدنا محمد استخدم ماء من سبعة آبار مختلفة ليعالج بها نفسه بطريقة مشابهة لما حدث فيما بعد في رؤيا السيدة عائشة لعلاجها ؟ ::..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- حينما اشتد مرض النبي صلى الله عليه وسلم .. وتعب تعبا شديدا في مرض وفاته .. فقد طلب بأن يأتونه بسبع أوعية من ماء (مثل سبع زجاجات) من سبع آبار مختلفة .. وتكون هذه الأوعية محكمة الوكاء أي الغطاء أو كما قالت الرواية (لم تحلل أوكيتهن) للإستخدام من قبل أي ممتلئة على آخرها .. أي محكمة الغلق ولم يكن تم استخدام هذا الماء من قبل في شرب أو غسيل يد أو طهو طعام أو غير ذلك .. أي يكون أول ما يلمسه هذا الماء هو جسد النبي صلى الله عليه وسلم ..، وذلك بأن يذهبوا لسبعة آبار مختلفة من آبار المدينة .. ويأتون منها بالماء ولا يتم فتح هذا الماء إلا عند صبه على النبي صلى الله عليه وسلم .. إليك بيان ما سبق:

 

1- إذ جاء في (حديث صحيح) .. قالت السيدة عائشة عن النبي: (لَمَّا دَخَلَ بَيْتِي وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ قَالَ: «هَرِيقُوا (أي صبوا) عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ .. لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ (أي محكمة الغلق لم تستخدم منها شيء) .. لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ (أي أخرج إليهم فأوصيهم) ..  فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (المخضب هو جلسة مثل البانيو في زماننا) .. ثُمَّ طَفِقْنَا (أي شرعنا أو بدأنا) نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ القِرَبِ .. حَتَّى طَفِقَ (أي جعل) يُشِيرُ إِلَيْنَا بِيَدِهِ .. أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ (أي قد فعلتن ما طلبته منكن) .. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى بِهِمْ وَخَطَبَهُمْ) صحيح البخاري.

 

2- وجاء في (حديث صحيح) بلفظ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: صُبُّوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَسْتَرِيحُ فَأَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ (أي أوصيهم) .. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ مِنْ نُحَاسٍ (أي مصنوع من النحاس) ..، وَسَكَبْنَا عَلَيْهِ الْمَاءَ مِنْهُنَّ حَتَّى طَفِقَ (أي جعل) يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ (أي كفى ما فعلتن) ثُمَّ خَرَجَ (أي خرج للناس يحدثهم)) رواه بن خزيمة في صحيحة .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث صحيح.

 

3- وجاء في (حديث حسن) .. قالت السيدة عائشة: (غُمِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ , ثُمَّ أَفَاقَ قَالَ: أَهْرِيقُوا عَلَيَّ سَبْعَ قِرَبٍ .. مِنْ آبَارٍ شَتَّى .. حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى النَّاسِ فَأَعْهَدَ إِلَيْهِمْ (أي فأوصيهم) ..، قَالَتْ: فَأَقْعَدْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ .. فَصَبَبْنَا عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى طَفِقَ يَقُولُ بِيَدِهِ حَسْبُكُمْ حَسْبُكُمْ (أي يكفي يكفي)) رواه أبو يعلى في مسنده .. وقال الهيثمي في المجمع: إسناده حسن ..، (قلت خالد صاحب الرسالة): حديث حسن .. لأن شيخ أبي يعلى وهو (جعفر بن مهران) حسن الحديث وقال عنه الدارقطني لا بأس به وقال عنه الذهبي موثق وله ما ينكر ..، علما بأن في هذا السند قد صرح (محمد بن اسحاق) بالتحديث فانتهت شبهة التدليس .. بخلاف رواية الطبري في الأوسط قد رواها بالعنعنة بين بن اسحاق والزهري هكذا (مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ) والعنعنة إذا قالها بن اسحاق تضعف الرواية لأنه يكون غالبا لم يسمع هذه الرواية ممن نقل عنه وذلك بخلاف لو قال (حدثنا فلان) ..، وقد ذكرت ذلك لأن البعض لم ينتبه لرواية أبي يعلى التي صرح فيها بن اسحاق بالتحديث .. فانتبه.

 

#- والشاهد مما سبق:

- أن النبي صلى الله عليه وسلم .. قد طلب أن يتم صب مياه الآبار على رأسه وجسمه .. بعدد سبعة أوعية (زجاجات) .. ومن عدة آبار مختلفة .. (علما بأن المدينة كان بها سبعة آبار وهذه الآبار هي: (بئر أريس (بئر الخاتم) .. وبئر حاء .. وبئر رومة (بئر عثمان) .. وبئر غرس .. وبئر البصة (البوصة) .. وبئر بضاعة .. وبئر العهن).

 

- ولا نعلم الحكمة من أخذ الماء من أبار شتى .. إلا لكونه طهورا قد نزل من السماء فخزنته الأرض دون مساس من يد بشر فيه كما في زماننا .. ولكن الذي نعقله هو أن النبي كان عنده مثل الحمى تؤثر عليه ولعله أراد الماء للتبريد عليه عسى أن تخمد نار هذه الحمى عنه ..، ولكن اختيار سبعة آبار ومن أوعية لم يتم استخدام الماء منها بعد وضعه فيها .. ثم اكتفاءه بهذا الماء ولم يكرر استخدام الماء مرة أخرى لعلمه أنه مرض موته .. فهذا يجعلنا نفهم أنه لو لم يكن مرض وفاته لكان لهذا الماء تأثيرا عليه بالشفاء.

 

#- وهذا يلفت النظر إلى أهمية المياه النابعة من الأرض .. وأن الله قد جعل فيها سر عجيب بالشفاء لأمراض كثيرة .. وهذه القصص سواء ما حدث للنبي أو ما جاء في رؤيا السيدة عائشة ..، يجعلنا نتوسع في الإنتباه لخصوصية هذه المياه التي جعل الله فيها بركة لنا ..، ولا ننسى ما حدث في قصة أيوب عليه السلام وأن شفاءه كان من المياه الجوفية التي نبعت له من الأرض ..، هذا بخلاف من يكتب لهم الله الشفاء في الرحلات العلاجية في بعض مدن مصر مثل الوادي الجديد وواحة سيوه والعين السخنة وسيناء.

 

- هذا بخلاف العلاج بالرمال في سيوه وسفاجا والواحات البحرية لعلاج آلام المفصال والروماتيزم وغير ذلك .. مما هو مدون عن السياحة العلاجية في مصر.

 

- إذن: الله قد جعل خصوصية رحمه منه لخلقه في الاستشفاء بما وهبه لهم من الطبيعة .. وهذا تم معرفته بالتجربة في السابق .. ولما تقدم العلم تم معرفة أسباب الشفاء في هذه الأماكن لما فيها من خصائص أودعها الله فيها.

 

#- أخي الحبيب:

- إن كنت ذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم من باب المشابهة لطريقة علاج السيدة عائشة التي راتها في رؤياها .. إلا أن في ذلك سببين آخرين:

- الأول: هو لأني سأذكر لك من فقه السيدة عائشة أنها كانت ترشد للعلاج بماء النهر أيضا .. أي ترشد إلى استخدام الطبيعيات في علاج من هو مصاب من سحر أو قرحة أو علة تمنعه من الجماع.

 

- الثاني: على الإنترنت وجدت من أساء فهم السيدة عائشة .. بل وقال عنها: من أين أتت بهذا الفهم ؟!!

 

- تخيل يا مؤمن: أن بعض أهل زماننا قد زين له شيطانه أنه رأى نفسه أعلم من السيدة عائشة .. بدليل أنه أنكر عليها كلامها ..!!

- فيا له من جريء هو ومن اتبعه وشاركه في كلامه ونشره .. ؟!

 

- تعالوا نشوف ماذا كان اجتهاد السيدة عائشة .. وكيف فهمه بعض من أساء للسيدة عائشة.

 

*******************

 

..:: س28: هل تعلم أن السيدة عائشة كانت أرشدت إلى العلاج من السحر والسم والنشرة بماء نهر الفرات الطهور ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- من الآثار المروية عن السيدة عائشة .. أنها أشارت على بعض أهل العراق باستخدام نهر الفرات في التعافي من إصابات السحر إن ظن أحدهم بذلك وخاصة من كان به ربط عن الجماع مع زوجته أو العكس .. وهو المشار إليه بالنُّشرة.

 

- جاء في (أثر صحيح) .. عن "عبد الله" ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ "النخعي"، عَنِ الأَسْوَدِ "بن يزيد بن قيس": (أَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ سُئِلَتْ عَنِ النُّشَرِ ؟ فَقَالَتْ: مَا تَصْنَعُونَ بِهَذَا ؟ هَذَا الْفُرَاتُ إِلَى جَانِبِكُمْ .. يَسْتَنْقِعُ فِيهِ أَحَدُكُمْ سَبْعًا يَسْتَقْبِلُ الْجِرْيَةَ) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه برقم 23513  .

 

#- وجاء في (أثر حسن) .. عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ "النخعي"، عَنِ الأَسْوَدِ "بن يزيد النخعي"، عَنْ عائِشَةَ قَالَتْ: (مَنْ أَصَابَهُ بُسْرَةٌ أَوْ سُمٌّ أَوْ سِحْرٌ فَلْيَأْتِ الْفُرَاتَ .. فَلْيَسْتَقْبِلِ الْجِرْيَةَ، فَيَغْتَمِسْ فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه برقم 23517 ..، (قلت خالد صاحب الرسالة): الأثر حسن السند ..، بالرغم من عنعنة سليمان الأعمش .. إلا أن عنعنته مقبولة في مشايخه الذين يروي عنهم بكثر مثل إبراهيم النخعي..

 

#- ملحوظة: الأثر السابق يروي بلفظين مرة (بُسرة) ومرة (نُشرة) .. مرة بالباء والسين ..، ومرة بالنون والشين ..

أ- ففي طبعة تم كتابتها بلفظ: (بُسْرَةٌ أَوْ سُمٌّ أَوْ سِحْرٌ) .. وهي طبعة مكتبة الرشد تحقيق كمال يوسف ..، وطبعة دار الفكر تحقيق سعيد اللحام..

 

ب- وفي طبعة أخرى تم كتابتها بلفظ: (مَنْ أَصَابَهُ نُشْرَةٌ، أَوْ سُمٌّ، أَوْ سِحْرٌ) .. وهي طبعة دار الفاروق تحقيق أسامة إبراهيم ..، وكذلك دار القبلة تحقيق محمد عوامة.

- ولكن الأثر بلفظ (بُسرة) هو الأصح .. لأن النشرة ليست إصابة وإنما طريقة علاج .. فلا يصح أن يقال (أصابه نشرة) .. ولعل لفظ (بُسر) في أصله (بَثَرة) بالثاء وليس بالسين .. ولو بالثاء فهو بمعنى دمل أو خراج .. والله أعلم.

 

#- ونظرا لأني لم أجد شرح لهذا الأثر فيما هو بين يدي من مراجع .. فسأجتهد في فهمه بقدر ما ييسر لي الله .. فأقول وبالله التوفيق:

======

#- أولا: كلام السيدة عائشة لا يخضع للتشريع وإنما للتجربة ..

 

- أي كلام السيدة عائشة هو ليس تشريع ديني وإنما هو محض اجتهاد منها .. فهذا الإرشاد يندرج تحت باب المجربات .. فإما أن تصح التجربة أو لا تصح التجربة .. لأنه طب للعلاج من علة .. فالمسألة ليست شرع ولا عن النبي .. وإنما هي محض اجتهاد من السيدة عائشة ولعل ذلك قالته السيدة عائشة قياسا على ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وقت مرض وفاته .. وكذلك ما حدث لها في رؤيتها التي راتها للعلاج من السحر الذي أصابها .. وبالتالي فإن إرشاد السيدة عائشة مبني على علم مسبق من خبرة سابقة وتجارب مرت بها .. والله أعلم.

 

- فالذي يقول أن هذا ليس كلام النبي .. فهذا شخص جاهل ومخرف .. لأن السيدة عائشة لم تقل أن هذا كلام النبي .. والسيدة عائشة ليست نبيا ولا رسولا .. ولم تقل شيئا خاصا بالدين أصلا .. وإنما ذكرت علاجا طبيا لحالات معينة بالماء الطهور الذي هو نهر الفرات لقربه لمن سأل السيدة عائشة.

 

======

 

#- ثانيا: معني لفظ النُّشر التي سأل الناس عنها السيدة عائشة.

- ومعنى حديث النبي عن النشرة فقال: (من عمل الشيطان).

 

#- فمما جاء في ألفاظ الرواية الأولى: (أَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ سُئِلَتْ عَنِ النُّشَرِ ؟ فَقَالَتْ: مَا تَصْنَعُونَ بِهَذَا ؟ هَذَا الْفُرَاتُ إِلَى جَانِبِكُمْ .......) .. والفرات هو نهر الفرات.

 

1- معنى (النُّشَر): هو جمع كلمة نُشرة .. وهي طرق للعلاجات سواء روحانية أو غير روحانية .. إلا أنه يغلب استخدامها كوصفات للتخلص من الإصابات التي تكون غالبا من السحر والمس والحسد .. وهذه الطرق قد تكون رقى لفظية .. أو مواد طبيعية من الطبيعة كالماء والتراب والملح وما شابه ذلك.

 

- ويمكنك القول ببساطة: ضرب من الرقية والعلاج يعالج به من كان يظن أن به مساً من الجن.

 

2- وسميت نشرة: لأنه يتم بها تنشير الأذى عن جسم المصاب بضرر من الجن أو السحر .. والمقصود بالتنشير هو صرف أو طرد أو تفرقة الداء عن جسم المصاب .. كما تتفرق وتتساقط نشارة الخشب عند قطعه بالمنشار.

 

#- قال الإمام الزمخشري رمحه الله (المتوفى:538 هـ): ونَشَرْتُ عن العليل نَشْراً .. ونَشَّرت عنه تَنِشيراً .. إِذا رَقَيْتَه بالنُّشْرة .. كأَنَّك تفرّق عنه العِلَّة. (أساس البلاغة للزمخشري ج2 ص270).

 

- ولذلك من المعاني التي ذكرها الإمام مرتضى الزَّبيدي (المتوفى: 1205هـ): النّشْرُ: التَّفريقُ .. والقومُ المُتَفَرِّقون الَّذين لَا يجمعهُمْ رئيسٌ، ويُحَرَّكُ يُقال: جاءَ الْقَوْم، نَشَراً، أَي مُتَفَرِّقين، ورأَيْتُ القومَ نَشَراً، أَي منتشرين. (تاج العروس ج14 ص216).

 

#- ومن المعاني التي خطرت ببالي (خالد صاحب الرسالة) .. هو إذا كان لفظ النُّشرة في الأصل مشتق من (النَّشر) .. ومن معاني النشر هي البعث من الموت .. كما قال تعالى: (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ) عبس: 21-22 .. أي أحياه فبعثه .. فخطر ببالي أن يكون من معاني النُّشرة حينئذ على سبيل المجاز هي إعادة نشاط الإنسان وعودته لهيئته الصحية التي كان عليها بعد ضعف أو مرض أصابه .. والله أعلم.

 

3- وعموما لفظ النشرة .. يقصد به طريقة للعلاج من الأذى البدني نتيجة إصابة روحانية أو غير روحانية .. والغالب هو لفظ يقال لطريقة علاج من إصابة بسبب طريق روحاني كالسحر والحسد والمس .. وغالبا هو لفظ غالبا مختص بعلاج الممنوع عن زوجته أو المربط أو المفعول له ثقاف .. أو حسب اللفظ المتداول في كل بلد والذي يكون مفهومه أن الرجل لا يستطيع جماع زوجته بالرغم من عدم وجود مانع عضوي.

 

#- وبالرغم من ان النشرة هي طريقة علاج .. إلا أن طرق العلاج بالنشرة منه ما هو مباح ومنه ما حرام .. وهذا ما يظهر من خلال ما جاء في حديث نبوي صحيح .. وإليك بيانه.

 

4- جاء في (حديث صحيح) .. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: (سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّشْرَةِ، فَقَالَ: مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) رواه أحمد .. وقال محققو المسد: إسناده صحيح.

 

@- وفي شرح هذا الحديث قال العلماء الآتي:

#- قال الإمام أبو العباس القرطبي رحمه الله (المتوفى 656 هـ):

- قال بعض علمائنا: هذا محمول على أنها خارجة عمَّا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .. وعن المداواة المعروفة .. والنُّشرة من جنس الطب.

- قلت: و يتأيَّد هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لَمْ يَكُنْ فيه شِرْكٌ) رواه مسلم ..، و (مَنِ اسْتَطَاعَ مِنكُم أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ) رواه مسلم. (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ج 1 ص 590 – مع توضيح أن آخر حديثين رواهما مسلم وهما حديثين صحيحين).

 

#- قال بن القيم رحمه الله (المتوفى: 751 هـ) في حديث (النشرة من عمل الشيطان):

- وَالنَّشْرَةُ: حل السحر عن المسحور .. وهي نوعان:

- الأول: حل سحر بسحر مثله .. وهو الذي من عمل الشيطان .. فإن السحر من عمل فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب .. فيبطل عمله عن المسحور.

 

- والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة .. فهذا جائز .. بل مستحب. (إعلام الموقعين ج 4 ص 301).

 

#- قال الإمام بن رسلان الرملي رحمه الله (المتوفى: 844 هـ):

- النُّشرة: وهو ضرب من الرقية والعلاج والتطبب بالاغتسال على هيئات مخصوصة بالتجربة ..  لا يحتملها القياس الصحيح الظني .. يعالج به من يظن أن به مسًّا من الشيطان أو الجن.

- سميت نشرة: لأن العليل ينشر بها عن نفسه ما خامره من الداء، أي: يكشفه ويزيله عنه.

- النشرة التي قال فيها: (إنها من عمل الشيطان). إنما أراد بها النوع الذي كان أهل الجاهلية يعالجون به ويعتقدون أنه يشفيهم من مرضهم. (شرح سنن أبي داوود ج 15 ص 569 .. مختصرا).

 

 

5- قلت (خالد صاحب الرسالة) عن حديث النبي بأن النشرة (من عمل الشيطان):

- لعل المقصد بلفظ "عمل الشيطان": أي مدخل من مداخله أو طريق من طرقه أو من عمل الشيطان على التحريض والتزيين أو من عمل وسوسة الشيطان في النفس بالتضليل .. وطالما النبي قال من عمل الشيطان إذن النشرة المسئول عنها النبي كانت فيها مخالفات. ومقصد الحديث هو الكلام عن النشرة المحرمة التي فيها عصيان لله.

 

#- والمقصد هنا من الحديث: هو توضيح أن من النشرة ما هو من عمل الشيطان .. لكثرة ما يكون فيها من مخالفات .. إن كانت بمفهوم أهل الجاهلية .. ومفهوم أهل الجاهلية يقصد به ما فيه معصية لله سواء بالقول أو بالفعل ..، مثل نُشرة الجاهلية التي قد يكون فيها رقية كلامية فيها تعظيم بأسماء الأصنام أو الشيطان ..، أو بأفعال مثل النوم عاريا في الصحراء طلبا الأمان من الشيطان بإباحة نفسك له.

 

#- فالشيطان يحرض البعض على فعل النشرة (وفي زماننا تحت مسمى المجربات) .. ويبرر ويزين لهم أنها طرق علاجية ولابد من فعلها .. حتى ولو كانت فيها من منكرات لا يحبها الله .. تحت مبرر "الضرورات تبيح المحظورات .. والله غفور رحيم".. فالشيطان يعظ ويبرر ليحرضك على فعل الحرام ولكن بأسلوب ديني يقنعك به .. وغالبا ما يقوم بذلك هو شيطان الإنس ممن يصف نفسه راقي أو روحاني وذلك ليخدموا شيطانهم من الجن.

 

- وفي زماننا هذا للنشرة أمثلة أخرى منها: مثل من يتخذ النشرة الفعلية المحرمة بالزنا وسيلة علاج من السحر والأمور الروحانية فيأخذ المني النازل ويمسح به نفسه أو يخلطه بكتابات محرمة وطلاسم سحرية ويكتب به على جسمه .. أو يستخدم الذبح لغير الله ويأخذ الدم ويمسح به نفسه .. فهذا أيضا من النشرة الفعلية المحرمة.. وكلها من أفعال الجاهلية لأنها ليست من أفعال أهل الإيمان.

 

#- علما أخي الحبيب بأن ما يسمى بالمجربات .. يتطابق وصفه ويندرج تحت مسمى طرق (النشرة) .. وكما قلنا ليست المشكلة في النشرة وإنما في الطريقة التي يتم بها عمل النشرة .. هل هي مباحة أم محرمة ؟ ولو محرمة فما دليل التحريم فيها ؟ ولا يقال أين دليل الإباحة لأن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما يحرمه النص القرآني أو ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

#- وفي العموم: الحديث فيه تحذير لتكون حويطا وحذرا من طرق النُّشرة أو ما يسمى في زماننا بالمجربات .. فانتبه ولا تتبع ما فيه معصية أو مخالفة لله حتى لا تكون من النادمين.. والله أعلم.

 

6- قلت (خالد صاحب الرسالة) .. انتبه للتضليل بحديث النبي الذي قال فيه أن النشرة من عمل الشيطان .. فانتبه للآتي حتى لا تكن من جماعة احتنكن:

- ستجد على الإنترنت بعضا من جماعة احتنكن .. وهذا وصف دائما أذكره لمن اتبع الشيطان ويزور في الحقائق الدينية .. ولم يرضى أن يحترم عقله طرفة عين فاتبع هواه .. وهذا لفظ أخذته مما ذكره الله عن الشيطان في إعلان مهمته مع الإنسان إمام الله: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) الإسراء:62 ..، والحَنَكة هو اللجام أو الحديدة التي يتم وضعها في فم البهائم لتحركيها يمنا ويسارا .. يعني بالبلدي كده الشيطان يقول: هستحمر الإنسان اللي هو بعيد عن ربنا.

 

@- المهم: سيصادفك أخي الحبيب .. أثناء تصفحك على الإنترنت .. بعض من يروج لمعتقد أن الشيطان له القدرة على أن يسحر الإنسان .. ومن جملة ما يذكره من أدلة هو حديث (النُّشْرة من عمل الشيطان) .. ويفسر "عمل الشيطان" بأنه السحر الذي يفعله الشيطان .. فيكون المعنى أن النشرة هي علاج من سحر الشيطان الذي يفعله للإنسان ..!!

 

- وهذا تضليل واضح في تفسير الحديث .. ولعله لم يقرأ القرآن حتى يحرر نفسه عبودية تعظيم الشيطان التي ينشرها بين الناس .. حتى استباح لنفسه تزوير تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم أمام الناس على الإنترنت .. ليخدم أهواءه الخاصة ويرضى شيطان نفسه.

 

- ودليل تزوير مفهوم "عمل الشيطان" بأنه سحر .. فهذا يكشفه ما قاله الله عن موسى عليه السلام حينما دفع موسى الرجل المصري بيده فمات .. إذ قال تعالى: (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) القصص:15.

 

- وأكيد موسى لم يقصد بقوله "من عمل الشيطان" أن الشيطان سحره فدفع المصري وهو غائب الوعي تنفيذا لسحر الشيطان .. !! فهذا كلام سفهاء وحمقى من يقولون بذلك.

 

#- وكذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة:90.

 

- وأكيد رب العالمين لم يقصد بعمل الشيطان أنه سحر لنا سحرا لنفعل عن غياب وعي منا .. ففعلنا دون إدراك منا الخمر والميسر (القمار) والأنصاب (الأصنام) و الأزلام (التوكل في السعي من خلال الحظ .. وذلك من خلال وضع ورقتين أو عودين مكتوب على أحدهما مثلا سافر والأخرى لا تسافر ويضعهما في كوب ثم يضع يده ويختار ورقة منهما .. وعلى حسب ما يختاره يكون سعيه أو عدم سعيه) .

 

#- إذن: من يظن أن قوله (من عمل الشيطان) سواء في الآيات أو الأحاديث .. أن المقصود بعمل الشيطان هو انه يصنع سحرا للناس .. فقد كذب على الله ورسوله ..، وقد سبق توضيح مفهوم "من عمل الشيطان في البند السابق فارجع إليه لو أحببت".

 

- فانتبه أخي الحبيب .. ولا تكن ممن كان الشيطان مرشدة والحمق سيده .. ولا تتبع سبيل من يكذب على الله ورسوله.

 

- فاحترم عقلك يا مؤمن .. وارجع لكلام العلماء .. ولا تكن ممن اتبعوا الشيطان حتى خضعوا لضلاله .. لعلك ترى النور وتشرق فيك البصيرة.

 

=======

 

#- ثالثا: معنى ألفاظ :( مَنْ أَصَابَهُ بُسْرَةٌ) أو (مَنْ أَصَابَهُ نُشْرَةٌ).

 

- مما جاء في ألفاظ الرواية الثانية عن السيدة عائشة قالت: (مَنْ أَصَابَهُ بُسْرَةٌ أَوْ سُمٌّ أَوْ سِحْرٌ فَلْيَأْتِ الْفُرَاتَ ......)..، وفي بعض الطبعات كُتب بدل لفظ (بسرة) كتبت (نُشرة).. وسأقوم بتفسير اللفظين ..، وإن كان الأصح بالنسبة لي أن يقال أن الرواية هي بلفظ (بسرة) بالباء والسين بمعنى مؤول لإصابة بخراج أو جرح سطحي .. لأنه لو كان الأثر بلفظ (نشرة) ما كان يصح ذلك حيث أن النشرة هي وسيلة علاج وليس توصيف لإصابة أو مرض .. ولكن مع البحث وجدت رأيا وحيدا يقول أنه قد يقال للذي به هزال أو ضعف في جسمه أنه نُشرة .. وكأنهم يقصد يذلك أن الصحة فارقت هذا الشخص .. والله أعلم.

 

#- عموما إليك بيان تفسير الرواية سواء بلفظ (بُسْرة) أو (نُشْرة):

1- معنى (بُسْرَة): قد يكون المقصود أصابه (بسرة) أي قرحة أو خراج .. وكأن مياه النهر يجد منها شفاء لذلك .. والله أعلم.

 

#- ملحوظة: معنى (البُسرة) بمعنى القرحة .. لا يتم كتابتها هكذا في كتب اللغة .. لا .. وإنما الباسور مشتق من كلمة البسر ..، والباسور في كتب اللغة وهو خراج عند فتحة الشرج أو الانف .. ولذلك وصفت البسرة بأنها تشير لقرحة أو خُرَّاج .. والله أعلم.

- قال الإمام أبو بكر الرازي رحمه الله (المتوفى:666 هـ): و (الباسور) واحد (البواسير) وهي علة تحدث في المقعدة وفي داخل الأنف أيضا. (مختار الصحاح ص34).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة): ولعل لفظ (بُسرة) كان في أصله (بثرة) بمعنى دمل أو خراج .. ولكن تم تصحيفها أثناء كتابة الناسخ إلى كلمة (بُسرة) .. والله أعلم.

 

2- ولو كان نص الرواية في قول السيدة عائشة هو (نُشرة) بدلا من (بُسرة) .. كما في روايات قالت بذلك .. ونظرا لأن كلمة (نُشرة) هي طريقة علاج وليس توصيف لإصابة أو مرض يحدث للشخص .. فحاولت أن أجد معنى للنشرة بمعنى مرض .. فوجدت الآتي بعد بحث:

 

#- قال الإمام أبو منصور الأزهري رحمه الله (المتوفى:370 هـ): وربما قَالُوا للإنسان المهزول الهالك .. كأنه نُشْرَة. (تهذيب اللغة ج11 ص233).

 

- ولعل معنى قوله "كأنه نشرة": لأن الصحة تفارقه ..

- فيكون المقصد الإصابة بنشرة هو: المصاب بضعف عام وأصبح هزيل البنيان .. نتيجة حسد مثلا وليس له علاج معروف.

- والله أعلم.

 =======

 

#- رابعا: المقصد من لفظي: ( سُمٌّ أَوْ سِحْرٌ ).

 

- مما جاء في ألفاظ الرواية الثانية عن السيدة عائشة قالت: (مَنْ أَصَابَهُ بُسْرَةٌ أَوْ سُمٌّ أَوْ سِحْرٌ فَلْيَأْتِ الْفُرَاتَ ......).

 

1- معنى (السم): إما أن يكون أصابه شيء من ذوات السموم مثل لدغة عقرب أو أفعى ..، (ولا أظن السيدة عائشة تقصد هذا النوع من السم) .. والله أعلم.

- وإنما أظن أنها هي تقصد: ما يسمى بالسم .. هو ما يسمى بسم اليوم .. وهو اليوم شديد الحرارة والذي قد يسبب له فيه ضربة شمس قوية .. فليذهب وينزل في ماء النهر لتبريد درجة حرارة الجسم..، ولعل هذا استنبطته السيدة عائشة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن طلب سبع أوعية ماء ليصبوا فوقه.

 

#- يقال: سُمَّ اليَوْمُ : إذا اشتد حره وكأنه سينفذ في مسام الجسم .. كأن فيه من ريح السموم .. كما قال تعالى: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ) الواقعة:41-42..، والسموم هي الريح شديدة الحرارة أو الحرارة التي تنفذ في مسام الجسم .. والحميم هو الماء الذي بلغ المدى في الغليان بسبب شدة الحرارة.

 

#- قال الإمام أبو منصور الأزهري رحمه الله (المتوفى:370 هـ):: يقَال: سُمّ اليومُ: إِذا هَبَّ فِيهِ السّموم ..، وقال الْفراء: ويقال يومٌ مَسْموم. (تهذيب اللغة ج12 ص242).

 

#- وفي معجم الدكتور عبد الغني أبو العزم: سُمَّ اليَوْمُ: اِشْتَدَّ حَرُّهُ .. أوْ كانَتْ فِيهِ رِيحُ السَّمومِ. (معجم الغني ص15079).

 

2- ومقصدها من (السحر): قد يكون المقصود به من استشعر أصابته بالسحر عموما .. فهذا الماء الطهور يطرد جميع آثار السحر المؤثرة في الشخص .. ولا تقصد المقصود بالسحر هو كل أنواعه .. ولكن هي تحركهم للأخذ بالأسباب .. فبما أن الشخص لا يعرف طبيعة ما حدث له ويظن أن به سحر يبقى حرك نفسك وخد بالأسباب وجرب العلاج بالماء الطهور.

 

- وحكمة إدخال السيدة عائشة علاج السحر من خلال التطهر بالماء الطهور .. ذلك لأن غالب السحر هو تأثيرات وليس تسليطات .. أي تأثيرات على قوى الإنسان من خلال التعزيم على أشياء خاصة بمن يراد به السحر (وهذا من أصعب السحر ويحتاج محترف) ..، أو تسليطات من خلال إرسال شيطان ليؤثر على الشخص وهذا من أضعف السحر (وفي الحقيقة هذا ليس سحر بالمعنى المعروف وإنما مجرد تسليط شيطان للضرر) ..

- والله أعلم.

 

========

 

#- خامسا: معنى ألفاظ: (الفرات) - (يَسْتَنْقِعُ فِيهِ أَحَدُكُمْ سَبْعًا يَسْتَقْبِلُ الْجِرْيَةَ) – (فَلْيَسْتَقْبِلِ الْجِرْيَةَ، فَيَغْتَمِسْ فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ) .

 

#- جاء عن السيدة عائشة روايتين في آخرهما بألفاظ متشابهة المعنى ولكن مختلفة اللفظ .. فرواية أتت بلفظ: (هَذَا الْفُرَاتُ إِلَى جَانِبِكُمْ .. يَسْتَنْقِعُ فِيهِ أَحَدُكُمْ سَبْعًا يَسْتَقْبِلُ الْجِرْيَةَ) ...، ورواية أتت بلفظ: (فَلْيَأْتِ الْفُرَاتَ .. فَلْيَسْتَقْبِلِ الْجِرْيَةَ، فَيَغْتَمِسْ فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ).

 

1- المقصد من (الفرات): هو نهر الفرات بالعراق .. ولعل السيدة عائشة كانت موجودة بالعراق آنذاك في الفترة التي حدثت موقعة الجمل .. واستغل أهل العراق وجودها هناك فاستفتوها.. والله أعلم.

 

#- ملحوظة هامة جدا: لم تقصد السيدة عائشة إثبات خصوصية لنهر الفرات .. لأن من سألها فقد سألها من أهل العراق .. والمقصد هو استخدام الماء الطبيعي الذي لم تمسه أيدي الناس .. فإن فيه بركة وخير وشفاء .. وليس لأن نهر الفرات فيه خصوصية شفاء .. فهي لم تقل بذلك أصلا في الرواية ..!!

 

2- وقولها (يَسْتَنْقِعُ فِيهِ أَحَدُكُمْ سَبْعًا يَسْتَقْبِلُ الْجِرْيَةَ): أي يغطس سبع مرات .. في اتجاه سير جريان النهر .. وكأنه يقف في مكان يكون اتجاه المياه وهي تندفع إلى جسمه أي يقف بوجهه في اتجاه تيار الماء .. مثلما تقف أمام موج البحر بوجهك فيصدم بك ..، ثم وأنت واقف في النهر بوجهك في اتجاه تيار المياه .. واغطس سبع مرات.

 

3- قولها (فليستقبل الجرية - فيغتمس): أي ينزل مجرى النهر كما شرحنا منذ قليل .. وليغطس سبع مرات .. أي وهو واقف ينزل بجسمه كله في الماء حتى يغطي الماء شعر رأسه .. ثم يقف .. ويكرر ذلك سبع مرات.

- والله أعلم.

 

=======

 

#- سادسا: ما الحكمة من طلب السيدة عائشة من تكرار فعل الغطس في مياه النهر سبعة مرات للعلاج من إصابة البسرة أو النشرة والسم والسحر ؟

 

#- لعل الحكمة أو المقصد من سبع مرات: هو تبركا بطريقة النبي في استخدام الطبيعيات وخاصة المياه التي لم تمسها الأيدي .. كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في وقت مرضه الذي مات فيه أن تصب عليه من سبع قرب (مثل زجاجات) من الماء .. ولم يتم فك أوكيتهن أي لم يتم فك أغطيتهن للإستخدام منها بعد ملأها من سبعة آبار .. أي يأتون بالماء مباشرة من المنبع ويغلقوها حتى يأتون للنبي فيصبوا عليه من هذا الماء.

 

- وكذلك التحصين من السم والسحر بالعدد سبعة .. كان من إرشاد النبي أذ قال: (مَنِ اصْطَبَحَ كُلَّ يَومٍ تَمَراتٍ عَجْوَةً .. لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ ولا سِحْرٌ ذلكَ اليومَ إلى اللَّيْلِ) صحيح البخاري..، وفي رواية أخرى بلفظ: (مَن تَصَبَّحَ سَبْعَ تَمَراتٍ عَجْوَةً .. لَمْ يَضُرَّهُ ذلكَ اليومَ سُمٌّ ولا سِحْرٌ) صحيح البخاري.

 

- ولكن لماذا العدد هو سبعة على وجه التحديد .. ؟

- فهذا ما لا نعلمه .. إلا أنه عند فعل هذا العدد يحدث تأثير يظهر منه نتيجة في الواقع .. والله أعلم.

 

=======

 

#- سابعا: قال بعض أهل زماننا على الإنترنت تعقيبا على توجيه السيدة عائشة (من أين لعائشة رضي الله عنها بهذا الفهم ؟ )

 

#- ستجد على الإنترنت بعض من تنكر كلام السيدة عائشة ويقول بمثل الكلام التالي:

أ- لم يثبت خصوصية لنهر الفرات في علاج السحر عن النبي.

ب- من أين أتت عائشة بهذا الفهم الذي لم يقل به أحد من الصحابة والسلف.

ج- نشر مثل هذا الكلام بين العوام يورث اعتقادا في ماء نهر الفرات .. وقد يؤدي لشد الرحال إليه ..!!

 

#- وتجد هذه الأقوال متداولة على الإنترنت .. ولا أعلم إن كان من ينشروا هذا الكلام  في أنفسهم شيئا ما ناحية السيدة عائشة أم لا ..؟ ولكن كانت مهمتهم هي إنكار ما قالته السيدة عائشة ..!!

 

@- فأقول وبالله التوفيق لبيان فساد ما أنكروا به على السيدة عائشة:

1- هل السيدة عائشة أثبتت خصوصية لنهر الفرات ؟

- لا .. لم يحدث .. ولم تقل أن من سيذهب لنهر الفرات سيحدث له كذا .. بل البعض طلب منها نشرة للعلاجات .. فقالت ولماذا تبحثون عن نشرات وبجواركم الفرات .. أو كما قالت (مَا تَصْنَعُونَ بِهَذَا ؟ هَذَا الْفُرَاتُ إِلَى جَانِبِكُمْ) .. وكأنها تقول لهم: أين أنتم من نهر الفرات وهو بجواركم ولا تنتفعوا به وهو فيه نفع علاج لما أصابكم من البسرة أو النشرة والسم والسحر .. ولم تجزم السيدة عائشة بشيء .. لأنها قالته عن فهم خاص بها من أن الماء الطهور فيه نفع علاجي بصفة عامة .. كما لا يخفى على عاقل أو متعلم ..!!

 

#- أما أن النبي لم يثبت عنه خصوصية لنهر الفرات .. فهذا كلام باطل  .. إذ جعل النبي صلى الله عليه وسلم لنهري النيل والفرات خصوصية عطاء من الله لخلقه .. إذ قال صلى الله عليه وسلم عن المعراج: (وَرُفِعَتْ لِي (أي أخذ بيدي جبريل وانتقلت إلى) سِدْرَةُ المُنْتَهَى .. فَإِذَا نَبِقُهَا (أي ثمرها) كَأَنَّهُ قِلاَلُ (أي وعاء يوضع فيه الماء) هَجَرَ (اسم قبيلة كانت تصنع هذه القِلال) .. وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الفُيُولِ (أي الفيلة جمع فيل وهو الحيوان الضخم الحجم) .. فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ .. فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: أَمَّا البَاطِنَانِ: فَفِي الجَنَّةِ (أي نهري الكوثر والسلسبيل في رأي بعض العلماء) .. وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: النِّيلُ (أي نهر النيل في مصر) وَالفُرَاتُ (أي نهر الفرات في بغداد) .. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً ... ) صحيح البخاري.

 

- إذن: تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بذكر كلا النهرين النيل والفرات بكونهما ممدودان من سدرة المنتهى .. فهذا يظهر لكل ذي عقل أن لهما خصوصية مكان من رب العالمين .. وفيهما خصائص ليست في غيرهما.

 

#- أما عن كون من ينكر على السيدة عائشة لأن النبي لم يقل بذكر خصوصية لنهر الفرات .. ويريد أن يجعل من الرواية تشريع ويصبغها بصبغة دينية ليخطيء السيدة عائشة .. فهذه وقاحة وتدليس في العلم بل وخيانة علمية .. لأن السيدة عائشة لم تتكلم في شريعة دينية .. ولم تنسب الكلام للنبي .. بل تكلمت عن طريقة علاجية لإصابات تحدث للناس .. فما علاقة هذا بالدين ؟!

 

- إذن: من ينكر بكلامه هذا على السيدة عائشة .. فهو يظهر من منهجية كلامه أن في نفسه شيء ناحية السيدة عائشة .. وإلا فما وجه الطعن على كلامها وهو لا علاقة له بالدين .. ولماذا يريد أن يخلطه بالدين ليخطيء السيدة عائشة ؟

 

2- أما عن قولهم الوقح "من أين أتت السيدة عائشة بهذا الفهم" .. فهي أتت به من حيث أنت لا تفهمون .. فيكفي أن نقول بأن أول من أرشد للعلاج بالماء الطبيعي هو النبي صلى الله عليه وسلم .. ولم يخصص لمرض دون مرض .. وذلك حينما استخدم الماء في صبه عليه أثناء مرضه .. علما بأن بعض من مرضه هو كان بسب ما أصابه من سم كانت وضعته امرأة يهودية في طعام كان أكله النبي وبعض صحابته .. ولما شاء الله بعد كذا سنة أن يسري السم فقد إذن الله بتفعيله.

 

- إذن: كان للسيدة عائشة دليل من فعل النبي بل وبما حدث لها من رؤيتها في فك السحر .. فعلمت أن الماء الطهور فيه خير وبركة عن غيره .. وهذا هو فهمها بقدر ما بلغني من العلم وما خفي من معرفتها كان أعظم.

 

3- أما عن قولهم: أن نشر مثل كلام السيدة عائشة هو يروث اعتقادا في نهر الفرات .. ويتم شد الرحال إليه ..!!

- فهذا يثبت لهم الجهل الواضح .. إذ أن الإعتقاد بالعلاج في شيء لا حرج فيه كما جعل الله العلاجات في أدوية كثيرة .. ولم يقل مؤمن أنه يعبد الدواء ولا أن الدواء نافع بذاته .. بل بأمر الله لأن الله هو الشافي.

 

- أما عن الجهل الذي لم يسبق إليه جاهل هو أن يقال: أن الإعتقاد في نهر الفرات بأن فيه شفاء للناس فهذا يجعل الناس يشدون الرحال لنهر الفرات .. فما المشكلة في شد الرحال إليه أيها الجهلاء ؟ إذا كانت الأمم شدوا الرحال لبناء الحضارات حول النهر الذي هو مصدر شراب لحياة الناس.

 

- فهل نهر الفرات مسجدا حتى تمنع شد الحال إليه للشرب منه أو العلاج به ؟!! أم أن عقولكم المريضة صورت لكم أن الناس ستذهب إليه للصلاة إلى النهر ؟!! فما هذا الحمق ؟!!

 

- فلماذا لم تمنعوا الناس من الذهاب لنهر الفرات للشرب منه لاعتقادهم فيه أنه نهر عذب وفيه إرواء لهم ..!!!  

 

- فيا لها من نار غل تأكل فيكم .. حتى أنكرتم كلام السيدة عائشة وردتموه عليها .. وهو ليس بمحل إنكار أصلا  .. ولا بمحل رد عليها .. ولم يسبقكم سابق ..!!

 

- وكان يكفي: أن تقولوا أن الرواية غريبة المعنى بالنسبة لكم .. وتقولوا الله أعلم.

 

- ولكن كان من الواضح أن الطعن في كلام السيدة عائشة لتظهروا أنكم علماء .. أحب إليكم من أن تقولوا: الله أعلم.

 

@- أخي الحبيب قد أوضحت لك ما ستقابله على الإنترنت فانتبه:

- وقد أوضحت لك ما يقال على الإنترنت .. لتعرف كيف طعن البعض في كلام السيدة عائشة وأنكر عليها .. وقام بتحويل كلامها لمسألة دينية وهي لم تقل بذلك أصلا .. بل أرشدت بعض الناس لطريقة علاج بماء طهور وهو نهر الفرات.

- فأتى بعض أهل زماننا على الإنترنت فطعنوا في كلامها .. بما لم يسبقهم لهذا الطعن سابق ..!!

- وجزاهم الله بقدر نواياهم.

#- تبقى في النهاية أخي الحبيب أن أذكرك:

- بأن إرشاد السيدة عائشة لنهر الفرات لبعض من الناس كان عن سؤال لهم عن نشرة للعلاج وكانوا يسكنون بجوار نهر الفرات وهو ماء طهورا .. فكان إرشادها لهم هو إرشاد لماء طهور وفيه علاجا لهم من كذا شيء ..، ولو كانت السيدة عائشة في مصر لقالت نفس الكلام عن نهر النيل ..، وهذا الكلام أيضا يقال عن المياه الجوفية في أي مكان أيضا ..، وأي ماء ينبع من الأرض عذبا ولم تمسه الأيادي بالتغيير عليه .. ولا يخفى عليك البركة في ماء زمزم .. وهو سيد الآبار الجوفية.

 

- فافهم كلام وإرشاد السيدة عائشة .. وراجع الروايات جيدا .. حتى لا تكن ممن أساؤوا إليها واتهموها في فهمها رضي الله عنها .. وهي بريئة مما أنكروه عليها أو ما طعنوا به في فهمها .. !!

- والله أعلم.

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .