ج2: قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة - الأحداث التي سبقت قصة الإسراء والمعراج - رحلة النبي للطائف وعلاقتها بنزول ملك الجبال - عام الحزن لم يكن من قول النبي - وفاة السيدة خديجة - وفاة أبو طالب - العزيز بالله موصول بحفظ الرحمن.

 بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل الثاني)

#- فهرس:

:: الفصل الثاني :: عن أحداث سبقت رحلة الإسراء والمعراج ::  

1- س3: ما الأحداث التي سبقت قصة الإسراء والمعراج ؟

#- وفاة عم النبي أبو طالب.

#- وفاة زوجته السيدة خديجة.

#- أذية أهل الطائف له حتى رموه بالحجارة.

#- عام الحزن لم يكن من قول النبي وليس هذا وصفه.

#- هل ما فعله أهل الطائف من أذية النبي كان سببا في نزول ملك الجبال مع جبريل على النبي ليطبق الأخشبين عليهم ؟

 

2- س4: كيف ننظر للأحداث التي حدثت للنبي قبل قصة الإسراء والمعراج ؟

#- القدر يتفنن في ابتلاء النبي .

#- العزيز بالله موصول بحفظ الرحمن .. والعزيز بالجن عليه الرب غضبان .. فانظر إلى أي عزيز تريد أن تكون موصول .

**************************

:: الفصل الثاني ::

*******************

..:: س3: ما الأحداث التي سبقت قصة الإسراء والمعراج ؟ ::..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- أولا: السنة السابعة من البعثة النبوية .. "الحصار الإقتصادي الشديد" ..

- حيث قد اجتمع بعض قادة قريش بقيادة أبو لهب (عم النبي) .. وطلبوا من بني هاشم وبني عبد المطلب تسليم النبي صلى الله عليه وسلم لقتله .. فلما رفضوا قاطعت باقي قريش بني عبد المطلب وبني هاشم ... وحاصروهم اقتصاديا ثلاث سنوات من أصعب ما يكون أن يتحمله إلا أهل عزم وشدة وفيهم عزة نفس وكرامة ..

- وبالرغم من أن بني هاشم وعبد المطلب .. كان فيهم مشركين .. إلا أنهم والمسلمين عاشوا سويا في هذه المحنة .. فالمشرك يدافع عن النبي حمية ونصرة للنسب .. والمؤمن ثابت على الإيمان اتباعا للحق حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا ..

- فتم منع النكاح والتبايع معهم وتم منع وصول الطعام والشراب عنهم .. وغالوا في الأسعار بأضعاف مضاعفة حتى لا يستطيعون شراء شيئا .. حتى أكل المسلمون أوراق الشجر لكثرة الفقراء فيهم .. وما كان الطعام والشراب يأتيهم إلا خلسة وخفية من بعض أهل الفضل والمروءة وبقليل جدا لا يكفيهم ..

- وفي (أثر صحيح) .. مما جاء من عن الصحابة الذين حضروا هذا المشهد هو ما ذكره ابن عباس رضي الله عنه إذ قال: (حُصِرْنَا فِي الشِّعْبِ ثَلاثَ سِنِينَ، وَقَطَعُوا عَنَّا الْمِيرَةَ (أي الطعام)، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ بِالنَّفَقَةِ فَمَا يُبَاعُ شَيْئًا، حَتَّى مَاتَ مِنَّا قَوْمٌ) رواه البَلَاذُري في الأنساب واللفظ له ..، ورواه أبو نعيم في دلائل النبوة من طريق آخر .. (قلت خالد صاحب الرسالة): وسند البلاذري صحيح .. ولكن سند رواية أبو نعيم ضعيف جدا ومهلهل بالضعفاء.

- قوله (فما يُباع): أي لا يباع له أي طعام طالما هو من بني هاشم أو بني عبد المطلب.

#- وكان انتهاء الحصار الإقتصادي وانتهاء المقاطعة .. بعد ثلاث سنوات .. وذلك في السنة العاشرة من نبوة النبي صلى الله عليه وسلم. (راجع أنساب الأشراف لأحمد بن يحيى البَلَاذُري ج1 ص236)

#- ثانيا: ثلاثة أحداث بعد الحصار الإقتصادي مباشرة قد حدثت قبل قصة الإسراء والمعراج ..

#- من الأمور التي حدثت قبل قصة الإسراء والمعراج .. ثلاثة أحداث قاسية جدا للنبي صلى الله عليه وسلم وفي سنة واحدة.

 

1- الحدث الأول:

- هو وفاة عمه أبو طالب الذي كان يمنع عنه أذى قريش .. وكان حاجز منيع للنبي وما كانت قريش تستطيع أن تتخطى أبو طالب ليؤذون النبي صلى الله عليه وسلم .. لما كان لأبي طالب من مكانة وهيبة وسلطة في قريش .. وكان يظهر لهم أنه على دينهم ولا يتبع النبي صلى الله عليه وسلم .. ولم ينطق الشهادتين حتى مات .. وجاء في بعض الأحاديث الصحيحة أن له عذاب مخفف في الآخرة دون سائر المشركين لنصرته للنبي دفاعه عنه ..

 

#- وإن كنت أظن عن رأي خاص بي أنه ليس كل ما روته الأحاديث عن أبو طالب ليس هو كل شيء .. ولا يحيط علما بالحقيقة إلا الله .. وليس لنا أن نقول إلا بما بلغنا من العلم فقط  والظن لا يغني من الحق شيئا .. والله أعلم .

 

@- نعود فنقول: أنه قد ترتب أذى بدني ونفسي شديد جدا للنبي بعد وفاة عمه أبو طالب .. ومن ذلك:

أ- في (حديث صحيح) .. عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: (سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ المُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: رَأَيْتُ "عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ"، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، " فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ، فَقَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28]) صحيح البخاري.

- وفي (حديث صحيح) بلفظ .. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: (لَقَدْ ضَرَبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَعَلَ يُنَادِي: «وَيْلَكُمْ» {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر: 28]؟ فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ الْمَجْنُونُ) رواه أبو يعلى .. وقال محققه حسين أسد: إسناده صحيح على شرط مسلم.

 

ب- وفي (حديث صحيح) .. عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: (بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالْأَمْسِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلَا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ (أي يأخذ المشيمة التي تخرج مع ولادة الناقة التي كانت عند فلان) ، فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ فِي كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَأَخَذَهُ، فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ: فَاسْتَضْحَكُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ، لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ، فَجَاءَتْ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ (أي كانت جارية أي بنت صغيرة حينئذ) ، فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ، رَفَعَ صَوْتَهُ، ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ، عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمُ الضِّحْكُ، وَخَافُوا دَعْوَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ، عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ» - وَذَكَرَ السَّابِعَ وَلَمْ أَحْفَظْهُ - فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ - قَلِيبِ بَدْرٍ) صحيح مسلم.. (قلت خالد صاحب الرسالة): الأصل في الرواية "الوليد بن عقبة" ولكن هذا خطأ في رواية مسلم والصحيح هو "الوليد بن عتبه" ولذلك أثبت الصحيح.

 

ج- وفي (حديث مقبول) .. عن مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: (لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ فَأَلْقَى عَلَيْهِ تُرَابًا، فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَأَتَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ تَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ التُّرَابَ وَتَبْكِي قَالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ: «أَيْ بُنَيَّةُ، لَا تَبْكِيَنَّ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مَانِعٌ أَبَاكِ» ، وَيَقُولُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ: «مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالِبٍ) رواه البيهقي في دلائل النبوة .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث فيه ضعف لجهالة من روى عنه بن اسحاق .. وإن كان تنتفي هذه الجهالة في رواية الطبري في (تاريخ الطبري ج3 ص344) حيث يظهر أن ابن اسحاق رواه عن هشام بن عروة ولكن عن أبيه مرسلا فلم يذكر عبد الله بن جعفر ..

 

د- وفي (أثر ضعيف جدا) .. عن محمد بن عمر الواقدي حدثنا محمَّد بن عبد الله عن أبيه عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قالوا: (لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَهْرٌ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ، اجْتَمَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم مُصِيبَتَانِ فَلَزِمَ بَيْتَهُ، وَأَقَلَّ الْخُرُوجَ، وَنَالَتْ مِنْهُ قُرَيْشٌ مَا لَمْ تَكُنْ تَنَالُ، وَلَا تَطْمَعُ بِهِ) رواه بن سعد في الطبقات وعنه بن الجوزي في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم .. (قلت خالد صاحب الرسالة): محمد بن عمر الواقدي مشهور بضعفه ومتروك الحديث .. وإن كان هذا يقال في حديث النبي بصفة خاصة .. ولكن في المغازي ففيه تساهل بقبوله طالما ليس نقلا لكلام النبي صلى الله عليه وسلم .. ولكن في نفسي شك منه في هذه الرواية إذ ليس من شيم النبي صلى الله عليه وسلم أن تكسره الأحزان في دعوته إلى الله .. ولم يبلغنا أثر عنه أنه تقاعد يوما عن الدعوة إلى الله .. فضلا عن أن الواقدي هو راويها وهذا كافي بالنسبة لي لحجب الرواية .. وإنما ذكرتها لانتشارها في كتب السيرة ..!!

 

@- وكان موت أبي طالب بعد خروجهم من الشعب في أول ذي القعدة سنة عشر من المبعث. ويقال: للنصف من شوال، وله بضع وثمانون سنة. ويقال: إن بين موته وموت خديجة بنت خويلد شهرا وخمسة أيام. ويقال: خمسة أيام. ويقال خمسة وعشرين يوما. ويقال: ثلاثة أيام. (راجع أنساب الأشراف لأحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري ج1 ص236)

 

2- الحدث الثاني:

- هو وفاة السيدة خديجة زوجته .. وهي حبه الكبير ودعمه المباشر له والمؤيدة له على الدوام .. والحنونة عليه في كل الأزمات بطبيعتها كامرأة وبمواساتها له بمالها .. وأول من آمنت به من النساء ..

 

- (حديث مقبول) .. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد آمَنَتْ بي إذ كفَرَ بي الناسُ، وصدَّقَتْني إذ كذَّبَني الناسُ، وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَني الناسُ ..) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح وهذا سند حسن في المتابعات ، "مجالد بن سعيد" ليس بالقوي ..، (قلت خالد صاحب الرسالة): الرواية مقبولة من حيث كونها فضيلة في حق السيدة خديجة لأن السند فيه ضعف .. ولكن في السند علة وهي (مجالد بن سعيد) وهو ضعيف .. وقال بن كثير في البداية والنهاية إسناده لا بأس به..، وقال الهيثمي في المجمع: إسناده حسن.

@- ملاحظة هامة جدا:

#- هل النبي هو من وصف عام وفاة زوجته وعمه بعام الحزن ؟

- يقال عن العام الذي ماتت فيه السيدة خديجة وعم النبي أبو طالب .. هو عام الحزن .. وتسمية هذا العام بعام الحزن .. هو تسمية يذكرها بعض العلماء في كتبهم ولا مشكلة في ذلك .. ولكن المشكلة حينما يكتب بعضهم هذه الجملة: (وكان صلى الله عليه وسلم يسمى ذلك العام عام الحزن) .. لأن هذا الكلام خطأ ولا دليل عليه ولا سند له .. وليس وصف (عام الحزن) من كلام النبي إذ لا دليل على ذلك من الحديث الصحيح أو الضعيف .. ولذلك لم يصح عن النبي ولا صحابته ولا التابعين أن النبي قد وصف هذا العام بأنه عام الحزن .. بل هو تسمية العلماء .. والله أعلم .

 

3- الحدث الثالث:

- أولا: لما مات أبو طالب وترتب عليه شديد الأذى من قريش .. فحاول النبي أن يوسع من دعوته في أماكن أخرى وذهب إلى الطائف  .. وهي مدينة تبعد عن مكة حوالي مائة كيلو متر قد مشاهم النبي على قدميه .. حتى وصل إليهم يدعوهم ويلتمس منه النصرة والمنعة من قومه .. أي يكون في جوارهم وحمايتهم ..  فطردوه أشر طرده وضربوه بالطوب حتى جرحت قدماه الشريفة وسال الدم منها ..

- حتى نجح النبي في الخروج من حدود الطائف .. وكانت قدماه تسيل دما ومشى لمسافة ثلاثة كيلو متر تقريبا .. حتى وصلا إلى شجرة عنب فاستظلا بظلها .. وصلى ودعا بدعاءه المشهور بما جاء في الرواية التالية ..

@- (حديث مقبول) .. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: (لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ مَاشِيًا عَلَى قَدَمَيْهِ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يُجِيبُوهُ، فَانْصَرَفَ فَأَتَى ظِلَّ شَجَرَةٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ ضَعْفَ قُوَّتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أَنْتَ، أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ إِلَى مَنْ تَكِلُنِي إِلَى عَدُوٍّ يَتَجَهَّمُنِي ؟ أَمْ إِلَى قَرِيبٍ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي ؟ إِنْ لَمْ تَكُنْ غَضْبَانَ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي، غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي، أُعُوذُ بِوَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَنْ يَنْزِلَ بِي غَضَبُكَ أَوْ يَحِلَّ بِي سَخَطُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) رواه الطبراني في المعجم الكبير وفي الدعاء .. وقال الهيثمي: فيه (بن اسحاق) وهو مدلس ثقة وبقية رجاله ثقات..، (قلت خالد صاحب الرسالة): ورواه الطبري في تاريخه مرسلا عن محمد بن كعب القرظي .. وكلا الروايتين أي رواية الطبراني والطبري .. بسند فيه ضعف مقبول لأن ابن اسحاق يقبل في مغازيه دون ما يتعلق بالأحكام والعقائد ..

- وقال الإمام الضياء الاعظمي رحمه الله على هذه الرواية: وإسناده حسن من أجل "محمد بن إسحاق" وهو وإن لم يصرّح، فإن الأئمة قبلوه في المغازي والسير ما لم يقبلوا منه في الأحكام..، ولذا تلقى أهل العلم هذا الدعاء المسمى بدعاء الطائف بدون إنكار على ابن إسحاق فقد ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في عدة مواضع في مجموع فتاواه مستدلا به بأن الشكوى إلى الخالق لا تُنافي الصبر الجميل. انظر (10/ 184 - 666) وقال تلميذه الحافظ ابن القيم في زاده (3/ 31): "فانصرف راجعا من الطائف إلى مكة محزونا. وفي مرجعه ذلك دعا بالدعاء المشهور دعاء الطائف" ثم ذكر الدعاء بدون أن يعلق عليه بشيء. (راجع الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل ج14 ص430).

 

#- ثانيا: ثم حدثت قصة قد جاءت في (حديث ضعيف) .. (فَعَمَدَ إِلَى حَائِطٍ (أي بستان) مِنْ حَوَائِطِهِمْ، وَاسْتَظَلَّ فِي ظِلِّ حَبَلَةٍ مِنْهُ (أي مثل تربيعة عنب)، وَهُوَ مَكْرُوبٌ مُوجَعٌ تَسِيلُ رِجْلَاهُ دَمًا فَإِذَا فِي الْحَائِطِ: عُقْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَلَمَّا رَآهُمَا كَرِهَ مَكَانَهُمَا لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَدَاوَتِهِمَا اللهَ وَرَسُولَهُ، فَلَمَّا رَأَيَاهُ أَرْسَلَا إِلَيْهِ غُلَامًا لَهُمَا يُدْعَى عداسا وهو نَصْرَانِيٌّ مِنْ أَهْلِ نِينَوَى مَعَهُ عِنَبٌ،فَلَمَّا جَاءَهُ عَدَّاسٌ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: مِنْ أَيِّ أَرْضٍ أَنْتَ يَا عَدَّاسُ؟ قَالَ لَهُ عَدَّاسٌ: أَنَا مِنْ أَهْلِ نِينَوَى (أي مدينة بالعراق) .

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: مِنْ مَدِينَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُونُسَ بْنِ مَتَى، فَقَالَ لَهُ عَدَّاسٌ: وَمَا يُدْرِيكَ مَنْ يُونُسُ بْنُ مَتَّى، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- وَكَانَ لَا يَحْقِرُ أَحَدًا أَنْ يُبَلِّغَهُ رِسَالَةَ رَبِّهِ- أَنَا رَسُولُ اللهِ، وَاللهُ تَعَالَى أَخْبَرَنِي خَبَرَ يُونُسَ بْنِ مَتَى.

فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِمَا أَوْحَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ شَأْنِ يُونُسَ بْنِ مَتَّى، خَرَّ عَدَّاسٌ سَاجِدًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ يُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَهُمَا يَسِيلَانِ الدِّمَاءَ) رواه البيهقي في دلائل النبوة .. (قلت خالد صاحب الرسالة): رواه البيهقي عن ابن شهاب الزهري مرسلا.

- ثالثا: ثم رحل النبي عائدا مهموما على وجهه .. حتى وصل إلى منطقة "العقبة" وهي في (مِنى) وقريبة من مكة .. وأخذ النبي يدعو الحجاج في ذلك الوقت ومنهم (ابن عبد ياليل) فلم يجيبه أحد .. حتى وجد جحود قريش تقف أمامه ويمنعون كل من يحاول الكلام معه .. حتى انطلق وهو مهموم .. وعلى بعد أقل من اثنين كيلو متر من مِنى في منطقة قرن الثعالب.. غلبه التعب ونام من كثرة الهم .. حتى أتاه جبريل .. كما جاء في الرواية التالية ..

- في (حديث صحيح) .. سألت السيدة عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: (هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، قَالَ: " لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى "ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ"، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ (وهو الجبل المشرف على مسجد البيعة عند جمرة العقبة في مِنى) .. فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ .. ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ .. فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ (أي ما هو ذلك الأمر الذي تريد أن تأمرني به حسب مشيئتك) ؟ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ (وهما الجبلين اللذين تحت العقبة بمنى فوق المسجد) ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) صحيح البخاري.

 

#- ملحوظة هامة جدا: البعض بل غالبية كتاب السيرة النبوية وخطباء الجمعة .. يظن أن هذه الرواية السابقة خاصة برحلة الطائف .. وعن نفسي لم أتقبل هذا الكلام لأسباب منها:

1- أن الأخشبين أو الجبلين ليس بالطائف التي تبعد عن مكة مائة كيلو متر تقريبا..

2- اهل الطائف ليسوا من قوم النبي ..

3- إن كان اهل الطائف أذوه فأهل مكة فعلوا به ما لم يفعله غيرهم ..

4- ألفاظ الرواية التي اشتملت ألفاظ الأماكن مثل (العقبة) و (قرن الثعالب) لا علاقة له بالطائف ..

5- لم يقل النبي أن هذا الموقف حدث بالطائف ..!! وإنما ذكر أماكن موجودة بالفعل قرب مكة ..

#- حتى بعد بحث طويل في كتب السيرة .. ولم أجد إجابة على ما سبق .. حتى وجدت مصادفة على اليوتيوب في قناة الشيخ "احسان العتيبي الرسمية" قولا له يؤكد شكوكي السابقة ويذكر فيه أن هذه الحادثة قد حدثت بمنى وليس بالطائف .. فسعدت كثيرا بكلامه غفر الله له .. والفيديو كان بعنوان (تحقيق مكان "قرن الثعالب" و "العقبة" و "الأخشبين" في حديث "لعل الله يخرج من أصلابهم").

 

- وبالتالي هذا الحديث السابق .. عن نفسي إن جعلته من جملة رحلة الطائف فهذا باعتبار عودة النبي من الطائف حتى اقترب من مكة وجلس مع الحجاج بمنطقة مِنى يدعوهم ..، إلا أنهم جافوه بشده وأساؤوا إليه حتى ضاقت الدنيا بصدره .. وخرج حزينا من مِنى حتى نام من الهم بعد مسافة قصيرة عند منطقة قرن الثعالب .. ونزل جبريل ومعه ملك الجبال ليطبق الجبلين حول مِنى على من فيها ..

 

#- وعلى سبيل الإشارة لهذه القصة:

- كأن الله لما رأى أن كفار مكة أطبقوا على صدر النبي بالهم من كثرة أذيتهم وإسائتهم له .. فأراد الله أن يطبق على صدورهم حتى الموت بدفنهم تحت حجارة الجبلين المحيطين بهم .. قصاصا لنبيه .. والله أعلم .

 

- رابعا: ولم تنتهي عودة الرحلة عند هذا الحد .. فحينما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل إلى مكة وكان قد قابل بعض أصحابه ومنهم زيد بن حارثه .. وقد علم أن أهل الطائف أرسلوا لقريش يخبرونهم ما حدث .. واستعدت قريش ليصيبوا النبي بأذى لأنه طلب الحماية من أهل الطائف .. ولعل النبي أرسل زيد بن حارثة أو آخر ممن جعله واسطة وأرسله إلى المطعم بن عدي ليطلب منه الحماية للنبي حين دخوله مكة حتى لا يؤذيه أحد من قريش .. واستجاب المطعم بن عدي لمطلب النبي ودخل في حمايته آمنا .

@- ملاحظات على رحلة الطائف:

1- الملاحظة الأولى:

- قيل كان مع النبي في رحلته للطائف "زيد بن حارثة" وحاول أن يمنع عنه الطوب حينما تعرض له أهل الطائف .. حتى ناله هو أيضا من الأذى وشقت رأسه بحجر .. ولعل زيد قابله في طريق عودته من الطائف وهذا هو الأصوب من وجهة نظري .. والله أعلم .

 

2- الملاحظة الثانية:

- ذكر بعض كتاب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم عند عودته من الطائف وأثناء قيامه يصلي قد استمع إليه الجن .. وهذا مخالف لما ذكره البخاري في صحيحه من أن استماع الجن كان في أول البعثة عندما ذهب إلى سوق عكاظ ومعه طائفة من أصحابه .. والبعض حاول أن يقول بأن الحادثة تكررت .. ولكن هذا كلام لا يمكن صحته لأن سياق السورة لا يتفق مع العام العاشر للبعثة أبدا .. وإلا يقال حينئذ أن الجن ظل يستمع لخبر السماء حتى العام العاشر للبعثة وهذا كلام مخالف لسورة الجن أصلا لأن السورة تقول أن الجن لم يعد لهم مقاعد للسمع في السماء .. وهذا لا يكون إلا من بداية البعثة .. يبقى كيف أتوا ليستمعوا له وهو عائد من رحلة الطائف بعد عشرة سنوات من بعثته وتتكرر نفس سورة الجن ..؟!! ويمكنك الرجوع إلى الفصل الخامس من رسالتي (رسالة ليلة الجن في سماع الجن من النبي واجتماع النبي بالجن) من السؤال رقم (19) وحتى السؤال رقم (28) ..

 

3- الملاحظة الثالثة:

#- هل ما فعله أهل الطائف من أذية النبي كان سببا في نزول ملك الجبال مع جبريل على النبي ليطبق الأخشبين على قوم النبي المؤذيين ؟

- لا .. لم يكن كذلك .. فهذا لم يكن في الطائف وإنما حادثة منفردة بالقرب من مكة .. وسبق شرح ذلك منذ عدة سطور .. والله أعلم .

 

#- خلاصة القول مع وقفات تأملية:

1- مر على النبي صلى الله عليه وسلم ابتلاءات متكررة ومؤلمة نفسيا وجسديا .. على مدار سنوات .. ولم يكن له أنيس في حزنه سوى الله .. بل ولم ينكسر ولم يمتنع عن الدعوة إلى الله .. بل ظل صابرا عليها محاولا إرضاء ربه بالرغم من حكم القدر عليه حينئذ بالألم النفسي والتعب الجسدي .. إلا أنه اختار أن يكون شرفه هو حال كونه عبد راضيا بالله وبما قسمه له من سراء وضراء.

2- المحن التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم .. تعلمنا حقيقة المؤمن الصادق الثابت مع مولاه .. ففي الحصار الإقتصادي لم يقل أحد أنه حدث له وقف حال من الشيطان أو أن الشيطان تسبب في ذلك .. كما يفعل بعض الضلالية من الرقاة الذين يكذبون على المؤمنين في ابتلاء الله لهم ويخبروهم بأن لديهم وقف حال بسبب الشيطان والسحر ليأكلوا أموالهم بالباطل ..!!

 

- فتخيل أن النبي والمؤمنين ثلاث سنوات في حالة تقشف تام حتى أكل بعضهم أوراق الشجر وجلود الحيوانات ..!!

 

- ولكن حينما تقرأ الآيات التالية ستعلم أن من حكمة الله في الوجود هو الابتلاء .. إذ يقول تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة:155.

 

3- وحينما أنفكت الأزمة بعدها بشهور مات أحب الناس لقلبه وهي السيدة خديجة .. ثم بعدها بأيام أو خمسة وثلاثون يوما مات عمه أبو طالب من كان يحميه من كفار مكه ..

- وكأن القدر يسير خلاف ما كان من المفترض أن تفهمه عقولنا من حيث كونه نبي ورسول وحبيب الله .. في أن يتلطف به الله فيما جرت به المقادير .. فلماذا يحدث له كل هذا ؟!!

 

4- بل ولم يكتفي التدبير الإلهي بذلك .. بل في عز حزنه وألمه .. خرج محبا لربه ويسعى لنشر دعوة ربه حتى سار أكثر من تسعين كيلو متر على قدميه .. إلا أن المفاجأة كانت بأن الله يسلط عليه سادة الطائف الذين أرسلوا سفهائهم ليقذفوه بالطوب حتى أدموه ..!!

 

5- وحتى عندما حاول الرجوع ليدخل بيته .. فقد رجع في حماية كافر يحرسه من شر كفار مكة ..!!

 

6- هل قال النبي: أين أنت يا ألله من كل هذا ؟ أو لماذا تفعل بي هذا في حين أصلي وأصوم لك وأدعو إلى عبادتك ؟ أم قال النبي فيما معناه: اشهد أنك أنت الله وافعل بي ما تريد طالما ليس بك غضب عليَّ ؟!!

- قال فقط ما يحبه الله .. وما هو مطلوب منه إيمانا .. وحاله مستسلما لمراد الله وراجيا منه أن لا يكون غاضبا عليه .. وكل ذلك  حتى نتعلم منه الإيمان .

 

****************************

 ..:: س4: كيف ننظر للأحداث التي حدثت للنبي قبل قصة الإسراء والمعراج ؟ ::..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- الأحداث التي حدثت للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كالحصار الإقتصادي .. والتي حدثت للنبي بصفة خاصة من موت السيدة خديجة وعمه أبو طالب ثم إساءة أهل الطائف له .. وكل ذلك في فترة لا تتجاوز ثلاثة شهور .. خلال العام العاشر من البعثة .. كانت مجرد اختبارات متكررة ترتب عليها بعد ذلك حادثة الإسراء والمعراج .. ليس جبرا لخاطر النبي فقط .. أو كونها معجزة وتشريف للنبي .. وإنما أيضا لتطهير المؤمنين من النفوس المتشككة في إيمانها لأنه سيتم فتنتها بهذا الحدث ليميز الله الخبيث من الطيب ..

 

@- كيف ننظر للأحداث التي حدثت مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟

- أولا: واجه النبي أحداث مؤلمة نفسيا جدا من مجتمعه وبعض أقاربه على وجه الخصوص عمه أبو لهب .. وفضلا عن الآلام النفسية لفقد زوجته وعمه أبو طالب .. وكان ذلك في أزمنة قريبة جدا من بعضها .. ابتلاء وراء ابتلاء وراء ابتلاء .. وكأن القدر يتفنن في إيجاد ابتلاء جديد للنبي بصورة خاصة ولقلة المؤمنين حينئذ بصورة عامة .. فما أجمل هذا القدر وأبدعه وأروعه في تربية الإيمان في النفوس ليميز الخبيث من الطيب ..!!

 

#- فهل الله خذل النبي أو أخرجه من معيته بسبب تسليط أهل الكفر أو شياطين الإنس عليه ؟

 

- لا لم يحدث لأنه حبيبه .. وإنما أراد الله أن يرسم له طريق المحن والفتن فيظهر لنا النبي بصورة الثابت المتعلق بربه في كل أحداث الحياة لأن قلبه اكتفى بالله بلا تهمه أي بلا أي شك في تدبير الله الحكيم ..

 

- فكان سلوك طريق منهج الإيمان النبوي الذي رسمه لنا القدر البديع من خلال ما فعله بالنبي هو .. تحقيق الإيمان في القلب من خلال التعلق بالله المصحوب بصدق التوجه إلى الله في كل محنة والمبني على عقيدة (ماض فيَّ حكمك وعدل فيَّ قضاؤك) .. وقد رضي بما قسمه له الله .. مع السؤال من فضله والرجاء في عفوه ..

- فما أبدع القدر وأجمله ..!!

 

- ثانيا: النبي كانت الملائكة معه .. وكان الجن يزورونه .. والله رقيب ومطلع على كل شيء .. فهل قال النبي يوما: يا ملائكة أو يا جن ساعدوني ؟!!

 

- لا .. لم يقل ذلك .. لأنه يعلم أن الأمور تسير بتدبير إلهي بديع .. وله فيه حكمة .. ماضي فيه حكم الله وعدل فيه قضاؤه .. ولا يملك إلا أن يدعو سائلا من فضله أو راجيا رحمته .. متوكلا عليه لأن الأمور تسير بتدبير حكيم عليم .

 

- ثالثا: بل لو تأملت فيما ذكرناه .. ستجد شيئا مهم جدا .. وهو مدى اهتمام النبي بعالم الأسباب الظاهرة .. ولم يلتفت للعوالم الخفية الغيبية .. حتى أنه طلب الحماية من كافر إنسي ولم يطلبها من ملك مقرب ولا جن مؤمن ..!!

 

- ونفهم أنه ليست الجن ولا الملائكة من الأسباب المتاح لنا استخدامها .. لأنها ليست من أسباب عالم المادة .. فالملائكة تتنزل بأمر الله .. والجن التعامل معها يدخلك في حكم الاستمتاع المنهي عنه بنص القرآن ويدخلك هذا التعامل في النار لو كنت طالب للجن .

 

- ونفهم أن الطلب من عالم الظاهر غير الطلب من عالم الباطن كالجن .. وما يجوز في الظاهر (عالم الأسباب المادية) لا يجوز في الباطن (عالم الأسباب الغيبية) .. وإلا لكان طلب النبي من شياطن الجن أن يساعدوه ويدخلوه في حمايتهم .. مثلما طلب من الكافر الإنسي (المطعم بن عدي) أن يساعده ويدخله في حمايته ..!! وهذا أبسط دليل على أن طلب الجن غير مباح فضلا عن تحريم القرآن ذلك ..

 

- يبقى خد بالك يا مؤمن كويس من منهج النبي حال نزول الإبتلاءات .. كان بيقول يارب مش بيقول يا جن ولا بيقول يا ملائكة ..

 

- ولذلك كل من يخبرك أن معه قوة روحانية جبارة .. ويريد أن يستدرجك لتكون خدام للجن مثله .. فقل له: معي الله خالق القوة الروحانية .. وكفى به وليا ونصيرا .

 

- فالعزيز بالله موصول بحفظ الرحمن .. والعزيز بالجن عليه الرب غضبان .. فانظر إلى أي عزيز تريد أن تكون موصول .

 

- لذلك تجد النفوس التي تبحث عن الجن والقوة الروحانية .. كم هي بعيدة عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم .. فالنبي يعلمنا أن نقول يارب يا خالق الوجود .. وهم يقولون يا جن .. وبعضهم يقول مدد أيها الوجود ..!!

 

- النبي يعلمنا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله .. وهم يقولون أن باستطاعتهم أن يستمدوا من الوجود الذي لا حول له ولا قوة ..!! عجبا ..!!

 

#- خلاصة القول:

1- أن الإبتلاء حينما ينزل بالعبد فهذا ليس لأنه مغضوب عليه أو لأنه بعيد من ربنا .. أو لأنه ربنا تركه ولم يعد يستجيب له .. لا .. وإنما ليختبر إيمانه ويكون شاهد على نفسه .. فإن صبر وشكر .. فهو في معية ربه .. سواء رأى آيات أم لم يرى آيات .. لأن أول درجات الإيمان التي مدحها الله في المؤمنين هم الذين يؤمنون بالغيب .. أي ليسوا في حاجة لأدلة وإثباتات ومرائي وكلام كتير .. إنما يكفي اطمئنان قلبهم بأن الله موجود وسميع وعليم وحكيم .. وهو القوي القدير القاهر القيوم .. فالمسألة انتهت .

 

2- واعلم أخي الحبيب:

- قد تتراكم الأحزان وتزيد .. ولكن يتجلى عليك الرحمن بنسائم التأييد في الوقت الذي يريد وليس في الوقت الذي أنت تريد .. فسبحان من هو فعال لما يريد.

#- ونبدأ إن شاء الله بالكلام على رحلة الإسراء والمعراج .. التي أتت بعد الاحداث السابقة التي سبق وذكرناها .. والتي تدل على تشريف وتكريم الله للنبي .. وكأنه يقول له: إن كان أهل الأرض لا ترحيب لهم بك .. فأهل السماء والملكوت الأعلى في شرف استقبالك والترحيب بك . 

 *****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .