ج7:رسالة معنى (النبي الأمي) - هل تعلم النبي الكتابة بعد نزول الوحي - النبي لم يكتب عن تعليم .. وما كتبه ليس معجزة - رسم الحروف عن طريق الكشف ليس محو للأمية البشرية - هل يجوز التفضيل بين الانبياء - لماذا قال النبي (أنا) وقد نهى عن الزهو النفسي .

بسم الله الرحمن الرحيم

(الجزء السابع)

:: رسالة ::

:: حقيقة معنى ( النبي الأمي ) ::

في اللغة والحديث والقرآن العربي

وفي قلب كل عالم تقي .. وعارف ولي

* فهرس :

..:: الفصل الثالث عشر ::..

1- سؤال : هل يجوز التفضيل بين الانبياء ؟

2- سؤال : لماذا قال النبي (أنا) وقد نهى عن الزهو النفسي ؟

..:: الفصل الرابع عشر ::..

(مسألة مهمة في السيرة النبوية)

3- هل تعلم النبي الكتابة بعد نزول الوحي ؟

4- رسم الحروف عن طريق الكشف ليس محو للأمية البشرية ؟

5- النبي لم يكتب عن تعليم .. وما كتبه ليس معجزة ؟

************************

اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي ..

المتلقي الكتاب والحكمة والعلم اللدني ..

بحقيقة قول مولانا العلي ( وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) ..

وعلى آله وسلم .

**************************

* السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. نستكمل مع بعض .. رسالة حقيقة معنى "النبي الأمي" .. مع بعض الإشارات اللطيفة .

* وهنا نناقش بعض المسائل المتعلقة بالفصل السابق (الثاني عشر) .. حتى لا يتوهم أحد بتعارض بين ما ذكرناه من تفضيل النبي على غيره من الانبياء بأحاديث قد تسبب له تناقض مثل حديث (لا تفضلوا بين أنبياء الله) ..

* ثم نناقش مسألة مهمة في السيرة النبوية وهي .. هل النبي تعلم الكتابة وكتب بعد نزول الوحي ؟

ونناقش فيها أراء الفريقين .. ثم أكتب لكم ما أميل إليه محققا لما أقول .. وبالله التوفيق .

* تعالوا نبحث في  الأمر ..

* نبدأ بسم الله ..

توكلت على الله ..

*********************************

..:: الفصل الثالث عشر ::..

************************

(أسئلة على ما سبق بيانه في الفصل الثاني عشر)

**********************************

..:: سؤال : هل يجوز التفضيل بين الانبياء ؟ ::.

* قد يسأل سائل فيقول : كيف تقوم بالتفضيل بين الرسول والأنبياء .. والرسول يقول : (لا تفضلوا بين أنبياء الله) ، بل ويقول (ما ينبغي لعبدٍ أنْ يقولَ : أنا خيرٌ من يونسَ بنِ متَّى) ، وحديث (لا تُخَيِّروني على موسى) ؟

* قلت مجيبا على السؤال :

1- يقول تعالى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) البقرة 253 ..

فالتفضيل ثابت بكلام الله .. ولا كلام بعد كلام الله .. وهذا إجماع الأمة على أن الرسول أفضل الخلق جميعا ويكفي قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) ..

فلا ينكر ذلك إلا إن كان شخص جاحد أو حاقد أو جاهل .. فهذا شيء آخر .. !!

2- أما عن حديث "يونس بن متى" .. (من قال: أنا خير من يونس بن متى فقد كذب) .

يحتمل ان يكون لفظ (أنا) المقصود به الرسول نفسه (أي لا تخيروني على يونس بن متى) ..

وقد يكون المقصود بلفظ (أنا) .. أي لا يحق لأي مؤمن أن يقول على نفسه أنه أفضل من يونس بن متى ..

وهذا هو الأصوب .. لماذا ؟

لأن رواية البخاري جاء فيها (من قال: أنا خير من يونس بن متى فقد كذب) ..

ومستحيل لفظ (أنا) يكون عائد للرسول .. لأنه يعلم أنه سيد ولد آدم .. وعلى هذا سيكون الرسول اتهم نفسه بالكذب !!

والرواية التالية تزيل كل اللبس كما جاء في مسلم (قال اللهُ تعالى : لا ينبغي لعبدٍ لي أنْ يقولَ : أنا خيرٌ مِنْ يونسَ بنِ مَتَّى)

فمما سبق .. فحديث يونس بن متى المقصود به مراعاة الأدب مع يونس بن متى .. من المؤمنين .. ولا يظنوا به غير الخير ..

وليس فيه ما يشير إلى عدم تفضيل النبي على يونس بن متى ..!!

* وإلا فكفي بالنبي فضلا عن يونس بن متى قوله تعالى (وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ) القلم48 ..

فلا يقول له تعالى ذلك القول إلا لكون النبي صلى الله عليه وسلم أرفع منه مكانة وقدرا ..!!

مش كده ولا إيه ؟!!

فظهر مما سبق أن التفضيل .. ليس فيه كراهة إلا من حيث ما فيه إساءة أدب مع الآخرين ..

3- أما عن حديث (لا تخيروني على موسى) ، (لا تخيروني على الانبياء) (لا تفضلوا بين أنبياء الله) ..

* عدم المفاضلة في الإيمان .. وليس على المكانة والدرجة ..

وتأمل لفظ النبي في الحديث هو لفظ (الخيرية) حيث قال صلى الله عليه وسلم (لا تخيروني بين الأنبياء) .. فهذه خيرية إيمان وليس درجة ومكانة .

فالنهي عن المفاضلة الإيمانية .. لأن الأنبياء جميعهم مؤمنون بالله حقا .. وإن اختلفت منزلتهم ودرجاتهم .

* فمقصد النبي قد يكون : أي لا تقولوا بالخيرية في النبي وحده دون غيره .. بل في الجميع خير وإن اختلفت الرتب والدرجات والمقامات ..

* أو يكون مقصد النبي صلى الله عليه وسلم : أي لا تخيروني على الانبياء ولا موسى ولا يونس .. بما يشعر بوجود نقيصة في هؤلاء .. أو بما يؤدي إلى إتهامهم بما ليس فيهم .. لأنهم أهل الخير والفضل .. فهم درجات عند الله .. ولكن اختلاف الدرجة لا يعني جحود الرتبة ..

ومثال ذلك : (اثنين من المهندسين .. ولكن واحد منهما جاءه مزيد علم وارتقى في الدرجة عن الآخر) .. فهذا ليس معناه أن نسقط علم الهندسة عن الاول لتأخره في الدرجة ..

كذلك الحال في الانبياء ..  فهم رتبتهم أنبياء ولكن درجتهم اختلفت لاختلاف تجلي الفضل الإلهي عليهم .. فافهم .

* ومن الممكن أن تقول إجمالا :

لا تخيروا وتفاضلوا بين النبي والأنبياء في مقام الإيمان (حتى لا تتهموهم بنقيصة فتكونوا كاذبين) .. وإنما التخيير والمفاضلة في درجات الفضل والإحسان ..!!

فالأنبياء جميعا مؤمنون بيقين قلبي وعرفان صادق وعلم حق بالله .. ولكنهم مقامات مختلفة عند الله .. لاختلاف الدرجات باختلاف تجلي الفضل الإلهي على كل واحد منهم .

* فهم يختلفون في المقامات الإحسانية لذات الرتبة "النبوية أو الرسولية" .. ، وطبعا يختلفون في العطاءات الإلهية لاختلاف الفضل الإلهي على كل منهم ( ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) آل عمران74-73

* مما سبق بيانه لك .. حتى تعرف أن المفاضلة ممكنة ولكن دون اتهام في إيمان نبي أو اسقاط الخيرية عن أحد من الانبياء ..

أما ما يتم كتابته من حيث هل يجوز أو لا يجوز المفاضلة في كتب العقيدة والتفسير .. فلا أنصحك بقرائته .. لأنها غالبا ستتوه ولن تصل إلا لنتيجة واحدة أن سيدنا ومولانا صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل والأنبياء .. يبقى ليه الكلام في القيل والقال طالما النتيجة واحدة .. أمر عجيب ..!!

* وختاما لمسألة التفضيل وختامها مسك : يكفيك قول النبي صلى الله عليه وسلم (فضِّلتُ على الأنبياءِ بسِتٍّ: أعطيتُ جوامِعَ الكَلِم ، ونُصِرتُ بالرُّعبِ ، وأحِلَّت لي الغنائمُ ، وجُعِلَت لي الأرضُ طَهورًا ومسجِدًا ، وأُرسِلتُ إلى الخَلقِ كافَّةً ، وخُتِمَ بي النبيُّونَ) ..

* وبمناسبة كلامنا على قوة العلم النبوي وتفوقه العلمي على كل نبي ورسول :

فقوله (جوامع الكلم) إشارة إلى قوته العلمية التي فُضِّل بها على كل نبي ورسول .. لأن جوامع الكلم هي المقصود منها (القرآن) وأقواله وحكمته الشريفة المستمدة من القرآن .. فافهم .

* فهل هناك مثل نبينا ورسولنا في الدرجة والرتبة والمقام ؟!!

فصلوا عليه وسلموا تسليما ..

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وتابعيه ومحبيه .. في كل زمان ومكان .. آمين .

******************************

..:: سؤال : لماذا قال النبي (أنا) وقد نهى عن الزهو النفسي ؟ ::..

* سؤال : لماذا قال النبي لفظ (أنا) في حديث ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر) وهذا يدعو للزهو النفسي وقد نهي عنه صلى الله عليه وسلم ؟

* قلت لك : وهل النبي صلى الله عليه وسلم قالها بنفسه أم قالها بربه ؟

وبمعنى أدق .. هل قالها عن رغبة نفسية أم كان عن وحي يوحى ؟!!

بالتأكيد طبعا قالها بربه وبصفته نبي الله لأنه لا يعلم سيادة النبي في الدارين إلا الله وهو من أخبره بذلك .. ولذلك كان نطقه بالله (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم3-4 ..

* فهو قالها بربه أي بوحيٌ يوحي إليه بأن يقول هذا حتى يعرف الناس قدره ومقامه .. وشاهد ذلك هو قوله تعالى (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ ) الحجر89 .. وكأن الله يقول له : قل يا محمد أنك كذا وكذا .. ولا تفتخر .. لأنِّي صاحب هذا الفضل عليك ..

* ولو قالها عن رغبة نفسية :

فرغبة النبي هي طاعة مولاه (إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ) التوبة59 .. ورغبة مولاه هي أن يتحدث بنعمة الله وشاهد ذلك قوله تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) الضحى11 ..

* فكانت رغبته هي طاعة مولاه وليس رغبة تعظيم نفس .. ومولاه هو من طلب أن يتحدث بنعمته .. إظهاراً لكرامة الله عليه .. ولذلك قال (ولا فخر) .. أي أقولها لكم شكرا لأنعم الله وفضله .. ولأن مولاي طلب مني ذلك .. وأن هذه كرامة من الله تعالى لم أنلها من قبل نفسي ، ولا بلغتها بقوتي ، فليس لي أن أفتخر بها .. وإنما فخري بها لأنها من عطاء ربي .

* وسواء كان الأمر عن رغبة نفسية أم وحي يوحى إليه بأن يقول هذا .. ففي كلا الأمرين .. النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم عن الهوى .. بل تكلم إما وحيا وإما رغبة في طاعة مولاه .. باعتراف بالفضل الإلهي والكرامة الإلهية عليه ..

فما أعظمه من نبي ورسول .. طاهرا ظاهرا وباطنا .. فهو يتنفس ظاهرا (الله) ويتنفس باطنا (الله) .. ويبيت عند (الله) .. ولا ينام قلبه لأنه مع (الله) .. صلى الله عليه وسلم ..

* لأنه النبي الأمي .. ولا نبي غيره قد بلَّغ أميَّته في العالمين مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وحسبك أنه النبي الخاتم بكمال الرسالات ورحمة العالمين وصاحب الشفاعة العظمى .. وهذه درجات لم ينالها أحد في العالمين .. ولن ينالها غير سيدنا ومولانا صلى الله عليه وسلم .

*********************************

..:: الفصل الرابع عشر ::..

********************************

(مسألة مهمة في السيرة النبوية)

..:: هل تعلم النبي الكتابة بعد نزول الوحي ؟ ::..

* جاء في الحديث الصحيح .. عن اسحق بن البراء قال: ( لَمَّا أُحْصِرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ البَيْتِ، صَالَحَهُ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَها فَيُقِيمَ بِهَا ثَلاثًا، وَلا يَدْخُلَهَا إِلا بِجُلُبَّانِ السِّلاحِ - السَّيْفِ وَقِرَابِهِ - وَلا يَخْرُجَ بِأَحَدٍ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَلا يَمْنَعَ أَحَدًا يَمْكُثُ بِهَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ. قَالَ لِعَلِىٍّ: " اكْتُبِ الشَّرْطَ بَيْنَنَا. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرّحِيمِ. هَذَا مَا قَاضى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ " ..

فَقَالَ لَهُ المُشْرِكُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ تَابَعْنَاكَ .. وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ . فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحَاهَا ، فَقَالَ عَلِىٌّ: لا. وَاللهِ، لا أَمْحَاهَا .

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَرِنِى مَكَانَهَا فَأَرَاهُ مَكَانَهَا. فَمَحَاهَا، وَكَتَبَ: " ابْنُ عَبْدِ اللهِ "، فَأَقَامَ بِهَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ..

فَلَمَّا أَنْ كَانَ يَوْمُ الثالِثِ قَالُوا لِعَلِىّ: هَذَا آخِرُ يَوْمٍ مِنْ شَرْطِ صَاحِبِكَ ، فَأمُرْهُ فَلْيَخْرُجْ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ. فَقَالَ: " نَعَمْ "، فَخَرجَ ..) رواه مسلم .

* قال الإمام القاضي عياض رحمه الله (المتوفي: 544هـ):

وقوله " فمحاها وكتب: ابن عبد الله ": احتج بهذا اللفظ بعض الناس على أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب ذلك بيده على ظاهر هذا اللفظ ، ونحوه منه ذكره البخارى من رواية إسرائيل عن أبى إسحاق، وقال: " فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكتاب فكتب " وزاد عنه من طريق آخر ولا يحسن أن يكتب فكتب ..

وقال هؤلاء فإن الله - سبحانه - أجرى على يديه ذلك إما بأن كتب ذلك القلم في يده وهو غير عالم بما يكتب ، أو أن الله - سبحانه - علمه ذلك حينئذ حتى كتب ، وجعل هذا زيادة في معجزته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن كان أمياً ، فكما علمه ما لم يعلم من العلم وجعله قرأ ما لم يقرأ ، وتلا ما لم يتل ، فكذلك علمه أن يكتب ما لم يكتب ، وخط ما لم يخط بعد النبوة وأجرى ذلك على يديه ، وأن هذا لا يقدح في وصفه بالأمية ، واحتجوا بأقوال حاتم عن الشعبى وبعض السلفيين، هذا وإن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يمت حتى كتب . وإلى جواز ذلك ذهب الباجى وحكاه عن الشيبانى وأبى ذر وغيرهما .

* وذهب الأكثر إلى منع هذا جملة ، أن وصفه الله تعالى بالأمية وقوله تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِك) ، وقوله عليه السلام: " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " يرده .

وزعم هؤلاء أن كتابه هذا وإن صورناه معجزة لو صح يبطل معجزته بالأمية، وأن لفظ " كتاب " يحتمل أن يرجع إلى أمره بذلك ؛ إذ يقال: قتل الأمير، وقطع السارق، وإنما أمر به، واحتجوا بالرواية الأخرى: فقال لعلى - رضى الله عنه -: " اكتب: من محمد بن عبد الله " .

* والأولون يقولون: إنما وصفه الله - سبحانه - بأنه لم يتل ولم يخط من قبل تعليمه، كما قال من قبله ، فكما جاز أن يتلو فكذلك جاز أن يخط ..

ولا يقدح هذا في كونه أمياً ؛ إذ ليست المعجزة مجرد كونه أمياً ، وإنما المعجزة أن كان أولاً كذلك ثم جاء بعلوم لا يعلمها الأميون ولم يقدح ذلك في حالته ، فكذلك يجوز أن يكون بخط فلا يقدح فيه ، بل يكون تأكيداً في معجزته . قالوا: وظاهر قوله: " ولا يحسن أن يكتب فكتب " كالنص أنه هو بنفسه كتب ، وعدوله إلى غيره تجوز في الكلام ، وحمل على ما لم يفهم منه لغير ضرورة .

وطال كلام كل فرقة في هذا الباب وشنعت كل واحدة على صاحبتها، (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلا) .

إكمال المعلم بشرح فوائد مسلم ج6 ص152

**********************************

(رأي صاحب الرسالة)

..:: تعليق على الحديث السابق ::..

:: رسم الحروف عن طريق الكشف ليس محو للأمية البشرية !! وليس معجزة !! ::..

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

ما ذكره القاضي عياض هو مجمل ما يذكره شراح الأحاديث .. ويقتبسون من كلامه ما قاله الفريقين .. سواء من أنكر أن النبي كتب أو من أجاز أن النبي كتب .

* لو كان الأمر فيه قدحا لأميته .. لاستغله وكشف عن ذلك كفار مكة الذين عاهدوا النبي في صلح الحديبية .. ولذاعوا الخبر أن محمد يكتب .. ولوصل الخبر لليهود واتهموا النبي أنه ليس النبي الأمي ..!!

ولكن هذا لم يحدث .. لأن فعل النبي لا يدل على معرفته بالكتابة .. كما سأوضح لكم بعد قليل ..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) .. وحجة المنكرين مردود عليها بأبسط رد :

1- أولا : لا تعارض مع قوله تعالى (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِك) .. لأن الله يقول ( من قبله ) .. أي من قبل النبوة ونزول الوحي .. وليس فيه نفي لما بعد النبوة أن يتعلم شيئا .. لأنه يأخذ العلم من الوحي وليس من عالم الأغيار ..!!

وإلا فما فائدة الأمية النبوية .. طالما سيظل على أميته البشرية ..!!

ولكان هذا طعنا صريحا في قوله تعالى ( وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) النساء113

والكتابة ومعرفة العلوم الكونية والغيبية .. تندرج تحت قوله تعالى ( علمك ما لم تكن تعلم ) ..

فالنبي الأمي يأخذ العلم من العليم مباشرة بدون أغيار .. فما المانع أن يكون علمه الكتابة ..!!

* ومع ذلك لا أقر بأن النبي تعلم الكتابة لأنه لم يثبت عنه ذلك قبل الوحي أو بعد الوحي .. وإنما كتب فقط اسمه (محمد بن عبد الله) .. وكانت في صلح الحديبية .. ولم يأت خبر بعد ذلك في أنه كتب شيئا ..!!

* انتبه : والخبر الذي جاء عن مجالد بن سعيد هو ضعيف جدا لا يعتد به .. فقد روي البيهقي في السنن الكبرى ج7 ص68 - من طريق مجالد بن سعيد عن عون بن عبد الله قال ( ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ ) .. وقال البيهقي : فَهَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ وَفِي رُوَاتِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الضُّعَفَاءِ وَالْمَجْهُولِينَ ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . (السنن الكبرى 7/68)

* والخبر الذي قال فيه النبي عند موته ( ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا ) .. فمعناه أملي عليكم كتابا لتكتبوه .. كما كان يكتب رسائله إلى الملوك عن طريق أصحابه وليس هو من يكتبها ..!

2- ثانيا : أما عن استدلال المعترض بقول النبي ( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ) .. فهذا غير معارض لكون النبي نسخ اسمه رسما بالحروف من وحي الكشف ..!! لأننا لا نقول أنه تعلم الكتابة .. وإنما رسم الكتابة (كما سأشرح بعد قليل) .. !!

فاستدلال المعترض لا قيمة له حينئذ لاعتراضه ..!!

* فضلا عن أن الحديث لا يصح الاستدلال به في هذا الموطن لأن الإمام علي كان كاتب الرسول .. فما وجه استدلالهم بالحديث .. (إنا أمة أمية) !!

بل لا وجه لهم في الاستدلال به .. !!

* وكأنهم يريدون باستدلالهم بهذا الحديث أن نظل أميون (بدون قراءة وكتابة) مدى الحياة حتى نندرج في مفهوم الحديث ..!!

فما هذه السخافة العقلية في فهم الحديث النبوي ..!!

* ورأيي الخاص (خالد صاحب الرسالة) :

الذي أميل إليه هو الرأي القائل بأن النبي هو من كتب (محمد بن عبد الله) وليس الإمام علي .. لأن ظاهر الروايات بمجموعها يدل على ذلك .. دون مراوغة في تأويل الألفاظ ..!!

* وإذا سألت ما الحكمة من كتابة النبي :

قلت لك : لعل حكمة كتابة النبي .. حتى تعلم أن النبي مؤيدا بالله حتى في أميَّته البشرية ..!!

* ومع ذلك تستطيع أن تقول كما قال الأكثرون .. أن الرسول محا الإسم بنفسه .. ثم ترك لعلي الكتابة بعد ذلك ليكتب .. وبذلك تنفي الكتابة مطلقا عن النبي .. ولكنك لن تستطيع التوفيق بين روايات الحديث مثل رواية (أَخذ الْكتاب ، وَلم يُحسن أَن يكْتب) .. وبالتأكيد ليس المقصود منها الإمام علي ..!!

* عموما : رأي الذي أميل إليه هو أن النبي (لازال أميا لم يتعلم الكتابة) بل كتب رسما وليس تعليما .. ولذلك لا أقر بأنه كتب عن تعليم الكتابة .. ولا أقر بأنها معجزة .. ليه ؟

تعالوا نرى لماذا اعترض على تعليم الكتابة وعلى كون ما كتبه هو معجزة ..!!

********************************

..:: النبي لم يكتب عن تعليم .. وما كتبه ليس معجزة ::..

* قلت لكم .. لا أقر بأنه كتب عن تعليم الكتابة (بل هو أمي الكتابة) .. ولا أقر بأن ما كتبه كان معجزة .. ليه ؟

* أولا : لا أقر بأنه كتب عن تعليم الكتابة وإنما عن رسم للكتابة بدون تعليم .. كيف ذلك ؟

1- بأنه لا يمتنع أن يلهمه الله وحيا كشفيا صورة الكتابة التي يريد كتابتها بعدما امتنع سيدنا علي أدبا من محو اسمه الشريف .. !!

* مثال للتوضيح على ما سبق :

فأنت حينما تكتب اسمك بالهيروغليفية .. فهو عبارة عن مجموعة رسومات .. وأنت لا تعرف أن تكتبه إلا لو رسمه لك عالم بالهيروغليفية .. وسيكون سهل عليك الرسم حينئذ حينما تكتبه .. حتى ولو لم تعلم طبيعة هذه الرموز ..

فهل هذا معناه أنك تعلمت أبجدية الهيروغليفية ..؟!!

2- وتستطيع أن نقول أن الله الذي أسجد للنبي الشجر وأخضع له الملائكة وأنزل عليه الوحي وكاشفه عالم الملكوت الأعلى وأراه الجنة والنار في صلاته .. أليس بقادر على أن يلهمه كيفية كتابة اسمه .. أو يجعل القلم يكتب وهو في يد النبي في هذه اللحظة .. ؟!!

ما لكم ؟ كيف تحكمون ؟!!

* ودليل أنه رسم ما كتبه رسما وليس عن معرفة بقواعد الكتابة .. أمرين :

1- أنه طلب من علي رضي الله عنه أن يريه مكان اسمه ليمحوه .. فلو كان النبي يعلم الكتابة لكان أخذ رقعة الجلد ومحا اسمه بنفسه .. !!

فثبت بذلك أنه لا يعرف الكتابة ولا القراءة ..

2- ما جاء في الرواية ( وَلَيْسَ يحسن يكْتب ) .. وكأنه يرى صورة الكتابة كشفا روحيا .. فينسخها كما هي ..

وقد أوضحنا لك الأمر بمثال الكتابة بالهيروغليفية .

* بين منطوق الحرف ورسم الحرف ؟

فالذي يعترض على أن الكتابة بطريق الوحي الكشفي .. فلما لم يعترض على منطوق الحرف ( قاف ، نون ، ألف لام ميم ... ) وهو أمر لا يعرفه الإنسان الأمي ؟

فالذي جعل الأمي ينطق الحرف كما ينطقه المتعلم .. فما الذي يمنعه أن يكتب اسمه مرسوما بطريق الكشف ؟ أو لعله حفظ رسمته من الخاتم الذي كان يختم به رسائله المكتوب عليه "محمد رسول الله" .. 

أو أن يأمر الله القلم فيكتب والنبي ممسك له فقط ..!!

فما المعضل في ذلك على الله ..؟!!

* ثانيا :- أما عن كون فعل النبي هو معجزة وقتيه كما قال البعض :

فهذا وجه لا أراه صوابا وليس بمعجزة .. ليه ؟

1- الكتابة ليست معجزة في ذاتها وليس أمر خارق للعادة ..!

2- كتابته لاسمه (محمد بن عبد الله) ليس دليل على أنه تعلم الكتابة بل دليل على أنه يرسم الكتابة .. وإلا ما طلب من الإمام علي أن يشير له إلى جملة (محمد رسول الله) ليمحوها ..!! ولكان النبي كتب من البداية .. أو أكمل باقي كتابة الصلح .. ولكنه لم يفعل هذا ولا ذاك .. لأنه لا يعرف كتابة اللغة ..!!

3- كثير من الذين يتعاملون مع العالم الآخر يكونوا أميون أو جهلاء .. ومع ذلك يكتبون بلغات مجهولة لا يعرفها المتعلمين .. 

وهناك من يكتبون جملا كاملة بطريقة متكسرة .. لأنهم يرسمون هذه الحروف كما يرونها كشفا .. ولا يعرفون كيف ينطقونها إلا إذا أخبروا بماهية ما كتبوا .

* بل وفي حال المس الروحاني قد يكتبون من اللغة التي يتعايشون بها ولا يعرفون كيف كتبوا .. لأن أيديهم تكتب دون أرادة منهم عن طريق سيطرة المس الروحاني على اعصاب الإنسان فيجعله يكتب كما يحدث مع الوسطاء الروحانيين ..

* بعد ما سبق .. فما المعجزة في أن يكتب النبي اسمه ..!!

فالمعجزة تكون عما يعجز عنه الجميع أن يأتوا به .. وتكون للتحدي .. !!

ولذلك لا يصح أن نقول هذه معجزة .. لأن الآخر يستطيع أن يفعلها .. لأنه مجرد رسم منقول من حالة كشف ..!! فافهم ..!!

* ولكن في النهاية أريدك أن تعلم شيئا .. أن قولي ورأيي (صاحب الرسالة) أن النبي كتب رسما حروف (محمد بن عبد الله) .. كان في لحظة زمنية معينة وبكتابة مخصوصة لألفاظ محدده وهي اسمه فقط :

يعني ببساطة :

1- كانت فقط في كتابة اسمه ( "محمد بن عبد الله" ) ..

2- حدثت الكتابة مرة واحدة فقط في صلح الحديبية ..

* أما من يزعم أن النبي كان يعرف الكتابة استظهارا بعلم اللغة .. كما كان استنطاقا لحروف القرآن .. فهو يكون قد تكلم بلا حجة وبرهان .. وأخشى أن يكون قد كذب على النبي لو قال بذلك .. لأنه لم يثبت أنه كتب شيء غير اسمه في غير هذا الموطن في السيرة ..!!

* والأدلة التي استدل بها البعض أن النبي تعلم الكتابة .. مثل رواية مجالد بن سعيد .. فقد أثبت لكم فسادها .. وما قاله الإمام البيهقي فيها فارجع إلى كلامه .

* أما عن حديث ( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ) .. فيحتاج لبيان وتوضيح .. حتى لا يظن أحد أن الحديث يشير إلى أن النبي يقر بوجوب الأمية في أمته ..!! كما ظن من لا علم له بالحديث ومفهومه ..!!  بل لا علم له بكتاب الله من أساسه .. لو اعتقد أن هذا مفهوم الحديث ..!!

تعالوا معا نبحث في شرح الحديث .. ونرى ما قاله علمائنا رحمهم الله . 

******************************************

..:: الفصل الخامس عشر ::..

************************************

(المسألة الثانية في السيرة)

..:: ما معنى حديث " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " ::..

يتبع إن شاء الله تعالى

*********************************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..