ج11: رسالة عنى (النبي الأمي) - مفهوم أمية النبي وأمية الإتباع - (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) - ما هو الكتاب ؟ وما هي الحكمة ؟ وما هو العلم الذي لم يعلمه ؟ وما سبب تكرار الفضل ؟ وهل في الآية دليل على أنه حجيِّة أتباع السنة النبوية ؟ - ما هو الهمِّ في الآية ؟ وما هي كيفية تضليل النبي ؟ وما هو الضرر الذي كاد أن يحدث لدعوته ؟ - (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ) - أمية الإتباع .. تستوجب دوام الذكر لله والحمد على نعماءه - (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) .

بسم الله الرحمن الرحيم

(الجزء الحادي عشر)

:: رسالة ::

:: حقيقة معنى ( النبي الأمي ) ::

في اللغة والحديث والقرآن العربي

وفي قلب كل عالم تقي .. وعارف ولي

* فهرس :

..:: الفصل الحادي والعشرون ::..

1- بطريقة أخرى عما سبق - تعرف على مفهوم أمية النبي وأمية الإتباع ؟

2- من أين استمد النبي الكتاب والحكمة والعلم الذي لم يعلمه ؟

3- أمية التلقي : (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) ؟

..:: الفصل الثاني والعشرون ::..

4- سؤال : ما هو الهمِّ في الآية ؟ وما هي كيفية تضليل النبي ؟ وما هو الضرر الذي كاد أن يحدث لدعوته ؟

5- سؤال آخر : ما هو الكتاب ؟ وما هي الحكمة ؟ وما هو العلم الذي لم يعلمه ؟ وما سبب تكرار الفضل ؟ وهل في الآية دليل على أنه حجيِّة أتباع السنة النبوية ؟

6- أمية الإتباع : ( وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) ؟

7- أمية الإتباع .. تستوجب دوام الذكر لله والحمد على نعماءه ؟

8- ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ) ؟

 ************************

اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي ..

صاحب الكتاب والحكمة والعلم اللَّدُنِّي ..

وعلى آله وسلم .

**************************

* السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. نستكمل مع بعض .. رسالة حقيقة معنى "النبي الأمي" ..

* في هذا الجزء أعيد صياغة ما ذكرناه سابقا عن الأمية النبوية بطريقة أخرى .. لعلها تكون أوضح لمن لم يستطع فهم ما سبق .. ولكن بطريقة أبسط إن شاء الله ..

* ثم نستوضح بعض الأمور في فهم للآيات التي سنشير إليها  ونتعرف على تفسيرها .. لنزداد علم من ورائها ونتعرف على معان جديدة في كلام الله .. مستنيرين بتفاسير أهل العلم في ذلك ..

* تعالوا نبحث في  الأمر ..

* نبدأ بسم الله ..

توكلت على الله ..

*******************************

..:: الفصل الحادي والعشرون ::..

*****************************

:: بطريقة أخرى عما سبق ::

(تعرف على مفهوم أمية النبي وأمية الإتباع)

.:: ببساطة تستطيع أن تفهم أمية النبي الأمي ::..

( من أين استمد الكتاب والحكمة والعلم الذي لم يعلمه ؟ )

* لعل البعض لم يتفهم له جيدا ما سبق في الأجزاء الماضية لإدراك معنى الأمية النبوية على وجه الخصوص .. ولذلك سأعيد شرحها هنا بطريقة أخرى بآيات اخرى .. مع شرح بأمثلة بسيطة للعقل لمفهوم معنى الأم .. الذي جاء عنه وصف الأمي ..

* ما معنى الأم : قلنا الأصل الذي تأتي منه أو تنسب إليه ..

* فمثلا :

ولو قلنا ما هو مصدر تغذية الكهرباء للمنطقة السكنية كلها التي تأخذ منه المنطقة الكهرباء فسيكون محول الكهرباء العمومي .. وهكذا ..

فهذا المحول الكهربائي يسمى الأم .. أي الأصل الذي من خلاله يتم ارسال الكهرباء .

* مثال آخر :

كذلك يعتبر ماسورة المياه العمومي في الشارع هي مصدر دخول الماء لكل الشقق السكنية في المنطقة .. فهو أم المياه للمنطقة . 

* يبقى لفظ الأم يطلق على المكان الذي أتى منه الشيء .. فالكهرباء أتت من المحول العمومي ، والمياة جاءت من الماسورة العمومية ..

* مثال آخر :

وحينما نقول من أين جاء الأطفال .. فهم جاؤوا عن طريق أمهم ..

* مثال آخر :

وحينما نقول نريد معرفة أم هذا الموضوع .. أي أصله وبدايته ..

وهكذا ..

* ولذلك نفهم أن الأمية النبوية .. يعني المكان الذي أخذ واستمد وتلقى منه سيدنا محمد نبوته ورسالته .. وهو من عند الله ..

واعتقد بذلك يكون قد اتضح مفهوم الأمية للجميع ..

* وهذه الأمية النبوية لها وجهان :

أمية تلقي : أي المكان أو المصدر أو الأصل الذي يكون السبب في أن يتلقى النبي منه رسالته

أمية اتباع : وهي الأصل أو المصدر الذي يأخذ عن المؤمنون صراطهم المستقيم وطريقهم إلى الله .

* وتعالوا معي نشرح ما سبق بآية تخص كلا من الأميتين ..

***********************************

..:: أمية التلقي ::..

(وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ )

* قد ذكرت لك سابقا أن آية ( وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ) النمل6 .. واضحة في تفهيم ما أردتك أن تفهمه .. حيث أن أصل التلقي هذا هو أصل أمية النبي .

* لكن هنا معنا آية في القرآن جميلة جدا تستطيع من خلالها أن تفهم معنى الأمية النبوية .. التي توضح أصل التلقي النبوي .. وهي آية رقم (113 من سورة النساء) ..

يقول تعالى : ( وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) النساء113

* فتأمل قوله تعالى (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) ..

ستجد في الآية مصدر وأصل أمية النبي .. أنها من الله .. فهو يأخذ عن الله الكتاب والحكمة والعلم الرباني .. فهذه هي الأمية النبوية ..

* ولكن هذه الآية (النساء113) وسابقها من الآيات من أول آية النساء105 - كان لها قصة أحب أن أسردها لكم لأنها تدل أيضا على أمية التلقي النبوي ..

* قال الشيخ الدكتور أسعد حومد :

( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً ) النساء105

نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ بَنِي أُبيْرِق، كَانَ فِي غَزْوَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَرَقَ لأنْصَارِيٍّ آخَرَ دِرْعاً ، فَاتَّهَمَهُ صَاحِبُ الدِّرْعِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ، فَعَمَدَ السَّارِقُ إلى الدِّرْعِ فَأَخْفَاهَا فِي بَيْتِ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ، وَقَالَ لِقَوْمِهِ ذَلِكَ.

فَذَهَبُوا إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَطْلُبُونَ مِنْهُ أَنْ يَعْذِرَ صَاحِبَهُمْ، وَيُجَادِلَ عَنْهُ أَمَامَ النَّاسِ، فَقَامَ الرَّسُولُ فَبَرَّأهُ، وَعَذَرَهُ عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ، وَقَالَ النَّبِيُّ لأَصْحَابِ الدِّرْعِ إنَّهُمْ عَمَدُوا إلى رَجُلٍ مُسْلِمٍ، أَهْلِ تُقىً وَصَلاحٍ فَاتَّهَمُوهُ بِالسَّرِقَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ، وَالآيَاتِ التِي بَعْدَهَا. فَأَمَرَ الرَّسُولُ بِالدِّرْعِ فَأُتي بِهَا فَرَدَّهَا إلى صَاحِبِهَا، وَهَرَبَ السَّارِقُ فَلَحِقَ بِالمُشْرِكِينَ فِي مَكَّةَ.

أيسر التفاسير لأسعد حمود ج5 ص236

.. وبعد عدة آيات خاصة بهذه القصة أوضحت حفظ الحقوق وعدم المحاباة في الأحكام .. يقول تعالى : ( وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) النساء113

* وفي هذه الآية عدة أسئلة .. تستوجب أن نتوقف معها لمزيد من العلم بآيات الله ..

*******************************

..:: الفصل الثاني والعشرون ::..

*****************************

..:: سؤال : ما هو الهمِّ في الآية ؟ وما هي كيفية تضليل النبي ؟ وما هو الضرر الذي كاد أن يحدث لدعوته ؟ ::..

* قال الشيخ الشعراوي رحمه الله :

وهنا نتساءل: هل هَمَّ أحد بإضلال رسول الله ؟

علينا أن نفهم أن «الهمّ» نوعان: هم إنفاذ، وهم تزيين. وقد رفض رسول الله هم الإنفاذ، ودفعه الله عنه لأنه سبحانه وتعالى يحوط رسوله بفضله ورحمته ويأتي بالأحداث ليعلمه حكماً جديداً .

وفضل الله على رسوله ورحمته جعل الهم منهم هم تزيين فقط وحفظ الله رسوله منه أيضا.

وعندما تعلم الرسول هذا الحكم الجديد ، صار يقضي به من بعد ذلك في كل قضايا الناس.

فإذا ما جاء حدث من الأحداث وجاء له حكم من السماء لم يكن يعلمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فالفضل لله لأنه يزيد رسوله تعليما. (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)  النساء: 113

* وكان قصد الذين دافعوا عن «ابن أبيرق» أن يزينوا لرسول الله، وهذا هو هم التزيين لا هم الإنفاذ.

وكان الهدف من التزيين أن يضروا الرسول ويضلوه والعياذ بالله، ليأخذوه إلى غير طريق الحق وغير طريق الهدى .. وهذا أمر يضر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم  ..

* فلو أن رسول الله برأ المذنب الذي يعلم أنه مذنب لاسْتقرّ في ذهن المذنب أن قضايا الدين ليست جادة، أما البريء الذي كان مطلوباً أن يدينه رسول الله ماذا يكون موقفه؟ لا بد أن يقول لنفسه: إن دين محمد لا صدق فيه لأنه يعاقب بريئاً .

* إذن فَهَمَّ التزيين يضر بالرسول عند المبرأ وعند من يراد إلصاق الجريمة به. لكن الله صان رسوله بالفضل وبالرحمة عن هذا أيضا. (لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ الله عَلَيْكَ الكتاب والحكمة)  النساء: 113

تفسير الشعراوي ج5 ص2622-2623

**************************************

..:: سؤال آخر : ما هو الكتاب ؟ وما هي الحكمة ؟ وما هو العلم الذي لم يعلمه ؟ وما سبب تكرار الفضل ؟ وهل في الآية دليل على أنه حجيِّة أتباع السنة النبوية ؟ ::..

* قال الشيخ الشعراوي رحمه الله :

فإذا ما علمك الله - يا رسول الله - ما لم تكن تعلم بنزول الكتاب ، فهل أنت يا سيدي يا رسول الله مشرع فقط بما نزل من الكتاب ؟

لا .. فالكتاب معجزة وفيه أصول المنهج الإيماني ، ولكن الله مع ذلك فوض رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يشرِّع ؛ وتلك ميزة لم تكن لرسول قبله ، بدليل قوله الحق: (وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا)  الحشر7

* فالرسل من قبل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يتناولون ما أخذوه عن الله ، وميز سبحانه محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بتفويض التشريع.

* وأوضح الحق أنه عَلَّمَ رسوله الكتاب والحكمة. والحكمة مقصود بها السنة ، فسبحانه القائل: (واذكرن مَا يتلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله والحكمة)  الأحزاب34

* وسبحانه صاحب الفضل على كل الخلق وصاحب الفضل على رسوله: (وَأَنزَلَ الله عَلَيْكَ الكتاب والحكمة وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً) ولنا أن نلحظ أن (فَضْلُ الله) تكرر في هذه الآية مرتين. ففضل الله الأول في هذه الآية أنه عصمه من أن تضله طائفة وتنأى به عن الحق ..

* ثم كان فضل الله عليه ثانيا أنه أنزل عليه الكتاب بكل أحكامه وأعطاه الحكمة وهي التفويض من الله لرسوله أن يشرّع .

* إذن فالحق سبحانه وتعالى جعل من سنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ امتداداً لوحيه.

* ولذلك إذا قيل من قوم يحاولون التشكيك في حديث رسول الله: إن الصلاة لم تأت في القرآن.

نقول سائلين الواحد منهم: هل تؤدي الصلاة أم لا.؟

فيقول: إنني أصلي. .

فنقول له: كم فرضاً تصلي؟ .

فيقول: خمسة فروض.

فنقول: هات هذه الفروض الخمسة من القرآن. ولسوف يصيبه البهت، وسيلتبس عليه أمر تحديد الصبح بركعتين والظهر بأربع ركعات، والعصر بمثلها، والمغرب بثلاث، والعشاء بأربع ركعات. وسيعترف أخيراً أنه يصلي على ضوء قول الرسول: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وهذه من سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.

(وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً) ..

* وقد نجد واحداً من اهل السطحية واللجاجة يقول : القرآن يكرر الكلمات في أكثر من موقع ، ولماذا يذكر فضل الله في صدر هذه الآية، ويذكره مرة أخرى في ذيل نفس الآية ؟ .

نقول: أنت لم تلحظ فضل الله في الجزئية الأولى لأنه أنقذ رسوله من همّ التزيين بالحكم على واحد من أهل الكتاب ظلماً، وفي الجزئية الثانية هو فضل في الإتمام بأنه علم رسوله الكتاب والحكمة وكان هذا الفضل عظيماً حقاً.

تفسير الشعراوي ج5 ص2627

* قال الشيخ المراغي رحمه الله :

إنه لولا فضل الله عليك بالنبوة والتأييد بالعصمة ورحمته لك ببيان حقيقة الواقع لهمت طائفة منهم أن يضلوك عن الحكم العادل المنطبق على حقيقة القضية في نفسها، ولكنهم قبل أن يطمعوا في ذلك ويهموا به جاءك الوحى ببيان الحق وإقامة أركان العدل والمساواة فيه بين جميع الخلق.

* (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ)

بانحرافهم عن الصراط السوىّ الذي هداهم الإسلام إليه

* (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ)

وقد عصمك الله من الناس ومن اتباع الهوى في الحكم بينهم.

* (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ)

علمت مما سلف أن الكتاب هو القرآن ..

والحكمة: فقه مقاصد الدين وأسراره ووجه موافقتها للفطرة وانطباقها على سنن الاجتماع البشرى ومصالح الناس في كل زمان ومكان.

* (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)

من الكتاب والشريعة، وخصوصا ما تضمنته هذه الآيات من العلم بحقيقة الواقعة التي تخاصم فيها بعض المسلمين مع اليهودي.

* (وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)

إذ أرسلك للناس كافة، وجعلك خاتم النبيين، واختصك بنعم كثيرة ومزايا لا تدخل تحت حصر، فيجب أن تكون أعظم الناس شكرا له، كما يجب على أمتك مثل ذلك ليكونوا خير أمة أخرجت للناس قدوة لغيرهم في جميع الخيرات.

تفسير المراغي ج5 ص152

********************************

(2)

..:: أمية الإتباع لهذا النبي الأمي ::..

تستوجب دوام الذكر لله والحمد على نعماءه !!

(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ )

* نلاحظ أن هناك آية آخرى تحمل نفس الأوصاف التي جمعتها الآية السابقة (النساء113) .. وهي آية ( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ . فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ) البقرة151-152 ..

ولكن هذه المرة خاصة بمن يتبعون الرسول النبي الأمي الذي سيعلمهم الكتاب والحكمة ومالم يكونوا يعلمون من قبل ..

* وهذه الآية ترشدنا لأمر هام .. وهو أن مرشدك للتزكية ظاهرا وباطنا .. ومعلمك كلام الله وفهم مقاصده .. ومعلمك العلم الحق في عالم الظاهر والباطن .. هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

والذي لا يتبعه وتظهر عليه ما يسميه البعض كرامات وكشوفات .. فإنما هي خرافات وسخافات ..

* والتزكية ونعمة القرآن وسنة النبي وما ينتج عنهما من علوم .. تجعل في قلب المؤمن دوام الذكر والشكر لله على عظيم هذه النعم التي يحيا بها الإنسان ..

 

* وتعالوا نستمتع ببعض التفاسير حول الآية ..

* قال الشيخ الشعراوي رحمه الله :

(يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ) .. الآيات هي القرآن الكريم والتزكية هي التطهير ولابد أن يكون هناك دنس ليطهرهم منه .. فيطهرهم من عبادة الأصنام ومن وأد البنات والخمر والميسر والربا .. ومعنى التزكية أيضا سلب الضار فكأنه جاءهم بالنفع وسلب منهم الضر.

* وقوله تعالى: (وَيُعَلِّمُكُمُ الكتاب والحكمة) .. الكتاب على إطلاقه ينصرف إلى القرآن الكريم والحكمة هي وضع الشيء في موضعه .. والكتاب يعطيك التكليف إما أن يأمرك بشيء وإما أن ينهاك عن شيء.

إذن فهي دائرة بين الفعل والترك ..

* والحكمة : أن تفعل الفعل الذي يحقق لك خيرا ويمنع عنك الشر . وهي مأخوذة من الحكمة أو الحديدة التي توضع في فم الجواد لتحكم حركته في السير والوقوف، وتصبح كل حركة تؤدي الغرض منها ..

* والحكمة أيضا هي أحاديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مصداقا لقوله تعالى: (واذكرن مَا يتلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله والحكمة)  الأحزاب34

* وقوله سبحانه: (وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ) لأنكم أمة أمية . فإن بهرتكم الدنيا بحضارتها فستبهرونهم بالإشعاعات الإيمانية التي تجعلكم متفوقين عليهم .. فكل ما يأتيكم من السماء هو فوق كل حضارات الأرض .. لذلك يقول عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه : ما عمر لولا الإسلام .

س: ما معنى اذكروني

* قوله تعالى: «فاذكروني» أي كل هذه النعم والفضل عليكم يجب ألا تنسوها .. أن تعيشوا دائما في ذكر من أنعم عليكم .. فالله سبحانه وتعالى يريد من عباده الذكر وهم كلما ذكروه سبحانه وشكروه .. شكرهم وزادهم .. والله سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي :

«أنا عند حسن ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إليّ بشبر تقربت إليه ذراعاً وإن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة»

هذه هي رغبة الكريم في أن يعطي بشرط أن نكون أهلا للعطاء لأنه يريد أن يعطيك أكثر وأكثر .. فقوله تعالى: «اذكروني» أي اذكروا الله في كل شيء . في نعمه . في عطائه . في ستره . في رحمته . في توبته .

* يقول بعض الصالحين: سمعت فيمن سمع عن حبيبي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنك إذا ما أقبلت على شرب الماء فقسمه ثلاثا .. أول جرعة قبل باسم الله واشربها ، ثم قل الحمد لله وابدأ شرب الجرعة الثانية وقل باسم الله وبعد الانتهاء منها قل الحمد لله .. ثم قل باسم الله واشرب الجرعة الثالثة واختمها بقولك الحمد لله . فمادام هذه الماء في جوفك فلن تحدثك ذرة من جسدك بمعصية الله . جربها يوما في نفسك وقل باسم الله واشرب ، وقل الحمد لله وكررها ثلاث مرات فإنك تكون قد استقبلت النعمة بذكر المنعم وأبعدت عن نفسك حولك وقوتك ، وأنهيت النعمة بحمد الله . ولكن لماذا الماء ؟ لأن الماء في الجوف أشبع من أي شيء آخر .

* قوله تعالى: (واشكروا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) الشكر على النعمة يجعل الله سبحانه وتعالى يزيدك منها. واقرأ قوله تبارك وتعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ)  إبراهيم7

وشكر الله يذهب الغرور عن نفسك فلا تفتنك الأسباب وتقول أوتيته على علم مني. (وَلاَ تَكْفُرُونِ) أي لا تستروا نعم الله بل اجعلوها دائما على ألسنتكم. . فإن كل نعمة من نعم الله لو استقبلت بقولك «ما شاء الله لا قوة إلا بالله» لا ترى في النعمة مكروها أبدا لأنك حصنت النعمة بسياج المنعم .. أعطيت لله حقه في نعمته فإن لم تفعل وتركتها كأنها منك وأنت موجدها ونسيت المنعم وهو الله سبحانه وتعالى فإن النعمة تتركك.

تفسير الشعراوي ج1 ص645-647

* قال الشيخ المراغي رحمه الله :

(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا) أي ولأتمّ نعمتي عليكم باستيلائكم على البيت الذي جعلته قبلة لكم ، وتطهيركم له من عبادة الأصنام .. كما أتمها عليكم بإرسال رسول منكم وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فالقبلة في بلادكم، والرسول من أمتكم ، وهو يتلو عليكم آياتنا التي ترشدكم إلى الحق ، وتهديكم إلى سبيل الرشاد ، وهى تشمل آيات الكتاب الكريم وغيرها من الدلائل والبراهين التي تدل على وحدانية الله وعظيم قدرته ، وبديع تصرفه في السموات والأرض.

ووجه المنة في ذلك، أنه يهديهم إلى الحق مصحوبا بالدليل والبرهان، دون التقليد والتسليم بلا تبصر وفهم، وبذا يكون العقل مستقلا، والدين له مرشدا وهاديا.

* (وَيُزَكِّيكُمْ) أي يطهر نفوسكم من أدران الرذائل التي كانت فاشية في العرب من وأد البنات، وقتل الأولاد تخلصا من النفقة، وسفك الدماء لأوهن الأسباب، ويغرس فيها فاضل الأخلاق وحميد الآداب.

وبهذه الزكاة التي زكّوا بها أنفسهم فتحوا الممالك الكبرى، وكانوا أئمة الأمم التي كانت تحتقر هذا الجنس ، وعرفوا لهم فضلهم بعدلهم وسياستهم للأمم سياسة حكيمة أنستهم سياسة الأمم التي قبلهم ، وجعلت لذلك الدين أثرا عميقا في نفوسهم، فدانوا لحكمه خاضعين ، واهتدوا بهديه راشدين.

* (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ) أي ويعلمكم القرآن الكريم ويبين لكم ما انطوى عليه من الحكم الإلهية ، والأسرار الربانية التي لأجلها وصف بأنه هدى ونور ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتلوه عليهم ليحفظوا نظمه ولفظه، حتى يبقى مصونا من التحريف والتصحيف ، ويرشدهم إلى ما فيه من أسرار وحكم ليهتدوا بهديه ، ويستضيئوا بنوره .

* (وَالْحِكْمَةَ) وهى العلم المقترن بأسرار الأحكام ومنافعها ، الباعث على العمل بها .

ذاك أن سنة الرسول العملية وسيرته صلى الله عليه وسلم في بيته ، ومع أصحابه في السلم والحرب، والسفر والإقامة، في القلة والكثرة ، جاءت مفصلة لمجمل القرآن ، مبيّنة لمبهمه ، كاشفة لما في أحكامه من الأسرار والمنافع .

ولولا هذا الإرشاد العملي لما كان البيان القولي كافيا في انتقال الأمة العربية من طور الشتات والفرقة والعداء ، والجهل إلى الائتلاف والاتحاد ، والتآخي والعلم ، وسياسة الأمم.

* فالنبي صلى الله عليه وسلم وقف أصحابه على فقه الدين ، ونفذ بهم إلى سرّه ، فكانوا حكماء علماء عدولا أذكياء ، حتى إن أحدهم كان يحكم المملكة العظيمة ويقيم فيها العدل ويحسن السياسة ، وهو لم يحفظ من القرآن إلا بعضه ، لكنه فقهه وعرف أسرار أحكامه .

(وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) أي ويعلمكم مع الكتاب والحكمة ما ليس مصدر علمه النظر والفكر ، بل طريق معرفته الوحى كأخبار عالم الغيب وسير الأنبياء وأحوال الأمم التي كانت مجهولة عندكم، وأكثرها كان مجهولا عند أهل الكتاب أيضا، وقد بلغوا في هذا النوع من العلم مبلغا فاقوا به سائر الأمم.

* (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) أي اذكروني بالطاعة بألسنتكم بالحمد والتسبيح، وقراءة كتابي الذي أنزلته على عبدى، وبقلوبكم بالفكر في الأدلة التي نصبتها في الكون لتكون علامة على عظمتي ، وبرهانا على قدرتي ووحدانيتي، وبجوارحكم بالقيام بما أمرتكم به، واجتنابكم ما نهيتكم عنه، أجازكم بالثواب والإحسان وإفاضة الخير وفتح أبواب السعادة ودوام النصر والسلطان.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عز وجل: «أنا عند ظن عبدى وأنا معه، إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسى، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرّب إلىّ شبرا تقربت إليه ذراعا» الحديث.

* وهذه أفضل تربية من الله لعباده، إذا ذكروه ذكرهم بإدامة النعمة والفضل، وإذا نسوه نسيهم وعاقبهم بمقتضى العدل.

* وبعد أن أعلمهم ما يحفظ النعم، أرشدهم إلى ما يوجب المزيد منها بمقتضى الجود والكرم فقال:

(وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) أي واشكروا لي هذه النعم بالعمل بها وتوجيهها إلى ما وجدت لأجله ، والثناء علىّ بالقلب واللسان ، والاعتراف بإحساني إليكم ، ولا تكفروا هذه المنن التي أوليتكموها بصرفها في غير ما يبيحه الشرع والسنن الإلهية ..

* وهذا تحذير من الله لهذه الأمة حتى لا تقع فيما وقعت فيه الأمم السابقة، إذ كفرت بأنعم الله فلم تستعمل العقل والحواس فيما خلقت لأجله ، فسلبها ما كان قد وهبها تأديبا لها ولغيرها.

وقد امتثل المسلمون هذه الأوامر حينا من الدهر ثم تركوها بالتدريج فحلّ بهم ما ترى من النكال والوبال، كما قال تعالى: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ» .

تفسير المراغي ج2 ص18-20

*********************************

..:: ما معنى (ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) ؟ ::..

هل النبي قام بتعليم الصحابة بعلم خارج وحي الكتاب والحكمة ؟

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

يتبع إن شاء الله تعالى

******************************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..