الثلاثاء، 2 سبتمبر 2025

Textual description of firstImageUrl

ج6: رسالة المعجزات والأفضلية بين النبي محمد وسائر الأنبياء - هل إبراهيم أبو الأنبياء أفضل من النبي محمد لأن النار لم تحرقه حينما ألقى فيها ونادى على أربعة طيور ميتة فأتته تسعى ورأى ملكوت السموات والأرض.

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة المعجزات والأفضلية

بين النبي محمد وسائر الأنبياء

وعلو شأن النبي بالآيات القرآنية

(الفصل السادس)

هل إبراهيم أبو الأنبياء أفضل من النبي محمد لأن النار لم تحرقه وأحيا الله له الطير ورأي ملكوت السموات والأرض

#- فهرس:

:: الفصل السادس:: قيل أن إبراهيم عليه السلام أفضل من النبي محمد صلى الله عليه وسلم ..!! ::

1- س9: هل إبراهيم أبو الأنبياء أفضل من النبي محمد لأن النار لم تحرقه حينما ألقى فيها ونادى على أربعة طيور ميتة فأتته تسعى ورأى ملكوت السموات والأرض ؟

#- أولا: بخصوص المعجزات التي وهبها الله لإبراهيم.

#- ثانيا: أما بخصوص المقارنة للأفضلية بين ما حدث مع إبراهيم عليه السلام ومعجزة قرآن النبي محمد عليه الصلاة والسلام.

#- ثالثا: أما عن خصوصية إحياء الطيور الأربعة لإبراهيم.

#- رابعا: أما عن خصوصية عدم إحراق النار لإبراهيم.

@- قصة أبو مسلم الخولاني التابعي محب النبي الذي ألقي في النار ولم تحرقه ..

@- كيف يحدث لولي ما حدث مع نبي ؟

#- خامسا: أما عن خصوصية رؤية إبراهيم ملكوت السموات والأرض.

#- سادسا: من لطيف الفرق في القرآن بين إبراهيم عليه السلام والنبي محمد عليه الصلاة والسلام.

================

:: الفصل السادس::

================

..:: س9: هل إبراهيم أبو الأنبياء أفضل من النبي محمد لأن النار لم تحرقه حينما ألقى فيها ونادى على أربعة طيور ميتة فأتته تسعى ورأى ملكوت السموات والأرض ؟ ::..

 

- قيل: أن إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام هو أفضل من النبي محمد صلى الله عليه وسلم .. إذ أنه كان مؤيدا بمعجزة لم يحظى بمثلها النبي محمد صلى الله عليه وسلم .. وهي أنه حينما تم إلقاءه في النار لم تحرقه ..، ونادى على أربعة طيور فأتته تسعى ..، ورأى ملكوت السموات والأرض.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- أولا: بخصوص المعجزات التي وهبها الله لإبراهيم ..

- قد منح الله إبراهيم عليه السلام بعض المعجزات كخصوصية عطاء لتأييد نبوته .. فهي معجزة للمؤمنين للإقرار بقدرة الله وعنايته بأنبياءه وخاصته .. إلا أنها لم تكن معجزة للتحدي مع أحد مع الناس في أن يأتوا بمثل ما حدث معه من معجزات ..

 

- فحينما تم إلقاءه في النار .. فهذا لم يكن معجزة للتحدى مع قومه بأن النار لن تحرقه .. وإنما معجزة للمؤمنين بأن الله قدير على كل شيء فيجعل من النار بردا وسلاما .. لأنه هو من خلقها ووضع فيها خاصية الإحراق .. وقادر على أن يسلبها خاصية الإحراق.

 

- ولكن إبراهيم أعجز من واجههم في حياته من أهل الكفر فقط بعقله .. إذ أنه لما تحداهم فعليا بالمواجهة معهم فقد تحداهم بمنطق العقلاء .. وليس بشيء خارق للعادة .. ومثال ذلك:

 

#- مثلما واجه قومه بعد أن كسر الأصنام ووضع الفأس الذي كسر به الأصنام على يد الصنم الأكبر .. فجاؤوا لإبراهيم وسألوه: (قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ) الأنبياء:62-66.

- فمنطق الحوار مع قومه هنا لم يكن مؤيدا بإظهار معجزات بل كان عقليا فقط.

 

#- وكذلك في قصة مجادلة إبراهيم مع الذي ادَّعى الربوبية .. (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) البقرة:258.

- فمنطق الحوار مع النمرود لم يكن مؤيدا بإظهار معجزات بل كان عقليا فقط.

 

@- إذن: إبراهيم عليه السلام في دعوته للإيمان كان يستخدم منطقية العقل في الإثبات .. وكأنه عليه السلام قد اكتفى بالعقل حجة وشاهد إثبات لمن يقبل الإيمان .. ولذلك يقول المؤمنين أن ربنا عرفوه بالعقل ولم يروه.

 

========

#- ثانيا: أما بخصوص المقارنة للأفضلية بين ما حدث مع إبراهيم عليه السلام ومعجزة قرآن النبي محمد عليه الصلاة والسلام ..

- سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد أعطاه معجزة القرآن للتحدي مع الإنس والجن إلى يوم القيامة في أن يأتوا بسورة من مثله أو بآية .. ولن يأتوا.

- وبالتالي: فهذه معجزة حقا قد أتاها الله للنبي صلى الله عليه وسلم بلا نظير لها في جميع الأنبياء والرسل.  

- وشتان: بين من كانت معجزته تأييدا لنبوته في زمنه وليست للتحدي .. وبين من كانت معجزته تأييدا لنبوته وللتحدي مع كل الخلق في كل الأزمان ..

- فأين هذا من ذاك ؟!!

 

========

#- ثالثا: أما عن خصوصية إحياء الطيور الأربعة لإبراهيم.

- قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة:260.

 

- فإذا كان إبراهيم قد وضع أربعة من الطير مقطعة الأجزاء على بعض المرتفعات أو الجبال .. ونادى عليهن فأتينه تسعى بإذن الله .. فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم نادى بالقرآن فجمع به قلوب قد ماتت عن معرفة الحق بالكفر والجهل .. فأحياهم بنور الحق والإيمان .. فكان ذلك إحياء لهم في الحياة بالإستقامة .. وفي الآخرة لهم من الله جنة الكرامة.

 

- فشتان: بين من أحيا الله له أربعة من الطير كانت مقطعة الأجزاء .. وبين من أحيا الله له نفوسا ضالة من وحل الضلالة إلى كرامة الإستقامة ..

- فإبراهيم عليه السلام قد أحيا الله له أربعة طيور أمام عينه في خلوته مع ربه .. وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد أحيا الله له بمعجزة القرآن النفوس البشرية والجنِّيَّة بمعجزة مشهودة ومسموعة أمام العالمين ونقلها من وحل الضلالة والجهالة إلى نور الحق والإستقامة .. وسيظل تأثير معجزته القرآنية بإحياء القلوب بالإيمان إلى يوم القيامة .. لأن القرآن روحا لا يموت ونورا لا ينطفيء .. وذلك لمن صدق وطلب الحق في كل زمان ومكان.     

 

- وشتان: بين من كانت معجزته طلبا منه وتأييدا لقلبه هو بالإطمئنان .. وبين من كانت معجزته مددا ووهبا من الله وفيها تأييدا بالشفاء وسكينة وطمأنينة وهداية ونورا لكل من طلب الحق والإيمان ..، قال جل شأنه: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) الإسراء:9 ..، وقال جل شأنه: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) الإسراء:82 ..، وقال جل شأنه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد:28.

 

- فأين هذا من ذاك ؟!!

 

========

#- رابعا: أما عن خصوصية عدم إحراق النار لإبراهيم.

- قال تعالى: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) الأنبياء:68-70.

 

1- إذا كان من خصوصية تأييد الله لإبراهيم عليه السلام في نبوته .. أن النار كانت له بردا وسلاما عليه .. فهذه خصوصية تأييد لإبراهيم لنفسه وليس لجميع من يتبعه .. أما خصوصية تأييد النبي بمعجزة القرآن فهي لجميع المؤمنين والعاملين به فهو سيكون هذا لهم حجابا من نار الآخرة .. والعمل به فيه مددا لهم بإطفاء نار الصدور المملؤة بالكفر والجهل والضلال في الدنيا .. إذ قال جل شأنه: (قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) يونس:57.

 

#- شتان: بين من معجزته خصوصية لنفسه فلم تحرقه النار .. وبين من كانت معجزته لكل أمته فلا تحرقهم نار الآخرة بفضل الله ورحمته.

 

#- وشتان: بين من نجا من النار فكانت بردا وسلاما عليه ..، وبين من كانت شفاعته في الآخرة نجاة لمن آمن به فكانت شفاعته نجاة لمن اتبعه بل وكرامة عليه بدخول الجنة.

- فأين هذا من ذاك ؟!!

- وما لكم كيف تحكمون ؟!!

 

2- ومن كرامات التابعين التي يذكرها العلماء كلما تكلموا عن قصة إبراهيم عليه السلام.

- هي قصة عن بعض أكابر التابعين وهو (أبو مسلم الخولاني اليمني – واسمه عبد الله بن ثوب) وكان آمن بالنبي بظهر الغيب ولم يراه .. وكان يمنيا وحينما آمن كان في اليمن آنداك في رجل كذاب يدعي النبوة اسمه (الأسود بن قيس الْعَنْسِيُّ) .. وأمر أبو مسلم الخولاني أن يؤمن به .. فرد عليه قائلا: لا أسمعك .. فاعاد عليه السؤال فقال له: أتؤمن بمحمد رسول الله ؟ فاجاب أبو مسلم فقال: نعم أشهد أنه رسول الله .. فاعاد عليه السؤال: أتؤمن بي رسولا .. فأجاب أبو مسلم فقال: لا أسمعك .. "وهكذا ظل الحوار ثلاث مرات كما هو" .. فلما يأس "الأسود" من أن يتبعه "أبو مسلم الخولاني" .. فجمع حطبا كثيرا وأشعله بالنار وألقى فيها أبو مسلم الخولاني فلم تحرقه النار حتى انطفأت .. فخاف من أن يفتن الناس فطرد خارج اليمن وحينما وصل للمدينة كان النبي صلى الله عليه وسلم قد توفى قبل وصوله بزمن ليس ببعيد. (يمكنك مراجعة تفاصيل هذه القصة في كتاب معجزات النبي لابن كثير ص403 وما بعدها).

 

- ولعل (الأسود العنسي) لم يكرر محاولة قتله .. خوفا من أن لا يصيبه سهما أو لا يجرحه سيف فتكون الفتنة أكبر .. وينقلب الناس عليه ولذلك أخذ برأي مستشاريه بأن يطرده من اليمن حتى لا يفتن به أحد.  

 

#- فهذه القصة مشهورة جدا .. وتكاد من شهرتها تشعر وكأن الصحابة والتابعين والعلماء في كل عصر قد حضروها ورأوها بأعينهم .. أقصد بذلك كثرة ذكر هذه القصة في كتب العلماء لبيان شهرتها.

 

- بل ولأبي مسلم الخولاني من الكرامات والعجائب ما له غير ما سبق مثل أنه كان يسير على ماء البحر .. بل ولبعض والصحابة والتابعين كرامات عجيبة وغريبة منها .. وغير ذلك .. وكل ذلك ببركة اتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا بسلامة قلوبهم مع مولاهم.

 

#- ملحوظة: لم أذكر هذه القصة للإحتجاج بها في شيء .. وإنما للمعرفة بها حال كونها مذكورة في كتب العلماء وفيها بيان كرامة لمن يتبع النبي .. ولكني لا أحب الإحتجاج بهذه القصص في هذه الرسالة .. أو ما يشابهها في المقارنة بين المعجزات .. لأن هذه ليست معجزة للنبي بل كرامة لأتباعه .. حتى وإن كانت هذه الكرامة من بركة اتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم فتعتبر منسوبة له .. ولكن المقصد في هذه الرسالة هو مقارنة المعجزات والفضائل والمؤيدات بين ما حصل مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبين ما حصل مع غيره من الأنبياء .. وذلك لشبهة أن البعض زعم أفضلية الأنبياء على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتطاول بذلك جرأة منه على النبي .. وكأن في صدره غلا يحركه أن يجد للنبي محمد صلى الله عليه وسلم فضيلة على غيره ..!!   

 

@- ملحوظة هامة:

- قد تقول بعد ما سبق: كيف يحدث لولي ما حدث مع نبي ؟

- يا سيدي الفاضل لطالما قلت في الرسالة .. الآتي:

أ- هناك فرق بين المعجزة التي هي للتحدي أمام القوم ولإظهار حقيقة أنه نبي .. فهذه لا يستطيع أن يأت بها مخلوق أصلا في أي زمن كقلب العصا حية أو اخراج ناقة من الجبل الأصم أو تنزيل قرآن جديد.

 

ب- وفرق بين المعجزة التي هي خصوصية عطاء للنبي في نفسه من باب البركة الربانية فيه لتأييد كونه نبي ولا علاقة لها بالتحدي مع قومه..، وهي له من باب العادة وإن حدثت للغير فهي من باب خرق العادة أي تحدث من الغير مرة .. ولكنها من باب العادة مع النبي أي يمكن حدوثها وتكرارها مرات لأن الإذن سابق له فيها لتأييد نبوته طوال فترة حياته.

 

#- ولذلك يقول العلماء: "كل ما يثبت لولي فهو معجزة لنبيه" (ابن كثير في البداية والنهاية ج9 ص49) .. وحكي ابن كثير معجزات كثيرة منها إحياء الموتى لبعض الحيوانات ببركة دعاء بعض الأولياء والصالحين.

    

========

#- خامسا: أما عن خصوصية رؤية إبراهيم ملكوت السموات والأرض.

- قوله تعالى: (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الأنعام 75 - 79.

 

1- رؤية إبراهيم عليه السلام لملكوت السموات والأرض هي .. بمعنى رؤية تبصرة وانتباه لوجود خالق الوجود ..

 

#- قال الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى: 1393 هـ):

- قوله (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) .. إشارة إلى حجة مستنبطة من دلالة أحوال الموجودات على وجود صانعها.

- والرؤية هنا مستعملة للانكشاف والمعرفة .. فالإراءة بمعنى الكشف والتعريف، فتشمل المبصرات والمعقولات المستدل بجميعها على الحق وهي إراءة إلهام وتوفيق .. كما في قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) الأعراف:185.

- فإبراهيم- عليه السلام- ابتدئ في أول أمره بالإلهام إلى الحق .. كما ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرؤية الصادقة .. ويجوز أن يكون المراد بالإراءة العلم بطريق الوحي .. (تفسير التحرير والتنوير ج 7 ص 315).

#- وقال بن عاشور رحمه الله: وإضافة ملكوت السماوات والأرض .. على معنى (في) .. ، والمعنى ما يشمله الْمُلْكُ أَوِ الْمِلْكُ .. والمراد مُلْكُ اللَّهِ. والمعنى نكشف لإبراهيم دلائل مخلوقاتنا أو عظمة سلطاننا كشفا يطلعه على حقائقها ومعرفة أن لا خالق ولا متصرف فيما كشفنا له سوانا. (تفسير التحرير والتنوير ج 7 ص 316).

 

2- أما عن مقارنة بين رؤية إبراهيم لملكوت السموات والأرض ومعجزة نبيا صلى الله عليه وسلم.. فدعني أخبرك بالآتي:

أ- رؤية إبراهيم عليه السلام بمكن أن تتحقق لكل من أراد الحق .. وإلا فما فائدة قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) الأعراف:185 ..!!

- أما عن معجزة النبي القرآنية .. فمن الذي يستطيع أن يحقق مثلها في الوجود ؟!!  

 

ب- إذا كان إبراهيم عليه السلام قد رأى ملكوت السموات والأرض وهو متأملا ذلك من مكانه على الأرض .. فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أسرى به ربه بذاته .. حتى أراه من عجائب الملك إذ قال جل شأنه: إذ قال تعالى (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) الإسراء:1 .. وعرج به للسماوات حتى سدرة المنتهى فأراه من عجائب الملكوت إذ قال جل شأنه: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) النجم:18.

- بل وعرج الله به إلى العرش وتجلى عليه بنوره الخاص من فوق سبع سموات .. وتجلى على نبيه حتى رآه صلى الله عليه وسلم بقلبه.

 

- فشتان: بين من رأى العوالم مكاشفة بعينة .. وبين من تحقق من العوالم مشاهدة بذاته.

 

- وشتان: بين من من كانت خصوصيته أقصاها رؤية تجليات .. وبين من كانت خصوصيته في رؤية المتجلِي جل شأنه.

 

- وشتان: بين من كانت رؤيته للتعرف على من هو ربه من خلال رؤية الملكوت .. وبين من كانت رؤيته للتشريف بلقاء ربه فيريه الملكوت ويعرف الملكوت كله عليه.

 

- وشتان: بين من كان رؤيته للملكوت دليلا على مولاه ليكون من الموقنين .. وبين من كان رؤيته للملكوت تشريفا لكمال عبوديته فيظهر شرفه على جميع الأنبياء والمرسلين في العالمين.

 

- فأين هذا من ذاك ؟!!

- وما لكم كيف تحكمون ؟!!

 

========

#- سادسا: من لطيف الفرق في القرآن بين إبراهيم عليه السلام والنبي محمد عليه الصلاة والسلام.

 - لم ينادي الله النبي محمد صلى الله عليه وسلم باسمه في القرآن أبدا .. فما ناداه إلا وقال له (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) الأنفال:64 ..، أو (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ) المائدة:67.

- ولكن حينما نادى الله على إبراهيم فقد ناداه باسمه .. (يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) هود:76 ..، (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ) الصافات:104 ..

 

- واكتفي بهذا لمن كان في قلبه بصيرة .. ليعرف من له علو الفضيلة ..

 

- وإذا كان إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء .. فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء ..

- إذ هو سيد ولد .. وكل الأنبياء تحت لواءه يوم العرض على الله.

- والله أعلم.

*****************
يتبع إن شاء الله تعالى
*****************
والله أعلم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم
هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .

هناك 7 تعليقات:


  1. وعلى سيدنا ابراهيم السلام
    اللهم صل على سيدنا محمد خير الانام

    شتان شتان .. سبحانه رب الاكوان
    له في كل نبي ورسول شان
    وسيدنا محمد لا يوجد مثله اثنان

    زادك الله فضلا وكرامة استاذنا الفاضل
    وجعلك من المحبين المحبوبين في السماء والارض ومن اهل شفاعة سيد العالمين صلى الله عليه وسلم .. امين يارب العالمين

    ردحذف
  2. اللهم حققنا بنور القرآن ،
    وانر عقولنا وقلوبنا لرؤية الحق وتجليات الله في الوجود.
    اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم.

    سؤال بعد اذنك استاذي
    اعلم ان سيدنا ابراهيم طلب من ربه رؤية احياء الموتى
    لكي يزداد اطمئنانا قلبيا ، ويقينا في الله .

    لكن لم افهم ما الذي جعل سيدنا ابراهيم يطلب هذا الطلب ،
    هل هذا له علاقة بالعزلة ،أم كثرة استعمال العقل ، ؟
    ام هناك حكمة اخرى؟

    ردحذف
    الردود
    1. - فطلب الخليل إبراهيم عليه السلام، إنما كان عن كيفية إحياء الله تعالى للموتى، فأراد أن يريه الله ذلك، ليصل إلى عين اليقين، بعد أن بلغ علم اليقين.

      - قال السعدي: لأنه قد تيقن ذلك بخبر الله تعالى، ولكنه أحب أن يشاهده عيانا ليحصل له مرتبة عين اليقين؛ فلهذا قال الله له: {أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} وذلك أنه بتوارد الأدلة اليقينية يزداد به الإيمان، ويكمل به الإيقان، ويسعى في نيله أولو العرفان ... وهذا من ملكوت السماوات والأرض الذي أراه الله إياه في قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين}.

      - وقال ابن عاشور في (التحرير والتنوير): فإن إبراهيم لفرط محبته في الوصول إلى مرتبة المعاينة في دليل البعث، رام الانتقال من العلم النظري البرهاني، إلى العلم الضروري، فسأل الله أن يريه إحياء الموتى بالمحسوس.

      وقال البخاري في صحيحه: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس. وهو قول، وفعل، ويزيد وينقص، قال الله تعالى: {ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} ... وقال إبراهيم عليه السلام: {ولكن ليطمئن قلبي} ...

      قال ابن حجر في (فتح الباري): أشار إلى تفسير سعيد بن جبير ومجاهد وغيرهما لهذه الآية، فروى ابن جرير بسنده الصحيح إلى سعيد قال: قوله {ليطمئن قلبي} أي يزداد يقيني. وعن مجاهد قال: لأزداد إيمانا إلى إيماني.

      وكذلك نجد أن سؤال إبراهيم وقع بكيف؟ فدل على حال شيء موجود مقرر عند السائل والمسؤول، فكان السؤال عن هيئة الإحياء لا عن ذات الأحياء، وكأن سيدنا إبراهيم أراد أن يترقى في هذا المقام من علم اليقين إلى عين اليقين، بدليل قوله: (ولكن ليطمئن قلبي) أي ليزداد سكوناً بالمشاهدة المنضمة إلى اعتقاد القلب، لأن تظاهر الأدلة أسكن للقلوب.

      والله أعلم بالصواب فقد نقلت الإجابة وفق ما وفقني الله عز وجل إليه فإن أخطأت فمن نفسي وإن وفقت فمن الله.
      والله ورسوله أعلم.

      (منقول)

      حذف
  3. ياالله هذه الرسالة التي تكتب فيها حضرتك من الرسائل المميزة والجميلة التي تشرح القلب وتبين لنا مكانة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عند رب العالمين وتشريفه له على مر الزمان والعصور ..
    صلوات الله وسلامه عليك يا سيدي يا رسول الله..
    جزاك الله كل خير أستاذي الفاضل خالد على الإفادة وعلى التذوقات الرائعة وعلى الجهد المبذول ربي يزيدك فهم وعلم ونور وبيان ويقر عينك برؤية النبي العدنان يارب يارب.
    صلى الله عليه في كل وقت وآن يارب العالمين.
    ...............................................
    اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تشرح بها صدورنا وتنير بها دروبنا وتصلح بها أحوالنا صلاة فتح ونصر ونور وهداية وجبر وتوفيق من رب العالمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
    آمين آمين آمين يارب العالمين.

    ردحذف
  4. إذن .. إبراهيم عليه السلام في دعوته للإيمان كان يستخدم منطقية العقل في الإثبات .. وكأنه عليه السلام قد اكتفى بالعقل حجة وشاهد إثبات لمن يقبل الإيمان .. ولذلك يقول المؤمنين أن ربنا عرفوه بالعقل ولم يروه

    أ. خالد أبو عوف

    وأرى والله أعلم من وجهه نظري أن استخدام سيدنا إبراهيم لملكة العقل والمنطق والتفكير هي في المقام الأول هبه وتوفيق وعطاء خصوصية من رب العالمين لسيدنا إبراهيم عليه السلام حتى أنها من الممكن أن تصل إلى درجة الإلهام له في الرد والجواب لأن من كان مع الله يرى ويسمع بنور الله فينصره الله ويوفقه للجواب السليم فلا يخطأ ولا يحيد لأنه مؤيد من رب العالمين.

    - ومثال على ذلك ..

    فهناك بعض البشر العاديين ممن اختصهم الله انعم الله عليهم بملكة العقل والتفكير والتحليل..
    والتوفيق بيكون من الله وحده وليس دخل للإنسان فيه ..
    ففضل الله عظيم لمن سلك طريق المحبين لا يريد سوى وجه رب العالمين.
    والله عطاياه كثيرة وهو أعلم بشئون عباده المتقين.

    والله ورسوله أعلم بالصواب.

    ردحذف
  5. كان هناك رجل حكيم طيب القلب ينصح بصدق لوجه الله لا يريد جزاء ولا شكورا فأنعم الله عليه بنور البصيره فكان يرى الناس بقلوبهم وعلى أساس ذلك يرشدهم كما يريد الله لكن بعض الناس كانت نظرتهم محدودة وقاصرة على ظاهر الفعل أو ظاهر الكلام فكانوا يرون أنه صارم في توجيهاته وبأنه رجل شديد لا يراعي مشاعر الآخرين..
    بينما هذا الحكيم كان يسير في طريقه لا يبالي بمن يبقى وبمن يرحل لأنه كان كل اعتماده في حياته على وجود الله..
    وذات يوم سأله صبي كيف وصلت لهذه المرحلة بعدم المبالاه لتصرفات البشر ..
    فقال يابني تعلمت في حياتي أن وجود الله يغني عن وجود كل البشر ومن معه الله لا يفرق معه بقاء ولا رحيل لأنه ممدود من رب العالمين مادام قلبه معلق بالحبيب وما دمت تفعل الخير لوجه الله فلن يضرك ما قيل فيك ولكن دعني اعطيك نصيحة يابني ..
    الناس يحكمون بالظاهر فكن ذو بصيرة وفرق بين من يريد لك الخير والإرتقاء وإن كان ظاهر كلامه قسوة وشده حتى لا يجعلك تميل وينفخ فيك روح العجب وتسقط في الطريق ومن يريد لك الشر وإن كان ظاهر كلامه معسول فالباطن لا يعلمه إلا رب العالمين فلا تحكم على النوايا وأنت لم ترى غير قشورها ولا تحكم على إنسان من ظاهر كلامه وأفعاله فليس كل ما تراه حقيقية وأحسن الظن بالناس حتى تستقيم لك الحياة وتعيش في سلام .
    يابني وراء كل فعل رد فعل وكل فعل يترتب عليه أفعال آخرى قد تكون حميدة وقد تكون وخيمة ومجهولة لديك تؤدي بصاحبها إلى الهلاك لأنه استسلم لنفسه وارتضى بالهزيمة والاستسلام وسوء ظن بالعباد فلا تجعل لحظة غضب وانفعال تهدم كل شئ حلو في حياتك وكن إنسان مرن ذو بصيرة تتقبل النصيحة بصدر رحب وتسعى لمجاهدة نفسك وتستعين بالله على تقويمها..
    والنصيحة إذا لم تنفعك فلن تضرك .
    فكل شئ في حياتنا يسير بحكمة يعلمها الله.
    ونحن عبيد لله فليفعل بنا ما يشاء .
    والله المستعان والموفق لكل إنسان.

    منقول.

    ردحذف
  6. "‏اذا كنت تحمل هم الدنيا تذكر انها لله، واذا كنت تحمل هم الرزق تذكر انه من عند الله، واذا كنت تحمل هم المستقبل تذكر انه بيد الله، لكن الحقيقة ياصديقي انك محتاج أن تحمل فقط هم رضا الله، لأنك لو أرضيته، رضي الله عنك ورزقك وسترك واغناك واعطاك مما تحب وأكثر وساق لك الخير عاجله وآجله"🤍
    🗯🗯🗯🗯🗯🗯🗯🗯🗯🗯🗯🗯🗯🗯🗯🗯🗯
    اللهم صل وسلم على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين كما صليت على آل إبراهيم..

    ردحذف

ادارة الموقع - ا/ خالد ابوعوف