ج21: قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة - صلاة الأنبياء والرسل مع النبي في بيت المقدس كانت بالروح أم بإحيائهم له - كيف يصلي النبي بالأنبياء في بيت المقدس وهم أموات - كيف يصلي الأنبياء والمرسلين بعد موتهم والصلاة تكليف دنيوي والموت لا تكليف فيه لانتهاء الأجل.

 بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل الحادي والعشرون)

#- فهرس:

:: الفصل الحادي والعشرون :: ج1/ مسائل وشبهات تتعلق برحلة الإسراء تم نشرها على الإنترنت تتعلق برؤية ومقابلة الأنبياء والصلاة بهم في بيت المقدس ::

 1- س65: هل صلاة الأنبياء والرسل مع النبي في بيت المقدس كانت بالروح أم بإحيائهم له ؟  

2- س66: كيف يصلي النبي بالأنبياء في بيت المقدس وهم أموات ؟

3- س67: كيف يصلي الأنبياء والمرسلين بعد موتهم والصلاة تكليف دنيوي والموت لا تكليف فيه لانتهاء الأجل ؟

#- من أقوال العلماء في توضيح مسألة صلاة موسى في قبره بأنها ليست تكليف.

#- مناقشة مسألة صلاة الأنبياء في برزخهم وبيان أنها ليست صلاة تكليفية.

#- مناقشة مسألة كون الأنبياء قد انتهت آجالهم ولا أعمال لهم بعد ذلك.

*******************

:: الفصل الحادي والعشرون ::

*******************

 ..:: س65: هل صلاة الأنبياء والرسل مع النبي في بيت المقدس كانت بالروح أم بإحيائهم له ؟ ::..

 #- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- اختلف العلماء في مسألة كيف كان حال الأنبياء والمرسلين حينما قابلوا النبي صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس عند المسجد الأقصى .. هل كانوا أرواحا أم أجسادا قد أحياهم الله للنبي ليجمعهم به ؟!!

 

- والذي عليه عامة علماء المسلمين .. أن مقابلة النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء والمرسلين حينما صلى بهم كانت بأجسادهم كما كان هو بجسده .. إذ أن النبي صلى الله عليهم وسلم قد وصف ذواتهم ولم يصف أرواح .. كما جاء في الحديث: (وَقَدْ رَأَيْتُنِى فِى جَمَاعَةٍ منَ الأَنْبِيَاءِ .. فَإِذَا مُوسَى قَائمٌ يُصَلى .. فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَائِمٌ يُصَلِّى، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهاً عُرْوَةُ ابْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِىُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَائِمٌ يُصَلِّى، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ - يَعْنِى نَفْسَهُ - فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ .. فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ قَاَئِلٌ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا "مَالِكٌ" صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ .. فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِى بِالسَّلَامِ) صحيح مسلم.

 

- وإنما بعض العلماء الذين قالوا بأنه صلى بهم أرواحا .. فهذا باعتبار ظنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان روحا .. أو في رؤية منامية .. وقد أثبتنا بطلان ذلك في مسائل سابقة فارجع إليها .. في الفصل الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر ..

 

2- ثم يقال: ما الفائدة في رؤيتهم روحانيا على الأرض .. إذ كان يمكن أن يراهم في تلك الهيئة مناما ؟!!

- فهل ذهب الله بالنبي من المسجد الحرام للمسجد الأقصى ليريه أرواح ؟!! فما الكرامة في ذلك ؟!! وما فائدة تحريض الله لنا على تسبيحه في بداية سورة الإسراء طالما المسألة رؤية أرواح ؟!! كما قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ..) الإسراء:1

- فهل نظن أن من آية الله أن يريه الأنبياء أرواحا على الأرض ؟!! أكيد هذا شيء مستبعد عقلا .. إنما التسبيح للدلالة على أن كل ما سيحدث مخالفة لقانون الأسباب لأن القدير سيريه من آياته الكبرى ..

- وبعدين يا مؤمن .. إذا كنت تصدق أن الله هو المحيي كما هو المميت .. فالمسألة انتهت بالنسبة لك .. لأن الله على كل شيء قدير .

 

3- ولو كان الله يريد أن يريه هؤلاء الأنبياء في صورتهم الروحانية .. لكان اكتفى حينئذ برؤيتهم في السماء أو رؤيتهم في المنام أو رؤيتهم كشفا كما جاء في بعض الروايات .. مش كده ولا إيه ؟!!

 

- ولعل كان السبب في اجتماعهم بإحيائهم وحضورهم بذواتهم لمقابلته .. إنما تشريفه صلى الله عليه وسلم بمبايعتهم له على إتباعه .. ويكون بذلك دلالة على وجوب اتباع أقوام هؤلاء الأنبياء إلى اتباع النبي لكونه النبي الخاتم .. كما قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) آل عمران:81.

 

4- الإمامة في الصلاة بذات النبي لا تصح إلا لمن كان حيا بجسده يقف خلفه .. لأنها حينئذ من أعمال الأجساد .. وليست من أعمال الأرواح الإنسية .. فلو كان يصلي بأرواح لكان هذا وهما وليس حقيقة .. كالذي يصلي في المنام .. ولكن لما كان النبي ذاتا بجسده وإماما يؤم بالأنبياء .. فقد علمنا يقينا أنهم كانوا بذواتهم وليسوا بأرواحهم ..

 

#- خلاصة القول:

- صلاة النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس .. إنما كانت صلاة بذوات جسدية وليست بهيئات روحانية ..

- والله أعلم.

 

******************************

 

..:: س66: كيف يصلي النبي بالأنبياء في بيت المقدس وهم أموات أصلا ؟ ::..

 

- من الأسئلة المتداولة على الإنترنت ويتسائلها البعض عن استفهام .. والتي أيضا قد تخطر على بال البعض فيقول ما معناه: كيف يصلي النبي بالأنبياء في المسجد الأقصى ببيت المقدس في حين هم أموات ؟

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- لعلك أخي الحبيب لم تنتبه إلى أن الله هو المحيي المميت .. الفعال لما يريد .. وأن مسألة إحياء الموتى ترتبط بالقدرة الإلهية .. فإذا أراد الله شيئا فهو يقول له كن فيكون .. وانتهت المسألة .

 

- إذن إيمانك يفرض عليك أن تؤمن ولا تنسى بأن الله هو المحيي المييت .. وبالتالي بعد علمك بما سبق .. فما وجه الغرابة في أن يحيى الله الأنبياء والرسل ويصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟!!

 

2- ومن ناحية أخرى .. دعني أوضح لك مفهوم تجلي الله باسمه المحيي المميت من خلال نماذج من القصص القرآني لتستوعب المسألة جيدا ..

أ- قصة الشخص الذي أماته الله مائة عام ثم أعاده للحياة .. وجعله يرى كيف يحيى الموتى بإحياء حماره أمام عينه .. إذ قال تعالى عنه هذا الشخص: (كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة:259.

 

- إذن فالآية تثبت القدرة الإلهية على إحياء الموتى من الإنس والحيوان ..

 

ب- وكذلك يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) البقرة: 243 .

- والآية تثبت إحياء آلاف الموتى بعد موتهم زمنا طويلا ..

 

ج- وكذلك يقول تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة:55-56.

- والآية تثبت إحياء آلاف الموتى بعد موتهم ..

 

د- وكذلك يقول تعالى: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) البقرة:72-73.

 

- والآية تثبت إحياء الميت بعد موته ..

 

#- إذن من خلال ما سبق أخي الحبيب .. أنت تفهم الآن جيدا .. كيف يتجلى الله باسمه المحيي المميت على خلقه .. فله القدرة الكاملة .. والتصريف الكامل في كونه ..

- ويصبح حينئذ تساؤلك عن كيف يصلي الأنبياء مع النبي هو كانوا اموات .. إنما هو تصور خاطيء وفيه خلل إيماني لأنك لم تنتبه إلى أن الله هو المحيي المميت .. ولم تنتبه لقصص القرآن السابق ذكرها لك ..

 

#- خلاصة القول أخي الحبيب:

1- حينما تتعلم وتتيقن أن الله هو المحيي المميت .. فحينئذ ستفهم كيف أحيا الله الأنبياء والمرسلين وجعلهم يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس .

 

- فالمسألة هي مسألة إيمان بقدرة الله على الإحياء كما آمنت بقدرته على الإماتة ..

 

2- وبالتالي أخي الحبيب: إذا كنت تصدق أن الله أحيا الحمار وصاحبه بعد مائة عام .. وأحيا بني إسرائيل بعد الصعق .. أحيا آلاف البشر بعد موتهم زمنا طويلا .. وأحيا قتيل بني إسرائيل .. فكيف لا تصدق أن الله أحيا الأنبياء والرسل ليصلون مع النبي في بيت المقدس ؟!!

- مش كده ولا إيه يا طيب ؟!!

 

- والله أعلم.

 

***************************

 

..:: س67: كيف يصلي الأنبياء والمرسلين بعد موتهم والصلاة تكليف دنيوي والموت لا تكليف فيه لانتهاء الأجل ؟ ::..

 

- من الشبهات التي يحييها البعض ويأتون بها من كتب التراث .. فيقولون بما معناه: أن الصلاة من المفترض أنها تكليف من الله لإظهار طاعة الله .. وهذا التكليف بالعبادة ينتهي بانتهاء أجل الإنسان وما بعد ذلك لا يوجد تكليف لأن التكليف بالعبادات إنما هو للأحياء ؟ فكيف تخبرنا روايات الإسراء والمعراج بأن الأموات يصلون سواء كانوا أنبياء أو غيرهم ؟ أليس هذا دليل كافي على أن روايات الإسراء والمعراج هي روايات لم يقل بها النبي .. وأن صلاة النبي بالأنبياء في المسجد الأقصى هي خرافة .. وصلاة موسى في قبره خرافة ...

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- أولا: عن جحود الأحاديث النبوية ..

- كونك جاحد للأحاديث النبوية .. فهذا مشكلتك النفسية وعليك أن تعالجها .. أو لعلك صدقت جماعة شبعان من الباطل بهتك حرمة حديث النبي صلى الله عليه وسلم .. فلم يقل لك أحد أن تتبعهم كالحمار دون تفكر فيما يبولون به في أذنك .. مش كده ولا إيه ؟!!

 

#- ثانيا: من أقوال العلماء في توضيح مسألة صلاة موسى في قبره بأنها ليست تكليف ..

- جاء في (حديث صحيح) عن النبي قال: (مَرَرْتُ- علَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي عِنْدَ الكَثِيبِ الأحْمَرِ وَهو قَائِمٌ يُصَلِّي في قَبْرِ) صحيح مسلم.

 

#- قال القاضي عياض رحمه الله (المتوفى: 544هـ):

#- فإن قيل: فكيف رأى موسى فى قبره يصلى، وكيف صلى بالأنبياء فى حديث الإسراء ببيت المقدس على ما جاء فى الحديث، وقد جاء فى الحديث نفسه أنه وجدهم على مراتبهم فى السماوات عليه ورحبوا به؟

- قيل يحتمل: أن رؤيته لموسى فى قبره وعند الكثيب الأحمر كانت قبل صعوده إلى السماء وفى طريقه إلى بيت المقدس ثم وجد موسى قد سبقه إلى السماء.

- ويحتمل: أنه رأى الأنبياء وصلى بهم على تلك الحال لأول ما رآهم ثم سألوه ورحَّبوا به.

- أو يكون: اجتماعه بهم وصلاتُه .. ورؤيته موسى بعد انصرافه ورجوعه عن سدرة المنتهى .. فلا تتناقض الأحاديث وتستمر على الصواب. (إكمال المعلم بفوائد مسلم ج1 ص525).

 

#- قال الإمام أبو العباس القرطبي رحمه الله (المتوفى:656 هـ):

- الكثيب: هو الكوم من الرمل ويجمع كثبًا .. وهذا الكثيب هو بطريق بيت المقدس.

 

- وهذا الحديث يدلّ بظاهره على: أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى موسى رؤية حقيقية في اليقظة، وأن موسى كان في قبره حيًّا، يصلي فيه الصلاة التي كان يصليها في الحياة، وهذا كله ممكن لا إحالة في شيء منه، وقد صحَّ أن الشهداء أحياء يرزقون، ووجد منهم من لم يتغير في قبره من السنين كما ذكرناه..، وإذا كان هذا في الشهداء كان في الأنبياء أحرى وأولى.

 

#- فإنَّ قيل: كيف يصلون بعد الموت وليس تلك الحال حال تكليف؟

- فالجواب: أن ذلك ليس بحكم التكليف وإنَّما ذلك بحكم الإكرام لهم والتشريف .. وذلك أنهم كانوا في الدنيا حبِّبت لهم عبادة الله. والصلاة بحيث كانوا يلازمون ذلك، ثم توفوا وهم على ذلك، فشرَّفهم الله تعالى بعد موتهم بأن أبقى عليهم ما كانوا يحبون، وما عُرفوا به، فتكون عبادتهم إلهاميِّة كعبادة الملائكة، لا تكليفية .

- وقد وقع مثل هذا لثابت البناني ـ رضي الله عنه ـ، فإنَّه حُبِّبت الصلاة إليه حتى كان يقول: اللهم إن كنت أعطيت أحدًا يصلِّي لك في قبره، فأعطني ذلك. فرآه مُلحِدُه ، بعدما سوَّى عليه لحده قائمًا يصلِّي في قبره.

- وقد دلَّ على صحة ذلك كله .. قول نبينا صلى الله عليه وسلم: يموت المرء على ما عاش عليه، ويحشر على ما مات عليه . وقد جاء في الصحيح: (أن أهل الجنَّة يلهمون التسبيح كما تلهمون النَّفس). (المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم ج6 ص192).

 

#- من شرح ألفاظ الإمام أبو العباس القرطبي:

قوله (فرآه مُلحِدُه): أي رأه من أدخله في لَحْد قبره وغطاه بالتراب .. فوجده في صورة كشفية أنه واقف يصلي في قبره .

 

- قوله (يموت المرء على ما عاش عليه ويحشر على ما مات عليه): هو ليس لفظ الحديث بالظبط .. وإنما لفظ الحديث هو (يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ علَى ما ماتَ عليه) صحيح مسلم.

 

- قوله (أن أهل الجنة يلهمون التسبيح ...): هو في أصله مختصر من حديث: (إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فيها ويَشْرَبُونَ، ولا يَتْفُلُونَ (أي لا يبصقون) ولا يَبُولونَ ولا يَتَغَوَّطُونَ (أي لا يبولون ولا يتبرزون) ولا يَمْتَخِطُونَ (أي لا يخرج مخاط من أنوفهم) . قالوا: فَما بالُ الطَّعامِ (أي فأين يذهب هضم الطعام) ؟ قالَ: جُشاءٌ (أي إخراج هضم الطعام في هيئة صوت يخرج من الفم عند امتلاء المعدة) ورَشْحٌ (أي العرق) كَرَشْحِ المِسْكِ .. يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ والتَّحْمِيدَ، كما تُلْهَمُونَ النَّفَسَ) صحيح مسلم.

 

#- ثالثا: قلت (خالد صاحب الرسالة) في مناقشة مسألة صلاة الأنبياء في برزخهم وبيان أنها ليست صلاة تكليفية.

1- هل قال أحد أن هذه العبادة التي قاموا بها هي عبادة عن تكليف ؟!!

- لا .. لم يقل أحد بذلك .

 

2- هل قال أحد أنه ممتنع على الأنبياء فعل ما كانوا يحبون فعله مع الله لو سمح لهم بذلك ؟

- لا .. لم يقل أحد بذلك .

- ولكن لما كانت الصلاة معراجهم في الوصل بالله .. فكانت محبوبة إليهم .. فبحبهم لها أدامها الله عليهم كرامة وتشريفا لهم .. وليس تكليفا عليهم ..

#- كما قال تعالى لموسى عليه السلام: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) طه:14 .. ولذلك لما كانت الصلاة وصال .. كانت رجاء من الأنبياء لربهم أن يديمها عليهم .. بل وكل عبادة كانوا يؤدوها لله .. إذ أن أداء العبادات عند المحبين لمولاهم ليست تكليف إنما هي معراج وصال بمحبوهم الله ..

 

#- ومثال آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم سيسجد لله رب العالمين سجدة طويلة يوم القيامة ويحمد الله فيها بمحامد لم يفتح بها عليه من قبل .. والشاهد هنا هل نقول أن هذه السجدة هي عبادة تكليف ؟ أكيد .. لا .. وإنما سجود شرفه الله به يوم القيامة في مقام الخصوصية والمحبة ..

 

#- ومثال آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم يرد السلام على أمته حينما يسلمون عليه .. وهو في برزخه لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما مِن أحدٍ يسلِّمُ عليَّ إلَّا ردَّ اللَّهُ عليَّ روحي حتَّى أردَّ علَيهِ السَّلامَ) رواه ابو داود وكره الألباني في صحيح أبي داود ..

- ورد السلام من أفعال المعاملات التكليفية للأحياء إذ يقول تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) النساء:86 .. ولكن النبي بالرغم من انتقاله لعالم البرزخ فهو يرد السلام .. وهذا ليس لأن رد النبي هو تكليف عليه وإنما هذا تشريف منه إلينا وكرامة من الله علينا بوصول سلامه إلينا عسى أن يكون رد سلامه علينا فيه رحمة لنا.

 

#- ملحوظة: الأنبياء والرسل تظل أجسادهم في قبورهم لا تتحلل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ حرَّمَ علَى الأرضِ أجسادَ الأنبياءِ) رواه ابو داود .. وذكره الألباني في صحيح أبي داود.

  

- ومثال أخير: من الأفعال التعبدية التشريفية في الآخرة هي أن أهل الجنة يلهمون التسبيح والتحميد ..

 

- يبقى نفهم أنه ليس كل فعل فيه عبادة لله .. معناه أنه تكليف .. لا .. فقد يكون تشريف في غير هذه الحياة الدنيا .. فافهم وكن بصيرا .

 

3- وأخيرا أقول بما أشار إليه الإمام أبو العباس القرطبي: إذا كان الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون كما قال القرآن ذلك (أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران:169 .. إذن لهم حياة خاصة ورزق خاص بهم ولا نشعر به كما قال تعالى (بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ) البقرة:154 ..

- وبما أن الأنبياء أعلى درجة ومقاما من الشهداء .. فكيف لا يتصور عقلك أن يكون لهم حياة خاصة ورزق خاص بهم من ربهم ومولاهم .. تكون الصلاة من جملة رزق ما يشرف الله به أحبابه في مقامهم   ؟!!

 

- أما كون أصحاب هذه الشبهة يظن أن الصلاة عمل فيه تعب .. فهذا بالنسبة لنفسيته هو .. وليطمئن على نفسه طالما هو لا يريد هذا الرزق فهو محجوب عنه ومحروم منه طالما هذه نفسيته ورغبته .. ولكن لا يلقي ببلادته النفسية على ما يحبه خواص المؤمنين بالله .. وهي لهم رزق دائم في برزخهم كما كانت هي رزق لهم في دنياهم ومعراج وصالهم بمولاهم الله .. والله يرزق من يشاء بغير حساب ..

 

#- رابعا: قلت (خالد صاحب الرسالة) .. في مناقشة مسألة كون الأنبياء قد انتهت آجالهم ولا أعمال لهم بعد ذلك...

1- أما عن قول القائل: إذا انتهت الآجال فلا عودة للحياة ولا أعمال لهم لقوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) الأعراف:34.. فكيف نصدق عودة الأنبياء للحياة بعد انتهاء آجالهم أو أنهم يصلون بعد موتهم ؟!!

- أقول لك: الآية تثبت حتمية الموت في وقت يعلمه الله .. ولم يقل الله أنهم ليس له القدرة على بعثهم مرة أخرى في الحياة أو في الآخرة .. !!

 

2- ثم من قال لك أن هؤلاء الأنبياء الذين أحياهم الله للنبي ليصلوا معه .. قد استوفوا آجالهم كاملة .. فلعل الله ترك لهم بقية حياة لعلمه بأنه سيعيدهم مرة أخرى في حياة نبيه صلى الله عليه وسلم ليصلي بهم .. وهذا كما فعل مع كل الذين أحياهم في القرآن بعد موتهم .. فكيف لم تفكر بذلك ؟!!

 

3- وبخلاف ما سبق: فإن الله يفعل ما يريد ويحكم بما يشاء .. فمن أنت لتحكم على القدرة الإلهية بما تفعله ولا تفعله ؟! فأنت أولك نطفة وآخرك جيفة .. فاعرف مقامك قبل أن تتحدث عن قدرة إلهك ..!!  

 

#- خلاصة القول: 

1- يتضح لك أخي الحبيب .. أن فعل العبادات في عالم البرزخ لا يكون على سبيل التكليف كما زعم من أصابته بلادة في عقله فظن ذلك .. وإنما فعل عبادة الصلاة أو الحج أو الذكر أو الدعاء من كل ما فيه وصال عبودية بالله .. إنما هي عبادات تشريف لهم عن حبهم لها فأمدهم بها كرامة لهم ..

 

- باختصار: أن ما يظهر من عبادة للمؤمنين في البرزخ إنما ليست عبادة تكليف .. وإنما هي كرامة من الله لهم قد رزقهم بها على وجه التشريف .

 

- وكثير من بعض أصحاب القلوب ممن لديهم كشف رباني .. يرون الصالحين .. في قبورهم يصلون أو يذكرون أو يقرأون قرآن .. وكل واحد من الصالحين له حال تجلي من مولاه عليه بقدر محبته التي كانت منه لمولاه .. والله يختص برحمته ما يشاء ..

 

- وإذا كان رؤية أصحاب القلوب لمن رأوهم يصلون في قبره ليست حجة .. فكذلك رؤية عميان القلوب بإنكار من يصلي في قبره ليس بحجة ..

- ولماذا نصدق أعمى القلب وجاحد لحديث النبي وما ذكره القرآن ؟!!

 

2- إحياء الأنبياء لا يعارض عقيدة القرآن في إمكانية إحياء الموتى .. إذ أن الله هو الفاعل وهو الحاكم وهو الفعال لما يريد .. وكما قلنا لعل هو الأنبياء كان في آجالهم بقاء وقت اختصهم الله به ليكونوا فيه مع النبي صلى الله عليه وسلم يصلون خلفه ويحدثهم ويحدثوه .. كما قال تعال: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) الزخرف:45.

 

- والله أعلم.

 *****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .