ج18: قصة هاروت وماروت وخاتم سليمان - قصة الملكين هاروت وماروت التي رواها التابعي كعب الأحبار وقال أنهما في يوم واحد أشركا بالله وشربا الخمر ومارسا الزنا - مصادر يهودية تدل على نزول ملائكة مارسوا الزنا وأكثر من ذلك كما جاء في التلمود البابلي وسفر أخنوخ وسفر اليوبيلات

          بسم الله الرحمن الرحيم

 

رسالة التوضيح والبيان

في قصة هاروت وماروت وخاتم سليمان

وما تلته الشياطين في مملكة سليمان

مع التعريف بسحر التفريق الذي أثبته القرآن

 

 (الجزء الثامن عشر)

 

#- فهرس:

:: الفصل السابع عشر :: مناقشة قصة هاروت وماروت التي يرويها التابعي كعب الأحبار – ومعرفة مصادر اليهود قبل الإسلام التي تكلمت عن الملائكة التي نزلت وانحرفت بالزنا مع النساء وارتكبوا الموبقات التي يفعلها البشر ::

1- س55: ما هي قصة الملكين هاروت وماروت التي رواها التابعي كعب الأحبار وقال أنهما في يوم واحد أشركا بالله وشربا الخمر ومارسا الزنا ؟  

#- أولا: الرواية المنسوبة للتابعي كعب الأحبار غن قصة هاروت وماروت.

#- ثانيا: لماذا هذا الحديث هو منكر المتن بالرغم من صحة السند ؟

#- ثالثا: ما الذي يجب أن تنتبه له في رواية كعب الأحبار ؟

2- س56: هل يوجد في كتابات اليهود قبل ظهور الإسلام ما يدل على ما قاله التابعي كعب الأحبار عن قصة هاروت وماروت ؟

#- أولا: التلمود البابلي – في رسالة يومًا أو Yoma 67b – 68a:

#- ثانيا: سفر اليوبيلات تم كتابته في القرن الثاني الميلادي تقريبا .. وهو يتكلم ملائكة نزلت الأرض لتعليم الناس الحكمة والعدل ثم انحرفوا.

#- ثالثا: سفر أخنوخ المكتوب  ما بين القرن الأول والثالث الميلادي تقريبا .. فيذكر قصة أخرى عن سبب نزول الملائكة للأرض.

********************

:: الفصل السابع عشر ::

********************

..:: س55: ما هي قصة الملكين هاروت وماروت التي رواها التابعي كعب الأحبار وقال أنهما في يوم واحد أشركا بالله وشربا الخمر ومارسا الزنا ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- لازلنا متوقفين عند تفسير قوله تعالى: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ) البقرة:102 .. ولكن هنا لمعرفة القصص التي قيلت عن هاروت وماروت.

 

2- وقبل أن أذكر روايات هذه القصة .. فيجب أن تعلم أن السلف والخلف منكرين لها .. وأوضحوا ما فيها من علل الإسناد ومتن القصة نفسها من حيث استحالة عصيان الملائكة بنصوص القرآن .. أما عن الطائفة التي قالت بإمكانية عصيان طائفة من الملائكة فقد تم الرد عليهم في الفصل السابق لبيان ما كانوا عليه من خطأ .. وكان سبب قولهم بعصيان بعض الملائكة قصة سقوط إبليس وعصيان هاروت وماروت .. وكلا الإستدلالين باطل كما سبق وأوضحنا.

 

3- ووجدت أن هذا أوان الإشارة لقصة هاروت وماروت .. التي غالبا يذكرها العلماء عند قوله تعالى: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ) البقرة:102 .. فيأتي بعضهم بقصة غريبة جدا .. ونظر لأن هذه القصة بعضها منسوب للنبي (بالباطل) إلا أن البعض ظن فعلا أن النبي قالها لقلة علمه بحقيقة هذه القصة .. وبالتالي جعلوا ما بداخل القصة هو عقيدة غيبية في الملائكة .. إذ قال بعضهم لا مانع من عصيان بعض الملائكة بالشرك والزنا وشرب الخمر والقتل .. وفي بعض الروايات أضافت السرقة أيضا .. وكأننا نتحدث عن لصوص وقطاع طرق وليس ملائكة ..!!

 

- وهذه الإشكالية يضا أثرت في تفسير الآية .. لأن التفسير مرتبط بالمعتقدات الإيمان لكل إنسان .. فالذين يقولون بعصمة الملائكة بعضهم مال إلى منع تعليم الملائكة للسحر .. والذي يقولون بإمكانية عصيان الملائكة قالوا لا مانع من انحراف بعض الملائكة واستدلوا بقصة هاروت وماروت .. وبالتالي اختلف التفسير حسب اعتقاد المفسر في هذه القصة .. ثم ترتب على ذلك طريقة تركيب الآية كيف ستكون .. هل بتفسير هاروت وماروت ملائكة مطيعين لله أم ملائكة عاصين لله ..!!

 

4- وإذا كنت دائما في رسائلي .. أبدأ بالحديث النبوي ثم روايات الصحابة ثم التابعين .. إلا أن هذه المرة سأبدأ برواية التابعين .. وذلك لأن أحد التابعين وهو كعب الأحبار كان من أحبار أو علماء اليهود الكبار مقاما ومكانة .. فأسلم وكان من الصالحين .. وهو من حكي بعض القصة عن هاروت وماروت من باب معرفة أن هذه القصة كان مما هو مكتوب في كتب اليهود .. وهذه المعرفة المنقولة من كتب اليهود يسميها علماء المسلمين بالإسرائيليات.

 

5- وعموما سأبدأ برواية التابعي كعب الأحبار .. لحكمتين:

- الحكمة الأولى: معرفة الرواة الذين رووا قصة هاروت وماروت عن التابعي كعب الأحبار .. وهنا عليك أن تنتبه لهذه الجزئية جدا .. لأن هذا سيفيدنا فيما بعد في الرواية المنسوبة بالباطل للنبي.

 

- الحكمة الثانية: مصدر وحقيقة قصة هاروت وماروت المتداولة في بعض كتب التفسير.. من خلال كتب اليهود أنفسهم.

 

- وأرجو من الله أن أظهر للمسلمين بصورة مميزة أسلوبا ومنهجا .. كأضافة لما كتبه علمائنا رحمهم الله ورضي الله عنهم في إسقاط هذه القصة وبيان بطلان نسبتها للنبي بل وبطلان إمكانية حدوثها أصلا.

 

- بل و‘ن شاء الله سأجعلك أخي الحبيب تستمتع بالعلم .. استمتاعا يكسبك روعة في النفس وحكمة في العقل واطمئنانا في القلب بالنتائج التي ستبصرها من خلال الأبحاث التي سأذكرها لك .. وبما لم يدون من قبل حسب ما أظن .. والله ولي التوفيق.

- هيا بنا نبدأ.

 

===================

#- أولا: الرواية المنسوبة للتابعي كعب الأحبار الذي كان يهودي فأسلم – ويخبرنا عن قصة هاروت وماروت بما كان يظنه اليهود في معتقداتهم وقت أن كان يهوديا.

 

- التابعي كعب الأحبار: كان من أحبار اليهود .. وأسلم في زمن أبو بكر الصديق وحسن إسلامه وتوفى سنة (32 هجري).

 

- والرواية عن كعب الأحبار .. أتت فقط من طريق "عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار" .. وأتت من طريقين عن عبد الله بن عمر .. مرة عن طريق ابنه سالم .. ومرة من طريق مولاه أو خادمه نافع ..، ورواية سالم أتت من طريق موسى بن عقبه ومحمد بن عقبه ..، ورواية نافع أتت من طريق موسى بن عقبة .. وجميع الطرق من خلال سفيان الثوري .. وإليك بيان ذلك.

 

#- الطريق الأول: عن سفيان الثوري .. ورواه عن موسى بن عقبه وأخيه محمد بن عقبه عن سالم ابن عبد الله بن عمر .. وبيان ذلك:

1- وهو (أثر منكر المتن – وصحيح السند) .. عَنْ سُفْيَانَ الثوري، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ: (لَمَّا رَأَتِ الْمَلَائِكَةُ بَنِي آدَمَ وَمَا يُذْنِبُونَ ..

- قَالُوا: يَا رَبِّ يُذْنِبُونَ ..

- قَالَ: لَوْ كُنْتُمْ مِثْلَهُمْ فَعَلْتُمْ كَمَا يَفْعَلُونَ ..

- فَاخْتَارُوا مِنْكُمْ مَلَكَيْنِ ..

- قَالَ: فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ ..

- فَقَالَ لَهُمَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ رَسُولًا .. فَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أَحَدٌ .. لَا تُشْرِكَا بِي شَيْئًا وَلَا تَسْرِقَا وَلَا تَزْنِيَا ..

- قَالَ عَبْدُ اللَّهِ "أي بن عمر": قَالَ كَعْبٌ: فَمَا اسْتَكْمَلَا ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى وَقَعَا فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمَا) رواه بن أبي شيبه في مصنفه واللفظ له .. ورواه عبد الرزاق في تفسيره، وابن أبي حاتم في تفسيره، ورواه أبو نعيم في الحلية (8ج ص248) وقال: غريب من حديث سالم عن ابن عمر مرفوعا، ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم 162 وقال: هذذا أشبه أن يكون محفوظا ، ورواه البيهقي أيضا برقم 6269 ..، (قلت خالد صاحب الرسالة): الأثر صحيح السند عند عبد الرزاق وابن أبي حاتم ، وحسن عند ابن أبي شيبة .. وذكر اللفظ من عند ابن أبي شيبه لوضوحه..، وهو ضعيف عند أبو نعيم في الحلية لجهالة (محمد بن السندي الأنطاكي) في سنده ولم أجده.

 

@- وتوجد متابعة لسفيان الثوري .. وهي متابعة عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبه وهي:

- ما جاء في (أثر منكر المتن – وسند فيه ضعف ولكنه صحيح لغيره) .. عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ: (أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَنْكَرُوا أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَمَا يَأْتُونَ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْمَعَاصِي ..

- فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ: إِنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ مَكَانَهُمْ أَتَيْتُمْ مَا يَأْتُونَ مِنَ الذُّنُوبِ .. فَاخْتَارُوا مِنْكُمْ مَلَكَيْنِ.

- فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ.

- فَقَالَ اللَّهُ لَهُمَا: إِنِّي أُرْسِلُ رُسُلِي إِلَى النَّاسِ .. وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمَا رَسُولٌ ..

- انْزِلَا إِلَى الْأَرْضِ .. وَلَا تُشْرِكَا بِي شَيْئًا .. وَلَا تَزْنِيَا.

- فَقَالَ كَعْبٌ: وَالَّذِي نَفْسُ كَعْبٍ بِيَدِهِ مَا اسْتَكْمَلَا يَوْمَهُمَا الَّذِي نُزِّلَا فِيهِ حَتَّى أَتَيَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا) رواه الطبري..، قلت (خالد صاحب الرسالة): الأثر فيه ضعف لجهالة (المثنى) شيخ الطبري .. ولكن هو صحيح المعني لدلالة الأثر السابق الذي يشهد بصحته.

 

2- أما عن رواية سفيان الثوري عن محمد بن عقبة:

- فجاء في (أثر منكر المتن – وصحيح السند) .. عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: (ذَكَرَتِ الْمَلَائِكَةُ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَمَا يَأْتُونَ مِنَ الذُّنُوبِ.

- فَقِيلَ لَهُمُ: "اخْتَارُوا مِنْكُمُ اثْنَيْنِ" ..، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى (أحد رواة هذا الأثر) فِي حَدِيثِهِ: "اخْتَارُوا مَلَكَيْنِ".

- فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ ..

- فَقِيلَ لَهُمَا: إِنِّي أُرْسِلُ إِلَى بَنِي آدَمَ رُسُلًا .. وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ رَسُولٌ ..

- انْزِلَا لَا تُشْرِكَا بِي شَيْئًا، وَلَا تَزْنِيَا، وَلَا تَشْرَبَا الْخَمْرَ.

- قَالَ كَعْبٌ: فَوَاللَّهِ مَا أَمْسَيَا مِنْ يَوْمِهِمَا الَّذِي أُهْبِطَا فِيهِ إِلَى الْأَرْضِ .. حَتَّى اسْتَكْمَلَا جَمِيعَ مَا نُهِيَا عَنْهُ.

- وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ "عن كعب أنه قال بلفظ": فَمَا اسْتَكْمَلَا يَوْمَهُمَا الَّذِي أُنْزِلَا فِيهِ حَتَّى عَمِلَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا) رواه الطبري.. (قلت خالد صاحب الرسالة): الأثر حسن .. وقد رواه الطبري من إسنادين (مؤمل بن إسماعيل ، الحسن بن يحيى) وما فيه اختلاف لفظي كان يذكره الطبري في النص .. وكلا الإسنادين عن طريق محمد بن عقبة وهو أخو موسى بن عقبة الذي روى نفس هذا الحديث عن عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار.

 

@- وهذه الرواية فيها زيادة (ولا تشربا الخمر).

 

#- الطريق الثاني: عن سفيان الثوري .. ورواه عن موسى بن عقبه ولكن عن نافع مولى عبد الله بن عمر:

- جاء في (أثر منكر المتن وصحيح السند) .. عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: (ذَكَرَتِ الْمَلَائِكَةُ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَمَا يَلْقَوْنَ مِنَ الذُّنُوبِ .. فَقَالَ لَهُمْ: اخْتَارُوا مِنْكُمْ مَلَكَيْنِ .. فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ .. فَقَالَ لَهُمَا: إِنِّي أُرْسِلُ رُسُلِي إِلَى النَّاسِ .. وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ رَسُولٌ انْزِلَا .. وَلَا تُشْرِكَا بِي شَيْئًا، وَلَا تَزْنِيَا، وَلَا تَسْرِقَا.

- قَالَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ كَعْبٌ: فَمَا اسْتَكْمَلَا يَوْمَهُمَا الَّذِي نَزَلَا فِيهِ حَتَّى عَمِلَا مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمَا) رواه البيهقي في الشعب برقم 6269 وقال: هذا هو الصحيح من قول كعب..، (قلت خالد صاحب الرسالة): البيهقي روى هذه الرواية بسند مختصر .. وقال البيهقي تعقيبا على حديث آخر خاص بهاروت وماروت (عند رواية الحديث رقم 19677 في السنن الكبرى) .. فقال تعقيبا: ورواه موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن كعب قال: "ذكرت الملائكة أعمال بني آدم" فذكر بعض هذه القصة .. وهذا أشبه .. (انتهى النقل).

- ومعنى قوله (هذا أشبه): أي أن هذا هو الصحيح في أن الرواية موقوفه على قول التابعي كعب الأحبار ولا تصح الرواية المنسوبة للنبي.

 

@- وهذه الرواية فيها زيادة (ولا تسرقا) وليس فيها (ولا تشربا الخمر)..، وأظن أن لفظ السرقة فيه خطأ من أحد الرواة .. والأصل هو شرب الخمر وليس السرقة .. إلا لو كانت إضافة نهي لم تذكره باقي الروايات .. فيكون المنهى عنه أربعة أمور وهي الشرك والزنا وشرب الخمر والسرقة.

 

- وقد وجدت من أشار لسنده هذه الرواية السابقة لمعلوميته عند العلماء .. وقد ذكره الإمامين الدارقطني وبن حجر ..  

 

#- قال الإمام بن حجر العسقلاني رحمه الله (المتوفى: 852هـ) رواية فيمن روى من الصحابة عن التابعين وكان من ذلك:

- عبد الله بن عمر بن الْخطاب عَن كَعْب:

- الحديث الأول: الثوري عن موسى بن عقبه عن نَافِع عن ابن عمر عن كعب قال: (ذكرت الْمَلَائِكَة أَعمال بني آدم وَمَا يلون من الذُّنُوب ....) .. الحديث في قصة هاروت وماروت .. هكذا قال أبو حذيفة عن سفيان.

- وقال عبد الرزاق وَقبيصَة عَن سفيان .. إِلَّا أَنه لم يذكر كَعْبًا إلا في كلمات في آخره وهي قوله: (إنَّهُمَا لم يستكملا يومهما حَتَّى عملا بِبَعْض مَا حرم عَلَيْهِمَا) .. "انتهى كلام الإمام بن حجر" .. (راجع كتاب نزهة السامعين في رواية الصحابة عن التابعين حديث رقم32).

 

- أبو حذيفة هو: الحافظ  أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي البصري.

- وعبد الرزاق هو: الحافظ عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني.

- وقبيصة هو: الحافظ قبيصة بن عقبة بن محمد بن سفيان بن عقبة السُّوائي.

 

#- وجاء في كتاب علل الدارقطني: " وسُئل "أي تم سؤال الإمام الدارقطني" .. عن حديث نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن آدم لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) .. قالوا: ربنا، نحن أطوع لك من بني آدم، قال الله للملائكة: هلموا ملكين ... فذكر قصة هاروت وماروت.

- فقال: اختلف فيه على نافع:

- فرواه موسى بن جبير .. عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

- وخالفه موسى بن عقبة .. فرواه عن نافع، عن ابن عمر، عن كعب الأحبار، من رواية الثوري، عن موسى بن عقبة.

- وقال إبراهيم بن طهمان: عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه، عن كعب. (علل الدارقطني رقم 2792 ج12 ص366).

 

==================

 

#- ثانيا: لماذا هذا الحديث هو منكر المتن بالرغم من صحة السند ؟

- عرفنا كثيرا .. أن صحة أي رواية يكون بمجموع السند والمتن معا وليس بمجرد صحة السند فقط .. إذ أن صحة السند ليست دليلا على صحة متن الرواية.

 

#- ولكن لماذا الحديث الذي قاله كعب الأحبار هو منكر المتن ؟

- ذلك لأسباب:

1- كيف نتصور عدم عصمة الملائكة والقرآن يشهد لهم بذلك ؟

أ- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم:6.

 

ب- قال تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) الأنبياء:26-27.

 

ج- قال تعالى: (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) الأنبياء:19-20.

 

#- معنى (يستسحرون): أي لا يتعبون ولا يملون من العبادة.

 

د- قال تعالى: (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) الصافات:164-166.

- معنى (الصافون - المسبحون): أي المتراصون في مقام العبودية لله.. وحالنا هو دوام التسبيح لله.

 

@- فكيف نتصور ممن هذا حالهم .. أن يعصون أوامر الله سواء كانوا في صورتهم الملائكية أم متمثلين في صورة بشرية ؟!!

 

2- الطبيعة النورانية لا تتغير عن الملائكة حتى ولو تمثلوا في صورة إنسانا سويا .. والطبيعة النورانية المقصود بها استمرار الوصف الروحاني فيهم بلا شهوات .. والدليل على ذلك من القرآن .. وتأمل قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ) هود:69-70.

 

- فالملائكة امتنعت عند الأكل من الطعام الذي تم تقديمه إليها .. فأفهم من ذلك أن تمثيل الملائكة لصورة بشرية لا تكسبها الشهوات الآدمية .. وقد ذكر الله لنا هذه الجزئية في القصة لنفهم أنه حتى لو الملائكة تمثلت بصورة بشر فهي لا شهوة فيها.

 

- نعم .. نعلم أن الله على كل شيء قدير .. وأنه قد يخلق الشهوة في الملائكة .. ولكن لو كان من تقدير الله في الوجود إمكانية تبديل صفات الملائكة الروحانية للشهوانية فما كان رب العالمين ذكر جزئية امتناع الملائكة عن الأكل مما قدمه لهم سيدنا إبراهيم عليه السلام .. فافهم وكن بصير.. وهذا ما لم أظن قد أشار إليه أحد وقد سبق وذكرت هذا الكلام في رسالة التمثيل الروحاني .. والله أعلم.

 

3- هل يمكن التصور أن الملائكة التي شاهدت من الجمال والجلال الإلهي في السموات والأرض .. يمكن أن ترتكب ثلاث موبقات من كبائر الذنوب في يوم واحد .. بل وقد أخذ التحذير من الله بصورة تلقين مباشرة وليست من خلال واسطة.

 

- هذا شيء لا يعقل .. حتى ولو أصبحوا من طين .. فلا زال علمهم ومعرفتهم فيهم .. ولو كان يمكن حدوث هذه الكبائر من الملائكة .. فما فائدة المعرفة بالله والتحقيق بذكر الله حينئذ ؟!!

 

- فهل عبادة الملائكة لربهم كانت عبث ؟ .. أي بلا فائدة أثمرت في أنفسهم بشيء من الحب لله .. وكأنه كان ما بداخل هذه الملائكة طوال وجودهم في السموات إنما هو عن عدم إخلاص لله .. ولما حان لهم الإنحراف فانحرفوا ..!!

- بقى ده كلام يمكن تصديقه ..!!

- بل هذا كلام فاسد وباطل بدلالة النصوص القرآنية السابقة.

4- لو كان لبعض الملائكة الإمكانية في العصيان سابقا كما زعمت الرواية .. فما المانع أن يظل هذا العصيان مستمر في كل الأزمان من بعض الملائكة ولكننا لا نعلم .. أي طالما حدث مرة حسب ما تقول الرواية فما المانع بتكراره .. وبالتالي ما يدرينا بأنهم هم المفسدون في الأرض الآن وليس الشياطين ؟! وما يدرينا أن يكون الملائكة الحفظة الآن قد انقلب حالهم وأصبحوا ضد الله وأعداء للبشر وقد استطاع أن يغويهم الشيطان ليكونوا تبعا له ؟!!

#- فالذي يقول بعصيان الملائكة .. قد فتح باب الشيطان الأكبر في إسقاط الديانات .. إذ بعقيدته هذه أوجد الشك في كل الملائكة .. وفي كل الديانات .. فضلا عن أن لتهام الملائكة بذلك هو كلام باطل أصلا بنص القرآن ..!!

- يبقى ليه الإلحاد في وصف الملائكة ووصفها بما لم يصف به الله ملائكته ؟!!

- أم هو الهوى لمحبة القصص الخرافية ؟!!

- أم ماذا يا هذا يا من تصحح هذه القصص .. ولماذا ؟!! 

==================

#- ثالثا: ما الذي يجب أن تنتبه له في رواية كعب الأحبار ؟

 

1- أن الملائكة نزلوا وعصوا الله في أقل من أربعة وعشرون ساعة .. وارتكبوا في يوم واحد ثلاث كبائر .. وهي الشرك بالله وشرب الخمر والزنا .. أما السرقة فهو لفظ خطأ من أحد الرواة .. أو لعلها جريمة رابعة فعلوها .. والله أعلم.

 

2- لم يأت في النهي أي شيء عن القتل .. أي لم يقال لهما: لا تقتلا ..

 

3- لم يأت عن الملكين أي تعليم علماه للناس .. إذ كيف يعلموا الناس وهم خلال ساعات ارتكبوا ثلاث موبقات من كبائر الذنوب ومن المفترض أنه تم معاقبتهم بعد ذلك مباشرة حسب روايات اخرى سنذكرها عن بعض الصحابة والتابعين. 

 

==============

#- وخلاصة القول في كل ما سبق:

1- أن الرواية المنقولة عن كعب الأحبار التابعي .. هي دليل مؤكد على أنها مذكورة في الإسرائيليات اليهودية بدليل معرفة كعب الأحبار بها وحكايتها .

 

2- هذه الرواية صحيحة السند جدا لثبوت نسبتها لكعب الأحبار .. أي هو قال بذلك .. وكل طرق هذه الرواية جاءت من خلال الإمام سفيان الثوري .. ولكنك ستلاحظ أمرين مهمين جدا:

- الأول: رواية أتت بسند (عن سالم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله ابن عمر عن كعب الأحبار قال: .......).

 

- الثاني: رواية أتت بسند (عن نافع مولى (خادم) عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار قال: .....).

 

3- إليك هذا الملخص البسيط لهذا الفصل للإستيعاب السريع:

 

بند	حديث هاروت وماروت	حكاية عن التابعي كعب الأحبار – كقصة يرويها من الإسرائيليات
1	من حيث الرواة	روى عن كعب الأحبار واحد فقط من الصحابة هذه الرواية وهو عبد الله بن عمر	وأخذ هذه الرواية عن عبد الله بن عمر شخصين وهما: 1- ابنه: سالم 2- خادمه: نافع	وأخذ هذه الرواية عن سالم وعن نافع شخص اسمه موسى بن عقبة. - وكذلك أخذ هذه الرواية عن سالم شخص اسمه محمد بن عقبة	وأخذ الرواية عن موسى بن عقبة ومحمد بن عقبة .. شخص اسمه سفيان الثوري
2	من حيث صحة سند الرواية	الرواية صحيحة السند .. بمقياس أهل العلم.
3	من حيث متن الرواية	المتن فيه نكارة مفضوحة .. إذ لا يمكن أن يصح لمخالفته آيات القرآن بمنتهى الوضوح.
4	من حيث حكم الرواية	هي رواية منكرة المتن .. أي تعتبر ضعيفة - ولا تصح لمخالفتها القرآن حتى ولو كان سندها صحيح .. لأن السند وظيفته إثبات القول لمن يقوله .. والإسرائيليات التي يرويها كعب الأحبار لا حجة فيها على شيء حتى نعتقدها أو نصدقها .. بل نكذبها لمخالفتها القرآن.. وليس لأن كعب الأحبار هو الذي كذب .. لا .. لأنه يحكي قصة كان يعرفها.
5	من حيث زمن نزول الملكين	قيل في زمن آدم – وقيل في زمن إدريس – وقيل في زمن نوح – وقيل في زمن السبي البابلي لليهود .. وكل ما سبق مجرد احتمالات مأخوذة من روايات أو أقوال قيلت في ذلك .. وسيأتي مناقشة كل ذلك إن شاء الله ..
6	من حيث سبب نزول الملكين	لاختبار قدرتهما على تحمل الفتنة التي يتعرض لها الإنسان – وذلك نتيجة لأنهم أساؤوا الحكم على البشر بأنهم ما كانوا يستخحقون الخلافة في الأرض لمجرد كونهم يعصون .. فتم اختيار اثنين من الملائكة ليتحولوا لصورة بشرية وينزلوا للأرض ويتم اختبارهم وفتنتهم بما يحدث للبشر – لينكشف حقيقة قولهم من حيث سيظلوا كما قالوا ملائكة أطهار لا يعصون أم سيعصون مثل البشر لو تعرضوا لمثل ما يتعرض لهم البشر ؟
7	من حيث ما أمر به الله الملكين قبل نزولهما	أمرهما الله بعدم الشرك – وعدم الزنا – وعدم شرب الخمر – (وفي رواية – أمرهما بعدم السرقة) ..
8	من حيث أفعال الملكين في الأرض بعد نزولهما	أشركوا بالله – وشربوا الخمر - ومارسوا الزنا مع النساء – وسرقوا كما جاء في رواية منفردة
9	من حيث النتيجة المترتبة على عصيان الله بالشرك والزنا وشرب الخمر	لم تظهر رواية كعب الأحبار النتيجة المترتبة على أفعال هذه الملائكة. - ولكن في روايات اخرى منقولة عن بعض التابعين يظهر حقيقة هذه العقوبة بأنهم معذبون في باطن الأرض ليوم القيامة .. وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله.

 

********************

..:: س56: هل يوجد في كتابات اليهود قبل ظهور الإسلام ما يدل على ما قاله التابعي كعب الأحبار عن قصة هاروت وماروت ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- من الجميل مع البحث .. أن نجد ما قاله كعب الأحبار موجودا في كتب اليهود التي كانت موجودة قبل ظهور الإسلام .. لنفهم أن أصل هذه القصة لم يكن إسلامي بل إسرائيلي.

 

- وعموما قد تفاجأ أخي الحبيب بما سأذكره لك .. لأبين لك مطابقة ما قاله كعب الأحبار .. بما كان متداول فعلا في كتب اليهود بنفس اللفظ الذي ذكره كعب الأحبار .. بل أن المصدر الذي سأذكره لك أخي الحبيب كان مكتوب قبل وجود كعب الأحبار بأكثر من ثلاثمائة سنة .. بل وصول اليهود إلى يثرب أصلا ..!!

 

- وللتذكرة: كان من كلام كعب الأحبار أن الملائكة لما رأت ذنوب الإنسان فأنكرت عصيان بن آدم لله ..، وأن الله أخبرهم لو كنتم مثلهم لفعلتم مثلهم .. فاختاروا منهم ملكين فنزلوا فما مر اليوم إلا وأشركا بالله وشربوا الخمر وزنيا.

 

- تعال معي الآن نرى ماذا قالت كتب اليهود القديمة:

==============

#- أولا: جاء في التلمود البابلي – في رسالة يومًا أو Yoma 67b – 68a:

 

1- (قالت ملائكة الخدمة أمام القدوس تبارك اسمه: يا رب العالم .. ما الإنسان حتى تذكره ؟.

- قال لهم: هل اطلعتم على خبايا قلوبهم ؟  لو كنتم أنتم على الأرض مثلهم .. لكنتم أخطأتم أكثر منهم ..!.

- قالوا: رب العالم .. نحن سننزل ونعيش معهم .. ونرى إن كنا سنخطئ.

- فقال لهم: انزلوا وعِيشوا معهم) .... (نقلا من موقع سيفاريا https://www.sefaria.org – وستجد الترجمة الإنجليزي تهمل ترجمة النص العبري الخاص بالجزئية السابق ذكرها .. ولكنها مودجودة في النص العبري الموجود على الموقع – وترجمته بالعبرية مأخوذة من شات GPT).

 

#- ملحوظة: وهذا الرسالة التلمودية البابلية .. مكتوبة في القرن ما بين الثاني والخامس الميلادي تقريبا – أي قبل ظهور الإسلام – ومعنى كلمة (يوما - yoma) أي اليوم .. ويقصد يوم كيبور أو يوم الكفارة عند اليهود وما يحدث فيه من طقوس يمارسها الكهنة في ذلك اليوم.

 

2- ووجدت في بعض المواقع على الإنترنت .. ذكرت رسالة (يوما) بأسلوب آخر .. ولعلهم جمعوا هذه القصة من تلمود "يوما" مع ما جاء تفاسير حوله وجعل الجميع في نص واحد – وذلك عند تفسيرهم لسفر التكوين .. فكتبوا:

- الملائكة عُزّى وعزائيل .. اللذان كان مقامهما في السماوات .. نزلا إلى الأرض لإثبات طهارتهما..، وبينما كانا لا يزالان في السماء .. سمعا الله يقول:

- سأمحو الإنسان الذي خلقته عن وجه الأرض.

- فردّا: ما الإنسان حتى تذكره، أو ابن آدم حتى تفتقده ؟ "أي: أنت محق؛ الإنسان لا يستحق أن يُخلق".

- فقال لهما الله: "لو عشتم على الأرض مثل هؤلاء الناس، وشهدتم جمال نسائهم، لدخل فيكما الميل الشرير أيضاً، وتسببا في الخطيئة!"

- فقالا: "سننزل، ولن نخطئ."
- فنزلا .. وكما تقول الآية: "ورأى أبناء الله بنات الناس أنهن حسنات."
- وعندما رأوهُن .. طلبا العودة إلى السماء، وتوسّلا إلى الله: "لقد كان هذا الاختبار كافيًا بالنسبة لنا!"

- لكن الله أجابهما: "لقد تنجّستما بالفعل، ولن تعودا طاهرين أبدًا!" (راجع هذا الموقع https://janlemke.com/ – عند كلامهم على سفر التكوين Genesis - Chapter 6 - - وانظر من أول: Angels Uzza and Azael who’s abode was in the heavens)..

 

3- ولو انتبهت أخي الحبيب .. لما جاء في التلمود البابلي ستجده مطابقا لما جاء في الرواية عن كعب الأحبار عن نفس فكرة اعتراض الملائكة على الإنسان لأنه مذنب .. وأن الله قال لهم لو كنتم على الأرض .. وأنزل بعضهم للإختبار لبيان حقيقتهم ماذا سيفعلون .. وفعلا أختير منهم من نزلوا.

 

- ولكن لم تظهر رواية التلمود .. التحذيرات مثل إباكم والشرك والزنا والخمر .. ولم تظهر ماذا فعلوا على الأرض .. ولكن هذا ظهر في أسفار يهودية أخرى ..

 

@- فهل جاء في روايات أن الملائكة الذين نزلوا للأرض أفسدوا فيها ..؟!!

- هذا نجده في مكانين آخر وهو سفر اليوبيلات .. أو رسالة اليوبيلات.

 - وسبق وقلنا أن كلمة (سفر) تعني رسالة .. فسفر كذا: يعني رسالة اسمها كذا.

 

================

 

#- ثانيا: سفر اليوبيلات تم كتابته في القرن الثاني الميلادي تقريبا .. وهو يتكلم ملائكة نزلت الأرض لتعليم الناس الحكمة والعدل ثم انحرفوا ..

 

#- جاء سفر اليوبيلات 4 /15-22 .. ما هو ترجمته الآتي:

15-  وفي الأسبوع الثاني من اليوبيل العاشر [449–455 سنة من آدم] تزوج مهللئل (Mahalalel)  من امرأة تُدعى دينة  (Dinah)، ابنة باراكئيل أخت والدها

- وفي العام الثالث من الأسبوع السادس .. [461 سنة من آدم] وُلد لهما ولد وسمّياه يَارِد  (Jared)، لأن في أيامه نزلت ملائكة الرب إلى الأرض .. وهم الذين يُدعون "المراقبين"، ليعلّموا أبناء البشر أن يفعلوا الحكم والعدل على الأرض.

16- وفي اليوبيل الحادي عشر [512–518 من آدم] تزوج يارد من امرأة تُدعى بارَكة  (Baraka)، ابنة راسوجال، أخت والده. وفي الأسبوع الرابع من ذلك اليوبيل [522] أنجبت له ولدًا، في الأسبوع الخامس من العام الرابع من اليوبيل .. وسماه أخنوخ. (Enoch)

17- وكان هو أول إنسان يُولد على الأرض يتعلّم الكتابة والمعرفة والحكمة.. فكتب علامات السماء حسب ترتيب الشهور في كتاب .. ليعرف الناس مواسم السنين.

18- كما كتب شهادة وأعلنها لبني البشر في أجيال الأرض .. فعدّ أسابيع اليوبيلات ونظّم الشهور .. وحسب السبتات والسنين كما أُخبر بها.

19- ورأى في رؤيا أثناء نومه ما كان سيحصل للبشر في جميع أجيالهم حتى يوم الدينونة .. فكتب شهادته .. ووضعها على الأرض لتكون شاهدة للأجيال.

20- وفي اليوبيل الثاني عشر [582–588] تزوج من امرأة تُدعى إدنا (Edna) ابنة دانئيل أخت والده .. وفي السنة السادسة من ذلك الأسبوع [587] وُلد له ولد فسمّاه متوشالح .(Methuselah)

21- وكان يقيم ست سنوات مع ملائكة الله .. فأروه كل ما في الأرض والسماء .. فتعلم منهم نظام الشمس ودوائرها .. وكتب كل ذلك.

22- وشهد على المراقبين الذين أخطأوا مع بنات البشر .. لأنهم ابتدأوا بالاتحاد ليتنجسوا مع بنات الناس .. وشهد أخنوخ ضدهم جميعا.

23- وأخذ من بين بني البشر وأدخلناه جنة عدن بمجد وكرامة وهناك يكتب دينونة العالم وكل شرور بني البشر. (نقلا من الترجمة الإنجليزية لسفر اليوبيلات -R.H. Charles لسنة 1913 - والترجمة العربية من جوجل).

 

#- ملحوظة: الزواج بين جنسين مختلفين يعتبر خطيئة كبيرة تشبه الزنا في اليهودية.

 

@- ثم جاء في عواقب هذه الخطيئة التي فعلها الملائكة من خطيئتهم بنساء البشر وانحرافهم عن العدل والحق نتيجة فتنتهم بالنساء ..

- فيحكي لنا سفر اليوبيلات 5 .. فيقول:

6- وعلى الملائكة الذين أرسلهم على الأرض غضب غضبا شديدا، وأمر باستئصالهم من كل سلطانهم، وأمرنا أن نربطهم في أعماق الأرض .. وها هم مقيدين في وسطهم .. ومنفصلين. (نقلا من الترجمة الإنجليزية لسفر اليوبيلات - R.H. Charles لسنة 1913 - والترجمة العربية من جوجل).

 

#- ملحوظة: الملائكة المراقبون أو في بعض التراجم (الساهرون): هم الملائكة الذين كانوا يراقبون أعمال البشر .. وكأن أول نزولهم هو لتعليم الخير والحكمة ثم انحرفوا بعد ذلك .. ثم افتتنوا وأعجبهم النساء وتزوجوا بهن وأنجبوا منهم جنس العمالقة أو الجبابرة .. ولكنني لم أذكر الجزء الخاص بزواجهم من النساء والإنجاب منهن أولادا .. وذلك للإختصار .. وللمعلومية من جزئية زواج الملائكة بالبشر ظهرت خرافة الأولاد الزوهريين .. وهذا شيء تكلمنا عنه في رسالة الزوهريين .. فهي عن معتقدات خرافية لبعض اليهود من الأزمنة القديمة.

 

#- معلومات عن سفر اليوبيلات:

1- هو سفر غير قانوني أي غير معترف به كمعتقد .. مثل الأحاديث الضعيفة عندنا .. ولكن بعض الطوائف المسيحية تعترف به وتعتقده..، وهذا سفر تم كتابته في القرن الثاني الميلادي .. ويعتبر دليل على أفكار ومعتقدات بعض اليهود في ذلك الوقت والتي استمرت بعد ذلك .. بدليل أن كعب الأحبار تكلم عنها ..!!

 

2- اليوبيل: هو يشير إلى مرور فترة زمنية قدرها خمسون عاما وعندها يتم استخدام اليوبيل وهو "قرن الكبش" كبوق دلالة على الاحتفال بمرور خمسون عاما .. وهي سنة اليوبيل المقدسة في المعتقد اليهودي.

 

- فسفر اليوبيلات أخد لفظ اليوبيل للدلالة على الزمن وليس على الإحتفال .. أي أن سفر اليوبيلات هو كناية عن الفترة الزمنية التي تحكي قصة الأرض على فترات تاريخية مقسمة على فترات (يوبيلات) وكل فترة (يوبيل) خمسون عاما .. وهذا السفر يحكي خمسين يوبيلا أي خمسين فترة زمنية ظهر فيها أحداث .. أي حوالي ألفين وخمسمائة سنة من بداية خلق آدم إلى موسى وخروج اليهود من مصر .. والله أعلم.

 

#- وإذا كان سفر اليوبيلات .. أوضح نزول الملائكة للتعليم ثم انحرافهم بعد ذلك .. فيوجد في سفر أخنوخ توضيح لهذا الإنحراف كيف كان .. إلا أنه في سفر أخنوخ كان سبب نزول الملائكة هو تمردهم على الله لتحرك الشهوة فيهم ناحية نساء الأرض .. فترك خدمة الله ليزلوا يتمتعوا بالنساء ..!!

- تعالوا نشوف الجزء ده ..

 

=================

 

#- ثالثا: سفر أخنوخ المكتوب  ما بين القرن الأول والثالث الميلادي تقريبا .. فيذكر قصة أخرى عن سبب نزول الملائكة للأرض:

- في فصل سقوط الملائكة:

- وحصل أنه حين تكاثر البشر .. ولد لهم بنات غضَّات جميلات .. نظر إليهن الملائكة أبناء السماء واشتهوهن.

- وقال الواحد للآخر: لنختر نساء وسط البشر وتلد أولادا.

- فقال لهم شمحيزا رئيسهم: أخاف أن تتراجعوا وأخطأ وحدي خطيئة كبيرة.

- فأجابوه كلهم: نحلف كلنا ونحرم بعضنا بأننا لا نتراجع عن هذا القصد .. بل نتمه ونعمل الأمر.

- حينئذ حلفوا كلهم معا .. وحرموا نفوسهم بأن لا يتراجعوا عن ذلك.

- كانوا كلهم مئتين .. نزلوا في زمن يارد على جبل حرمون.

 

#- ثم يقول سفر أخنوخ بعد أن ذكر أسماء عشرون ملاك من الملائكة الساقطة:

- وهؤلاء وجميع رفاقهم أخذوا لهم نساء .. واحدة لكل منهم .. وشرعوا يقربوهن ويتدنسون بهن.

- علموهن العقاقير والسحر وعلم النبات .. وأروهن الأعشاب.

- حبلت النسوة وولدن الجبابرة بقامة ترتفع ثلاثة آلاف ذراع.

- فاكلوا كل ثمر .. تعب البشر بحيث لم يسع البشر بعد أن يطعموهم.

- فتحالف الجبابرة ليقتلوهم وافترسوا بشرا.

- وشرعوا يخطئون مع جميع الحيوان والطير والبهائم والزحافات والسمك .. بل افترسوا بعضهم بعضا. وشربوا الدم.

- حينئذ اشتكت الأرض على المجرمين بسبب ما فعلوا) .. (نقلا من كتاب أخنوخ سابع الآباء –  ترجمة الخوري بولس الفعالي).

 

#- ثلاثة آلاف ذراع = 1350 متر .. وهذا ارتفاع أكبر من أي ناطحة سحاب موجودة حاليا وطولها 828 متر ..!!

 

@- ومما جاء في سفر أخنوخ في الفصل الثامن أو المقطع الثامن: (علّم سيمجازا السحر، وقطع الجذور .. و أرماروس حل السحر) - وبالإنجليزي: (Semjaza taught enchantments, and root-cuttings, 'Armaros the resolving of enchantments)

 

- وقطع الجذور: المقصد منه تعليم استخدام الأعشاب في أمور السحر .

 

@- واختصارا لما جاء في سفر أخنوخ بعد ذلك: تم إرسال الملائكة الكبار مثل جبريل وميكائيل فقهروا المائتين ملاك الذين كانوا نزولوا للأرض وأفسدوا فيها .. وحبسوهم في الأرض معذبين ليوم القيامة.

 

@- والفرق بين سفر أخنوخ .. وبين سفر اليوبيلات:

1- في سفر اليوبيلات نزل الملائكة بالصلاح .. ثم انحرفوا ..، ولكن في سفر أخنوخ نزلوا مفسدين من البداية.

2- سفر اليوبيلات لا يذكر أي أسماء للملائكة الساقطون .. ولكن سفر أخنوخ ذكر أسماء حوالي عشرون ملاك.

#- ولكن مجمل القصة واحدة .. وهي نزول ملائكة وحدوث انحراف منهم مع البشر وكان ذلك في زمن يارد أبو إدريس ثم استمر في زمن إدريس ولكن مع تفشي الفساد ..، وطلب الملائكة الذين سقطوا أن يتشفع لهم إدريس ليعفو عنهم .. ولكن تم رفض طلبه وتم حبسهم في الأرض ليوم القيامة.

 

===================

#- خلاصة القول حول مصادر اليهودية الذتي ذكرت قصة نزول الملائكة:

1- هذه المصادر غير معتمدة عند اليهود إلا التلمود البابلي فقط .. وهو تقريبا الجزء الذي كان ذكره كعب الأحبار .

 

2- سفر اليوبيلات وسفر أخنوخ .. كلاهما مخطوطات قديمة قبل زمن ظهور الإسلام بمئات السنين .. وغير معترف بها عند عامة اليهود كنصوص دينية يجب الإعتقاد فيها .. ولكنها فقط نماذج على المعتقد اليهودي عند بعض اليهود في تلك الفترات الزمنية .. وحكمها عند اليهود مثل القصص المحرفة عندنا أو الأحاديث الغير صحيحة..، وإن كانت بعض الطوائف القليلة جدا لا زالت تعتقد في صحة سفر أخنوخ واليوبيلات ..

#- كحال المسلمين اليوم نقول لهم: قصة هاروت وماروت المذكورة في كتب التفاسير هي خرافة يهودية .. ويقولون لك بل صحيحة لأن الإمام بن حجر صححها ..!! وكأن الإمام بن حجر نبي يوحى إليه فيجب إتباعه ..!! بل ويتجاهلون ما قاله عموم علماء المسلمين على مر التاريخ من أنها قصة باطلة .. بل وبعض العلماء قال بتكفير من يصدق هذه القصة ..!! وسيتم توضيح كلام العلماء إن شاء الله في فصل خاص.

- عجبا: أصحاب الخرافة ومصدرها ينكرونها وهم اليهود .. ولازال البعض يجعل منها عقيدة في دين المسلمين ..!!

 

3- ما يهمنا هنا أن نعرف أن ما ذكره التلمود البابلي متوافق مع ما ذكره التابعي كعب الأحبار .. بل والإنحرافات مع النساء حدثت من الملائكة .. وكل فساد يمكن أن يتخيله خيال الإنسان من شرك وقتل وخمر وغير ذلك .. وذلك كان حدث في زمن إدريس عليه السلام.

  

- وخد بالك من معلومة أنهم نزلوا في زمن إدريس .. عشان في روايات هنذكرها عن هاروت وماروت بتقول أنهما نزلا في زمن إدريس .. فخذ بالك ..

 

4- لو لاحظت عقوبة هذه الملائكة .. كان بحبسهم في الأرض مقيدين إلى يوم القيامة.

- وخد بالك برضة من المعلومة دي جدا .. وخليك فاكرها.

 

5- خد بالك أن في اثنين هما اللي علموا الناس السحر وفك السحر .. في الملائكة الذين نزلوا للأرض ..، وكان يوجد ملائكة اخرى علمت الناس أمور أخرى مثل التنجيم وصناعة المعادن والخُلي وغير ذلك .. ولكني أركز على جزئية تعليم السحر.

 

6- الروايات تظهر أن الملائكة لهم شهوة استطاعوا بها أن يقيموا علاقة مع النساء .. وأنجبوا منهن أطفالا ولما كبروا كان ارتفاع الواحد منهم حوالي 1350 متر ..، وهذه هي أصل أسطورة وخرافة الأطفال الزوهريين الذين يأتون نتيجة جماع بين الأرواح والبشر .. ومن يقول بذلك فهو متبع لخرافة اليهود ومحرض لها .. وعليه من الله ما يستحق إن لم يتب عن ذلك .. لتدنيسه حرمة الملائكة وحرمة البشر وكذبه على الله أنه سمح لملائكته بفعل ذلك..، علما بأن هذه الملائكة المغضوب عليها توصف بكونها شياطين في المعتقد اليهودي والمسيحي .. لأنه لا يوجد عندهم مفهوم الجنس الجني المخالف للملائكة وللبشر .. يعني إبليس عندهم ملاك ولكنه مغضوب عليه.

 

7- تصنيف الملائكة من حيث كونهم قديسين وعصاه .. هو تصنيف يهودي متأخر قد ظهر لبعض الطوائف منهم كما يظهر ذلك من سفر اليوبيلات وسفر أخنوخ .. وهو تصنيف كنائسي عام في الديانة المسيحية أي معتقد رئيسي عندهم في الملائكة .. وللأسف بعض علماء المسلمين أخذوا بهذا التصنيف نتيجة قصة هاروت وماروت الباطلة .. وقالوا بهذا التصنيف وجعلوا من بعض الملائكة عصاة كما سبق أوضحنا ذلك في الفصل السابق ..!!

 

#- وننتقل بعد ذلك لمعرفة قصة هاروت وماروت من الروايات التي تم نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم .. ولكن تذكر أسانيد رواية كعب الأخبار .. وتذكر القصص المروية من كتب اليهود .. والله ولي التوفيق.

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .