بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة
قصص غير صحيحة عن النبي مع المرأة الأجنبية
قيلت عن إعجاب النبي ببعض النساء لما رآهن
وقصة زواجة بالسيدة زينب بنت جحش
#- فهرس:
:: الفصل
التاسع:: عن تفسير قوله تعالى: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ
مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) –
ومعنى قول السيدة عائشة وأنس بن مالك (لو كان محمد كاتما شيئا لكتم
قوله " وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا
اللهُ مُبْدِيهِ ... إلى آخر الآية" ::
1- س18: ماذا قال عامة
العلماء المحققين في تفسير قوله تعالى (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ
وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) ؟
@-
أولا: ما قاله علماء المسلمين الذين أنكروا الروايات المزورة
في قصة زواج النبي من السيدة زينب والتي يذكرها البعض عن تفسير قوله تعالى: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى
النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ)..
@-
ثانيا: تفسير العلماء لآية (وَتُخْفِي
فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ
تَخْشَاهُ) بعيدا عن الروايات
المزورة الغير صحيحة.
2- س19: ما معنى قول السيدة عائشة وأنس بن مالك: (لو كان محمد كاتما شيئا لكتم قوله " وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ") ؟
**********************
:: الفصل التاسع ::
**********************
..:: س18: ماذا قال عامة العلماء المحققين في
تفسير قوله تعالى (وَتُخْفِي
فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) ؟ ::..
#- قال تعالى: (وَإِذْ
تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ
عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ
وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ
مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ
فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ
اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ
اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ
اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا)
الأحزاب:37-38.
#- من الروايات التي أتت في الصحيح عن قصة
زواج النبي بالسيدة زينب .. هو ما جاء عن السيدة عائشة إذ قالت: (لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَاتِمًا شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَإِذْ
تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ
عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ
وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37]) رواه مسلم في صحيحه والطبراني في الكبير.
#- اعلم أخي الحبيب ..
- أن عموم العلماء على مختلف العصور الذين أسقطوا الروايات
الشاذة والمغلوطة والمزورة التي قيلت في سبب زواج النبي من السيدة زينب بنت جحش ..
قد اكتفوا فقط رواية البخاري ومسلم .. وقد تم ذكرهما في الفصل السابق
بالتفصيل .. والعلماء الذين اغتروا بالروايات المزورة الغير الصحيحة التي قيلت في
قصة زواج النبي بالسيدة زينب بنت جحش .. فقد أولوا آية سورة الأحزاب وفق هذه
الروايات المزورة والتي لم يكونوا يعرفوا أنها روايات مزورة وتم تلفيقها في القصة ..
وذلك لقلة علمهم بحقيقة ضعف وفساد وتزوير هذه الروايات .. وإلا لو كانوا يعلمون ما
كانوا فسروا هذه التفسيرات الشاذة والغير معقول نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم
.. !!
- ولماذا كان تفسير بعض العلماء معتمدا على
تلك الروايات المزورة الغير صحيحة .. فيكون تفسيرهم بالتبيعة هو تفسير باطل .. لأن
ما بني على باطل فهو باطل .. وهذا من بديهيات العقل.. مثل تفسير مقاتل بن سليمان
وتفسير أبو جعفر الطبري عند آية الأحزاب .. وقد سبق بيان هذه التفسيرات في فصل
أسبق ..
- ولكن هنا أذكر لكم آراء بعض العلماء الذين أنكروا تلك الروايات
المزورة ماذا قالوا فيها .. وما هو تفسيرهم لآية الأحزاب .. والله ولي التوفيق.
@- أولا: ما قاله علماء المسلمين الذين أنكروا الروايات المزورة في قصة زواج النبي
من السيدة زينب والتي يذكرها البعض عن تفسير قوله تعالى: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى
النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ)..
1- قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله (المتوفى: 543هـ) عن قصة زينب بنت جحش:
- فأما قولهم: إن النبي - صلى الله عليه وسلم -
رآها فوقعت في قلبه فباطل .. فإنه كان معها في كل وقت وموضع .. ولم يكن حينئذ حجاب
.. فكيف تنشأ معه وينشأ معها ويلحظها في كل ساعة .. ولا تقع في قلبه إلا إذا كان
لها زوج .. وقد وهبته نفسها .. وكرهت غيره .. فلم تخطر بباله .. فكيف يتجدد له هوى
لم يكن .. حاشا لذلك القلب المطهر من هذه العلاقة الفاسدة. (أحكام القرآن ج3 ص577).
2- ورحم الله الإمام أبو العباس القرطبي (المتوفى:656 هـ)
إذ قال:
- وقد اجترأ بعض المفسرين في تفسير هذه
الآية .. ونسب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لا يليق
به ويستحيل عليه، إذ قد
عصمه الله منه ونزهه عن مثله، وهذا القول إنما يصدر عن جاهلٍ بعصمته عليه
الصلاة والسلام، عن مثل هذا، أو مُسْتَخِفٍّ بحرمته، والذي عليه أهل التحقيق من
المفسرين والعلماء الراسخين: أنَّ ذلك القول الشنيع ليس بصحيح، ولا يليق بذوي المروءات،
فأحرى بخير البريات. (المفهم من
تلخيص صحيح مسلم ج1 ص406).
3- قال الإمام شمس الدين القرطبي رحمه الله (المتوفى: 671هـ):
- فأما ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم .. هوي زينب امرأة زيد وربما أطلق
بعض المجان لفظ عشق .. فهذا
إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا، أو مستخف بحرمته. (تفسير القرطبي ج14 س190-191).
4- قال الإمام بن كثير رحمه الله (المتوفى: 774هـ):
- ذكر ابن جرير، وابن أبي حاتم .. هاهنا آثارا عن بعض السلف رضي
الله عنهم .. أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحتها فلا نوردها.
- وقد روى الإمام أحمد هاهنا أيضا حديثا ..
من رواية حماد بن زيد .. عن ثابت .. عن أنس فيه غرابة
تركنا سياقه أيضا. (تفسير
ابن كثير ج6 ص425).
5- قال الإمام بن حجر العسقلاني رحمه الله (المتوفى: 852 ه):
- وردت آثار أخرى أخرجها بن أبي حاتم
والطبري .. ونقلها كثير من المفسرين لا ينبغي التشاغل بها .. (فتح الباري ج8 ص524).
6- قال الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى : 1393هـ):
- وقد رويت في هذه القصة أخبار مخلوطة
.. فإياك أن تتسرب إلى نفسك منها أغلوطة، فلا تصغ ذهنك إلى
ما ألصقه أهل القصص بهذه الآية من تبسيط في حال النبيء صلى الله عليه وسلم حين أمر
زيدا بإمساك زوجه .. فإن ذلك من مختلقات القصاصين فإما أن يكون ذلك اختلافا من
القصاص لتزيين القصة .. وإما أن يكون كله أو بعضه من أراجيف المنافقين وبهتانهم
فتلقفه القصاص وهو الذي نجزم به.
- ومما يدل لذلك أنك لا تجد فيما يؤثر من أقوال
السلف في تفسير هذه الآية أثرا مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى زيد أو
إلى زينب أو إلى أحد من الصحابة رجالهم ونسائهم .. ولكنها كلها قصص وأخبار وقيل
وقال.
- ولسوء فهم الآية ..كبر أمرها على بعض المسلمين ..
واستفزت كثيرا من الملاحدة وأعداء الإسلام من أهل الكتاب .. وقد تصدى أبو بكر بن
العربي في «الأحكام» لوهن أسانيدها وكذلك عياض في «الشفاء». (التحرير والتنوير ج22 ص35).
#- ملحوظة هامة:
- الصحابة والتابعين من المفسرين من القرن
الأول الهجري .. على إنكار تلك الروايات التي فيها تزوير قصة زواج النبي من السيدة زينب ..
فمن الصحابة أنس بن مالك .. ومن التابعين الإمام على بن بن الحسين بن أبي طالب كما
سبق وأوضحت ذلك.
- والتفاسير منذ قرون .. على إنكار تلك الروايات المزورة
المنسوبة بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم .. ويكاد لا يظهر لها أثر في
التفاسير إلا مجرد الإشارة إليها للتحذير منها.. ولكن من له هوى في نفسه يأتي بهذه
الروايات المزورة ويحلو له نشرها لهوى في نفسه .. وهو أنه شخص كذاب اتخذ من الكذب
دينا له لعلمه الكامل بأن هذه روايات مزورة .. فلماذا تقرأ أو تسمع لكذاب ؟!!
@- ثانيا: تفسير العلماء لآية (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى
النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) بعيدا عن الروايات
المزورة الغير صحيحة.
1- قال الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (المتوفى: 93 هـ).
- (أثر تفسيري موافق للقرآن) .. عن سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
حُسَيْنٍ، قَالَ: (كَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى أَعْلَمَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ زَيْنَبَ
سَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَلَمَّا أَتَاهُ زَيْدٌ يَشْكُوهَا قَالَ: "
اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسَكَ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، قَالَ اللَّهُ: {وَتُخْفِي فِي
نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37]) رواه الطبري في تفسيره.
#- وفي لفظ آخر: عن سفيان بن عيينة قال: سمعناه
من علي بن زيد بن زيد بن جدعان يبديه ويعيده قال: (سألني علي بن الحسين: ما يقول
الحسن (أي الحسن البصري) .. في قوله عزّ وجلّ: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ
وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) ؟
- فقلت .. يقول: لما جاء زيد إلى النبي
صلّى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إنّي أريد أن أطلّق زينب .. فأعجبه ذلك ..
قال: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ).
- قال علي بن الحسين: ليس كذلك .. كان الله عزّ وجلّ قد
أعلمه أنّها ستكون من أزواجه فإنّ زيدا سيطلّقها ..، فلمّا جاء زيد قال: إنّي أريد
أن أطلّق زينب .. فقال: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ .. يقول: فلم
قلت: أمسك عليك زوجك، وقد أعلمتك أنّها ستكون من أزواجك) رواه الثعلبي في تفسيره الكشف
والبيان ج8 ص48.
2- قال الإمام الثعلبي رحمه الله (المتوفى:427 هـ):
- الله عزّ وجلّ حكم واعلم إبداء
ما أخفى .. والله لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ .. ثمّ لم نجده عزّ
وجلّ أظهر من شأنه غير التزويج بقوله: (زَوَّجْناكَها).
- فلو كان أضمر رسول الله صلّى الله عليه
محبّتها .. أو أراد طلاقها .. لكان لا يجوز على الله تعالى كتمانه
مع وعده أن يظهره.
- فدلّ ذلك على أنّه (عليه السلام) إنّما
عوتب على قوله: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) مع علمه بأنّها ستكون زوجته ..
وكتمانه ما أخبره الله سبحانه به حيث استحيا أن يقول لزيد: إنّ التي تحتك ستكون
امرأتي .. والله أعلم. (الكشف
والبيان ج8 ص48).
3- قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله (المتوفى:
606هـ):
- وهو زيد أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت
عليه بالتحرير والإعتاق .. (أمسك عليك زوجك) .. هَمَّ زيد بطلاق زينب فقال له
النبي أمسك أي لا تطلقها واتق الله قيل في الطلاق .. وقيل في الشكوى من زينب ..
فإن زيدا قال فيها إنها تتكبر علي بسبب النسب وعدم الكفاءة.
- (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) من أنك تريد التزوج بزينب .. وتخشى الناس من أن يقولوا أخذ
زوجة الغير أو الابن .. (أحق أن تخشاه) ليس إشارة إلى أن النبي خشي
الناس ولم يخش الله .. بل المعنى الله أحق أن تخشاه وحده ولا تخش أحدا معه وأنت
تخشاه وتخشى الناس أيضا .. فاجعل الخشية له وحده كما قال تعالى: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه
ولا يخشون أحدا إلا الله) الأحزاب:39 .
- ثم قال تعالى: (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) أي لما طلقها زيد وانقضت عدتها
وذلك لأن الزوجة ما دامت في نكاح الزوج فهي تدفع حاجته وهو محتاج إليها، فلم يقض
منها الوطر بالكلية ولم يستغن وكذلك إذا كان في العدة له بها تعلق لإمكان شغل
الرحم فلم يقض منها بعد وطره .. وأما إذا طلق وانقضت عدتها استغنى عنها ولم يبق له
معها تعلق فيقضي منها الوطر .. وهذا موافق لما في الشرع لأن التزوج بزوجة الغير أو
بمعتدته لا يجوز فلهذا قال: (فلما قضى) .. وكذلك قوله: (لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج
أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا) أي إذا طلقوهن وانقضت عدتهن .. وفيه إشارة
إلى أن التزويج من النبي عليه السلام لم يكن لقضاء شهوة النبي عليه السلام بل
لبيان الشريعة بفعله فإن الشرع يستفاد من فعل النبي وقوله: (وكان أمر الله مفعولا) أي مقضيا ما قضاه كائن. (تفسير مفاتيح الغيب ج25 ص169-170).
3- قال الإمام أبو العباس القرطبي (المتوفى:656 هـ) إذ قال:
- وأن تلك الآية إنما
تفسيرها ما حكي عن علي بن حسين:
(أن الله تعالى أعلم نبيه بكونها زوجةً له، فلما شكاها زيدٌ له وأراد أن يطلقها، قال
له: أمسك عليك زوجَك واتَّقِ الله) .. وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به مما هو مبديه
بطلاق زيدٍ لها وتزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - لها..، ونحوه عن الزهري والقاضي
بكر بن العلاء القشيري وغيرهم.
- والذي خشيه النبي - صلى الله عليه وسلم -
إنما هو إرجاف المنافقين .. وأنه نَهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوج بزوجة ابنه .. ومساق
الآية يدل على صحة هذا الوجه بقوله تعالى: (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِن حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ
لَهُ) ولو كان ما
ذكر أولئك .. لكان فيه أعظم الحرج .. ولقوله: (لِكَي لَا يَكُونَ عَلَى المُؤمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزوَاجِ
أَدعِيَائِهِم إِذَا قَضَوا مِنهُنَّ وَطَرًا) وبالله التوفيق. (المفهم
من تلخيص صحيح مسلم ج1 ص406).
4- قال الإمام شمس الدين القرطبي رحمه الله (المتوفى: 671هـ):
- وروي عن علي بن الحسين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
قد أوحى الله تعالى إليه أن زيدا يطلق زينب .. وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها ..
فلما تشكَّى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خلق زينب .. وأنها لا تطيعه .. وأعلمه
أنه يريد طلاقها .. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية: (اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك) وهو يعلم أنه سيفارقها
ويتزوجها .. وهذا هو الذي أخفى في نفسه .. ولم يرد أن يأمره بالطلاق لما علم أنه
سيتزوجها .. وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج
زينب بعد زيد .. وهو مولاه .. وقد أمره بطلاقها .. فعاتبه الله تعالى على هذا
القدر من أن خشي الناس في شي قد أباحه الله له، بأن قال: (أمسك) مع علمه بأنه يطلق. وأعلمه أن
الله أحق بالخشية، أي في كل حال).
- قال علماؤنا رحمة الله عليهم: وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل
هذه الآية .. وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء
الراسخين، كالزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري، والقاضي أبي بكر بن العربي
وغيرهم.
- والمراد بقوله تعالى: (وتخشى الناس) إنما هو إرجاف المنافقين بأنه
نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوج بزوجة ابنه. (تفسير القرطبي ج14 س190-191).
5- قال الإمام بن حجر العسقلاني رحمه الله (المتوفى: 852 ه):
- والحاصل أن الذي كان يخفيه النبي صلى
الله عليه وسلم هو إخبار الله إياه أنها ستصير زوجته والذي كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس تزوج امرأة
ابنه وأراد الله إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني بأمر لا أبلغ في
الإبطال منه وهو تزوج امرأة الذي يدعى ابنا ووقوع ذلك من إمام المسلمين ليكون أدعى
لقبولهم وإنما وقع الخبط في تأويل متعلق الخشية. والله أعلم. (فتح الباري ج8 ص524).
6- قال الإمام إبراهيم بن عمر البقاعي رحمه الله (المتوفى: 885هـ):
- (وإذ تقول) وذلك لأن الأكمل يعاتب على بعض
الكمالات لعلو درجته عنها وتحليه بأكمل منها من باب «حسنات الأبرار سيئات
المقربين» .. وبين شرفه بقوله: (للذي أنعم الله) أي الملك الذي له كل كمال (عليه) أي بالإسلام وتولى نبيه صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياه بعد الإيجاد والتربية .. وبين منزلته من النبي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: (وأنعمت عليه) أي بالعتق والتبني .. حين
استشارك في فراق زوجه الذي أخبرك الله أنه يفارقها وتصير زوجتك: (أمسك عليك زوجك) أي زينب (واتق الله) أي الذي له جميع العظمة في
جميع أمرك لا سيما ما يتعلق بحقوقها ولا تغبنها بقولك: إنها تترفع عليّ - ونحو ذلك.
- (وتخفي) أي والحال أنك تخفي .. أي تقول
له مُخْفِيَاً .. (في نفسك) أي مما أخبرك الله من أنها
ستصير إحدى زوجاتك عن طلاق زيد (ما
الله مبديه) أي بحمل زيد على تطليقها وإن أمرته
أنت بإمساكها .. وتزويجك بها وأمرك بالدخول عليها ..
- وهو دليل على أنه ما أخفى غير ما أعلمه الله تعالى من أنها ستصير زوجته عن طلاق زيد .. لأن الله تعالى ما أبدى غير
ذلك .. ولو أخفى غيره لأبداه
سبحانه .. لأنه لا يبدل القول لديه..، روى البخارى عن أنس بن مالك رضي الله
عنه أن هذه الآيات نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة رضي الله عنهما.
- ولما ذكر إخفاءه ذلك .. ذكر علته فقال عاطفاً على (تخفي) : (وتخشى الناس) أي من أن تخبر بما أخبرك الله
به فيصوبوا إليك مرجمات الظنون لا سيما اليهود والمنافقون ..
- (والله) أي والحال أن الذي لا شيء أعظم
منه .. (أحق أن تخشاه) أي وحده ولا تجمع خشية الناس
مع خشيته في أن تؤخر شيئاً
أخبرك به لشيء يشق عليك حتى يفرق لك فيه أمر ..، قالت عائشة رضي الله عنها:
لو كتم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً مما أوحي إليه لكتم هذه
الآية.
- ولما علم من هذا أنه سبحانه أخبره بأن
زيداً سيطلقها وأنها ستصير زوجاً له من طلاق زيد إياها .. سبب عنه قوله عاطفاً
عليه: (فلما قضى زيد منها وطراً) أي حاجة من زواجها والدخول بها
.. وذلك بانقضاء عدتها منه .. لأنه به يعرف أنه لا حاجة له فيها .. وأنه قد تقاصرت
عنها همته .. وطابت عنها نفسها وإلا لراجعها.
- (زوجناكها) ولم نحوجك إلى ولي من الخلق
يعقد لك عليها .. تشريفاً لك ولها .. بما لنا من العظمة التي
خرقنا بها عوائد الخلق حتى أذعن لذلك كل من علم به .. وسرت به جميع النفوس .. ولم
يقدر منافق ولا غيره على الخوض في ذلك ببنت شفة مما يوهنه ويؤثر فيه. (تفسير نظم الدرر للبقاعي ج15
ص358-459).
7- قال الإمام محمد سيد طنطاوي رحمه الله (المتوفى: 1431
هـ):
- ذكر- سبحانه- قصة زواج النبي صلّى الله عليه
وسلّم من السيدة زينب بنت جحش، وما ترتب على هذا الزواج من هدم لعادات كانت متأصلة
في الجاهلية.
- فقال تعالى: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيْهِ) .. أى: واذكر- أيها الرسول الكريم-
وقت أن قلت للذي أنعم الله- تعالى- عليه بنعمة الإيمان، وهو زيد بن حارثة رضى الله
عنه ..، وأنعمت عليه، بنعمة العتق، والحرية، وحسن التربية، والمحبة، والإكرام.
- (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ
وَاتَّقِ اللَّهَ) أى: اذكر وقت قولك له: أمسك عليك
زوجك زينب بنت جحش، فلا تطلقها، واتق الله في أمرها، واصبر على ما بدر منها في
حقك..
- وكان زيد رضى الله عنه .. قد اشتكى للنبي صلّى الله عليه
وسلّم من تطاولها عليه، وافتخارها بحسبها ونسبها، وتخشينها له القول، وقال: يا
رسول الله، إنى أريد أن أطلقها.
- وقوله- تعالى-: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا
اللَّهُ مُبْدِيهِ) معطوف على (تَقُولُ). أى:
تقول له ذلك (وتخفى في نفسك) الشيء الذي أظهره الله- تعالى-
لك، وهو إلهامك بأن زيدا سيطلق زينب، وأنت ستتزوجها بأمر الله- عز وجل. (التفسير الوسيط ج11 ص213).
8- قال الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى: 1393 هـ):
#- وجملة (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) عطف على جملة (تقول) .. والإتيان بالفعل المضارع في
قوله: (وتخفي) للدلالة على تكرر إخفاء ذلك وعدم ذكره .. والذي
في نفسه عِلمِه بأنه سيتزوج زينب وأن زيدا يطلقها .. وذلك سر بينه وبين ربه .. ليس
مما يجب عليه تبليغه ولا مما للناس فائدة في علمه حتى يبلغوه. (التحرير والتنوير ج22 ص32).
- (ما في نفسك) هو التزوج بزينب وهو الشيء
الذي سيبديه الله .. لأن الله أبدى ذلك في تزوج النبيء صلى الله عليه وسلم بها
ولم يكن أحد يعلم أنه سيتزوجها ولم يبد الله شيئا غير ذلك .. فلزم أن يكون
ما أخفاه في نفسه أمرا يصلح للإظهار في الخارج، أي أن يكون من الصور المحسوسة. (التحرير والتنوير ج22 ص32-33).
#- وجملة (والله أحق أن تخشاه) معترضة لمناسبة جريان ذكر خشية
الناس .. والواو اعتراضية وليست واو الحال .. فمعنى الآية معنى قوله تعالى: (فلا تخشوا الناس واخشون) المائدة: 44 ..، وحملها على
معنى الحال .. هو الذي حمل كثيرا من المفسرين على جعل الكلام عتابا للنبي صلى الله
عليه وسلم.
- و (أحق) اسم تفضيل مسلوب المفاضلة فهو
بمعنى حقيق .. إذ ليس في الكلام السابق ما يفيد وقوع إيثار خشية الناس على خشية الله، ولا
ما يفيد تعارضا بين الخشيتين حتى يحتاج إلى ترجيح خشية الله على خشية الناس،
والمعنى: والله حقيق بأن تخشاه.
- وليس في هذا التركيب ما يفيد أنه قدم خشية الناس على
خشية الله، لأن الله لم يكلفه شيئا فعمل بخلافه.
- وبهذا تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ..
ما فعل إلا ما يرضي الله، وقد قام بعمل الصاحب الناصح
حين أمر زيدا بإمساك زوجه وانطوى على علم صالح حين خشي ما سيفترصه المنافقون من
القالة إذا تزوج زينب خفية أن يكون قولهم فتنة لضعفاء الإيمان.
- كقوله للرجلين اللذين رأياه في الليل مع زينب
فأسرعا خطاهما فقال: (على رسلكما إنما هي زينب. فكبر ذلك عليهما
وقالا: سبحان الله يا رسول الله. فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني
خشيت أن يقذف في قلوبكما) .
- فمقام النبي صلى الله عليه وسلم في الأمة ..
مقام الطبيب الناصح في بيمارستان يحوي أصنافا من المرضى
إذا رأى طعاما يجلب لما لا يصلح ببعض مرضاه أن ينهى عن إدخاله خشية أن يتناوله من
المرضى من لا يصلح ذلك بمرضه ويزيد في علته أو يفضي إلى انتكاسه.
- وليس في قوله: (وتخشى الناس) عتاب ولا لوم، ولكنه تذكير بما
حصل له من توقيه قالة المنافقين. وحمله كثير من المفسرين على معنى العتاب وليس من
سياق الكلام ما يقتضيه فأحسبهم مخطئين فيه، ولكنه تشجيع له وتحقير لأعداء الدين
وتعليم له بأن يمضي في سبيله ويتناول ما أباح الله له ولرسله من تناول ما هو مباح
من مرغوباتهم ومحباتهم إذا لم يصدهم شيء من ذلك عن طاعة ربهم. (التحرير والتنوير ج22 ص33-34)..
***************************
..:: س19: ما معنى قول السيدة عائشة وأنس
بن مالك: (لو كان محمد كاتما شيئا لكتم قوله " وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا
اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ") ؟ ::..
8- قال الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى: 1393 هـ):
#- فإن قلت: فما معنى ما روي في الصحيح عن
عائشة أنها قالت: لو كان رسول الله كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه
وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك) الآية.
- قلت: أرادت أن رغبة النبيء صلى الله
عليه وسلم في تزوج زينب أو إعلام الله إياه بذلك كان سرا في نفسه لم يطلع عليه أحد
إذ لم يؤمر بتبليغه إلى أحد.
- وعلى ذلك السر انبنى ما صدر منه لزيد من
قوله: أمسك عليك زوجك.
- فلما طلقها زيد ورام تزوجها .. علم أن
المنافقين سيرجفون بالسوء .. فلما أمره الله بذكر ذلك للأمة وتبليغ خبره بلغه ولم
يكتمه مع أنه ليس في كتمه تعطيل شرع ولا نقص مصلحة .. فلو كان كاتما لكتم هذه
الآية التي هي حكاية سر في نفسه وبينه وبين ربه تعالى .. ولكنه لما كان وحيا بلغه
لأنه مأمور بتبليغ كل ما أنزل إليه. (التحرير
والتنوير ج22 ص37).
- والله أعلم.
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
ردحذفجزاك الله خيرا كثيرا استاذنا الفاضل
ورحم علماءنا الأجلاء الذين لم يمنعهم مانع عن الإدلاء بما هو حق في وجه من أساء .. وجزاهم من فضله مايشاء .. آمين يارب العالمين
يا مصرف القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك ..
ردحذفيا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ..
يا لطيف يا حفيظ يا مغيث يارب ..
في أثناء سيرك إلَىٰ الله تتعثّر تنكسر تُفتن
ردحذفتُمتحَن بالمِحَن وتتقطعُ أنفاسُك
لكنّ العبد المُحبّ لله لا يستسلِمُ للدّنيا
يُحاول يُجاهد ويُقاوم فمَن صدقَ حُبّه
صدَق سعيه والمُحِبُّ يصِل
شكرا جزيلاً استاذ خالد
ردحذفعلى مجهودك وسعيك لإظهار آراء العلماء المحققين
والجميل أنهم لم يقبلوا الروايات المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم
زادك الله علما ونوراً.. امين يارب العالمين
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم
✨ القصة: **في الليلة التي لم تتّسع لي الأرض*
ردحذفلم يكن شيء خارجي قد تغيّر.
كل شيء كما تركه…
النافذة نصف مفتوحة، والليل خافت، والسكون أكثر من اللازم.
لكن صدره…
كأنّه يُغلق من الداخل.
ضاقت عليه الأرض.
ليس لأن فيها من يؤذيه،
بل لأنه **لم يعد يعرف لنفسه موضعًا لا يئنّ فيه.**
فخرج… لا إلى مكان محدد، بل إلى فِناء الخلوة،
حافيًا، دون أن يشعر،
وكأن رجله تبحث عن ترابٍ لم تُدنسه شكواه.
جلس هناك، عند طرف الجدار،
وهمس:
> "يا الله…
> إنك قلت إنك وسعتَ كل شيء…
> فلماذا لا أجد لروحي موضعًا في هذا الاتساع؟"
---
كان الشيخ يرقبه من بعيد، دون أن يُقاطع.
تركه يئنّ،
فبعض الأسئلة لا يجب أن تُجاب قبل أن تكتمل حرقتها.
حتى إذا طال سكوته،
اقترب الشيخ وجلس بجانبه، دون كلام.
ظلّا صامتَين.
ثم قال الشيخ بصوت يكاد لا يُسمع:
> "أتعلم…
> ليست السعة أن تنتهي مشاكلك،
> بل أن **تتوقف عن قياس نفسك بها**."
> "أن تقول:
> ضيقي ليس لأن الله لا يسمعنى ،
> بل لأنني **أردت منه ما أردت، لا ما أراد.**"
---
سكت المريد…
وسكت الشيخ…
وكأن السكون أصبح شريكًا ثالثًا في الحديث.
ثم قال المريد:
> "كنت أدعوه: يا واسع…
> وأنتظر أن ينفتح لي شيء.
> لكنني الآن، فقط،
> أطلب أن يتّسع لي صدري لأفهم،
> لا أن أتجاوز."
---
قال الشيخ:
> "إذا دعوتَه ولم تخرج من ضيقك،
> فلا تقل: ما أجابني.
> بل قل: **ما زال يُربّيني.**"
---
أغمض المريد عينيه،
وقال في سره:
> "يا واسع…
> وسِع قلبي لاسمك،
> فإن وسِعك، وسِع كل شيء بعدك."
وفي تلك الليلة…
لم تتغيّر الدنيا،
لكن صدره اتّسع…
بما يكفي ليستقبل الغد، دون ضيق.
ردحذف## ✨ مشهد: **هل أطلب الفرج… أم السعة؟**
**كان الغروب يمشي ببطء في السماء،**
والأصوات تسكن شيئًا فشيئًا،
والمريد جالس أمام شيخه، لا عن طلب علم، بل عن ارتياح حديث.
**ثم تكلم فجأة، دون مقدمة:**
> "سيدي…
> أيمكن أن يكون الفرج بعيدًا،
> لكن السعة قريبة؟
> أيمكن أن لا يتغيّر شيء،
> ومع ذلك… لا أختنق؟"
**نظر إليه الشيخ مطوّلًا، ثم قال:**
> "من يسأل هذا السؤال…
> لم يعد عبدًا للحال،
> بل صار طالبًا لرب الحال."
---
**قال المريد بهدوء:**
> "كنت دائمًا أدعو أن يتغير ما أنا فيه…
> واليوم…
> لا بأس إن لم يتغير،
> فقط أريد أن أفهم،
> لماذا أنا فيه،
> وكيف أظل فيه دون أن أفقد نفسي."
**قال الشيخ:**
> "وهذا هو السعة، يا بني."
> "الفرج هو أن يخرج الشيء من حياتك،
> السعة هي أن تدخل أنت إلى نور الله في قلبك،
> فتصغر الشكوى، ويتسع الصدر."
---
**سكت المريد طويلًا، ثم قال:**
> "إذن…
> لا أريد أن أُخرَج مما أنا فيه فقط ،
> بل أريد أن يُشرَح لي صدريحتى وانا فيه."
**قال الشيخ:**
> "وهل قال الله إلا ذلك؟
> *ألم نشرح لك صدرك؟*
> لم يقل: ألم نفرّج همك،
> "ومن اتسع صدره بالله،
> نجا حتى إن بقي في نفس الحال "
---
**قال المريد:**
> "إذن…
> يا واسع، لا أطلب أن تغيّر لي الحياة،
> بل علّمني كيف أعيشها معك،
> حتى وإن ضاقت."
---
**قال الشيخ بهمس عميق:**
> "واسعٌ هو…
> ليس لأنه يُغيّر الخارج فقط ،
> بل لأنه يخلق في الداخل مكانًا لم يكن موجودًا،
> فتصبح قادرًا على أن تقول:
> "ما عاد يؤذيني ما كنت أظنه قاتلي.""
---
**وفي تلك الليلة، للمرة الأولى…
لم يدعُ المريد أن يزول عنه ما هو فيه فقط ،
بل دعا:**
> "يا الله…
> وإن أبقيتني فيما أنا فيه،
> فلا تحرمني منك فيه."
جزاك الله خير الجزاء على التوضيح
ردحذف