ج6: رسالة عن إمكانية تسلط الشيطان على النبي محمد أو الأنبياء - أدلة بطلان وفساد وكذب قصة الغرانيق العُلى - هل الشيطان تسلط على النبي فتمكَّن منه فألقى على لسانه كلمات أضافها النبي بالغلط في سورة النجم وهي "وإنهن الغرانيق العُلى – وإن شفاعتهن تُرتجى".

        بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

هل تسلط الشيطان على النبي محمد وأثر عليه أو تمكن منه   

بالمرض أو بالنسيان أو بالإنتحار أو بالتخريف في الوحي

(الفصل السادس)

#- فهرس:

:: الفصل السادس :: قصة الغرانيق العُلى - هل الشيطان ألقى على لسان النبي بالغلط في سورة النجم "الغرانيق العلا - شفاعتهن ترتجى" ::

1- س15: هل الشيطان تسلط على النبي فتمكَّن منه فألقى على لسانه كلمات أضافها النبي بالغلط في سورة النجم وهي "وإنهن الغرانيق العُلى – وإن شفاعتهن تُرتجى" ؟

#- أولا: ملخص قصة الغرانيق العلى ومن كذبها وأبطلها وأنكرها من العلماء.

#- ثانيا: أدلة القائلين بضعف وبطلان حديث قصة الغرانيق العُلى.

#- ثالثا: معنى قوله تعالى (فينسخ الله ما يلقي الشيطان).

#- رابعا: بعض المراجع لمن يريد أن يتوسع عن روايات قصة الغرانيق العلا.

#- خامسا: ما جاء عن سجود النبي بسورة النجم وكان حديث صحيح.

****************

:: الفصل السادس::

****************

..:: س15: هل الشيطان تسلط على النبي فتمكَّن منه حتى ألقى على لسانه كلمات أضافها النبي بالغلط في سورة النجم مثل "وإنهن الغرانيق العُلى – وإن شفاعتهن تُرتجى" ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- من القصص المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم .. وتم ذكرها في بعض كتب التفاسير التراثية وبعض كتب السيرة التراثية .. وهي قصة (الغرانيق العُلا) ..

 

@- أولا: ملخص قصة الغرانيق العلى ومن كذبها وأبطلها وأنكرها من العلماء.

1- أن النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم .. قرأ سورة النجم حتى وصل إلى قوله (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) النجم:19-20 ..، فألقى الشيطان على لسان النبي قولا بالغلط وأضافة للقرآن بعد لفظ (ومناة الثالثة الأخرى) وهذه الإضافة هي: (وَإِنَّهُنَّ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى . وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَهِيَ الَّتِي تُرْتَجَى).. وتقول الروايات المكذوبة أن جبريل قال للنبي: "مَعَاذَ اللهِ مِنْ هَاتَيْنِ" .. ثم قيل عن النبي أنه قال: " أَطَعْتُ الشَّيْطَانَ وَتَكَلَّمْتُ بِكَلَامِهِ وَشَرَكَنِي فِي أَمْرِ اللهِ" ..!!

 

- والغرنوق هو طائر الكركي الذَّكر .. وشبهوا أصنامهم بالطيور لأنها وسيلة الإرتقاء بدعائهم إلى الرب.

 

2- ومن الروايات التي قيلت .. عن ابن عباس قال: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَرَأَ النَّجْمَ فَلَمَّا بَلَغَ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى}[النجم: 19] {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى}[النجم: 20] .. أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَشَفَاعَتُهُنْ لَتُرْتَجَى .. فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدَ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ .. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ}[الحج: 52] .. إِلَى قَوْلِهِ: {عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} [الحج: 55] يَوْمُ بَدْرٍ) رواه الطبراني في المعجم الكبير.. والحديث ضعيف لاضطراب سنده ..

 

#- وفي رواية أخرى .. جاء فيها .. بعد ذكرما ألقاه الشيطان على لسان النبي حسب ما تم زعمه في الرواية السابقة .. ولكن عن عروة بن الزبير .. ومما جاء في الرواية: (فَلَمَّا أَمْسَى أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَشَكَا إِلَيْهِ فَأَمَرَهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ .. فَلَمَّا بَلَغَهَا تَبَرَّأَ مِنْهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ .. وَقَالَ: مَعَاذَ اللهِ مِنْ هَاتَيْنِ .. مَا أَنْزَلَهُمَا رَبِّي وَلَا أَمَرَنِي بِهِمَا رَبُّكَ .. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَقَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: «أَطَعْتُ الشَّيْطَانَ وَتَكَلَّمْتُ بِكَلَامِهِ وَشَرَكَنِي فِي أَمْرِ اللهِ» .. فَنَسَخَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)) رواه الطبراني في الكبير.. رواية ضعيفة مرسلة عن عروة بن الزبير.

 

3- قصة الغرانيق العلا هي قصة مكذوبة على النبي وعلى القرآن .. وقد رواها بعض كتاب السيرة وأهل التفسير .. ولم يصح منها حديث واحد متصل للنبي على الإطلاق .. يعني لا يوجد حديث نبوي واحد صحيح في هذه المسألة قد رواه العلماء بأن النبي قال هذا الكلام السابق ذكره في الروايات .. بل كلها أحاديث ضعيفة جدا وظاهر عليها الوضع والكذب والتزوير من خلال المتن .. الذي يظهر منه بوضوح الكذب الفاحش على النبي صلى الله عليه وسلم .. ولا يشك مؤمن في وضع هذه الأحاديث ..!!

 

4- والذي نتعجب منه أن نجد من بعض العلماء .. يحاول تأويل القصة بتأويلات لا يمكن قبولها العقل .. ولا يمكن أن يقبلها مؤمن.. بل ويحاول تصحيح القصة غصبا وجبرا تحت قناع .. أن تعدد طرق القصة يؤدي لصحتها .. !!

 

- فتجاهلوا ما جاء في المتن من وقاحة وسفالة وانحطاط بقدر النبي واتهام للقرآن .. وارتضوا بمتن ظاهره الكذب المفضوح على الله وعلى النبي صلى الله عليه وسلم ..!! وكل ما يهمهم هو صحة السند لتعدد طرقه ..!! فما هذه المسخرة العلمية ..؟!!

 

- إذ منذ متى ويصح الحديث بمجرد السند فقط .. ؟!! عند مين من علماء المسلمين قال بذلك ؟!! إذا كان القاعدة أن الحديث الصحيح هو من صح سنده ومتنه وخلا من أي عيوب تضعفه .. فما بالنا وهذه الروايات الموصولة للنبي من طريق بن عباس كلها روايات ما بين ضعيفة وضعيفة جدا ومكذوبة ..، وفقط الروايات التي صح سندها كلها روايات مقطوعة السند على التابعي الذي لم يخبرنا عمن أخذ هذه الروايات الملعونة التي قال بها وفيها مخالفة صريحة ومتعمدة للقرآن ؟!!

 

- فأي قصة صحيحة هذه التي يمكن ان تكون صحيحة كما زعم من زعم .. بل وهو يعلم أنه لم يصح أي رواية موصولة للنبي ..!!

- شيء غريب جدا وعجيب ..!!

 

5- عموما قد ذكرت لكم نموذج من الروايات التي قيلت عن قصة الغرانيق العلا .. لتكون على علم بها وتعرف كيف يتم الكذب على النبي في الروايات .. بل وكيف بعض العلماء يحدث لهم زلات غريبة جدا .. قد تؤدي لطعن في الدين كله .. وهذا بسبب رغبته في تصحيح شيء هو أصلا ليس بصحيح ..!!

 

6- ولا تظن أن هذا البطلان في الروايات لم ينتبه له العلماء .. لا .. فكثير من العلماء أنكروا هذه المسخرة المسماة بقصة الغرانيق العلا .. وأبطلوها وكذبوها تكذيبا .. ومن هؤلاء ممن رد الحديث وأنكره مطلقا .. كما أشار لذلك الدكتور أحمد بن مقرن في كتابه الأحاديث المشكلة في تفسير القرآن .. إذ قال:

 

#- هذا مسلك الأكثر من المفسرين والمحدثين، وممن ذهب إليه:

- ابن خزيمة، والجصاص، وابن حزم، والبيهقي، والقاضي ابن عطية، والسهيلي، والفخر الرازي، وأبو العباس القرطبي، وعبد العظيم المنذري، والبيضاوي، والطيبي، وأبو حيان، والعيني، وأبو السعود، والآلوسي، والقاسمي، والمباركفوري، وسيد قطب، والأستاذ محمد عبده، وابن باز.

- قال ابن خزيمة: "هذه القصة من وضع الزنادقة".

- وقال ابن حزم: "وأما الحديث الذي فيه: (وأنهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتها لترتجى) فكذب بحت موضوع؛ لأنه لم يصح قط من طريق النقل، ولا معنى للاشتغال به، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد".

- وقال البيهقي: "هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل".

- وقال ابن عطية: "وهذا الحديث الذي فيه (هن الغرانقة) وقع في كتب التفسير ونحوها، ولم يدخله البخاري ولا مسلم، ولا ذكره في علمي مصنف مشهور، بل يقتضي مذهب أهل الحديث أنَّ الشيطان ألقى، ولا يعينون هذا السبب ولا غيره، ولا خلاف أنَّ إلقاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة بها وقعت الفتنة". (راجع كل هذه الأقوال بمواضع كتابتها .. في كتاب (الأحاديْثُ المُشْكِلَةُ الواردةُ في تفسير القرآنِ الكريم) للذكتور/ أحمد بن عبد العزيز بن مُقْرِن القُصَيِّر .. من ص687 إلى ص688).

 

@- ثانيا: أدلة القائلين بضعف وبطلان حديث قصة الغرانيق العُلى:

- استدل هؤلاء على بطلان القصة بأدلة منها:

- الأول: أنَّ في سياق آيات النجم التي تخللها إلقاء الشيطان المزعوم قرينة قرآنية واضحة على بطلان هذا القول؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ بعد موضع الإلقاء المزعوم بقليل قوله تعالى - في اللات والعزى -: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ) النجم:23 ..، وليس من المعقول أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يسب آلهتهم هذا السب العظيم في سورة النجم متأخراً عن ذكره لها بالخير المزعوم، إلا وغضبوا ولم يسجدوا؛ لأن العبرة بالكلام الأخير.

 

- الدليل الثاني: أنه قد دلت آيات قرآنية على بطلان هذا القول وهي الآيات الدالة على أنَّ الله لم يجعل للشيطان سلطاناً على النبي - صلى الله عليه وسلم - وإخوانه من الرسل وأتباعهم المخلصين؛ كقوله تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100)) النحل:99-100 ..، وقوله تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)) الحجر:42 ..، وقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ) سبأ:21 ..، وقوله: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) إبراهيم:22 ..، وعلى القول المزعوم أنَّ الشيطان ألقى على لسانه - صلى الله عليه وسلم - ذلك الكفر البواح، فأي سلطان له أكبر من ذلك.

 

- الدليل الثالث: قوله تعالى في النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) النجم:3-4 ..، وقوله: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)) الشعراء:221-222 ..، وقوله: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)) الحاقة:44-46 ..، وقوله في القرآن العظيم: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)) الحجر:9 ..، وقوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)) فصلت:41-42 ..، فقوله: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ) فعلٌ في سياق النفي ..، والفعل في ساق النفي من صيغ العموم ..، وهو في الآية يعم نفي كل باطل يأتي القرآن ..، وقد أكد هذا العموم بقوله: (مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ)، فلو قدَّرْنا أنَّ الشيطان أدخل في القرآن على لسان النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (تلك الغرانيق العلى) لكان قد أتى القرآنَ أعظمُ باطلٍ بين يديه ومن خلفه؛ فيكون تصريحاً بتكذيب الله جل وعلا في قوله: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ) ..، وكلُّ خبرٍ ناقضَ القرآنَ العظيم فهو كاذب .. للقطع بصدق القرآن العظيم ..، ونقيضُ الصادقِ كاذبٌ ضرورة.

 

- الدليل الرابع: قوله تعالى: (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74)) الإسراء:73-74 ..، وهاتان الآيتان تردان الخبر المروي في سبب نزول الآية .. لأن الله تعالى ذكر أنهم كادوا يفتنونه حتى يفتري .. وأنه لولا أن ثبته لكاد يركن إليهم .. فمضمون هذا ومفهومه أنَّ الله تعالى عصمه من أن يفتري .. وثبته حتى لم يركن إليهم قليلاً .. فكيف كثيراً!

- وفي هذا الخبر الواهي .. أنه زاد على الركون والافتراء بمدح آلهتهم وأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (افتريت على الله، وقلت ما لم يقل) ..، وهذا ضد مفهوم الآية، وهو يدل على ضعف الحديث وبطلانه.

 

- الدليل الخامس: الإجماع على عصمته - صلى الله عليه وسلم - ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، إما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير الله، وهو كفر، أو أن يتسور عليه الشيطان، ويشبه عليه القرآن، حتى يجعل فيه ما ليس منه، ويعتقد النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ من القرآن ما ليس منه حتى ينبهه جبريل عليه السلام، وذلك كله ممتنع في حقه - صلى الله عليه وسلم -، أو يقول ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - من قبل نفسه عمداً، وذلك كفر، أو سهواً، وهو معصوم من هذا كله.

 

- الدليل السادس: أنَّ الحديث قد رُوي من طرق صحيحة متعددة: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ بِهَا، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ».

- وليس في هذه الطرق ذكر لقصة الغرانيق .. ولو كانت صحيحة لنقلت عبر هذه الأسانيد، وهذا يدل على بطلانها ووضعها.

 

- الدليل السابع: أنَّ إثبات مثل هذه القصة يرفع الأمان والوثوق بالوحي .. ويُجوِّزُ إدخال الشيطان فيه ما ليس منه .. وهذا محال وباطل. (الأحاديْثُ المُشْكِلَةُ الواردةُ في تفسير القرآنِ الكريم) للذكتور/ أحمد بن عبد العزيز بن مُقْرِن القُصَيِّر .. من ص688 إلى ص691).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة): تعقيبا بإضافة لما سبق من الأدلة:

- الدليل الثامن: قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) النمل:6 .. فكيف يتلقى القرآن من الله .. ثم يقال أن الشيطان ألقى على لسان النبي الباطل .. ؟!!

- فما هذا الكذب على الله ونبيه صلى الله عليه وسلم ؟!!

 

- الدليل التاسع: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) الحجر:9 ..، فكيف يكون الله حافظ له .. والشيطان يلقي على النبي ما لم يقل به الله ؟!!

- أليست قصة الغرانيق حينئذ هي كذب على الله ورسول الله ؟!!

 

- الدليل العاشر: وإذا كان الشيطان لا يمكن أن يتمثل بهيئة النبي في المنام .. أيعقل أن يتسلط على لسان النبي أثناء قراءة القرآن ..؟!!

 

- الدليل الحادي عشر: كيف يلقي الشيطان كلام على لسان النبي .. والنبي في حجاب عن الشيطان حين قرائته للقرآن إذ قال تعالى: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا) الإسراء:45 .. ؟!!

 

- الدليل الثاني عشر: الذي يقول أن الشيطان ألقى على لسان النبي كلمات ليست من القرآن .. فهذا معناه أنه يعترف أن الشيطان قهر النبي وجعل النبي يفعل ما أراده منه الشيطان ..

- وهذا مطلق الكذب على النبي وعلى القرآن بل وعلى الشيطان نفسه .. لأن الشيطان لم يفعل ذلك ولا سلطان له على ذلك ..!!

 

#- ثالثا: معنى قوله تعالى (فينسخ الله ما يلقي الشيطان):

قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الحج:52.

 

- عند هذه الآية .. يحلو لبعض المفسرين القدماء أن يذكر أن الشيطان يمكن أن يلقي على النبي بكلام .. ويستدل في ذلك بما جاء في قصة الغرانيق العلا .. لأنه معتقد في قصة الغرانيق العلا دون معرفته بصحتها وحقيقتها بأنها مجرد قصة مزورة ومكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم ..

 

#- والمهم أن تفسير الآية لتفهمه هو كما قال الإمام محمد عبده رحمه الله إذ قال:

- لم يرسل الله رسولا نبيا إلى قوم .. إلا وتمنى أن يتبعه قومه وأن يستجيبوا لما يدعوهم إليه ..، ولكن ما تمنى نبي ولا رسول هذه الأمنية السامية إلا ألقى الشيطان في سبيله العوائق وأثار الشكوك ووسوس في صدور الناس ..، لسلبهم القدرة على الانتفاع بما وهبوه من قوة العقل ..، وسلامة الفكر ..، فثاروا في وجه النبي وصدوه عن غايته.

- فإذا ظهرووا في بادئ الأمر ظنوا أنهم على الحق ..، ولكن كلمة الله ستكون دائما هي العليا ..، وكلمة الشيطان وأعوانه هي السفلى دائما.. (نقلا عن أيسر التفاسير ص2527).

 

#- رابعا: أذكر لك بعض المراجع لمن يريد أن يتوسع أكثر في معرفة كل الروايات التي تم ذكرها عن قصة الغرانيق العلا .. فإليك هذين المرجعين:

1- أفضل كتاب تكلم بالتفصيل عن روايات قصة الغرانيق العلا .. وهو كتاب الأحاديْثُ المُشْكِلَةُ الواردةُ في تفسير القرآنِ الكريم - للذكتور/ أحمد بن عبد العزيز بن مُقْرِن القُصَيِّر .. "من ص666 إلى ص708".

2- نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق .. للشيخ الألباني رحمه الله.

 

#- خامسا: ما جاء عن سجود النبي بسورة النجم وكان حديث صحيح.

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- أقصى ما جاء عن سورة النجم وكان صحيحا .. هو ما قال بن عباس: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَجَدَ بالنَّجْمِ .. وسَجَدَ معهُ المُسْلِمُونَ والمُشْرِكُونَ والجِنُّ والإِنْسُ) صحيح البخاري.

 

2- وسبب سجود المشركين: كان بسبب أنهم لما وجدوا النبي سجد لربه .. فسجدوا لأصنامهم عنادا واستكبارا .. أو سجدوا تأليفا لقلب النبي عسى أن يسجد لآلهتهم طالما سجدوا لإله النبي .. أو سجدوا فزعا من قوة الآيات التي سمعوها خوفا من نزول عذاب بهم في تلك اللحظة (وهذا السجود خوفا وفزعا هو شيء مستبعد لأنهم لو سجدوا خوفا فهم قد آمنوا حينئذ ..!!) ..

 

3- أما عن سجود الجن: فلابد من أن هذا علمه بن عباس من النبي لأن هذا يحتاج لوحي ولا يشاهد بالعين ..!!

 

#- ملحوظة: ويقصد بالمشركين والجن أي الذين حضروا قراءة النبي لسورة النجم ولا نعلم كم كان عددهم ..

 

@- وبهذا يكون ختام الكلام على قصة الغرانيق العُلى .. المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم .. والتي لا يصح لمؤمن أن يعتقدها لمخالفتها القرآن وإخلالها بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم.

- وبعدها ننتقل إن شاء الله لآخر قصة باطلة في رسالتنا تم نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم بالباطل وهو بريء منها صلى الله عليه وسلم .. والله ولي التوفيق.

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .