ج1: رسالة عن مدى إمكانية تسلط الشيطان وتأثيره على النبي محمد أو الأنبياء - التسليط الشيطاني - الإرسال الشيطاني - والإستحواذ الشيطاني - والتأثير الشيطاني - والتمكين الشيطاني - سلطان الإذن - سلطان الشيطان - الحكمة من التسليط الشيطاني - طرق التسليط الشيطاني على الأنبياء

   بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

هل تسلط الشيطان على النبي محمد وأثر عليه أو تمكن منه   

بالمرض أو بالنسيان أو بالإنتحار أو بالتخريف في الوحي

 

(الفصل الأول)

#- فهرس:

:: الفصل الأول :: عن التسليط الشيطان - والتأثير الشيطاني - والتمكين الشيطاني - والإستحواذ الشيطاني – والفرق بين التسليط الشيطاني والسلطان الشيطاني على الأنبياء والرسل - وطرق التسليط الشيطاني على الأنبياء ::

@- مقدمة الرسالة

1- س1: ما الفرق بين تسليط الشيطان (سلطان الإذن) وسلطان الشيطان (سلطان التمكين) ؟

#- أولا: التسليط الشيطاني على الإنسان.

#- ثانيا: السلطان الشيطاني على الإنسان.

 

2- س2: هل يمكن أن يتسلط الشيطان على الأنبياء والرسل بسلطان تمكين ؟

#- أولا: محتمل أن يتسلط الشيطان على الإنسان والرسل.

#- ثانيا: يستحيل أن يؤثر الشيطان في الأنبياء والرسل.

 

3- س3: ما هي طرق وأساليب وحدود التسليط الشيطاني مع الانبياء والرسل ؟

#- أولا: تسليط مباشر.

#- ثانيا: تسليط غير مباشر.

#- ثالثا: التسليط الشيطاني .. محدود ومحكوم بإذن الله.

 

4- س4: ما هي الحكمة من التسليط الشيطاني على الأنبياء والرسل ؟

******************************

..:: مقدمة عن رسالة عن مدى إمكانية تسلط الشيطان على النبي محمد ومدى تأثيره عليه ::..

- بسم الله والحمد لله .. اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم.

- هذه رسالة جديرة بالإهتمام لأي مؤمن لأنها تتعلق بالقرآن على وجه الخصوص .. وبعض الأحاديث .. إذ أتكلم فيها عن مدى حدود أفعال الشيطان مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص .. وذلك حسب الآيات القرآنية التي تكلمت في ذلك الموضوع .. مع مناقشة بعض الأحاديث التي تشير لذلك وقد تصادفنا خلال هذه الرسالة البسيطة القدر ولكنها قيمة المعلومات إن شاء الله تعالى.

 

- أي أن محور الرسالة .. هو الكشف عن أفعال الشيطان مع النبي محمد وهل كان للشيطان تأثير على النبي بأي فعل من أفعاله ؟

- وهل يجوز أو يصح القول .. أن الشيطان يمكن أن يؤثر في النبي محمد أم لا ؟!!

- وسواء كان يؤثر أو لا يؤثر .. فلماذا تم تسليطه على النبي وهو خير الخلق كلهم ..؟!!

- وكيف يتم تسليطه على النبي في حين أن النبي قد مكنه الله من الشيطان فأسلم أو استسلم ؟

 

#- ومن الآيات التي سنناقشها في هذه الرسالة:

1- قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأنعام:68.

 

2- قوله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الأعراف:200.

 

3- قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الحج:52.

 

#- ثم قد تصادفنا آيات أخرى خلال البحث .. أو أحاديث يظهر منها تسلط للشيطان على النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثل أحاديث اعتراض الشيطان للنبي وهو يصلي .. وسأناقشها إن شاء الله .. حتى تستيطع في النهاية الإجابة على سؤال واحد وهو: "هل الشيطان يمكن أن يتسلط على النبي محمد ويؤثر عليه ؟" .. ومن وراء هذه الرسالة ستتفهم أنه لا يمكن للشيطان أن يؤثر على أي نبي أو رسول بصورة عامة.

 

- بل ستدرك حقيقة مهمة جدا .. وذلك من خلال سؤال ستسأله لنفسك وهو: "إذا كانت هذه أقصى قدرة لأفعال الشيطان مع الأنبياء والرسل وكان قائدها إبليس أو صفوة جنوده .. فما الذي يذكره بعض الرقاة والروحانيين عن قدرة الشيطان وأفعاله مع الإنسان الآن ؟!!

 

- وستفهم حينئذ أن ما يذكره هؤلاء إنما هو من إملاء الشيطان عليهم وما يبول به في صدورهم لتعظيم قدرات الشيطان في نفوس المؤمنين حتى يخاف المؤمنين من قدرة الشيطان عليهم .. ثم يخبروا المؤمنين بعد ذلك اقرأو قرآن وصلوا بعد تعظيم قدرات الشيطان في نفوسهم .. !!

- والله من ورائهم محيط بما يفعلون من انتصارهم للشيطان وعصيانهم لقول ربهم: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) النساء:76.

 

#- وقد رأيت أن أبدأ هذه الرسالة بفصلين مهمين كأصل مهم جدا لفهم الرسالة:

- الفصل الأول .. لتوضيح بعض المفاهيم عن التسليط الشيطاني وتمكينة وتأثيره .. وقد وضعت فيه مفاهيم ومصطلحات وتعريفات من اجتهادي الخاص لتنظيم الفهم الصحيح في عقل القاريء لتستقيم المعلومة في عقله بسهولة .. وسيجد بعض المصطلحات مثل مصطلح (سلطان الإذن) وهو غريب عليك ولا أظن أحد ذكره من قبل .. وإن كان هو مصطلح غريب عليك فهو ليس غريب عن مفهوم آيات الله .. ومثل مصطلح (التسليط الشيطاني) وإن كان معروفا إلا أنه معروف عنه بمعنى التمكين الشيطاني وهو كلام غلط من وجهة نظري .. (والتسليط وسلطان الإذن – كلاهما بمعنى واحد) .. ثم وضعت تعريفات بسيطة جدا لسهول الفهم لكل مصطلح ذكرته .. وأرجو من الله التوفيق فيما ذكرته.

   

- الفصل الثاني .. لتوضيح مدى إمكانية تأثير الشيطان على الأنبياء بصورة عامة في أنفسهم وأسرتهم وما يملكون.

 

- ثم انتقل بعد ذلك لمناقشة الآيات والأحاديث التي يفهمها البعض بصورة خاطئة عن تأثير الشيطان في النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

- والله ولي التوفيق.

- اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم.     

  

  ****************

:: الفصل الأول ::

****************

 

..:: س1: ما الفرق بين تسليط الشيطان (سلطان الإذن) وسلطان الشيطان (سلطان التمكين) ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- وجدت من المفيد .. أن نحدد تعريف لمفهوم التسليط والسلطان الشيطاني لأن هذا سيترتب عليه فهم لما سيأتي في الرسالة إن شاء الله .. وجميع ما ستجده في هذا الفصل من مصطلحات وتعريفها وتفصيلها أسفل كل سؤال فهو من اجتهادي ورأي الخاص .. وليس نقلا من مرجع مكتوب أو الكتروني .. والله ولي التوفيق.

 

#- أولا: التسليط الشيطاني على الإنسان - "سلطان الإذن" – "الإرسال الشيطاني":

- لفظ يقال عن حضور الشيطان بقدراته الروحانية .. بقصد محاولة التأثير .. في نفس الإنسان بالوسوسة .. فيدعو هذا الإنسان لوسوسته ..

 

- والتوصيف الدقيق أن يقال: (سلطان إذن) .. أي تسلط بسلطة له فيها إذن من الله يفعل ذلك..، ويمكن أن تقول مجازا (إرسال شيطاني) أي وسوسة يرسلها الشيطان..، وقلت مجازا لأن مصطلح (إرسال شيطاني) يحمل معنيان حسب الفاعل بالإرسال .. فالفاعل قد يكون شيطان من الجن أو شيطان من الإنس .. فشيطان الجن يرسل وسواس .. ولكن شيطان الإنس يرسل شيطان الجن تسليطا على الإنس إما لمزيد وسوسة أو لسحره أو للتجسس عليه ..   

 

- وعموما نجد أن التسليط من حيث الوسوسة هو فقط مجرد دعوة تحريض أو تزيين أو تخويف أو تحزين .. وليس تسليط بسلطان تمكين ليتأثر الإنسان بهذه الوسوسة.

 

#- وإذا كان يمكن حدوث تسليط على الأنبياء والرسل (كما توضيح ذلك في السؤال التالي) .. إلا أنه لا يمكن التأثير عليهم فيستجيبوا لوسوسة الشيطان .. بل ويستحيل تأثير الشيطان في نفس النبي أو الرسول بأي طريقة من الطرق سواء ظاهرا أو باطنا.. لأن التأثير فيهم معناه حدوث سلطان تمكين فيهم .. وهذا محال بنص القرآن.

 

#- ثانيا: السلطان الشيطاني على الإنسان:

- هو لفظ يقال ويقصد به حضور الشيطان بقدراته الروحانية .. وحدوث تأثير فعلي .. مؤقت أو دائم ..

1- فالسلطان المؤقت تظهر صوره في الأحوال التالية:

- تأثير في نفس الإنسان بالوسوسة حتى يستجيب له ويتبعه .. فيوسوس له بالسرقة فيسرق.

- أو بتأثير في بدنه بالصرع .. فيمسه في أعصاب بدنه فيصرعه

- أو بتأثير في عقله بالخبل .. فيمسه في عقله بأوهام لا وجود لها حتى يخرجه من عالم الواقع إلى عالم الوهم.

- أو بتأثير في عينه بالخيال .. فيتلاعب أمامه بصور غير صحيحة أو صحيحه حتى يؤثر على ملكاته الفكرية .. فتارة يجعله يصدق أنه ولي وتاره يجعله يحكم على الناس بهذه الصور التي يجعله يظن أنها صحيحه وغالبا هي باطل.

- أو بتأثير في مسامعه بالهواتف .. فيهاتفه بأمور غيبية حدثت أو قد تحدث ليكون مندوبا للشيطان في العرافة..، أو غير ذلك من الصور التي يخدعه بها عن أحوال الناس فيتهمهم بها.

- أو بتأثير (حين معاهدة الشيطان) في حياته وحياة من ينتمي إليه بالنسب من الأولاد والبنات والأخوات بالدم وكانوا يسكنوا معه وقت المعاهدة.  

- أو بتأثير في خياله بالكذب والتضليل .. من خلال عالم الأحلام .. فيريه ما يريد هو تصديقه مثل أن الشيطان يصنع له أسحار .. وأن أقاربه يصنعون له السحر.. وما شابه هذه المعتقدات التي يعتقدها في نفسه.. ليظل مستمر على ضلاله.

 

2- أما عن السلطان الدائم فله حالة واحدة:

- وهي الإستحواذ الكامل .. فيصل بوسوسته إلى درجة الإستحواذ الكامل لعقيدة وأفكار الإنسان حتى يجعل منه فاجرا أو كافرا .. وذلك باختيار الإنسان لذلك من خلال تزيين الباطل له أو إنكار وجحود الحق جل شأنه .. ولذلك قال تعالى: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ) المجادلة:19.

 

#- وحينما تجد قوله تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) النحل:99-100.

 

#- فهنا تجد ثلاث حالات:

- الأولى: الذين آمنوا متحققين بإيمانهم في الواقع بتوكلهم على ربهم واعتمادهم عليه .. لثقتهم بربهم دون شك فيه بكونه عليما بهم وسميعا لهم وبصيرا خبيرا بأحوالهم فاطمئنوا بذلك أن ربهم قادر مقتدرا قاهرا قديرا .. محيط بكل شيء علما وحفظا وتدبيرا وتصريفا.. فلا غالب له وهو القاهر فوق عباده.

 

- الثانية: الذين يتولون الشيطان أي يتبعونه في بعض المعاصي التي تجعل من الشيطان له سلطة عليهم .. وغالبا تكون بسبب حقوق الخلق .. كأحوال الغيبة التي يهتكون فيها أعراض الناس وأكل المواريث وما شابه ذلك .. فكما هؤلاء تسلطوا بالباطل على خلق ربنا فسلبوهم أمانهم .. فالشيطان يتسلط عليهم بسلطان يتمكن به منهم فيسلبهم أمانهم.

 

- الثالثة: من استحوذ عليهم الشيطان حتى ماتوا على الكفر معتقدين بتزيين الباطل لهم.

 

#- خلاصة القول:

- حينما يقال حدث تسليط .. معناه حصول حضور للكيان الشيطاني مع إنسان بالوسوسة .. ولكن ليس هذا معناه أنه استطاع أن يخضع الإنسان لوسوسته ..

- إلا لو نجح الشيطان بأن جعل الإنسان يستجيب لوسوسته .. مثل شتمه لأحد أو أذيته أو سرقته أو ما شابه.. ، فيكون ارتقى معه الشيطان بفعله من مجرد تسليط وسواس إلى سلطان تمكين .. وانتقل مع الإنسان من مجرد وسواس يدعوه إلى التحريض إلى واقع الإستجابة والتنفيذ .. ولكن هذه الإستجابة إنما تكون عن موافقة الإنسان واختياره في أن يفعل ذلك وليس بإجبار من الشيطان على فعل شيء.

- والله أعلم.

  

***********************

 

..:: س2: هل يمكن أن يتسلط الشيطان على الأنبياء والرسل بسلطان تمكين ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- أولا: محتمل أن يتسلط الشيطان على الإنسان والرسل ..

- قد يتسلط الشيطان على الأنبياء والرسل .. سواء في أنفسهم أو على أعدائهم .. ولكن إن تسلط عليهم فهو بلا سلطان قهر لهم ولا سطان تأثير فيهم .. وبالتالي الشيطان لا يؤثر فيهم مهما اقترب إليهم ..

 

#- ثانيا: يستحيل أن يؤثر الشيطان في الأنبياء والرسل ..

- يستحيل تأثير الشيطان في النبي أو الرسول بأي حال من الأحوال .. لأن هذا معناه أنه تمكن من النبي أو الرسول وأصبح فعل الشيطان حينئذ ليس مجرد تسليط وإنما سلطان.. وهذا محال عقلا وقرآنا ..

 

1- فيستحيل عقلا أن يتمكن الشيطان من نفس النبي أو الرسول .. فلأنه لو تصورنا أن الشيطان يمكن أن يؤثر في نبي ويتمكن منه .. فما يدرينا حينئذ أن الشيطان لم يتمكن من النبي في الوحي المرسل إليه وأفسده عليه ..؟!

- ولو كان الأمر كذلك فهذا معناه: أن هذا النبي ليس معصوم من الشيطان ..!! وطالما ليس معصوم من الشيطان فكيف نعتقد أو نثق فيه أصلا أنه نبي أو رسول ؟!!

 

2- والعقل يقول أيضا: أنه لو تمكن الشيطان من النبي أو الرسول .. فهنا نفهم حينئذ أن هذا النبي أو الرسول لم يجاهد الشيطان .. وعجز عن الإستعانة عليه بربه حتى قهره الشيطان وتمكن منه .. فيكون عصى أمر ربه في مجاهدته للشيطان وفي عدم الإستعانة بربه .. وهذا ما لا يمكن تصور حدوثه من نبي ولا رسول ..!!

 

3- ويستحيل بنص القرآن أن يتمكن الشيطان من نفس النبي أو الرسول .. ولو للحظة .. فهذا ممنوع بحكم إلهي أزلي أبدي .. كما جاء في القرآن.

#- إذ قال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) الحجر:42 ..، وكذلك قوله (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) النحل:99 ..، والأنبياء والرسل ليسوا من الغاويين أي ليسوا من الذين عصوا الله باتباع الشيطان..، بل كانوا مكتفين بربهم متوكلين عليه .. ومن اكتفى بالله كفاه ومن توكل حقا على الرحمن فلا سلطان عليه من الشيطان.

 

#- وحينما قال تعالى في آدم: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) طه:121 .. فآدم لم يكن نبيا .. وإنما مجرد إنسان عادي محكوم بتنفيذ أمر إلهي .. وقد بدأ عصر النبوة مع نزول آدم للأرض.

 

#- وكذلك لما قال تعالى عن موسى : (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) القصص:15 .. فموسى لم يكن نبيا رسولا حينئذ بل مجرد إنسان عادي .. فضلا عن كون موسى لم يقصد إيذاء المصري بقتله ..، وإنما دفعه بيده فمات.

 

#- وخلاصة القول:

- اللي يقول أن الشيطان يمكن أن يؤثر في النبي أو الرسول ظاهرا أو باطنا .. فهو يكون مخطيء ومخالف للقرآن .. وكلامه باطل جدا بل وفيه انحياز واضح جدا للشيطان وليس للقرآن ..!! ونعوذ بالله من الخذلان ..

 

- وبالتالي لا يوجد تأثير مباشر من الشيطان في نفوس الأنبياء بالوسوسة .. لأن ظهور التأثير عليهم يعني حدوث سلطان تمكين عليهم .. وهذا طعن صريح في كلام الله السابق ذكره من أن الشيطان لا سلطان له على عباده .. وأعلى عباده درجة ومكانة هم الأنبياء والمرسلين.

- الله أعلم.

 

***********************

 

..:: س3: ما هي طرق وأساليب وحدود التسليط الشيطاني مع الانبياء والرسل ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- للشيطان طريقان أو أسلوبان حينما يتسلّط على الأنبياء والرسل .. وفيما يلي بيان ذلك:

 

#- أولا: تسليط مباشر ..

- من خلال المحاولة معهم بالوسوسة .. وهذا قد يحدث مع الأنبياء ..

أ- ودليل ذلك مثل قوله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فصلت:36.

 

- فمحتمل إمكانية حدوث نزغ من الشيطان مع النبي (وإن كان هذا لم يحدث – ولكن كان محتمل حدوثه) .. وإلا ما كان الله طلب من نبيه أن يستعيذ بالله منه ..

 

- والنزغ الشيطاني: هو بداية إلقاء الوسوسة في الصدر بغرض اتخاذ إجراء ضد الآخر نتيجة تزيين سوء ظن بالآخر .. فإذا استشعر الإنسان بداية ذلك في النفس فليستعذ فورا حتى لا يزداد الوسواس في النفس بصورة قد يصعب السيطرة عليها إلا بارتكاب ما لم يحمد عقباه.

 

- ولما قال الله لنبيه استعذ بالله .. فهذا معناه أن من اكتفى بالله كفاه .. وأنه لا قدره على دفع وسواس الشيطان إلا بالله .. وليس بمعونة الجن كما يقول خدامين الجن وعبيده.

 

ب- ومن الأدلة على إمكانية حدوث تسليط مباشر على الأنبياء بالوسوسة .. هو ما جاء في الحديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مِنكُم مِن أحَدٍ .. إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ .. قالوا: وإيَّاكَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: وإيَّايَ .. إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَنِي عليه فأسْلَمَ) صحيح مسلم.

- وكلمة (فأسلم): بمعنى أكون في سلامه من شره .. أو فأستسلم ويأس من محاولته معي .. أو بمعنى أعلن إسلامه وهو الذي خضع لي وآمن معي .. والله أعلم بالمقصود.

 

- إذن: إمكانية حدوث تسليط على الأنبياء والرسل ممكنة .. ولكن أن يكون له سلطان عليهم بقبول وسوسته .. فهذا مستحيل حدوثه .. لدوام مجاهدتهم له واستعانتهم بالله عليه فيحميهم ويعصمهم منه ..

 

#- ثانيا: تسليط غير مباشر..

- من خلال وسوسته بالعداوة وتحريضه للنفوس المحيطة بالأنبياء والرسل على أذيتهم.

 

- يعني الشيطان يؤثر في نفسية الآخرين من حول الأنبياء والرسل حتى يحرضهم على محاربة ومعاداة وتكذيب الأنبياء والرسل.. وهذا كثير في القرآن:

- مثل قوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) لقمان:21 ..

- ومثل قوله: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) العنكبوت:38.

- ومثل قوله عن تزيين الشيطان القوة في نفوس الكفار في موقعة بدر الكبرى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ) الأنفال:48.

#- إذن: التسليط من الشيطان على الأنبياء والرسل قد يحدث .. بصورة مباشرة من خلال بعض أحوال الوسوسة وهو النزغ .. أو التسليط بصورة غير مباشرة من خلال تحريض الكفار لمحاربة الأنبياء والرسل.

 

#- ثالثا: التسليط الشيطاني .. محدود ومحكوم بإذن الله.

- لا تظن أن التسليط الشيطاني يتم حسب هوى الشيطان ومزاجه .. لا .. وإنما حسب ما أراد الله للإنسان من حصول مس الشيطان له من وسوسه أو تخبط ..

 

#- ولذلك قال رب العزة: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) سبأ:20-21.

 

#- ومعنى قوله (سلطان إلا): الإستثناء هنا منقطع .. والمعنى أي نزعنا عنه كامل القدرة من التسليط بالتمكين من أي إنسان بأي حال من الأحوال (مهما كانت عقيدته) .. إلا من خلال ما منحناه من الإذن له فيه بالوسوسة وغير ذلك منذ الأزل .. كما كان قال له تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) الإسراء:64.. أي أدعوهم بوساوسك إلى معصيتي .. فلك الإذن في ذلك ولكن حسب مشيئة الله وتقديره..

 

- قوله (لنعلم): أي لنكشف ما كان في علمنا أمام الجميع .. مَن هو مؤمن ومن هو خلاف ذلك .. حتى لا يقول أحد: أن الله ظلمه في سابق علمه وحكم عليه دون اختبار له .. وأنه لو كان اختبره لكان الأمر خلاف ذلك .. لا .. فقد أدخلناك الإختبار لتكون شاهدا على نفسك بأن ما كان في علمنا فيما قدرناه عليك من اختياراتك هو حقا .. وربك هو المحيط بكل شيء علما وحفظا وتدبيرا.

 

#- وخلاصة القول:

1- إذا كان محتمل أن يتسلط الشيطان على الأنبياء .. فإنّ ذلك يكون بمشيئة الله .. ولعل الحكمة من ذلك هي إظهار مجاهدة النبي للشيطان أمام الناس .. ليعلموا وجوب اتباعهم له في مجاهدة الشيطان ..، وإذا كان هذا حال النبي .. فمن باب أولى أن يكون من هم دونه في الدرجة والمكانة أَولى بمجاهدة الشيطان .. وعلى هؤلاء الذين هم أقلّ درجة أن يتّبعوا من هم أعلى منهم مكانةً ودرجةً .. وهم الأنبياء والرسل .. حتى ينجوا من أن يكون للشيطان تأثيرا عليهم.

 

2- يستحيل تصور إمكانية تأثير من الشيطان في نفس النبي أو الرسول .. لا في خاطره بالوسوسة .. ولا في بدنه بالمرض، ولا في عقله بالضرر، ولا في ماله بالتلف، ولا في أسرته بالحسرة .. إذ أن الله لم يعطيه القدرة على ذلك .. لأن هذا يوصف حينئذ بكونه سلطان تمكين من الشيطان على النبي .. وهذا مخالف للعقل وللقرآن كما سبق وشرحنا..، بل ولو كان الله أعطى هذه القدرة للشيطان على الأنبياء لكان فعل ذلك مع عموم الخلق من باب أولى ليكونوا عبيدا له مدى حياته ..

 

3- للشيطان حدود في تسليطه على الإنسان عموما سواء كان نبي أو صبي .. وهذه الحدود لا يستطيع أن يتجاوزها .. بدلالة قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) سبأ:21.

- فكن أخي الحبيب واعياً وفاهماً .. وتدبّر الأمر جيداً.

- والله أعلم.

 

**********************

 

..:: س4: ما هي الحكمة من التسليط الشيطاني على الأنبياء والرسل ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- لعل ما أجده من الحكمة في تسليط الشيطان على الأنبياء هو في الآتي:

1- كل ما هو تسليط شيطاني .. سواء بالوسوسة المباشرة أو بوسوسة الشيطان للغير لتحريضه عليك .. فهو مجرد اختبار لك .. إذ قال تعالى: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) سبأ:20-21.

 

2- ولعل من الحكمة في ذلك .. أن تفهم كمؤمن .. أنه لا أحد إلا ويصيبه تسليط من الشيطان حتى ولو كان نبيا أو رسولا .. وإذا كان هذا هو حال الأكابر .. فلماذا أنت تعترض وتسخط في حين من هم أفضل منك يحدث له ذلك .. ؟!!

 

3- ولعل من الحكمة في إظهار تسليط الشيطان على الأنبياء .. هو إظهار مجاهدة النبي له أمام الناس .. فيتعلم الناس أن طرد الشيطان إنما يكون من خلال العمل بالإيمان الصادق .. إذ أن كل من صدق إيمانه لا تأثير للشيطان عليه لأنه يدخل في مكانة قوله تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا) الإسراء:65.

 

4- هذا التسليط على الأنبياء .. يكشف لك أن هؤلاء الأنبياء والرسل هم أهل صدق وإخلاص مع الله حتى آخر لحظة في حياتهم .. ولم يستطيع الشيطان أن يؤثر في أنفسهم ولا من خلال الوسوسة لأعدائهم .. فظلوا ثابتين مع الله ولم يشكو من هذا التسليط ... بل استعانوا بالله عليه .. لأنهم يعلمون أنه من جملة الشرور التي يختبر الله بها الإنسان.

 

@- ولا تنسى أخي الحبيب ..

- أنه من اكتفى بالله كفاه .. ومن أصلح باطنه من المعتقدات الخاطئة وسوء الظن بالخلق وأحسن الظن بالخالق .. فهو في حياة طيبة ونفس راضية وله البشرى بالخير إن شاء الله. 

- والله أعلم.

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .