ج2: رسالة عن إمكانية تسلط الشيطان على النبي محمد أو الأنبياء - هل الشيطان له سلطان تمكين على الأنبياء بالوسوسة - هل الأنبياء معصومين من النسيان - لماذا اختلف العلماء في مسألة تاثير الشيطان على النبي بالنسيان.

    بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

هل تسلط الشيطان على النبي محمد وأثر عليه أو تمكن منه   

بالمرض أو بالنسيان أو بالإنتحار أو بالتخريف في الوحي

(الفصل الثاني)

#- فهرس:

:: الفصل الثاني :: الشيطان وأقصى قدراته مع الأنبياء - هل استطاع الشيطان أن يؤثر في النبي محمد حتى أنساه أمر من أوامر ربه ؟!! ::

1- س5: هل الشيطان له سلطان تمكين على الأنبياء والرسل في نفوسهم بالوسوسة وفي أجسادهم بالمرض وعلى عقلهم بالخبل والجنون ؟

 

2- س6: هل الأنبياء معصومين من النسيان أم يمكن أن يحدث لهم ؟

#- أولا: اعتقاد العلماء في إمكانية حدوث نسيان للنبي ..

@- إمكانية نسيان النبي من حيث طبيعته الإنسانية ..

@- حدود إمكانية نسيان النبي من حيث طبيعته النبوية ..

#- ثانيا: مدى إمكانية حدوث نسيان للنبي من الشيطان ..

 

3- س7: لماذا اختلف العلماء في مسألة تأثير الشيطان على النبي بالنسيان ؟

@- النموذج الأول: عدم تمييز بعض العلماء النسيان عند النبي من حيث طبيعته البشرية ومن حيث طبيعته النبوية.. فخلطوا هذا بذاك.

@- النموذج الثاني: منع تسلط الشيطان بالوسوسة على الأنبياء والرسل .. ثم إمكانية حدوث تأثير من الشيطان على النبي فينسيه في آية الأنعام ..!!

****************

:: الفصل الثاني ::

****************

 ..:: س5: هل الشيطان له سلطان تمكين على الأنبياء والرسل في نفوسهم بالوسوسة وفي أجسادهم بالمرض وعلى عقولهم بالخبل والجنون ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- سأكتفي هنا فقط بذكر إجابة بسيطة على هذا السؤال .. وهو أنه يستحيل على الشيطان أن يتسلط بالتأثير في نفوس الأنبياء أو على أجسادهم .. ليه ؟

1- لأنه لو حدث ذلك فعلا .. فهذا معناه ان أصبح للشيطان سلطان تمكين من الأنبياء في أنفسهم بوسوسته فانقادوا له.

 

2- ولو أثر في أجسادهم بالمرض .. فلا مانع حينئذ أن يتصرف في عقولهم بالخبل والجنون..، ولكان استطاع قهر النبي أو الرسول حينئذ .. ولظهر عجز هذا النبي في التعوذ من الشيطان ..، ولظهر حال أن هذا النبي أضعف حالا من زوجاته وأصحابه لأنه عجز عن أن يتسلط عليهم أيضا بالمرض .. فثبت بذلك وهن هذا النبي ومدى ضعفه واستهزاء الشيطان به .. وهذا من أحقر ما يمكن أن يتصوره عقل أو يعتقد قلب في حق نبي أو رسول .. او حتى رجل صالح ..!!

 

#- والتصور بحدوث سلطان تمكين للشيطان على عقل أو جسم أو صدر أي نبي أو رسول .. إنما هو نوعا من المخالفة الصريحة للقرآن .. إذ قال تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) النحل:99 ..، وسبق وناقشنا هذه الموضوع بالتفصيل في الفصل السابق فارجع إليه.

 

#- ملحوظة هامة جدا:

- سبق وناقشنا مسألة تسلط الشيطان على الأنبياء والرسل في أنفسهم وأجسادهم وأموالهم وأولادهم .. ومدى إمكانية حدوث ذلك التأثير مع النبي والأولاد والأموال .. حيث تكلمت عن ذلك بكل التفاصيل التي قد تخطر في بالك ولا تخطر ببالك .. وبما لم يدون من قبل .. وتكلمت في كل ما سبق سواء في حال الشيطان الروحاني أو في حالة تجسيده .. وذلك تجده بتفاصيل التفاصيل في فصل كامل عند رسالة (قصة أيوب عليه السلام) في الفصل الحادي والعشرون .. تحت عنوان: (س46: هل يصح الإعتقاد بأن الشيطان يمكن أن يتسلط على الأنبياء فيتمكن منهم في أنفسهم وأجسادهم وأموالهم وأولادهم ؟).

 

- وكذلك ناقشنا مسألة أتت في فتوى تجيز تسلط الشيطان بالضرر على الأنبياء ولارسل .. في نفس رسالة قصة أيوب عند السؤال رقم (46) تحت عنوان فرعي: (خامسا: هل يمكن للشيطان أن يتسلط على أي نبي في جسمه بالضرر بدليل قول النبي محمد (اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ - وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا) ؟) .

 

- وكذلك ناقشنا مسألة عن وخز الجن للإنس وأثبتنا بطلان حدوث ذلك ..  وذلك في رسالة قصة أيوب عليه السلام .. في الفصل الثاني والعشرون .. تحت عنوان: (س47: هل يمكن التصور أن ابتلاء أيوب على جسده يمكن حدوثه من الشيطان لوجود حديث قيل فيه أن الجن ممكن يصيبوا الإنس بالطاعون ؟)

 

- وكذلك ناقشنا مسألة تسلط وظهور الشيطان للأنبياء .. وما صاحب ذلك من خرافات وروايات باطلة في هذه التسليطان .. مثل ما قيل عن تسلط الشيطان على آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسليمان وداود ولوط وذا الكفل والنبي صلى الله عليه وسلم .. وذلك في رسالة (الملاك والجن والشيطان وإمكانية تمثيله وتجسيده في صورة إنسان) بداية من الفصل الثامن سؤال رقم (35) وحتى الفصل الخامس عشر السؤال رقم (61).

 

#- فارجع إلى هذا ماسبق الإشارة إليه .. ستجد ما يكسبك متعة شرعية وعقلية قد لا تحظى بها في كتاب حسب ما أظن .. والله ولي التوفيق. 

 

**********************

 

..:: س6: هل الأنبياء معصومين من النسيان أم يمكن أن يحدث لهم ؟ ::..

 

#- قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأنعام:68.

 

- قد يظن البعض من الآية السابقة .. أن الشيطان أنسى النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه بالإعراض عن مجالسة بعض القوم .. وهذا خطأ .. وقبل الخوض في تفسير الآية .. ومعرفة قوله (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ) .. فلابد من مقدمة في معرفة ما قاله العلماء عن إمكانية نسيان الأنبياء .. ثم مناقشة تفسير الآية .. والله ولي التوفيق.

 

==================

 

#- أولا: اعتقاد العلماء في إمكانية حدوث نسيان للنبي ..

 

- للعلماء في مسألة نسيان الأنبياء .. لهم فيها تصنيف من حيث إمكانية ذلك .. من حيث طبيعتهم الإنسانية ومن حيث طبيعتهم النبوية .. وإليك بيان ذلك باختصار ..

 

1- إمكانية نسيان النبي من حيث طبيعته الإنسانية ..

أ- قال أهل السنة والجماعة .. الأنبياء ليسوا معصومين من النسيان مطلقا ولكن العصمة فقط في تبليغ الوحي من الله .. وإنما قد يحدث لهم نسيان كما يحدث لعموم الخلق .. واستدلوا في ذلك بما قاله تعالى في حق سيدنا محمد: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) الكهف:24 .. أي إذا نسيت أن تقول لفعل ستفعله (إن شاء الله) فإن نسيت أن تقول (إن شاء الله) فانتبهت لكونك نسيت فأعد كلامك مرة أخرى واجمع كلامك بالمشيئة وقل سأفعل كذا (إن شاء الله) ..، وكذلك وقع النسيان من موسى من موسى عليه السلام (لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ) الكهف:73 .. وكذلك أثبت الله النسيان لآدم: (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) طه:115.

 

- إذن: النسيان كطبيعة إنسانية يمكن أن تحدث لأي إنسان في أمور الحياة كنسيان موعد أو نسيان شيء تركته في مكان ..

 

#- ملحوظة هامة جدا:

- معنى قوله (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) .. ليس بمعنى أن الله يطلب من نبيه أن يذكره لو نسى ذكره .. لا .. هذا فهم خاطيء .. فليس المعنى إذا نسيت ذكر ربك فاذكره .. وإنما المقصد هو ما يأتي في المعاني التالية:

1- بمعنى: (إذا نسيت) أن تقول إن شاء الله حينما ستقدم على فعل شيء.

 

2- معنى آخر: إذا نسيت شيئا وأردت أن تتذكره فاذكر الله .. فبذكره قد تنال مرادك إن أراد الله لك ذلك.

 

3- وللآية معنى آخر: إذا نسيت أن تقول (إن شاء الله) في أول كلامك .. فاذكره في آخر كلامك .. فمثلا إن أردت القول: (سأذهب غدا لأفعل كذا) .. فإن نسيت أن تقول (سأذهب إن شاء الله غدا لأفعل كذا) .. فقلها هكذا (سأذهب غدا لأفعل كذا إن شاء الله).

- والله أعلم.

==================

 

2- حدود إمكانية نسيان النبي من حيث طبيعته النبوية ..

 

- هنا العلماء يفرقون بين العصمة في تبليغ الوحي وعدم العصمة في أداء العبادات .. وإليك بيان ذلك:

- الأول: تمام العصمة في عدم نسيان تبليغ الوحي .. حيث أن الأنبياء معصومين في تبليغ الوحي .. سواء في الأقوال أو في الأفعال .. فما يخبرهم به الوحي .. فهم يبلغوه كاملا دون نسيان منهم مطلقا .. لأنهم مؤيدون بالله في ذلك الأمر .. كما قال تعالى عن وحيه للنبي صلى الله عليه وسلم: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم:3-4.

 

- الثاني: عدم العصمة من النسيان أثناء تأدية أفعال بعض العبادات .. (وليس نسيان العبادة – يعني النبي ما ينسى العبادة) .. لكن النبي قد يسهو بحكم طبيعته البشرية أثناء تأدية فعل شيء في العبادة أثناء ممارسته لها .. (ولكن بعد أن يكون قام بتبليغها كما طلب منه الوحي).

 

- مثل تأدية فرض الصلاة .. فقد يسهو النبي في تذكر عدد ركعات الصلاة .. وذلك لانشغاله بالحق حتى استغرق فيه أي غاب بكليته عن وجوده وذلك يكون بحضور روحه في تلك اللحظة مع مولاه .. وهذا هو الإستغراق وكأنه انسلخ بروحه من جسده في تلك اللحظة وهذا يحدث غالبا في حال السجود أو في حال القيام مع القراءة .. وليس فقط مجرد حضور قلب مع كلام الله .. ومع الإستغراق قد ينسى النبي الركعة التي كان يفعلها فيؤديها على غالب الظن منه..

    

- وحكمة ذلك من إنساء النبي في ذلك الموقف: هو أن يجعل من سهو النبي تشريع للأمة في مواقف معينة قد تتكرر مع عموم لناس في مختلف أطوار الحياة حين أدائهم لتلك العبادة.

 

@- ملحوظة هامة جدا:

- بعض العلماء يقول: أن الأنبياء معصومين مطلقا من النسيان .. وإن صدر منهم ما يدل على ذلك فهذا على سبيل أنه يقصد فعل ذلك ليظهر من وراء ذلك حكم تشريعي.

 

- إلا أن هذا الرأي أبعد ما يكون عن الصواب .. لأنهم نفوا عن النبي إمكانية النسيان مطلقا .. وهذا مخالف لنصوص القرآن أصلا .. ويحتاجون لتبريرات كثيرة في تأويل الآيات .. نحن في غنى عنها .. لأن المسألة أبسط من أن يدخلها جدال ..!!

 

===================

 

#- ثانيا: مدى إمكانية حدوث نسيان للنبي من الشيطان ..

 

- وهذه الجزئية فيها اتفاق وفيها خلاف بين العلماء ..

1- اتفق العلماء .. أن النبي معصوم في تبليغ الوحي ولا قدرة للشيطان على أن ينسيه شيئا منه .. وهذا محل اتفاق بين العلماء.

 

2-  واختلف العلماء على رأيين في الآتي:

- الرأي الأول: قاله بعض العلماء .. وقولهم مبني على أنه لا يمنع أن يكون من تسليطات الشيطان على الإنسان هو النسيان .. ولكن في المباحات وليس في التبليغ .. أي يوسوس لهم بفعل المباح له فعله حتى يشغله عن أمر إلهي آخر .. مثل أن يشغلك بعملك حتى تغفل وتنسى فرض الصلاة .. والبعض أشار في ذلك بآية: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأنعام:68.

 

- فكان الأمر بالنهي موجود للنبي .. ولكن الشيطان أنسى النبي هذا الأمر من خلال وسوسته للنبي بتحريضه على مجالسة هؤلاء القوم ودعوتهم للإيمان لعل منهم من يستجيب له (وهذا فعل خير ومباح) فشغله به .. ولكنه بذلك أنساه الأمر الإلهي وهو (فأعرض عنهم) ..!!

 

- الرأي الثاني: وهو رأي كثير من العلماء .. إذ قد أنكروا أن يكون للشيطان تأثير على النبي واعتبروه من سلطان الشيطان على الأنبياء لو تأثروا من الشيطان بأي تأثير .. واستدلوا على ذلك بالآتي:

- بقوله تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) الحجر42 .. ولقوله تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) النحل99-100.

 

- وقالوا ما معناه: أن الأنبياء لو ظننا أنهم اتبعوا وسوسة الشيطان في أي شيء .. فهذا معناه أنهم من الغاويين والذين يتولون الشيطان وليسوا من المخلصين .. لأنه يتبع الشيطان من هم من موصوفين بالغواية أي الضلال .. فكيف يمكن نظن في نبي أو رسول أنه اتبع وسواس الشيطان في أي شيء ؟!!

 

- واستدلوا بقوله تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ...) إبراهيم:22.

 

- وقالوا ما معناه: لو ظننا أن النبي استجاب للشيطان في أدنى وسوسة له .. فهذا معناه أنه استجاب للشيطان .. وهذا محال في حق الأنبياء تصوره أن يكون مستجيبا لعدو الله .. بل وهذا معتقد مخالف لكلام الله ..!!

 

- إذا علمت ما سبق أخي الحبيب ..

- فهذا أوان شرح قوله تعالى: (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) الأنعام:68 .. وسأكتفي فيه بنقل آراء العلماء الذين لم يقولوا بخرافة استدراج الشيطان للنبي حتى أغفله وأنساه أمر ربه .. لأنه رأي منكر عقلا وشرعا .. والله ولي التوفيق ..

 

************************

 

..:: س7: لماذا اختلف العلماء في مسألة تأثير الشيطان على النبي بالنسيان ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- في السؤال السابق .. ستلاحظ اختلاف العلماء في مسألة تأثير الشيطان على النبي بالنسيان حين فعله لأمر مباح .. وعلماء آخرون أنكروا ذلك .. ولكن لماذا حدث هذا الإختلاف ؟!!

 

- من خلال تتبعي لكلام العلماء وجدت أن سبب اختلافهم .. هو سبب عدم اتفاقهم على مبدأ صحيح يتوصلون به لنتائج صحيحة .. بل وتجدهم ذهبوا لمسائل فرعية خرجوا بها عن سياق الآية .. حتى خلطوا ما بين مفهوم النسيان لكون النبي إنسان بشري قد ينسى .. وبين مفهوم النسيان للنبي كونه نبيا صاحب رسالة قرآنية لا يمكن نسيانها وهذا وعد من الله له ..، بل وخلطوا بين منع تأثير الوسوسة على الأنبياء في آيات .. ولكن في آية الأنعام (وإما ينسينك الشيطان) أثبتوا تأثير الوسوسة ..!!  

 

- سأوضح لك مسلكين في غاية الغرابة .. يتم الكلام عليهما في كتب التفاسير المطولة في تفسيراتهم عند قوله تعالى: (وإما ينسينك الشيطان) الأنعام:68.. فمن ذلك:

 

@- أولا: المسلك الأول: عدم تمييز بعض العلماء النسيان عند النبي من حيث طبيعته البشرية ومن حيث طبيعته النبوية.. فخلطوا هذا بذاك.

1- قول الله للنبي صلى الله عليه وسلم: (وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) الكهف:24.

 

2- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّما أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أنْسَى كما تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي) صحيح البخاري..، وهذا الحديث قيل حينما النبي سهى في صلاته فزاد عليها ركعة فسأله الصحابة في ذلك .. فقال لهم النبي الحديث السابق ذكره .. ثم سجد سجدتي سهو.

 

2- وقالوا أن الله قال في آدم: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) طه:115.

 

3- وقال في يوسف: (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) يوسف:42.

 

4- وقال عن يوشع فتى موسى: (قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا) الكهف:63..، وزعموا أن يوشع كان نبيا ..!!

 

@- والرد الطبيعي لكل ما سبق هو الآتي:

1- هل النبي هو الذي ينسي نفسه كما في قوله (وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) ؟!

- أكيد .. لا .. وإنما يخاطبه الله بحكم طبيعته البشرية .. أنه كلما نسى أمرا فعليه أن يذكر الله .. فهذه وسيلة للتذكرة.

 

2- أما عن قول النبي في الحديث: (إنَّما أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أنْسَى كما تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي) فالنبي بنفسه قال أنه بشر .. ولذلك أثبت لنفسه صفة النسيان من حيث كونه بشر وليس من حيث كونه نبي.

 

3- أما عن قوله تعالى في حق آدم: (عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) .. فهل كان آدم نبيا حتى نقول أنه نسى أمرا نبويا ؟!!

- ثم هل نسب الله النسيان في الآية للشيطان ؟

- أكيد .. لا .. لأنه نسيان عن طبيعة بشرية عادية ولا دخل للشيطان بها .. بل كان الأجدر أن ينسب للشيطان النسيان في قصة آدم على وجه الخصوص لو كان الشيطان يستطيع ذلك .. ولكن لما كان النسيان لآدم لا علاقة به للشيطان .. فقد علمنا أن الشيطان لا قدرة له على إنساء أحد إلا من خلال استغفاله وليس من خلال التأثير عليه في عقله .. فافهم يا مؤمن.

 

4- أما عن قول يوسف: (فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) فالذي أنساه الشيطان ذكر ربه هو الشخص الذي نجى إذ قد نسى أن يذكر يوسف عند ملك مصر حينما انشغل مع الخدم في قصر ملك مصر حتى أتت قصة رؤيا الملك وكان هذا الخادم هو الذي تذكر حينئذ يوسف وذكره للملك.. ونسيان الشيطان للخادم بمعنى جعله مشغولا باعمالا كثيرة يهتم بها حتى نسى بحكم طبيعته أمر يوسف.

- ولا علاقة للشيطان مع يوسف بالنسيان .. بل وكيف بالله عليكم شخص ولو كان عادي وليس نبي .. أينسى ربه في تلك المحنة ؟!!

- بقى ده كلام يا ناس ؟!!

 

5- أما عن قول فتى موسى وهو يوشع: (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ) فيوشع ينسب النسيان لنفسه كطبيعة بشرية .. ثم ينسب حقيقة سبب حدوث النسيان للشيطان لكونه أشغله بفعل أمور أخرى حتى نسي أمر الحوت .. وليس بمعنى أن الشيطان زرع في نفس يوشع النسيان ..!!

- ثم أن يوشع لم يكن نبيا آنذاك .. بل كان مجرد فتى .. فما وجه الإستدلال بالآية في تاثير الشيطان بالنسيان على الأنبياء ؟!!

- فما هذا التخبط ..!!

 

#- ومما سبق يتبين لك أخي الحبيب .. أمر مهم:

- أن جميع ما استدلوا به باطل في مسألة احتجاجهم أن الشيطان يمكن ان ينسي الأنبياء .. إذ أن هذه الادلة التي ذكروها لا علاقة لها بتأثير الشيطان على الأنبياء طرفة عين .. لا من قريب ولا من بعيد .. وفساد إستدلالهم هو لأنهم خلطوا بما هو طبيعة بشرية وتغافلوا عما هو طبيعة نبوية ..

- وهنا يصح أن أقول: هؤلاء العلماء أنساهم الشيطان التمييز بين الطبيعة البشرية والطبيعة النبوية ..!!

 

#- ملحوظة: تفسير القرطبي (ج7 ص14) .. من التفاسير التي أشارت لبعض كلام العلماء الذي يجوز النسيان على الأنبياء ومن هؤلاء العلماء كان أبو بكر بن العربي .. وقد أشار أبو بكر لحديث النبي وآية آدم .. ولكنه نسى رحمه الله ان الآية التي يتكلم عنها لا تتكلم عن مجرد نسيان النبي كآية سورة الكهف مثلا .. وإنما الآية التي يتكلم عنها هي آية تتكلم عن نسيان النبي من الشيطان .. والفارق كبير جدا .. فمجرد نسيان النبي جائز حال كونه بشر .. وإنما نسيان النبي من الشيطان فهذا غير جائز ولا يمكن تصوره ومخالف للقرآن ..!!

 

- إذن المشكل هنا: هو أن بعض العلماء اخذ مسألة إمكانية نسيان الأنبياء ووضعوا عند آية (وإما ينسينك الشيطان) الأنعام:68.. ونسوا أن النسيان في تلك الآية متبط بكلمة الشيطان ..!!

 

#- فانتبه أخي الحبيب .. ولا تنسى أن النسيان منه ما يجوز في حق النبي .. وما لا يجوز في حقه .. وسبق أو ضحنا ذلك في السؤال السابق .. فانتبهوا. 

  

@- ثانيا: المسلك الثاني: منع تسلط الشيطان بالوسوسة على الأنبياء والرسل .. ثم إمكانية حدوث تأثير من الشيطان على النبي فينسيه في آية الأنعام ..!!

- ومن غرائب ما تجده في كتب المفسرين .. أنك تجد نفس هؤلاء العلماء هم من يقررون باستحالة أن يؤثر الشيطان في النبي بوسوسته .. وستجد كلامهم على سبيل المثال في قصة أيوب إذ ينكرون أن يكون الله ابتلى أيوب بسبب ذنب قد فعله أيوب نتيجة وسوسة الشيطان له .. وكذلك عند آية (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الحج:52 .. ينكرون ويقبحون من يصدق قصة أن يكون الشيطان أجرى على لسان نبيه بعض كلمات فيها تعظيم للأصنام .. وهي القصة المشهورة والمكذوبة والمتداولة تحت عنوان قصة الغرانيق العلا ..!!

 

- فلماذا عند آية (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ) ظنوا أنه يمكن للشيطان أن ينسي النبي أمرا من أوامر الله .. وهو الإعراض عن مجالسة المستهزئين ودعوتهم في حال استهزائهم ؟!!

 

 - حقيقة هذا شيء يثير الإستغراب من هؤلاء العلماء .. !!

- ويمكنك مقارنة أقوالهم في قصة أيوب وآية الحج السابق ذكرها .. ثم تقارنها بتفسيرهم لآية الأنعام (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ) .. وذلك دون الإكثار عليك من أقوال العلماء .. وقد أشرت إليك بأماكن تضارب أقوال بعضهم في تفسير القرآن .. فينكرون تأثير الشيطان على الأنبياء .. ثم عند آية الانعام يقولون أن الشيطان وسوس للنبي حتى أنساه .. ثم يقولون: ليس سلطان تمكين .. !!

- فإذا لم يكن سلطان تمكين .. فكيف أنساه ؟!!

 

 

#- أخي الحبيب .. إذا قرأت ما سبق واستوعبته جيدا ..

- وعلمت أنه يوجد لخبطة وتضارب في كلام العلماء وخلط المسائل ببعضها .. فإليك نماذج من تفاسير آية الأنعام في الجزء الخاص بقوله تعالى: (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ) الأنعام:68 .. وذلك في الفصل القادم إن شاء الله.

  *****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .