ج27: رسالة التعريف بأحوال الذاكرين في طريق الإيمان - ما معنى حالك مع الله أو حالك الإيماني - قصة حال حنظلة وأبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم - كيف أصبحت يا حارثة – كيف أصبحت يا بن عوف – كيف أصبحت يا معاذ - النبي يكشف عن جواز مصافحة الملائكة لك في مجلس الذكر وفي الطريق وعلى فراشك .. وممكن تراهم بالعين أيضا - كل حال إيماني يخالف حال النبي صلى الله عليه وسلم هو حال فاسد - لا تجعل الشيطان يقول لك: لا نصيب لك في مقام القلب السليم - صراع طائفي حتى تركوا الصحيح وتشاكلوا على الضعيف - هكذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم حال حقيقة أهل الإيمان - هكذا يصف لك النبي صلى الله عليه وسلم الطريق لتذوق حلاوة الإيمان حتى تدرك حقائقة - احذر من تقلب أحوالك الإيمانية ولا تأمن نفسك.

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة التعريف بالحقائق والضوابط الإيمانية

لطالب القرب من الحضرة الإلهية

طريقة ومنهج أهل الإيمان في العلاقة مع الله

(أساسيات واجبة  - وضوابط لازمة – وأصول ثابتة  - وتنبيهات هامة)

(الجزء السابع والعشرون)

1- أحوال تحدث للذاكرين في طريق الإيمان -

* فهرس :

::الجزء السابع والعشرون:: أحوال تحدث مع الذاكرين الله كثيرا ..

:: الفصل الأول – مفهوم الحال الإيماني ::

1- ما معنى حالك مع الله أو حالك الإيماني ؟

2- قصة حال حنظلة وأبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟

3- النبي يكشف عن جواز مصافحة الملائكة لك في مجلس الذكر وفي الطريق وعلى فراشك .. وممكن تراهم بالعين أيضا ؟

4- كل حال إيماني يخالف حال النبي صلى الله عليه وسلم .. هو حال فاسد ؟

5- لا تجعل الشيطان يقول لك: لا نصيب لك في مقام القلب السليم ؟

6- كيف أصبحت يا حارثة – كيف أصبحت يا بن عوف – كيف أصبحت يا معاذ ؟

7- صراع طائفي حتى تركوا الصحيح وتشاكلوا على الضعيف ؟

8- هكذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم حال حقيقة أهل الإيمان ؟

9- هكذا يصف لك النبي صلى الله عليه وسلم الطريق لتذوق حلاوة الإيمان حتى تدرك حقائقة ؟

10- احذر من تقلب أحوالك الإيمانية ولا تأمن نفسك ؟

***************************

(الجزء السابع من تقسيم الرسالة)

:: الفصل الأول ::

.. مقدمة عن مفهوم الحال الإيماني ..

*******************************

..:: ما معنى حالك مع الله أو حالك الإيماني ؟ ::..

- أخي الحبيب ..

- قبل أن أكلمك عن بعض الأحوال التي تصادفك أثناء الذكر .. فعليك أولا أن تعرف ما هو معنى كلمة (حال) .. وأقصد بها هنا (الحال الإيماني) .. فما هو مفهوم هذا الحال ؟

- معنى الحال الإيماني: هو الوصف القلبي لما يكون عليه الإنسان في علاقته مع الله .. وغالبا حال الإنسان المؤمن لا يخرج عن الخوف من الله والرجاء منه والرضا به والتوكل عليه والإخلاص له والتوبة إليه .. أي دوام التعلق بالله .. ولا يصح الحال إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في ظاهرك وباطنك ..!! أي تعمل بأخلاقه في ظاهرك وباطنك ..!!

- وفي الحياة العادية أنت تقول لصديقك أو جارك أو أخوك .. كيف حالك اليوم ؟ فيقو لك: الحمد لله بخير ..

- فكذلك الأمر مع وصف الحال الذي نتكلم عنه هنا .. ولكن هذا الحال الذي نتكلم عنه هنا هو مخصوص بالحال الإيماني للمؤمن .. المرتبط بدوام التعلق بالله ..

- ولذلك كانت أذكار الصباح والمساء يأتي فيها (بك أصبحنا وبك أمسينا) أو (أصبحنا وأمسينا) .. لدوام تذكير القلب بذكر الله، وأنه صاحب النعمة المتجلي بها عليك كرامة منه وفضلا، فيظل الوصل الإيماني موجود في قلب الإنسان .

- أشهر الأحاديث على بيان الحال الإيماني:

- عَن حَنظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ - وَكَانَ مِن كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لَقِيَنِي أَبُو بَكرٍ فَقَالَ: كَيفَ أَنتَ يَا حَنظَلَةُ؟ قَالَ: قُلتُ: نَافَقَ حَنظَلَةُ، قَالَ: سُبحَانَ اللَّهِ! مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلتُ: نَكُونُ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأي عَينٍ، فَإِذَا خَرَجنَا مِن عِندِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَافَسنَا الأَزوَاجَ، وَالأَولَادَ، وَالضَّيعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلقَى مِثلَ هَذَا، فَانطَلَقتُ أَنَا وَأَبُو بَكرٍ حَتَّى دَخَلنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قُلتُ: نَافَقَ حَنظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِندَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالجَنَّةِ؛ كَأَنَّا رَأيُ عَينٍ، فَإِذَا خَرَجنَا مِن عِندِكَ عَافَسنَا الأَزوَاجَ، وَالأَولَادَ، وَالضَّيعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِندِي، وَفِي الذِّكرِ، لَصَافَحَتكُم المَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُم وَفِي طُرُقِكُم، وَلَكِن يَا حَنظَلَةُ، سَاعَةً وَسَاعَةً. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) صحيح مسلم.

- وفي رواية أخرى بلفظ: (كنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَوَعَظَنَا، فَذَكَّرَ النَّارَ، قالَ: ثُمَّ جِئْتُ إلى البَيْتِ فَضَاحَكْتُ الصِّبْيَانَ وَلَاعَبْتُ المَرْأَةَ، قالَ: فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذلكَ له، فَقالَ: وَأَنَا قدْ فَعَلْتُ مِثْلَ ما تَذْكُرُ فَلَقِينَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، نَافَقَ حَنْظَلَةُ فَقالَ: مَهْ فَحَدَّثْتُهُ بالحَديثِ، فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا قدْ فَعَلْتُ مِثْلَ ما فَعَلَ، فَقالَ: يا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، ولو كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كما تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ، حتَّى تُسَلِّمَ علَيْكُم في الطُّرُقِ. وفي رواية : كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَذَكَّرَنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ) صحيح مسلم.

- وفي رواية بلفظ : (نَكونُ عندَكَ تُذَكِّرُنا بالنَّارِ والجنَّةِ كأنَّا رأيَ عينٍ ، رجَعنا عافَسنا الأزواجَ والضَّيعةَ ونسينا كثيرًا ، قالَ : فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : لَو تدومونَ على الحالِ الَّتي تقومونَ بِها من عندي لصافحَتكمُ الملائِكَةُ في مجالسِكُم ، وفي طرقِكُم ، وعلى فُرُشِكُم ، ولَكِن يا حنظلةُ ساعةً وساعةً ساعةً وساعةً) صحيح الترمذي .

- وفي رواية بلفظ (لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُظِلَّكُمْ بِأَجْنِحَتِهَا عِيَانًا) رواه أبو يعلى .. وذكره الالباني في الصحيحة بأن إسناده صحيح رجاله ثقات.

- معنى (نافق حنظلة): أي أنه يتهم نفسه بسبب أنه يتغير حاله حينما يترك النبي وينشغل بأمور الدنيا .. حيث كان انشغاله بأمور المعيشة وملاعبة الأولاد وقضاء حوائج الأسرة .. ينسيه الحال التي كان فيها عند النبي .. فظن أن هذا يكون نوع من النفاق ..!!

- معنى (كَأَنَّا رَأي عَينٍ) : أي كأننا نرى الجنة والنار بالعين .. وهذا دليل على كشف القلوب لاستحضار هذه الحالة .. مما يدل على استقامة الخوف والرجاء في قلوبهم ..

- معنى (عافسنا): انشغلنا بأمور الأسرة ، والضيعات التي هي السعي للعمل لكسب المال ..

- معنى (نسينا كثيرا): أي ننسى كثيرا مما كنا ننتبه له ونحن جالسون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم .. بسبب الأمور الدنيوية.

 معنى (لو تَدُومُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي): أي لو داومتم على الإنشغال بالله .. مستحضرون جماله وجلاله في قلوبكم .. فسيترتب على ذلك مصافحة الملائكة لكم .. وهذه المصافحة نوع من التواصل بين الإنسان المؤمن والملائكة ..

- معنى (ساعة وساعة): أي اجعل وقت لأمور دنياك لأن فيها حقوق عليك .. واجعل وقت لربك بالعبادة كالذكر والتفكر والمناجاة وغيره ..

- معنى (ثلاث مرات) : أي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكد مقولة (ساعة وساعة) ثلاث مرات .. وذلك حتى لا تضيع حقوق من هم في مسؤليتك .. وهذه طاعة أخرى مع الله .. فلا يزال الوصل بالله موجود ولكن بطريقة أخرى .

*****************************

..:: كل حال إيماني يخالف حال النبي صلى الله عليه وسلم .. هو حال فاسد ::..

( ولا تجعل الشيطان يقول لك: لا نصيب لك في مقام القلب السليم)

- أخي الحبيب ..

* لا يخفى عليك أن هذا حديث حنظلة السابق فيه أمرين مهمين:

- المهم الأول: أن كل حال إيماني يخالف حال النبي صلى الله عليه وسلم .. فهو ليس بحال صحيح .. حتى ولو صاحبه طار في الهواء ومشى على الماء وزعم أنه يكلم الملائكة والجن ..!

- فبعض الناس المتمصوفين (وليسوا بصوفية) .. يتلاعبون بكلمة الحال كما يتفق وأهوائهم الخاصة .. ويستبيحون من الأعمال السيئة كشرب الدخان والحشيش ويقولون لك هذا حال .. أو يقومون بأضاءة الشموع عند الأضرحة .. أو يصرخ عند الأضرحة ويأتي له صرع .. أو يسجد ليقبل أعتاب الضريح ..!!

- والبعض يتطاول به حال الشيطان حتى يغلبه حال الشهوة وقد يفعل ما يفعل مع النساء تحت مسمى غلبه حال الحب والهوى .. ويزعم أنه مغلوب على أمره وهو كاذب ..!! وفي الحقيقة غلبه حال الشيطان حتى فعل ما يحبه الشيطان ..!!

- وقد تبين لك من الحديث السابق كيف يكون الحال الإيماني الصادق وهو الخضوع لما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأيضا الرجوع لحال الدنيا بما يتفق مع ما يحبه الله ورسوله في المباح الحلال الطيب .. فانتبه لما قلته لك ..!!

- المهم الثاني في حديث حنظلة:

- أن النبي صلى الله عليه وسلم يظهر لنا جواز مصافحة الملائكة لنا في مجالس الذكر وفي الطرق وفي بيوتنا ونحن على فراشنا ايضا .. وجواز رؤية الملائكة بالعين كما جاء في رواية أبي يعلى الصحيحة السابق ذكرها بلفظ: (لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُظِلَّكُمْ بِأَجْنِحَتِهَا عِيَانًا) .. وفي رواية مسلم نجد أن هذا العطاء كله مرتبط بشرط دوام حضور القلب مع الله واتباع رسوله في ظاهرك وباطنك وليس في شكلك الظاهري فقط ..!!

- يعني باختصار: قلب سليم ومنيب إلى الله ..

- ولا تنسى أن سلامة القلب وإنابته إلى الله هي مقام شريف يختلف فيه الناس على قدر درجاتهم .. ولذلك لا تجعل للشيطان إلى قلبك سبيل بأن يقول لك: وكيف نصل لمقام القلب السليم وهذا مقام الانبياء والرسل .. ؟

- لا .. فهذا تضليل من الشيطان لك ليزرع فيك اليأس والهم .. لأن الرسل على درجات مختلفة فيما بينهم .. فهناك من هو أعلى في الدرجة وهناك من هو أدنى منه في الدرجة .. حيث قال الله فيها (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) البقرة253 ..

- وهذا التفاوت في الدرجات بين الرسل لم يخرجهم عن وصف (رسل الله) .. فكذلك الحال بين المؤمنين هم درجات عند الله ولكن يجمعهم وصف الإيمان بالله ورسوله .. ولهم من مقامات الإيمان ودرجاته .. ولكن منهم الأعلى درجة ومنهم الأقل درجة ..

- فجميع المؤمنين المجتهدين في طاعة الله ورسوله ولهم وصف (المنعم عليهم) طالما يطيع الله ورسوله .. يقول تعالى (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً) النساء69 ..

- فكل مؤمن وله درجته عند الله ومقامه بقدر إيمانه وعلمه العامل به .. يقول تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) المجادلة11 .

- يبقى اطمن .. واعرف أنك كمؤمن ليك مكان في مقام القلب السليم والمنيب إلى الله .. ولكن اجتهد في دوام التعلق بالله .. وبقدر إيمانك وعملك يكن وصالك ومددك .. (هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) آل عمران163.

- ومفهوم التعلق بالله : هو دوام انشغال القلب بالله في حال وجود النعمة وفقدها .

- ولمعرفة مفهوم التعلق بالله بتوسع .. فارجع إلى الجزء السادس من هذه الرسالة – تحت عنوان (التنبيه الخامس - التعلق بالله يمنعك عن التعلق بالأسباب) ..

*************************

..:: (كيف أصبحت يا حارثة – كيف أصبحت يا بن عوف – كيف أصبحت يا معاذ) ::..

- أخي الحبيب ..

- يوجد رواية مشهورة يحب بعض المشايخ أن يستدلوا بها على الحال الإيماني .. وهذه الرواية هي التي جاء فيها (كيف اصبحت يا حارثة) ..!!

- تعالوا نستعرض هذه الرواية ونعرف ما ترتب عليها من صراع طائفي بلا داعي ..!!

- عَنْ أَنَسٍ بن مالك قال: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ رَجُلا يُقَالُ لَهُ حَارِثَةُ، فِي بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ؟» ، فَقَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ إِيمَانٍ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟» ، قَالَ: عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، وَأَسْهَرْتُ لَيْلِي، وَكَأَنِّي بِعَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي بِأَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ يَتَنَعَّمُونَ، وَأَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصَبْتَ فَالْزَمْ، مُؤْمِنٌ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ») . رواه البزار "وقال: تَفَرَّدَ بِهِ يُوسُفُ وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ" ..، ورواه الطبراني عن حارثة .. وكلا الإسنادين ضعيف ..

- وهذه الرواية جاءت أيضا عن عبد الرحمن بن عوف .. بدلا من حارثة .. وقد رواها بن أبي شيبة في كتاب الإيمان عَنْ مُحَمَّدٍ صَالِحٍ الْأَنْصَارِيِّ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ: «كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ؟» قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا...... إلى آخر الحديث) رواه بن أبي شيبة في الإيمان بسند ضعيف مرسل .

- وجاءت الرواية أيضا عن معاذ بن جبل بنفس المعنى:(كيف أصبحت يا معاذ....) رواها العقيلي في الضعفاء الكبير ..

* ومجمل القول في رواية حارثة وبن عوف ومعاذ .. أنه حديث ضعيف الإسناد .. ولم أجد أحد من أهل الحديث (فيما توافر عندي من مصادر) .. قد صحح هذا الحديث سواء رواية حارثة أو عبد الرحمن بن عوف أو معاذ بن جبل ..!!

- وليس معنى الحديث ضعيف .. أنه لا يستدل به .. بل لا مانع من الاستدلال به لأنه يشير إلى فضيلة بعض الصحابة نتيجة اتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم .. وطالما الحديث لا يحرم حلالا ولا يحلل حراما وليس له معارض من الشريعة .. فلا مانع من الاستدلال به استئناسا به وليس حجة ..!!

- الغريب والعجيب .. أنك تجد البعض يحاول إثبات صحة حديث حارثة ليثبت الكشف .. وطائفة أخرى تحاربهم في نفس الحديث لينكروا الكشف .. وهذا يتهم ذاك .. وذاك يتهم هذا .. وكل طائفة تشحن نفوس تابعيها باتهام الآخر ..!!

- والأغرب والأعجب .. أنهم تركوا البحث عن الصحيح ليتفقوا .. وذهبوا للضعيف حتى يختلفوا ..!! وكأن المسألة هي انتصار للمذهب والرأي فقط لا غير .. ولو صدقوا لاكتفوا بما فيه اتفاق وخرجوا عما فيه خلاف .. لأن الحديث الصحيح يغني عن ذلك .. وهو حديث (حنظلة) السابق ذكره ..!!

- والكشف القلبي والمرئي مثبت بالكتاب والسنة كما ذكرنا سابقا بدلائل من الكتاب والسنة .. فضلا عن أن حديث حارثة لا يختلف عن حديث حنظلة .. !! وكلاهما عن كشف قلوب .. فحارثة قال: (وَكَأَنِّي بِعَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي بِأَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ يَتَنَعَّمُونَ، وَأَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ) .. وحنظلة قال:(نَكُونُ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأي عَينٍ) .. أي كأنهم يرونها رؤية عين !!

- وكل المرائي الغيبية أصلها انعكاس على القلوب لأنه لا سبيل للعيون البصرية على إدراكها إلا ما تم تمثيله في الواقع المدرك للعين .. وهذه المرائي الغيبية تكون على الظن وليس على اليقين إلا بتأكيد نبوي ..!!

- وطالما هناك حديث صحيح جدا وواضح جدا .. فلماذا التعلق  بحديث فيه خلاف ؟!! وشحن النفوس بالكراهية بين المسلمين .. واتهام الآخر أنه على باطل أو على جهل .. في حين الصحيح يغنينا عن صراع طائفي نحن في غنى عنه ..!!

********************************

..:: هكذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم حال حقيقة أهل الإيمان ::..

 - أخي الحبيب ..

1- اعلم أن حقيقة الإيمان قد شرحها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه حيث قال:(لكلِّ شيءٍ حقيقةٌ ، و ما بلغ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتى يعلمَ أنَّ ما أصابَه لم يكن لِيُخطِئَه ، و ما أخطأه لم يكن لِيُصيبَه) رواه أحمد والبزار والطبراني .. وقال البزار: اسناده حسن ..، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ..، وذكره الألباني في تحقيق السنة لابن أبي عاصم بأن إسناده صحيح .. وذكره في الصحيحة بأن رجاله ثقات كلهم ولا كلام فيهم ..، ولكن قال الأرنؤوط: اسناده ضعيف ..!!

2- وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ الإيمَانِ حَتى يُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ) صحيح بن حبان .. وذكره الألباني في صحيح الترغيب بأنه صحيح .. وقال حسين أسد في تخريج موارد الظمآن: إسناده صحيح ..

*********************************

..:: هكذا يصف لك النبي صلى الله عليه وسلم الطريق لتذوق حلاوة الإيمان حتى تدرك حقائقة ::..

- أخي الحبيب ..

- بلوغ حقيقة الإيمان يستوجب عمل مع الله .. حتى تصل لهذه الحقيقة الإيمانية .. وهي دوام الرضا بقضاء الله وقدره ورؤيتك أنه المتصرف بالحق في الوجود .. فتسكن نفسك ويطمئن قلبك لما جرى به القدر .

- ومن هذه الأعمال التي تجعلك تصل للحقيقة الإيمانية ..

1- قال صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ بهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ: مَن كانَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أنْقَذَهُ اللَّهُ منه، كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ) صحيح مسلم.

2- قال صلى الله عليه وسلم: (ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا) صحيح مسلم.

- معنى (الرضا بالله والإسلام وبالنبي): أي ترضى بأنه ربك وإلهك ومولاك وأن له الأسماء الحسنى .. وترضى بمنهج الدين الإسلامي فتفعل الأوامر وتبتعد عن المنهيات .. وترضى بأن تتبع الرسول صلى الله عليه وسلم في ظاهرك وباطنك .

***************************

..:: احذر من تقلب أحوالك الإيمانية ولا تأمن نفسك !! ::..

- أخي الحبيب ..

- احذر من تقلب أحوالك الإيمانية واحذر نفسك لأنها أمارة بالسوء .. وذلك بأن تكون دائما مؤمنا بيقين أنه لا حول ولا قوة لك إلا بالله وأن لا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه .. طالبا العون والمدد من الله مهما ارتقيت في إيمانك .. راضيا بقضاء الله وقدره .. حتى لا تتبدل أحوالك إلى سخط من الله .. كما يقول صلى الله عليه وسلم (وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم ، فمَن رَضي فله الرِّضَى ، ومَن سخِط فله السَّخطُ) صحيح الترمذي.

- وإليك بعض نماذج من الذين تبدلت أحوالهم بعد الإيمان ..:

1- على رأسهم إبليس الذي عبد الله مئات أو آلاف السنين .. وكانت حقيقته في النهاية أنه كافر .. يقول تعالى (إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) البقرة34.

2- يقول تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) الحج11.

3- يقول تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) الأعراف175.

* وخاف من فتن الزمان حتى لا تنقلب أحوالك:

- حيث قال صلى الله عليه وسلم: (يكون بين يدي الساعةِ فِتَنٌ كقِطَعِ الَّليلِ المظلِمِ ، يُصبِحُ الرجلُ فيها مؤمنًا ، و يُمسي كافرًا ، و يمسي مؤمنًا و يصبِحُ كافرًا ، يبيع أقوامٌ دِينَهم بعَرَضِ الدنيا) رواه الترمذي وقال حسن صحيح ورواه مسلم بلفظ (بَادِرُوا بالأعْمَالِ .. فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ.....) .. وذكره الألباني في الصحيحة وصحيح الجامع .

- والسبيل للثبات على الإيمان .. كما أخبرتك قبل قليل بأن يكون من خلال الإعتصام بالله والإفتقار إليه وطلب المدد منه والرضى بما قسمه لك .. والله رؤوف رحيم .

***************************

(الجزء السابع من تقسيم الرسالة)

:: الفصل الثاني ::

.. أحوال تحدث مع الذاكرين الله كثيرا ..

*******************************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..