ج4: إشارات ولطائف ذوقية في القصة النبوية - تابع قصة جريج الراهب - ما دافع وسبب دعوة الأم على ابنها جريج الراهب - ما علاقة قصة فتنة جريج بدعاء الأم - هل البغاء كان مسموح في بني اسرائيل حتى يمر جريج الراهب على بيت فيه عاهرات - لماذا اختارت زانية بني إسرائيل أن تزني مع الراعي الذي يأنس بالجلوس عند صومعة جريج - كيف يُعقل أن ينفعل أهل القرية لقول امرأة مشهور عنها الزنا في اتهامها لرجل معروف عنه صلاح حاله - لماذا لم يفقد جريج صوابه مع الله .. ويقول له: أنت ليه بتعمل فيه كده يارب - لماذا في وقت الفتنة طلب جريج أن يصلي لله - من أين جاء الإرشاد لجريج في أن يذهب للطفل ويطلب منه النطق - كيف نعقل استنطاق طفل الزنا ببراءة جريج وهو لا يعرف النطق - كيف عرف طفل الزنا أن الفاعل هو الراعي وليس جريج - هل من الممكن أن يكون جريج استعان بشيطان أو بقرين الصبي لينطق لصالحه - كيف يتم إلهام أهل الله الصالحين كأم موسى وجريج الراهب - متى يتم الإمداد من الله في قلوب محبيه.

  بسم الله الرحمن الرحيم

(إشارات ولطائف ذوقية في القصة النبوية)

(2)

(قصة الثلاثة الذين تكلموا في المهد)

(عن قدرة الله – كرامات الأولياء – إظهار الحق)
(الجزء الرابع للقصة)

* فهرس:

:: الفصل الرابع :: مسائل على قصة جريج الراهب ::

1- س18: ما دافع وسبب دعوة الأم على ابنها جريج الراهب ؟

2- س19: ما علاقة قصة فتنة جريج بدعاء الأم ؟

3- س20: هل البغاء كان مسموح في بني اسرائيل حتى يمر جريج الراهب على بيت فيه عاهرات ؟

4- س21: لماذا اختارت زانية بني إسرائيل أن تزني مع الراعي الذي يأنس بالجلوس عند صومعة جريج ؟

5- س22: كيف يُعقل أن ينفعل أهل القرية لقول امرأة مشهور عنها الزنا في اتهامها لرجل معروف عنه صلاح حاله ؟

6- س23: لماذا لم يفقد جريج صوابه مع الله .. ويقول له: أنت ليه بتعمل فيه كده يارب ؟

7- س24: لماذا في وقت الفتنة طلب جريج أن يصلي لله ؟

8- س25: من أين جاء الإرشاد لجريج في أن يذهب للطفل ويطلب منه النطق ؟

9- كيف يتم إلهام أهل الله الصالحين كأم موسى وجريج الراهب ؟

10- متى يتم الإمداد من الله في قلوب محبيه ؟

11- س26: كيف نعقل استنطاق طفل الزنا ببراءة جريج وهو لا يعرف النطق ؟

12- س27: كيف عرف طفل الزنا أن الفاعل هو الراعي وليس جريج ؟ 
13- س28: يأتيك الشيطان موسوسا لك فيقول: ما المانع أن يكون جريج استعان بشيطان أو بقرين الصبي لينطق لصالحه ؟  

*******************************

:: الفصل الرابع ::

:: مسائل تتعلق بقصة جريج الراهب ::

*********************************

..:: س18: ما دافع وسبب دعوة الأم على ابنها جريج الراهب ؟ ::..

- الدافع الذي حرك فيها الدعاء هو الغضب .. حيث جائته ثلاثة أيام متتالية تريد رؤيته لاشتياقها إليه .. ولكنه أقبل على صلاته ولم يجيب على أمه ..

- وهذا يجعلك تنتبه إلى أن غضب الأم في حق لها عليك .. قد يكون سبب في نزول البلاء عليك ..

- فتأدب مع من الذين لهم الحق عليك .. حتى لا تكون جفاء محبتهم سببا لجلب البلاء إليك ..

 **************************

 ..:: س19: ما علاقة قصة فتنة جريج بدعاء الأم ؟ ::..

- قد تتسائل وتقول ما علاقة قصة فتنة جريج بدعاء الأم .. حيث أن الأم دعت عليه برؤية المومسات .. وليس ليبتلى بتسليط المومسات عليه ..؟

- الجواب:

- صحيح أن دعاء الأم كان خاص برؤية المومسات .. ولكن لم يتم التخصيص في الدعاء بكيفية حدوث ذلك لجريج ..!! وإن كان بالعقل نفهم أن ذلك لابد أن يحدث بمكر وكيد وحيلة حتى يحدث ذلك .. ولا يتم ذلك إلا بتسليط على جريج لأنه لا ينزل من صومعته .. فلابد أن تأتي الفتنة إليه .. ولعل كان في نية الأم حين دعائها أن يسلط الله عليه المومسات يأتين إليه ليجبرون أن ينزل إليهن فيراهن .. لأن في أحد روايات الحديث جاء فيها (وَلَوْ دَعَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتَتَنَ لَافْتُتِنَ) رواه أحمد ومسلم ..

- أي لو دعت عليه أن يقع في المعصية معهن لوقع فيها ..

- فرؤية المومسات ما كانت لتحدث إلا بكيفية معينة وهي حدوث فتنة لجريج ليخرج من صومعته ..!!

- فدعاء الأم كان لرؤية المومسات أو زانيات المدينة .. ولكن تحقيق ذلك إنما كان من خلال تسليط فتنة عليه لتحقيق هذا الدعاء ..

- وكما ذكرنا سابقا أنه تم المرور به على طرقات القرية وشاهد المومسات يقفن يتفرجن عليه .. وتذكر دعوة أمه عليه .. !!

  ****************************

..:: س20: هل البغاء كان مسموح في بني اسرائيل حتى يمر جريج الراهب على بيت فيه عاهرات ؟ ::..

- من الملاحظ في القصة هو وجود المومسات في هذه القرية وكأن هذا شيء عادي جدا .. بالرغم من حرمته في الديانة اليهودية ..!! فقد جاء في بعض روايات الحديث حينما أنزل الناس جريج الراهب من صومعته ففعلوا به الآتي: (فجَعَلوا يَدَهُ إلى عُنُقِهِ بحبلٍ ثُمَّ انْطُلِقَ بِهِ، فَمَرَّ بِهِ عَلَى الْمُومِسَاتِ، فَرَآهُنَّ فَتَبَسَّمَ، وَهُنَّ يَنْظُرْنَ إِلَيْهِ في النَّاسِ) الأدب المفرد للبخاري.. وقد صححه الالباني في صحيح الأدب المفرد .

- ووجه التساؤل هنا .. هو كيف يجتمع في قرية معلوم فيها أن الدين يحرم تواجد مثل هذه الإباحية الإنحرافية .. ومع ذلك كان يوجد للزانيات مكانا مخصوصا بهن معروف ومعلوم .. فهل كان ذلك مسموح عند بني إسرائيل في ذلك الوقت ؟

- الجواب :

- لا يسمح في الديانة اليهودية بوجود بيوت الزنا والدعارة .. ولا يصح أن تفترض أن محل إقامة بني إسرائيل التي حدثت فيهم القصة أن هذه القرية كانت قريتهم ولهم فيها سيادة خاصة بهم .. وإنما قد تكون قرية نزلوا فيها وسكنوها وفق أحكام سكان القرية الأصليين .. ولذلك الحديث نفهم منه الآتي ..

- أن القصة وإن كانت قيلت في بعض بني إسرائيل .. فليس هذا معناه ان هذه كانت محل دولة لهم وأن لهم فيها سيادة خاصة .. أي أن القرية التي كانت فيها حادثة جريج الراهب لم تكن محكومة بأحكام بني اسرائيل .. وإنما كان بنو اسرائيل الموجودين في هذه القرية قد اتخذوها مجرد محل إقامة لهم .. ومثال ذلك كحال إقامة بني اسرائيل بمصر من عهد يوسف عليه السلام .. حيث كانوا محكومين بالقوانين المصرية آنذاك طوال تواجدهم في مصر عدة قرون حتى مجيء سيدنا موسى عليه السلام وخروجهم من مصر ..

- والله أعلم .

*************************

..:: س21: لماذا اختارت زانية بني إسرائيل أن تزني مع الراعي الذي يأنس بالجلوس عند صومعة جريج ؟ ::..

- من الأسئلة التي شغلتني فكريا .. هو لماذا زانية بني إسرائيل قد اختارت أن تكون ضحيتها في الزنا هو الراعي الذي كان يهوى الجلوس بجوار صومعة الراهب .. في حين كان ممكن تفعل ذلك مع أي شخص ؟!! لماذا هذا الراعي بالذات ؟

- وسبب انشغالي بها السؤال هو أن القصة جاء فيها ذكر هذا الراعي متكررة في الروايات الصحيحة .. في حين كان من الممكن أن تنتقل الرواية مباشرة إلى أنها زنت بشخص ما وحملت ..؟!! فلماذا تم التخصيص على هذا الراعي وتوضيحه في القصة كعنصر رئيسي في القصة ؟

- الجواب على ذلك .. كيف كان كيد المرأة ومكرها في تلفيق التهمة لجريج الراهب ..

- فالذي أظنه – والله أعلم – أن هذه الزانية لم تختار أي رجل لتزني به .. وإنما قد اختارت الراعي الذي يأنس دائما بجوار الصومعة .. لأنها تعلم أنه متواجد دائما هناك .. فلو حملت من شخص بعيد وقالت أن جريج الراهب هو من فعل ذلك .. فستجده أول من سيشهد له بأنه بريء ولم يحدث شيء منه .. وسيشهد عليها أنها لم تدخل صومعة جريج أبدا .. وذلك لأن الراعي متواجد باستمرار في محيط الصومعة لأن هذا هو مرعاة الذي يرعى فيه غنمه ..!! فماذا تفعل ؟

- فحتى تسكت هذا الراعي ولا يشهد لصالح جريج .. بل ولتخرسه وتكتم لسانه عن الشهادة عليها وتمنعه من أن يتهمها بالكذب إذا ألقت التهمة على جريج .. فقامت برشوته بالزنا بها .. وتكون بذلك أصابت هدفين بفعل واحد .!! فتكون قد حجبت شهادة الراعي فلا يشهد عليها بأنها كاذبة ولا يشهد لجريج بأنه بريء .. وفي نفس الوقت أغوته ليكون سببا لهذا الزنا الذي ينتج عنه طفلا تتهم به جريجا بأنه صاحبه أي المسئول عن وجود هذا الطفل .. !!

- بل ولا يمنع أيضا أن تكون قد استشهدت به ليخبر الناس أنه شاهدها تصعد إلى صومعة جريج (أي يشهد شهاة زور على جريج) .. وشهادته في هذه اللحظة ستكون مقبولة لأنه دائم التواجد في هذه المنطقة .. مما كان سببا في زيادة انفعال الناس وتحريكهم لتكسير صومعة جريج وإنزاله من صومعته لمحاكمته ..!!

- ويحتمل أنه فقط اكتفى الصمت عن قول الحق .. وكأنه لم يرى شيئا ولا يعلم شيئا .. !!

- وهذا الذي ذكرته لك أخي الحبيب .. إنما هو من باب التفكر في جزئية تم ذكرها مكررة في الروايات الصحيحة .. وقد لفتت انتباهي بقوة .. وكأن لها أهمية بالغة في سياق القصة في معرفة كيف كان فعل كيد المرأة .. التي نجحت في أن تحرك القرية بأكملها حتى أتوا لصومعة الراهب وكسروها وهدموا فيها وربطوه بالحبال في يده وعنقه وسحبوه للمحاكمة .. وكل ذلك في محاولة منها للتشهير به وإسقاط مهابته من قلوب من يحبون الصالحين ..!!

- ولكن الله جعل كيدها سببا في مزيد علو مكانته وشرفه وكرامته .. بإظهار صدق إيمانه أمام الناس جميعا .. والله يحب المؤمنين الصادقين ..

- هذا ما جال بخاطري من سبب كيد الزانية في حدوث علاقة مع الراعي بمحيط صومعة الراهب .. والله أعلم .

***************************

..:: س22: كيف يُعقل أن ينفعل أهل القرية لقول امرأة مشهور عنها الزنا في اتهامها لرجل معروف عنه صلاح حاله ؟ ::..

- قد يتسائل العقل ويقول .. كيف نجحت هذا المراة الزانية في تقليب الناس على جريج ؟ حتى نجحت أن تأتي بالناس إلى صومعته وكسروها وهدموا فيها .. وربطوه بالحبال وقدموه للمحاكمة ..؟!

- ألم يكن فيهم رجل رشيد له عقل ليسأل ما الدليل على قولك يا امرأة  .. وأنتي معروفة لأهل القرية بأنك زانية .. ؟!! ووجود طفل معك ليس دليلا على أنه من جريج الراهب ؟!!

- أو يقال السؤال بطريقة أخرى: إذا كان الشاهد في القصة هي امرأة معلوم عنها الزنا والمتاجرة بالفجور ؟!! فكيف صدقها الناس وانفعلوا معها ؟!!

- للجواب على ذلك يكون بالآتي:

- أولا:  الذي يظهر من الحديث أن من سعى لقبول كلام الزانية إنما هم بعض الناس وليس جميعهم ..

- وتأمل لفظ الحديث (.. فحمَلَتْ فولَدَتْ غلامًا فقالت: هو مِن جُرَيجٍ فوثَب عليه قومٌ مِن بني إسرائيلَ فضرَبوه وشتَموه وهَدُّوا صَومعتَه) أي جماعة منهم .. وهذا يوضح لك أنهم لم يكونوا جميعا صدقوا وإنما جماعة منهم فقط وهم ضعاف العقول ومحرضين الفتنة .. وأن من سعى فى ذلك لم يكن ممن يتقى الله .. ألا ترى كيف قالت لهم البغى: (إن شئتم لأفتننه لكم) .. فلم ينكروا عليها بل استحسنوا الأمر وقالوا (قد شئنا) ..!!

- ثانيا: لا تنسى أنه كان لها في فعلتها شركاء ..

1- أول شركاء الجريمة هم الحاسدون على جريج .. وهم الذين اتفقوا معها على إغواءه .. كما جاء في بعض الروايات بلفظ: (وَكَانَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ عَابِدٌ يُقَالُ لَهُ: جُرَيْجٌ، فَابْتَنَى صَوْمَعَةً وَتَعَبَّدَ فِيهَا "، قَالَ: " فَذَكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَوْمًا عِبَادَةَ جُرَيْجٍ، فَقَالَتْ: بَغِيٌّ مِنْهُمْ: لَئِنْ شِئْتُمْ لَأُفْتِنَنَّهُ فَقَالُوا: قَدْ شِئْنَا "، قَالَ: " فَأَتَتْهُ فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا ..) رواه أحمد .. قال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

2- وثاني شريك في الجريمة هو الراعي الذي قامت بإغوائه .. لتضمن سكوته وشهادته لها ..

- ثالثا: لا نستبعد أن يكون ما حدث هو وجود مساندة لها من المحرضين للفتنة ..

- حيث أنها لما ذهبت بطفلها إليهم وأخبرتهم أنه طفل جريج الراهب وقد أتت به عن زنا .. فسنجد بكل تأكيد أنه قد ساندها في هذه المسألة أهل الغواية والحقد والحسد على جريج وهم الذين أرادوا  الشماته في جريج  حقدا عليه ورغبة منهم في إلحاق العار به .. حينما قاموا بتسليط هذه الزانية عليه .. 

- ولا يخفى ايضا أن الراعي الذي اشترت سكوته بالزنا بها .. سيكون مؤيدا لها حينما شهدت شهادة زور على جريج .. أو على الأقل سيقول لم أرى شيئا أو لا أعلم .. كما سبق وأوضحنا ذلك .

- يبقى لما تعرف ان لها أعوان وشركاء في الجريمة .. فهذا بكل تأكيد يسهل المهمة في التأثير على الناس .. خاصة لو كان من هؤلاء المحرضين على الفتنة جماعة لها صوت مسموع في مجتمع القرية لمكانتهم فيهم ..!!

- فهؤلاء المحرضون في وقت الفتنة يتبعون المنهج التشكيكي ليخلطوا الحق بالباطل في عقول الناس .. كأن يقولوا ما المانع أن يكون جريجا هذا ذئبا متسترا في شكل راهبا ..!! وما يدرينا ما يفعله في صومعته التي لا يسكنها غيره ..!! وما المانع أن تكون نفسه قد غلبته بالزنا .. أليس هو بإنسان ؟!! ولماذا قد بلغ بكم الحال يا ناس بان تتوهموا في جريج درجة التقديس .. حتى ظننتم أنه لا يخطيء ؟!! وما المانع أن يكون هو من فعل ذلك وكلنا نعرف وكنا نراها ترعى عند صومعته فيكون قد نال منها ..!! بل الحق أن نذهب إليه وننزله من صومعته ونحاكمة محاكمة عادلة .. فإن كان له شاهد حق ظهرت برائته وإن لم يكن فهو من فعل ذلك ..!! وأمثال هذا الكلام التشكيكي الذي يحرك النفوس المريضة والضعيفة .. حتى تغلب العاطفة على عقولهم في التفكير ..!!

- وخلاصة ما سبق:

- أن كلام الزانية وحده ليس هو من حرك الناس لتصديقها .. لا .. وإنما المحرك هم جماعة المحرضون الذين حبكوا القصة على جريج .. والزانية ما هي إلا وسيلة وأداه استخدموها ليشمتوا بالفضيحة في جريج ..!!

* واعلم أخي الحبيب .. هناك مشكلة نفسية عند كثير من الناس وهي ما أن تجد الباطل يشار به إلى الشرفاء إلا ويشعلون نار الفتنة في الإنسان الشريف حتى يرضوا أنفسهم بما هم عليه من باطل وانحراف .. ويقولون أنه لا يوجد إنسان كامل ..!!

*****************************

..:: س23: لماذا لم يفقد جريج صوابه مع الله .. ويقول له: أنت ليه بتعمل فيه كده يارب ؟ ::..

- قد تسأل فتقول .. لماذا لم يفقد جريج الراهب صوابه الإيماني  كما يحدث مع كثير من المؤمنين وقت نزول البلاء ؟

- والجواب عن ذلك لسببين:

أ- لأنه لو قال ذلك .. فقد قطع عنه مدد الوصال بالله لأنه في حكم الساخط في هذه اللحظة .. وكيف يسخط وهو يعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ..!! بل  ويعلم من إيمانه أن ما حدث له إنما هو من قدر الله النازل به .. فلماذا لا يرضى بالقضاء .. ثم كيف لا يرفع يده للسماء بيقين في دفع هذا القدر .. فيكون دعاءه لله هو قدر جمالي قد دفع به قدر جلالي ..

ب- هو يعلم أن العبادة هي من رزق الله له ولا حيلة له في ذلك .. فمعنى أن يتعجب من فعل الله معه بالقضاء .. وينظر إلى فعله مع الله بالعبادة .. فهذا الفعل معناه أنه يتزكى على الله بعمله وكأنه يقول له: أنت بتعمل فيه ليه كده يارب وأنا اللي بصلي لك وبصوم ..!! وكأنه يريد أن يقول: أنت لا تستحق عبادتي لك يارب ..!!

**************************

..:: س24: لماذا في وقت الفتنة طلب جريج أن يصلي لله ؟ ::..

- كان طلب الوصل بالله هو رجاء أن يرشده إلى ما يظهر به برائته .. فدعاه عن رضا بيقين ، متوكلا عليه بإخلاص فيه توبة .. عسى أن ينعم الله عليه بما يرجوه .. وقد حدث بالفعل ..

- فجريج يعلم أن من تعلق بالله نجا .. وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله .. وكان توجهه للصلاة دليل على صدق افتقاره لله وصدق توكله على الله .. دليل على يقينه في الله .. ولذلك صلى لله متوجها إليه لأنه هو من قدر وقضى بنزول هذا البلاء ..

***********************************

..:: س25: من أين جاء الإرشاد لجريج في أن يذهب للطفل ويطلب منه النطق ؟!! ::..

- الإجابة ببساطة .. أن الإرشاد جاءه من الله .. وقد تتسائل عن كيفية ذلك ..؟ فاقول لك أن ذلك يتم بأحد أمرين:

- الأول: بأنه لعل الله قذف في قلبه خاطر بكيفية الفعل التي تظهر بها برائته أثناء صلاته إلى الله ولهذا طلب الصلاة إلى الله ..

- ونجد قذف الخاطر المصحوب باليقين .. هذا مع كثير من الأولياء والصالحين .. كما حدث مع أم موسى حينما هاجمها خاطر بقوة يقين أن تلقيه في مياه النيل ..

- وإذا كان الطير له قوة يقين في توكله على الله .. ألا يكون لقلوب أولياء الله قوة يقين في قلوبهم لتمييز صوت الحق ..!!

- الثاني: لعل جريج كان من القلوب الملهمة بالحق .. كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنَّه قدْ كانَ فِيما مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وإنَّه إنْ كانَ في أُمَّتي هذِه منهمْ فإنَّه عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ) صحيح البخاري.

- (مُحَدَّثُونَ) : الملهمون بالحق في قلوبهم.

- وإذا قلت متى يتم الإمداد من الله في قلوب محبيه ؟

- قلت لك: أن الإمداد من الله لا يتم إلا عن استقبال الحدث برضا عما قدر وقضى به الله .. ليقينه إن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .. فيتوكلٍ في طلب المعونة من الله وهو في محراب ذكره وشكره وحسن عبادته .. فيدعوه منكسرا ومفتقرا إليه ومخلصا له ليقبل توبته عن الغفلات .. حتى يجد العبد الإذن في قلبه بعزيمة الدعاء لرفع البلاء .. وهذه علامة الإجابة في قلوب الأحباء ..

- وإن صدقت النوايا .. مُنِحت العطايا ..

- والله أعلم .

* ملحوظة هامة جدا :

- جاء في أحد روايات الحديث أن جريج رأى رؤيا منامية ترشده كيف يتصرف .. ولكن هذه الرواية غير صحيحة .. وإليك نص الرواية:

- في رواية عن الحسن البصري قال: (كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ قَبْلَكُمْ كَانَتْ لَهُ عِبَادَةٌ، وَكَانَ يُصَلِّي فِي مِحْرَابٍ لَهُ، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ، فَجَعَلَتْ تُنَادِيهِ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا جُرَيُّ، يَا جُرَيُّ قَالَ: صَلَاتِي وَأُمِّي، فَكَرِهَ أَنْ يَقْطَعَ صَلَاتَهُ مِنْ أَجْلِ أُمِّهِ، فَغَضِبَتْ، فَدَعَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا تُمِيتَنَّ جُرَيًّا حَتَّى تُقِيمَهُ مَقَامَ الزُّنَاةِ . وَإِنَّهُ كَانَ رَاعٍ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ فِي بَرِيَّةٍ، فَإِذَا أَمْسَى دَخَلَ فِي غَارٍ فَكَانَ فِيهِ، وَإِنَّهُ نَكَحَ امْرَأَةً، فَلَمَّا كَانَ حِينَ وِلَادَتِهَا قِيلَ لَهَا: مِمَّنْ وَلَدُكِ هَذَا؟ قَالَتْ: مِنْ جُرَيٍّ، وَإِنَّهُ أُتِيَ جُرَيٌّ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: أَنْتَ شَأْنُنَا، وَأَنْتَ حَاجَتُنَا، وَأَنْتَ طِلْبَتُنَا، فَقَالَ جُرَيٌّ: مِمَّنْ وَلَدُكِ هَذَا؟ قَالَتْ: مِنْكَ، قَالَ: مِنِّي قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَرَادُوا أَنْ يَنْطَلِقُوا بِهِ؛ لِيَحْبِسُوهُ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ لَمَا أَنْظَرْتُمُونِي لَيَالِيَ؛ لِكَيْمَا أَدْعُو رَبِّي وَأَسْأَلُهُ، فَأَنْظَرُوهُ لَيَالِيَ، اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ هِيَ، وَإِنَّهُ أُتِيَ فِي الْمَنَامِ، فَقِيلَ لَهُ: إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ فَاطْعَنْ فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ، وَقُلْ: أَيَّتُهَا السَّخْلَةُ مَنْ أَنْتَ أَوْ مَنْ أَبُوكَ؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكَ: أَبِي رَاعِي غَنَمٍ قَالَ: فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، فَعَمَدَ جُرَيٌّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ: أَيَّتُهَا السَّخْلَةُ تَكَلَّمِي مَنْ أَنْتَ وَمَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: أَبِي رَاعِي غَنَمٍ " قَالَ الْحَسَنُ: فَذَكَرَ لِي أَنَّ مَوْلُودًا لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ غَيْرَهُ، وَغَيْرَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) رواه بن حرب المروزي في البر والصلة .. وهو حديث مرسل (ضعيف) .. فضلا عما به من نكارة واضحه في المتن .. بل أن النكارة هنا جاءت من أن الطفل نطق وهو في بطن أمه وهو مخالف للصحيح ..!! بل وانفردت رواية الحسن البصري بأن جريج الراهب شاهد طريقة خلاصه في المنام ..!! وأيضا انفردت هذه الرواية بمخالفة اسم جريج حيث جاء اسمه (جُرَيُّ) .. وهو مخالف لما في الروايات الصحيحة بأن اسمه جريج ..!!

- والدليل على بطلان رواية الحسن البصري قوله في نهايتها (لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ غَيْرَهُ، وَغَيْرَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) .. ومعلوم أن عيسى بن مريم تكلم في المهد وهو على ذراع السيدة مريم وكانت تحمله .. ولم يتكلم وهو في بطنها ..!! فانتبه ..!!

 **********************************

..:: س26: كيف نعقل استنطاق طفل الزنا ببراءة جريج وهو لا يعرف النطق ؟ ::..

- إذا أردت أن تستعقل كيف تم استنطاق طفل الزنا .. فهذا بالظبط كما تستعقل قوله تعالى: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ . وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ) فصلت18-22

- وسأخبرك أخي الحبيب بقصة كحوار عقلي .. وهي توضح لك كيفية فهم القدرة الإلهية من الآية السابقة .. وكيفية فهم القدرة الإلهية فيما نطق به الطفل .. بمثال من واقعنا الحديث ..

* حوار عقلي:

- سأل العقل سؤالا فقال متعجبا وليس منكرا: كيف تتكلم الأعصاب السمعية والبصرية والجلدية ؟

- فقلت للعقل: هل لو نطق الجماد أمامك .. هل ستصدق حينئذ أن الخلايا الحية ممكن أن تنطق ؟

- فقال العقل: وكيف لجماد أن ينطق ؟

- فقلت له .. ضع ميموري كارد أو اسطوانه عليها ملفات صوتيه وفيديوهات .. فهل تسمع وترى ما فيها ؟ أكيد تسمع وترى .. بالرغم من أن هذه الإسطوانة أو الميموري كارد ما هي إلا جماد .. !!

- فإذا كان الإنسان المخلوق نجح في أن يسجل صوته وبعض حياته على شريط جماد .. أتستعجب أن يسجل الخالق كل لحظات حياتك على ما تفعله بيديك ..؟!! أم أنك تنسب للإنسان قدرة وتمنعها عن الله ..؟!!

- وقبل أن تقول أيها العقل أن الأسطوانه والميموري كارد نتيجة علم .. فسأقول لك إذا كان للإنسان علما بأن يسجل على الجماد صوتا وصورة .. أتظن أنه ليس لله علما بأن يسجل عليك كل شيء أنت تفعله على نفس الشيء الذي أن تستخدمه كاليد والعين والسمع وغيرهم ..؟!!

- فكيف تحكم أيها العقل بعد الآن بالإستغراب لكيفية استنطاق الله للجلد واليد والرجل وكل جزء في الإنسان ..؟!!

- ليس كل ما سبق فقط .. فاليوم نجد وسائط المراقبة ليس بالتسجيل فقط على وسائط .. وإنما هناك مراقبة لكل أفعالك وتحركاتك من خلال برامج ويتم ارسالها إلى سيرفرات عملاقة للشركات الكبرى كجوجل ..!! فهل تظن أن الإنسان يستطيع أن يراقب ويسجل .. والله لا يراقب ولا يسجل ..!! أفلا تعقلون ..؟!!

*****************************

..:: س27: كيف عرف طفل الزنا أن الفاعل هو الراعي وليس جريج ؟ ::..

- إذا طاب عقلك بفهم أن القدرة الإلهية كان لها الشأن في خرق العادة لجريج الراهب .. باستنطاق الطفل .. فما المانع حينئذ أن تفهم أن القدرة الإلهية أيضا هي ما ألهمت الطفل بأن يقول الحق ..؟!!

- يبقى استنطاق الطفل .. كان بالله .. بدليل ان هذا حدث بعد صلاة جريج إلى الله ..

- وإذا كان الطفل يحمل من جينات الأب .. فلا حرج حينئذ أن ينطق بما يجري في عروقه من دم أبيه .. لما يحمله هذا الدم من شفرة أبيه ..

- ومعرفة الطفل بمسألة غيبية .. هو أيضا بإلهام من الله أجراه على لسانه .. والحقيقة هي ليست مسألة غيبية .. ليه ؟

- لأن دماء الطفل نفسه تحمل جينات الراعي وقامت بتسجيله .. فكان الموضوع ليس غيبا في معرفة من هو الأب .. وكأن الله أمر خلايا هذا الطفل بأن تنطق بالحق ..

- فالمسألة ليست غيبا كما يتصور البعض .. وإنما هو استحضار لمسألة غابت معرفتها عن البعض .. وتم تسجيلها في دماء هذا الطفل ..

- ولو أردت أن تستعقل هذا بعلم الحاضر .. فيكفي أن تتذكر تحليل الدي إن إيه .. وأنت ستعرف أن الأطباء يعرفون أن يحددوا إذا كان الأب المنسوب إليه الطفل هو والده فعلا أم لا .. .. وإذا كان هذا حال الأطباء وعلمهم .. فما بالك بالعليم الذي علم العلماء وأعطاهم هذا العلم ..؟!!

- والله أعلم .

***************************

..:: س28: هل من الممكن أن يكون جريج استعان بشيطان أو بقرين الصبي لينطق لصالحه ؟ ::..

- في عصرنا هذا الذي كثرت فيه الفتن الروحانية نتيجة الجهل المتفشي في المجتمع .. فقد تقرأ القصة ويأتي إليك الشيطان ليغويك ويوسوس لك مستغلا المعلومات المغلوطة التي تقرأها على النت عن الأمور الروحانية ويقول لك: ما المانع من أن يكون جريج الراهب هذا كان مخاويا لشيطان فاستعان به لينجيه من هذه الورطة فنطق على لسانه ؟ أو لعل جريج جعل قرين الطفل ينطق لصالحه ؟ فلا علاقة للإيمان بهذا الأمر وإنما له ارتباط بالمعاملات الروحانية .. وبالتالي كيف تعتقد في الأحاديث ؟!!

- وللجواب على وسوسة الشيطان نقول له .. هذا السؤال في مجمله يدل على غباء الشيطان .. ليه ؟

- أولا: لو كان جريج مخاويا للشيطان .. فلماذا ذهبت الزانية لتغويه من البداية طالما هو إنسان فاسد ومنحرف ..!!

- ففكرة الاستعانة بالشيطان لإثبات الحق .. هي فكرة لا يوجد أغبى منها .. لأنه منذ متى يتم الاستعانة بالشيطان في اثبات الحق وهو أصل الباطل والغواية ؟ ومنذ متى يستجيب الشيطان لمساعدة بني آدم بدون مقابل شيطاني ؟!! قال تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فاطر6 ... فكيف يدعو الشيطان إلى حق وهو داعي أهل الباطل والنفوس الضعيفة للباطل ..؟!!

 - وهذا يرشدك إلى غباء الشيطان في وسوسته ..

- ثانيا: كون جريج أراد أن يستخدم القرين الشيطاني لصالحه .. فهذه دعوى لا تقل غباء عن سابقها .. لأن الطفل نطق بالحق .. وثبتت براءة الراهب وانكشفت المرأة وانفضحت .. فكيف يكون الراهب استعان بشيطان أو بقرين شيطاني لينطق بالحق .. في حين أن الشيطان مؤيدا للباطل ..؟!!

- بل كان من باب أولى أن نجد الشيطان يحاول أن يخرس الطفل ولم يجعله ينطق بالحق لتظل التهمة منسوبة لجريج الراهب ويفتضح أمره وبذلك ينتصر الشيطان لأولياءه من عالم الشر  وهم الزانية والمحرضين على الفتنة ..!!

 - وهذا يرشدك أيضا إلى غباء الشيطان في وسوسته ..

  

- ثالثا: أما عن كون جريج يكون قد استنطق قرين الصبي .. فهذا قول لا يقل غباء عن سابقه .. لسببين:

1- لأنه كما قلنا لا معونة للشيطان في الحق على الباطل وإنما العكس ..

2- ولأن القرين لا ينطق إلا بما يحمله الطفل من القدرة على النطق .. وطالما الشخص فاقد القدرة على النطق فلن يستطيع القرين الاستيلاء على حاسة النطق لأن النمو لم يكتمل في الإنسان فيما يتعلق بالنطق في فترة المهد .. !!

- ومما سبق يتبين لك أن وسوسة الشيطان إنما تدل على غباءه العميق في الوسوسة ..!!

- وهنا تظهر بعض الأسئلة تعقيبا على ما سبق بيانه :

1- سؤال أول: قد تعترض على كلامي فتقول أن الشيطان ممكن يساعد في الحق ودليل ذلك قصة أبي هريرة حينما أخبره الشيطان بأن آية الكرسي تحفظ من الشيطان .. فتبين أنه ممكن أن يقول الحق ؟

- الجواب:

- ليس معنى أن الشيطان يقول شيء من الحق فها معناه أنه معينا للحق .. وردا على السؤال السابق فأقول لك أن الشيطان لم يعين غيره على الحق .. وإنما قال لأبي هريرة ما ينجي به نفسه هو حتى لا يتعرض لعقوبة السرقة لو كان ذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. لأن الشيطان كان يسرق من بيت مال المسلمين الذي كان أبو هريرة حارسا عليه حينئذ .. وكان الشيطان يسرق وهو متجسدا في صورة مادية .. ولذلك أمسكه أبو هريرة وتمكن منه ..!!

- ولكن في قصة جريج مستحيل ينطق بالحق لأن مراده هو الباطل واثبات التهمة على جريج الراهب .. وتأييد الزانية والمحرضين على الفتنة ..

- يبقى لازم تاخد بالك من الفرق بين أن ينجو (الشيطان) بنفسه .. وبين أن تتوهم أن الشيطان يستطيع أن ينجي أحد من الإنس لأنه عدو للإنس .. إلا لو كان سيساعد الإنسان في شيء مقابل فعل شيطاني سيفعله الإنسان للشيطان ..!! وهذا يدخل تحت باب الإستمتاع بين الإنس والجن .. ولا علاقة له بالمعونة على الحق ..

- وسأوضح لك ما سبق بدليل من القرآن ليتضح لك ما أردتك أن تفهمه ..

* تأمل حال الشيطان إبليس :

- لما أراد النجاة مؤقتا توسل بربوبية الله وقال: (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ص82 ..!!

- ولكن الشيطان في فعله مع الإنسان قال: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) الحجر39-40..!!

- يبقى نفهم أن الشيطان قد ينطق بالحق لينجو بنفسه .. ولكن لا ينطق بالحق لينجي غيره من عالم الإنس ..

2- سؤال آخر: قد يعين الروحاني مثلا في إكتشاف محل مسروق لشخص ما استنجد بالعراف، فتكون الإعانة هنا كشفا عن السرقة أو مكانها وبالتالي يساهم في إعادة المسروق ربما، ألا يعتبر ذلك إعانة على الحق ؟

- الجواب:

- المعونة من الشيطان لمساعدة الغير لا تكون إلا لمزيد إضلال لهذا الغير .. فمعونته للإنسان من باب الإستمتاع بين الجن والإنس وهي علاقة محرمة .. والشيطان يعلم أن في ذلك مزيد ضلال في قلب من يستعين به .. لأنه استعان بالشيطان في تحقيق مطالبه ..!!

- وطالما الحصول على هذا الحق كان بباطل محرم .. فهذا ليس بحق وإنما باطل ومحرم .. فانتبه.

- فإذا استعنت بالشيطان .. فقد يخبرك بما أردت .. ليس لإظهار الحق .. بل لتتعلق به ... فتعتقد فيه .. فتضل عن الله ويسود قلبك بالباطل وينطفيء فيه نور الإيمان ..!! وهذا هو المطلب الأساسي للشيطان .. الغواية ..!!

3- سؤال أخير: هل صحيح ما قاله بعض العلماء من أن الشيطان قد يزين حقا ويعين عليه لتجنيب أجر أكثر ؟

- الجواب:

أ- لو كان هذا مفهوم كلام بعض العلماء .. فهذا المفهوم فيه نظر .. لأن الشيطان لا يعين على الحق .. وإنما يعين على الباطل ..

- وإنما التوفيق للأجر مع الله .. فهو من كرامة الله وفضله .. فقد يوفقك الله لما فيه فضل لك .. ولما فيه أفضل لك .. لأن هذا عطاء الله .. وعطاء الله لا يعين عليه سوى الله ..

ب- وهناك فرق بين الإعانة على الحق وتزيين الحق الذي حقيقته الباطل..

- فقد يأتي لك الشيطان ليزين لك حقاً ليس لك .. حتى تظل معتقداً بالأحقية لك .. مثل من يتوهم بأن الميراث هو حقا له وحده فيغتصبه ..

- فتزيين الباطل في صورة حق هي وظيفة الشيطان .. وليس وظيفته هي الإعانة على الحق .. ولذلك يقول تعالى عن فعل الشيطان مع عادا وثمود وأشباههم: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) العنكبوت38..

- قوله (مستبصرين): لديهم القدرة على التفكر والتدبر والتمييز بين الحق والباطل .. ولكن غلبت عليهم أهوائهم النفسية الضالة .. فانحرفوا .

- والله أعلم .

- و كان هذا آخر الأسئلة التي وجدت أن العقل قد يسأل فيها فيما يتعلق بقصة جريج الراهب .. ولكن يتبقى أن أجعلك تتذوق بعض المعاني واللطائف الإيمانية والشرعية في قصة جريج .. في الفصل القادم إن شاء الله تعالى ..

**************************

:: الفصل الخامس ::

:: بعض الإشارات واللطائف الإيمانية والشرعية في قصة جريج الراهب ::

*********************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .