ج14: رسالة النفحات في مفهوم الحديث النبوي عن نسيان حفظ القرآن والتغني بالآيات - هل يجوز اخذ الأجر على الرقية بالقرآن - ما الفرق بين أجرة الإجارة والجُعالة ؟ وما علاقة ذلك بالرقية - هل يصح أخذ أجر على الرقية المسموعة من الوسائط التسجيلية كالإم بي ثري والموبايل.

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة النفحات

في مفهوم الحديث النبوي

عن نسيان حفظ القرآن والتغني بالآيات

(مع التعريف بأهل القرآن وبعض من خسروا أجر عبادتهم عند الله)

(الجزء الرابع عشر)

* فهرس:

:: الفصل الرابع عشر:: مسائل متفرقة عن قراءة القرآن ج2 ::

1- س73: هل يجوز اخذ الأجر على الرقية بالقرآن ؟  

2- س74: ما الفرق بين أجرة الإجارة والجُعالة ؟ وما علاقة ذلك بالرقية ؟

3- س75: هل يصح أخذ أجر على الرقية المسموعة من الوسائط التسجيلية كالإم بي ثري والموبايل ؟

*****************

..:: الفصل الرابع عشر ::..

:: مسائل متفرقة عن قراءة القرآن ج3 ::

******************

..:: س73: هل يجوز اخذ الأجر على الرقية بالقرآن ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- من المسائل المهة التي قد تتسائل عنها .. وهي هل الرقية بالقرآن تجوز عليها أخذ الأجرة ؟

- نعم أخي الحبيب أجاز الفقهاء أخذ الأجر على الرقية بالقرآن واستندوا في ذلك على حديثين:

1- الحديث الأول :

- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: (انْطَلَقَ نَفَرٌ مِن أَصْحَابِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حتَّى نَزَلُوا علَى حَيٍّ مِن أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فأبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذلكَ الحَيِّ، فَسَعَوْا له بكُلِّ شيءٍ لا يَنْفَعُهُ شيءٌ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: لو أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شيءٌ، فأتَوْهُمْ، فَقالوا: يا أَيُّهَا الرَّهْطُ إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا له بكُلِّ شيءٍ لا يَنْفَعُهُ، فَهلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنكُم مِن شيءٍ؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاللَّهِ إنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَما أَنَا برَاقٍ لَكُمْ حتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ علَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ .. فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عليه .. وَيَقْرَأُ: (الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ) فَكَأنَّما نُشِطَ مِن عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَما به قَلَبَةٌ، قالَ: فأوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الذي صَالَحُوهُمْ عليه .. فَقالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا، فَقالَ الذي رَقَى: لا تَفْعَلُوا حتَّى نَأْتِيَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَنَذْكُرَ له الذي كَانَ، فَنَنْظُرَ ما يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرُوا له، فَقالَ: وَما يُدْرِيكَ أنَّهَا رُقْيَةٌ، ثُمَّ قالَ: قدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لي معكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) صحيح البخاري.

* شرح بعض ألفاظ رواية البخاري:

- قوله (وَسَعَيْنَا له بكُلِّ شيءٍ): أي حاولوا معه مما جرت العادة أن يتداووا به من لدغة العقرب ولكن لم يفلح أي علاج معه .

- معنى (لُدِغَ): أي أصابته لدغة عقرب .

- معنى (تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا): أجعلوا لنا أجرا لو تم شفاءه .

- قوله (قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ): وفي رواية أحمد (نعطيكم ثلاثين شاه) وهو على عدد أفراد السرية .. فكأنهم اعتبروا عددهم فجعلوا لكل واحد شاة .. كما جاء في أول رواية أحمد بلفظ: (بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثِينَ رَاكِبًا فِي سَرِيَّةٍ فَنَزَلْنَا بِقَوْمٍ ...) رواه أحمد بسند صحيح .. وسيأتيك بيان هذه الرواية بعد قليل ..

- وقوله (الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ): يقصد أنه كان يرقيه بسورة الفاتحة .. وجاء في رواية أنه قرأها سبعة مرات وفي رواية ثلاث مرات .

- قوله (يَتْفِلُ عليه): ينفخ نفخًا معه أدنى بزاق .. قال العارف بالله عبد الله بن أبي جمرة في بهجة النفوس: محل التفل في الرقية بعد القراءة لتحصل بركة الريق في الجوارح التي يمرّ عليها فتحصل البركة في الريق الذي يتفله . نقلا عن الإمام القسطلاني في (إرشاد الساري 4/138).

- (نُشِطَ مِن عِقَالٍ): أي كأنه تم حله من حبل كان مربوطا به .

- قوله (صَالَحُوهُمْ عليه): أعطوهم ما اتفقوا عليه من الأجر .

- وقوله (وَما يُدْرِيكَ أنَّهَا رُقْيَةٌ): من أين علمت أنها رقية ؟!! .. ولذلك في رواية أخرى أجابه الصحابي فقال: (قلت يا رسول الله شيء ألقي في روعي) .. رواه أحمد والدارقطني ..

- وقوله (وَاضْرِبُوا لي معكُمْ سَهْمًا): أي اجعلوا لي معكم نصيبا في هذا الأجر.

- قوله (فَضَحِكَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ): دليل على استحسانه لخاطر أبي سعيد الخدري .. ودليل ذلك ما جاء في رواية مسلم بلفظ: (يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ مَا رَقَيْتُ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ .. فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ...) صحيح مسلم .

- قوله (وَما به قَلَبَةٌ): ليس به علة .. وسمي بذلك لأن الذي تصيبه يتقلب من جنب إلى جنب ليعلم موضع الداء منه، ونقل عن خط الدمياطي أنه داء مأخوذ من القلاب يأخذ البعير فيشتكي منه قلبه فيموت من يومه . قال بهذا القول الإمام القسطلاني في (إرشاد الساري 4/138).

- وقوله (اضربوا لي معكم بسهم): أي اجعلوا لي معكم نصيب .. وهذا الفعل من النبي للدلالة على مشروعية أخذ الأجرة على الرقية وأنه فعل حلال لا شبهة فيه . طالما تحقق ما تصالح عليه الطرفان .. أي الأجرة مقابل الشفاء .

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- وفي الحديث دلالة على أن أبي سعيد الخدري قد علم خصوصية لسورة الفاتحة لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبره بها من قبل ..

2- في الحديث دلالة على جواز ما يملى على خاطر المؤمن من العلاجات بالرقى القرآنية .. بدليل رواية أحمد والدارقطني لما سأله النبي عن مصدر معرفته بكون الفاتحة رقية فأجاب الصحابي قائلا: (شيء ألقي في روعي) .. وسيأتيك بعد قليل هذه الرواية ..

3- في الحديث لم يعترض النبي على أبي سعيد الخدري في خاطره .. ولم ينهى الأمه عن ذلك ..!! فلا حجة لمن يقل أنه لابد من نص في (المجربات أو المنافع القرآنية) لأنها تكون عن إلهامات يلقيها الله في قلوب عباده .. لأن أبا سعيد الخدري فعل أولا ما أملاه عليه خاطره بقراءة سورة الفاتحة ثم عاد بعد ذلك  فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ..!!

- بل ويكفيك قول النبي صلى الله عليه وسلم (لَا بَأسَ بِالرُّقَى مَا لَم يَكُن فِيهِ شِركٌ) صحيح مسلم ..

- فهل هناك شركا يكون في الرقية بكلام الله وأسماءه والتوسل إليه بالدعاء ..!! أفلا تعقلون ..!!

4- وفي الحديث أنه قرأ سورة الفاتحة كاملة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وما أدراك أنَّها رقية؟) .. ولم يقل: "إن فيها رقية".. وقوله (أنها) يشير لكامل سورة الفاتحة .

- والله أعلم .

* وجاءت رواية أبي سعيد الخدري السابقة بألفاظ مختلفة وكلا منها توضح ما خفي في الرواية الأخرى .. فمن هذه الروايات:

أ- وفي رواية بلفظ: (أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِي سَفَرٍ، فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضِيفُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ رَاقٍ؟ فَإِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ لَدِيغٌ أَوْ مُصَابٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: نَعَمْ، فَأَتَاهُ فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَبَرَأَ الرَّجُلُ، فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَقَالَ: حَتَّى أَذْكُرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ مَا رَقَيْتُ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: «وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟» ثُمَّ قَالَ: «خُذُوا مِنْهُمْ، وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ») صحيح مسلم.

- قوله (قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ): أي مجموعة من الغنم .. والقطيع يكون ما بين عشرة إلى أربعين .. وقيل خلاف ذلك .. ولكن عدد القطيع الذي أخذه الصحابي هو ثلاثون شاه .. كما مثبت في رواية أخرى.

- قال الامام أبو العباس القرطبي رحمه الله (المتوفى:656 هـ):

- وقوله صلى الله عليه وسلم (خذوا منهم، واضربوا لي معكم بسهم) بيان للحكم بالقول وتمكين له بالعمل؛ إذ لم تكن له حاجة لذلك السَّهم إلا ليبالغ في بيان أن ذلك من الحلال المحض الذي لا شبهة فيه، فكان ذلك أعظم دليل لمن يقول بجواز الأجرة على الرُّقى والطب، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبي ثور وجماعة من السَّلف والخلف.

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ج5 ص588.

- وقال الإمام النووي رحمه الله (المتوفى: 676هـ):

- قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خُذُوا مِنْهُمْ وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الرقية بالفاتحة والذكر وأنها حلال لاكراهة فِيهَا وَكَذَا الْأُجْرَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَآخَرِينَ مِنَ السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَمَنَعَهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَأَجَازَهَا فِي الرُّقْيَةِ .

- وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (أَقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ) فَهَذِهِ الْقِسْمَةُ مِنْ باب المروءات والتبرعات ومواساة الأصحاب والرفاق والافجميع الشياه ملك للراقى مختصة به لاحق للباقين فيها عند التنازع فقاسمهم تبرعا وَجُودًا وَمُرُوءَةً.

- وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ) فَإِنَّمَا قَالَهُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ وَمُبَالَغَةً فِي تَعْرِيفِهِمْ أَنَّهُ حَلَالٌ لَا شبهة فيه.

شرح النووي على صحيح مسلم ج14 ص187

ب- وفي رواية بلفظ: (بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثِينَ رَاكِبًا فِي سَرِيَّةٍ فَنَزَلْنَا بِقَوْمٍ فَسَأَلْنَاهُمْ أَنْ يَقْرُونَا فَأَبَوْا فَلُدِغَ سَيِّدُهُمْ فَأَتَوْنَا فَقَالُوا أَفِيكُمْ أَحَدٌ يَرْقِى مِنَ الْعَقْرَبِ فَقُلْتُ نَعَمْ أَنَا وَلَكِنْ لاَ أَرْقِيهِ حَتَّى تُعْطُونَا غَنَمًا قَالُوا فَإِنَّا نُعْطِيكُمْ ثَلاَثِينَ شَاةً. فَقَبِلْنَاهَا فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ (الْحَمْدُ) سَبْعَ مَرَّاتٍ .. فَبَرِئَ .. وَقَبَضْنَا الْغَنَمَ .. فَعَرَضَ فِي أَنْفُسِنَا مِنْهَا شَيْءٌ .. فَقُلْنَا لاَ تَعْجَلُوا حَتَّى نَأْتِىَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَكَرْتُ لَهُ الَّذِى صَنَعْتُ .. فَقَالَ: أَوَ مَا عَلِمْتَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ .. اقْتَسِمُوهَا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا) صحيح بن ماجه ورواه أحمد .. وقال الأرنؤوط في تخريج المسن: إسناده صحيح على شرط مسلم.

- قوله (سرية) : طائفة من الجيش يتم إرسالها في مهمة ..

ج- وفي رواية بلفظ: (بعَثَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعثًا، فكُنتُ فيهم، فأَتَيْنا على قَريَةٍ، فاسْتَطعَمْنا أهْلَها، فأبَوْا أنْ يُطعِمونا شَيْئًا، فجاءَنا رَجُلٌ من أهْلِ القَريَةِ، فقال: يا مَعشَرَ العَرَبِ، فيكم رَجُلٌ يَرْقي؟ فقال أبو سَعيدٍ: قُلتُ: وما ذاك؟ قال: مَلِكُ القَريَةِ يَموتُ. قال: فانطَلَقْنا معه فرَقَيْتُه بفاتحةِ الكِتابِ، فرَدَّدتُها عليه مِرارًا، فعُوفيَ، فبَعَثَ إلينا بطَعامٍ، وبغَنَمٍ تُساقُ، فقال أصْحابي: لم يَعهَدْ إلينا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا بشَيءٍ، لا نَأخُذُ منه شَيْئًا حتى نَأْتيَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسُقْنا الغَنَمَ حتَّى أَتَيْنا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فحَدَّثْناهُ، فقال: كُلْ وأَطعِمْنا معك، وما يُدريكَ أنَّها رُقْيةٌ؟ قال: قُلتُ: أُلْقيَ في رُوعي) رواه أحمد والدارقطني .. وقال الأرنؤوط في تخريج المسند: حديث صحيح وهذا إسناد فيه ضعف ..، وقال الأرنؤوط: في تخريج سنن الدارقطني: صحيح .

- قوله (روعي): أي ألقي في نفسي وقلبي  أي في خاطري أن أرقيه بسورة الفاتحة .. ففعلت .

د- وفي رواية بلفظ آخر عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: (أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرُّوا بِمَاءٍ، وَفِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ، فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ، فَقَالَ: فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟ إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَرَأَ أُمَّ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ، فَبَرِأَ، فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا ؟ .. فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجرًا كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) صحيح البخاري.

- قوله (فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ فَبَرَأَ) أي الإتفاق كان على أن يعطوهم قطيع من الغنم لو تم الشفاء .

- قوله (مروا بماء): أي بقرية فيها بئر ماء يشرب منه الناس ..

- قوله (لديغ أو سليم): اللديغ هو الذي أصابه العقرب .. و قوله (أو) هو شك من الراوي هل قال لديغ أم سليم .. وقوله(سليم) : العرب تصف المصاب بكونه (سليم) استبشارا لحدوث العافية له .. ولذلك في مصر يقال عن المريض أن (فلان بعافية) .. وهذا استبشارا له بحدوث العافية له إن شاء الله تعالى.. والله أعلم ..

2- الحديث الثاني:

أ- عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ، عَنْ عَمِّهِ: (أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ وَعِنْدَهُمْ مَجْنُونٌ مُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ أَعِنْدَكَ شَيْءٌ يُدَاوَى بِهِ هَذَا، فَإِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ جَاءَ بِخَيْرٍ، قَالَ: فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، فَبَرَأَ فَأَعْطَاهُ مِائَةَ شَاةٍ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «كُلْ .. فَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ فَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ) رواه الحاكم .. وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ولم يخرجاه .. وذكره الألباني في الصحيحة ووافق على قول الحاكم .

ب- وفي رواية بلفظ: (أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ جِئْتَ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ بِخَيْرٍ، فَارْقِ لَنَا هَذَا الرَّجُلَ .. فَأَتَوْهُ بِرَجُلٍ مَعْتُوهٍ فِي الْقُيُودِ .. فَرَقَاهُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً، وَكُلَّمَا خَتَمَهَا جَمَعَ بُزَاقَهُ، ثُمَّ تَفَلَ فَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَأَعْطَوْهُ شَيْئًا، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلْ .. فَلَعَمْرِي لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةٍ بَاطِلٍ، لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةٍ حَقٍّ) صحيح أبي داوود.

ج- وفي رواية بلفظ : (فَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَأَعْطَوْنِي جُعْلًا ....) صحيح أبي داود.

* من شرح ألفاظ الحديث:

- (من عند هذا الرجل): أي النبي - صلى الله عليه وسلم .

(برجل معتوه) أي: مجنون .. وقيل هو المدهوش من غير جنون .. ولكن تفسيره بالمدهوش قولا فيه نظر .. لأنه كان مقيدا والمدهوش كالتائه السرحان ولا يتم تقييده ..!! والله أعلم .

- (في القيود) : مقيد مربوط تم تكتيفه ..

- (فرقاه بأم الكتاب) : أي بسورة الفاتحة مرتين صباحا ومساء لمدة ثلاثة أيام .. كمايظهر هذا في رواية أخرى بلفظ: (فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، فَبَرَأَ) .. رواه الحاكم بسند صحيح ..

- (ثلاثة أيام غدوة وعشية): يرشدنا ذلك إلى متابعة الرقية مع المصاب صباحا ومساء لمتابعة الحالة ..  وإن كان ذلك ليس في كل الحالات .. لأنه في حالة أبي سعيد الخدري كانت الرقية سبعة مرات في يوم .. كما يظهر ذلك من الاحاديث .. والله أعلم .

- قوله (كلما ختمتها): أي كلما انتهيت من قرائتها كاملة .. وفي ذلك دلالة على أن النفث يكون بعد القرآءة للرقية وليس بين كل آية كما يزعم البعض ..

- قوله (جمع بزاقه): يجمع ريقه بعد كل قراءة ..

- قوله (يتفل): ينفث بهذا الريق عليه .. ولم يتم تحديد مكان النفث عليه .

- قوله (أُنْشِطَ): بضم الألف أي بصيغة المجهول .. والمعنى هو كأنما تم حله وفكه .

- قوله (عِقَالٍ): من قيد أو حبل كان مكتوفا به ..

- والمقصد أنه شعر براحة وكأنه أصبح حرا نشيطا بعد أن كان يشعر بأنه مقيدا .. (هذا وصف لحالته النفسية) .. وليس وصفا لما كان عليه من تقييد بالحبال فعلا حينما كان مجنونا ..

- وهذا القول (أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ) .. يستخدمه العرب فيمن زال عنه المكروه الذي كان يفسد عليه حركته في الحياة .. والله أعلم .

- قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْكَلَامُ فِيهِ التَّشْبِيهُ شَبَّهَ سُرْعَةَ بُرْئِهِ مِنَ الْجُنُونِ بِوَاسِطَةِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّفْلِ بِجَمَلٍ مَعْقُولٍ بَرَأَ مِنْ عِقَالٍ فَتَرَاهُ سَرِيعَ النُّهُوضِ.

- قوله (جُعلا): بضم الجيم .. أي أجرا نظير شفاء هذا الذي كان مصاب بالجنون .

- قوله (كُلْ): أي حلالا لك أن تأكل من الأجر الذي أعطوه لك .

- قوله (فَلَعَمْرِي): حلف النبي بعمره لأن الله أقسم به في كتابه ..  (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) الحجر72..  وقيل أن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم وقد أذن الله له بذلك .. وقيل المعنى بحق من خلق حياتي .. والله أعلم .

- قوله (لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةٍ بَاطِلٍ، لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةٍ حَقٍّ): أي من الناس من يرقي برقية باطل ويأخذ عليها أجرا أما أنت فقد رقيت برقية حق فأنت أحق بهذا الأجر .

 

- قوله (أكلت): جاء بصيغة الماضي للدلالة على أن ما فعله كان صحيحا ودليل على استحقاقه لما أخذه منهم ..

* وفي الحديث دليل على الآتي:

1- دليل أنه قرأ سورة الفاتحة كاملة .. وكان ينفث بريقه بعد قرائتها كاملة .

2- وأنه ليس بالضرورة تكون الرقية بعدد فردي لأن الصحابي قرأها مرتين .. كما في رواية (فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، فَبَرَأَ ) رواه الحاكم وصححه .. وذكره الألباني في الصحيحة.

3- ودليل على أن في بعض القرآن رقية بدليل اختصاص الفاتحة دون غيرها بالرقية .. ولكن هذا لا يمنع أن القرآن كله بركة وشفاء ورحمة .. وقد استرقى النبي صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين .

د- وفي رواية عَنْ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ التَّمِيمِيِّ، عَنْ عَمِّهِ: (أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ رَاجِعًا مِنْ عِنْدِهِ، فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ عِنْدَهُمْ رَجُلٌ مَجْنُونٌ مُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ، فَقَالَ أَهْلُهُ: إِنَّا حُدِّثْنَا أَنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا قَدْ جَاءَ بِخَيْرٍ، فَهَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ تُدَاوِيهِ؟ فَرَقَيْتُهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَبَرَأَ، فَأَعْطَوْنِي مِائَةَ شَاةٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "هَلْ إِلَّا هَذَا" .. وَقَالَ مُسَدَّدٌ: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ "هَلْ قُلْتَ غَيْرَ هَذَا؟ " قُلْتُ: لَا، قَالَ "خُذْهَا فَلَعَمْرِي لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ) صحيح أبي داوود.

- قوله (قال مُسَدَّدٌ): هو مسدد بن مسرهد أحد رواة الحديث .. وقال قال في رواية أخرى  ..

* قال الإمام بن رسلان رحمه الله (المتوفى: 844 هـ):

- وفيه جواز أخذ الأجرة الكثيرة على العمل الذي لا يتعب .. وهو داخل في عموم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب اللَّه) رواه البخاري.

شرح سنن أبي داوود ج15 ص640

* ثم قال الإمام بن رسلان رحمه الله:

- قوله (برقية حق) : فيه أن الرقية على قسمين: حق وباطل. فرقية الحق ما كانت بكتاب اللَّه تعالى، وبما يعرف من ذكر اللَّه تعالى من الكتاب أو السنة أو غيرهما ..

- فإن كانت الرقية الملفوظ بها أو المكتوبة مما لا يعرف معناه فلا تجوز الرقية بها؛ لاحتمال أن يكون فيها كفر؛ ولهذا قال -عليه السلام-: (اعرضوا عليَّ رقاكم) صحيح مسلم.

شرح سنن أبي داوود ج15 ص640

***************************

..:: س74: ما الفرق بين أجرة الإجارة والجُعالة ؟ وما علاقة ذلك بالرقية ؟ ::..

- أخي الحبيب .. الذي ترقي بالقرآن وتتقاضى أجرا .. قد يكون الأجر على الرقية من باب الإجارة، أو من باب الجعالة .. وهناك فرق بين أجر الإجارة وبين أجر الجعالة ..!! علما بأن الجُعالة تندرج تحت باب الإجارة ولكن لها اتفاق خاص .

- فالإجارة: تكون على عمل معلوم، بعوض معلوم، في مدَّةٍ معلومة .. وسيأتي شرح ذلك بمثل 

- والجُعالة: هي أن يُجَاعِلَ الرجل الرجل ..أي يجعل له عطاء وأجر على عمل يعمله له .. فإن أكمل العمل كان له الجُعل ، وإن لم يكمله بتحقيق النتيجة المرجوة لم يكن له شيء ..

- ونجد هذه الجعالة في قوله تعالى: (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) يوسف72 .. ودليله أيضا قصة أبي سعيد الخدري التي جاء فيها ((فَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَأَعْطَوْنِي جُعْلًا ....) صحيح أبي داود.

..، وقصة عم خارجة بن الصلت .. التي جاء فيها (فَما أَنَا برَاقٍ لَكُمْ حتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ علَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ ....) صحيح البخاري.

- وهناك فرق يا أخي الحبيب بين أجرة الإجارة وأجرة الجعالة .. وإليك أمثلة ليتضح لك الفارق:

- فمثلا لو قال المصاب للرَّاقي: ارقِني لمدة نصف ساعة أو ساعة، أو اعمل لي جلسة رقية وسأعطيك مبلغ كذا.. سواء تم الشفاء أو لم يتم .. فهذا من باب الإجارة .. لأنها تكون على عمل معلوم، بعوض معلوم، في مدَّةٍ معلومة.

- وأما إذا اشترط المريض الشفاءَ فقال للراقي: لك كذا وكذا إن شُفيتُ، فهذا من باب الجُعالة .. لأنَّها عقدٌ على منفعةٍ يُظنُّ حصولها .. فإذا لم يتحقق الشرط وهو الشفاء فالمصاب غير ملزم بإعطاء الجعالة ..!!

- ولذلك في قصة أبي سعيد الخدري وقصة عم خارجة بن الصلت .. لم يتم إعطاء مال أو أجر لهما مقابل كل جلسة رقية .. وإنما تم إعطاء المال على شرط تحقق الشفاء .. ولذلك ستجد في الحديث يأتي لفظ (جعالة) .. أي عطاء مستحق مقابل منفعة متحققه فعلا.

- فلو ذهب راقي إلى مصاب .. وكان شرط العطاء للراقي هو أن تظهر علامة الشفاء على المصاب بعد الرقية (مهما كانت فترتها الزمنية أو عدد أيامها) .. فهذه تسمى جُعالة .. ولا يحق للراقي أن يأخذ مالا حتى يتحقق الشرط وهو شفاء المصاب .. فإن طالب بمال نظير جلسته للرقية أو مقابل الوقت الذي رقى فيه .. فهو لا يحق له .. لأنه لم يحقق شرط الإتفاق .. وهو الشفاء .

 - والأسلم والأطهر للمال المقبوض للراقي هو أن يقول:

- أنه يرقي ويأخذ أجر نظير رقيته المنطوقة بلسان نفسه .. سواء شعر المصاب بالشفاء أم لم يشعر .. وذلك للأسباب التالية:

1- لأن هذا الشفاء بأمر الله .. ولا يملك حيلة له في جلبه أو تحقيقه إلا حسن ظن بالله ويقين فيه .. ثم التوفيق من الله.

- ولذلك الأطباء العضويين يأخذون أجرا على المعونة في العلاج وعلى خبرتهم وعلى الوقت الذي تؤخذ مشورتهم فيه .. وليس على تحقيق الشفاء .. لأنه أمر لا يملك تحقيقه .. وإنما هو يجتهد في علاج ما أصابك من مرض من خلال ما أعطاه الله من علم وأدوية ..!!

2- فإذا كان الطبيب العضوي لا يعرف متى يتم الشفاء .. فكيف يمكن للراقي أن يعرف الشفاء في مسألة روحانية غيبية .. ولا أحد يعلم متى يتم الخلاص منها .. ؟ ولذلك على الراقي أن يقول أنه ياخذ أجرا مقابل جلسته للرقية وليس مقابل الشفاء .

3- فضلا عن أن الراقي لا يعلم هل هذا التسليط الروحاني للمصاب هل هو مجرد تسليط لاختبار المؤمن المصاب .. أم جاء نتيجة ذنوب فعلها هذا المؤمن في حق الناس ولذلك سلط الله عليه هذا الشيطان عقوبة له .. ولذلك قد لا ينتهي هذا التسليط نتيجة حقوق يجب أن ترد لأصحابها ..!! وبالتالي مهما رقى الراقي فلن يجد نتيجة لرقياه لوجود علة مانعة من نزول الشفاء على المصاب ..

4- لا يأمن الراقي أن يكون هذا المصاب .. متوهما أنه مصاب روحانيا .. فكيف سيبعد عنه ما ليس له وجود أصلا إلا في وهم المصاب ..!! ولذلك من الأفضل أن يأخذ أجر على الرقية وليس مقابل الشفاء ..

5- وهناك من يطلب الرقية من مرض عضوي وليس عن إصابة روحانية فقط .. ولا مانع .. وطبعا المرض العضوي قد يحتاج وقت طويل من الرقية .. والأمر يتوقف على عزيمة الراقي وقربه من الله بالإضافة إلى توفيق الله له .

- ولذلك أخي الحبيب الراقي بكلام الله الذي تتقاضى أجرا من الرقية .. لا تخبر أحد بأنك ستشفيه من التسليط الروحاني .. ولكن أخبره بأنك سترقيه .. ولكن النتيجة هي بأمر الله ولا أزعم تحقيق الشفاء سواء في جلسة أو اثنين أو عشرة وإنما في الوقت الذي يأذن به الله بالشفاء فسيتم .. ولكن كل جلسة رقية أتقاضى عليها مبلغ وقدره كذا ..

- يعني أجعل طلبك للمال مبني على الإجارة .. أي تأخذ أجرة بمبلغ كذا على قرائتك للرقية فقط "وليس على تحقيق نتيجة" .. وفي وقت قدره كذا .

- وأكرر عليك أخي الراقي .. لو قلت لأحد سآتي معك لتحقيق الشفاء للمصاب روحانيا .. ولم يتحقق الشفاء .. فلا يحق لك أخذ المال ولو ذهبت للرقية أيام ..!! ولو طالبت بمال حينئذ فلا يحق لك أخذه .. ويحق للمصاب أن لا يعطيك .. لأنك لم تحقق الشرط له حتى يمنحك عطاء .. وهو الشفاء ..!!

- فانتبه أخي الراقي .. من الفرق بين الجعالة والإجارة ..

- وأظن أن الكتب المطبوعة عن الرقية لا تنتبه لهذه الجزئية .. !! ولكنهم يهتمون وينتبهون بأنه يجوز أخذ الأجرة على الرقية فقط ..!! ويستدلون بالأحاديث السابقة .. وهذا خطأ .. لأن الأحاديث تتكلم عن أجرة الجُعالة وليس على أجرة الإجارة ..!!

- وإن كان لا أحسب أن أحدا من الفقهاء منع أجرة الإجارة في الرقية بالقرآن أو تعليم القرآن .. إلا الإمام بن شهاب الزهري وهو تابعي جليل وقد شاركه الرأي بعض العلماء .. وكان يستدل بقوله تعالى (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) البقرة41 ..، ولقوله تعالى (اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ) يس21.

- وكذلك استدل بحديث .. عن عبد الرحمن بن شبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(اقْرَؤوا القرآنَ ولا تَغْلوا فيهِ، ولا تَجْفوا عنهُ، ولا تأكُلوا بهِ، ولا تَستكثِروا بهِ) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط: صحيح .. وذكره الألباني في الصحيحة .

- ونظرا لظاهر قوة حجة الإمام الزهري ومن شاركه الرأي .. فهذه أمور نناقشها في مسألة آتية إن شاء الله تعالى .. تحت عنوان "هل يصح أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلوم الشرعية" ..

*******************

..:: س75: هل يصح أخذ أجر على الرقية المسموعة من الوسائط التسجيلية كالإم بي ثري والموبايل ؟ ::..

- أخي المؤمن .. يتباد لك سؤال .. فتقول أن هناك بعض المشايخ .. يضع الرقية المسموعة على المصاب .. سواء من خلال شريط كاسيت أو من إم بي ثري أو من موبايل .. أو أي وسيط يخرج منه صوت مُسجل عليه رقية بصوته أو بصوت غيره .. ثم يتقاضى أجر على ذلك .. فهل هذا صحيح ؟

- الجواب:

1- الرقية معناها: هو كلام منطوق له تأثير .. والمنطوق يكون بعزيمة النفس الناطقة .. (راجع رسالة الرقية الشرعية) ..

2- والرقية المنطوقة .. هي فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإرشاده وقوله .. وكذلك فعل الصحابة .. !! أما الوسائط المسموعة فهي ليست رقية في الحقيقة وإنما مجرد وسيلة مساعدة ينتج عنها تأثير ولكن ليس كالمنطوق بعزيمة نفس .

3- من شرط اتفاق الرقية: أن تكون بصوت الراقي وليس من خلال رقية مسجلة مسموعة بوسائط الميديا .. لأن الأصل في الرقية هو تأثير صوت الراقي في المصاب .. فيدفع الأذى بهمة وعزيمة وهذا لا يكون في الوسائط المسموعة على الإطلاق .. !!

* فإذا علمت ما سبق أخي الحبيب .. فانتبه للآتي:

- أولا: لو كان الإتفاق أن الراقي فلان بنفسه هو الذي يرقي .. ثم يترك الأمر لمساعد له يرقي .. فهذا فيه غش وخداع .. لأن المصاب إنما طلب فلان نفسه وليس غيره ..!!

- إلا لو اتفق مع المصاب أن له مساعد له يساعده في الرقية نيابة عنه .. فيقبل بهذا المصاب .. فلا مانع حينئذ من قبول المال .. لأن المصاب ارتضى بذلك ..

- ثانيا: من يفعل الرقية من خلال مسجل إم بي ثري أو شريط كاسيت أو أي وسيلة مسموعة على المرضى .. ويأخذ أجرة على ذلك فماله حرام لأنه سيكون غشاش ومخادع وفعل ما هو مخالف للشريعة .. لأن المصاب دفع الأجر على الرقية المنطوقة من الراقي نفسه .. !! ودليل التحريم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَن غَشَّنا فليسَ مِنَّا) صحيح مسلم .. وفي رواية بلفظ: (مَن غشَّنا فليس منَّا .. والمكرُ والخداعُ في النَّارِ) صحيح بن حبان .. وقال الأرنؤوط: إسناده حسن ..

- قوله (المكر والخداع): أي من يتبع أساليب المكر والخداع ..

* ولكن يستثنى مما سبق لو تم الإتفاق على الآتي:

1- لو كان اتفق مع المصاب على أنه سيسمعه من المسجل أو الإم بي ثري وليس بالضرورة أن يقرأ عليه .. وقال له أيضا من باب الأمانة أن هذه لا تساوي عزيمة الرقية ..

- فيكون الراقي بذلك أوضح للمصاب أنه سيتم سماعه رقية وليس بالقراءة عليه .. بل وأوضح له أن المسموع أقل تأثيرا من المنطوق .

2- أو لو اتفق مع المصاب أن يأخذ أجر نظير استشارته في توصيف حالته فقط وإعطاءه طريقة علاج .. وليس بالضرورة أن يقرأ عليه رقية ..!!

- فهنا سواء قرأ عليه أو أسمعه الرقية أو حتى لم يفعل معه شيء مما سبق .. فهذا سيكون مزيد عمل من الراقي لأن الأصل المتفق عليه هو طلب الإستشارة والعلاج .. وليس الرقية..!!

- ولكن على الراقي أن ينتبه في التشخيص .. لأنه يشخص في مسألة غيبية وليتق الله .. وليتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم (المُستشارُ مُؤتمَنٌ) صحيح الترمذي وأبي داوود.

- والله أعلم .    

- الأسئلة (س85-86-87) - نقلا عن رسالة (علم الرقية الشرعية - من القرآن والسنة النبوية) للأستاذ/ خالد أبوعوف.. الجزء الخامس والثلاثون الخاص بمسألة أجر الرقية - ص1125 وما بعدها ..

 ***********************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .