ج13: رسالة علم الرقية الشرعية - ما معنى (التوكل على الله) - ما هي حقيقة وحق التوكل - ما معنى (لم يَتوكَّلْ مَن استَرقى واكتَوى) - ما معنى (مَن اكتَوَى أو استَرقَى فقد برِئَ منَ التَّوَكُّلِ) - كيف النبي يطلب من الناس أن يسترقوا وقد قال (مَنِ اكْتَوَى أَوْ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ) - هل النبي استرقى أم لم يسترقي - وهل يقدح استرقاء النبي في توكله على الله - لماذا العلاج بالإسترقاء أو الكي قد ربطه النبي بالتوكل - هل الأفعال المنهي عنها في الحديث مرتبطة بالتوكل (لا يرقون – لا يسترقون – لايتطيرون – لا يكتوون) - هل الذي ترك الإسترقاء والكي هو من المتوكلين - هل الرقية والكي إشارة إلى كل طرق العلاج والتداوي .

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة 

- علم الرقية الشرعية -

( من القرآن والسنة النبوية )

- الجزء الثالث عشر -

* فهرس :

..:: الفصل الثاني عشر ::.. العلاقة بين الرقية والتوكل على الله ::

1- س67: ما معنى (التوكل على الله) ؟ وما هي حقيقة وحق التوكل ؟

2- س68: هل الأفعال المنهي عنها في الحديث مرتبطة بالتوكل ؟ (لا يرقون – لا يسترقون – لايتطيرون – لا يكتوون)

3- س69: ما معنى (لم يَتوكَّلْ مَن استَرقى واكتَوى) ؟ وما معنى (مَن اكتَوَى أو استَرقَى فقد برِئَ منَ التَّوَكُّلِ) ؟
4- س70: كيف النبي يطلب من الناس أن يسترقوا وقد قال (مَنِ اكْتَوَىأَوْ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ) ؟
5- س71: هل النبي استرقى أم لم يسترقي ؟ وهل يقدح استرقاء النبي في توكله على الله ؟  

6- س72: لماذا العلاج بالإسترقاء أو الكي قد ربطه النبي بالتوكل ؟ 

7- س73: هل الذي ترك الإسترقاء والكي هو من المتوكلين ؟

8- س74: هل الرقية والكي في الأحاديث السابقة إشارة إلى كل طرق العلاج والتداوي ؟

 **************************

..:: الفصل الثاني عشر ::..

:: العلاقة بين الرقية والتوكل على الله ::

********************

..:: س67: ما معنى (التوكل على الله) ؟ ::..

(ما هو التوكل ؟)

* قال الإمام الطيبي رحمه الله المتوفى (743هـ) :

- توكل بالأمر إذا ضمن القيام به .. ووكلت أمري إلى فلان أي ألجأته إليه واعتمدت فيه عليه .. ووكل فلان فلانا إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته ، أو عجزا عن القيام بأمر نفسه .. والوكيل هو القيم الكفيل بأرزاق العباد .

شرح المشكاة ج10 ص3332

* قال الشيخ أبو بكر الكلاباذي رحمه الله (المتوفى: 380هـ) :

* أَصْلُ التَّوَكُّلِ السُّكُونُ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ، وَإِذَا تَحَقَّقَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ سَكَنَ مِنْهُ الِاضْطِرَابُ ، وَسَقَطَ عَنْهُ السُّكُونُ إِلَى الْأَبْوَابِ .

* وَمَنْ صَحَّ تَوَكُّلُهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى فَوَاتِ حَظِّهِ، وَلَا إِلَى إِصَابَتِهِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَوَكَّلَ عَلَى مَا سَبَقَ، وَسَكَنَ إِلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَدْرِي مَاذَا قَضَى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ .. فَوَاتُ حَظِّهِ، أَوْ إِصَابَتُهُ ..

بحر الفوائد المشهور بمعاني الأخبار ص126 

* قلت (خالد صاحب الرسالة) :

- تعالوا نبحث عن التوكل في نقاط بسيطة دون إطالة فيه .. وهذا هو رأيي في التوكل من خلال فهمي للنصوص الدينية .. حتى لا تستغرب ما سأذكره لك حينما أقول لك أن التوكل (له ظاهر وله باطن وله سابق وله لاحق) .. فاقرأ وتذوق .. فقد كتبت لك ما جرى على قلبي واطمئن له ببرهان نبوي أو قرآني في فهم مسألة التوكل .. والله أعلم بالصواب .. فأقول بالله التوفيق :

1- معنى لفظ الحديث (وعلى ربهم يتوكلون) : يدل على ديمومية تفويض الأمر لله في كل شيء لأنه وكيلهم .. فلم يشغلهم ما يأتي به القدر من أحداث .. ليقينهم أنه مدبر حكيم .. حكم عدل .. لأنه الحق سبحانه .. !!

2- والتوكل ليس معناه ترك الأسباب .. وإنما التوكل هو ترك التعلق بالأسباب ..!!

3- التوكل له ظاهر وله باطن وله سابق وله لاحق ..

- (فظاهره) سعي بالأسباب ..

- (وباطنه) تعلق بالله لأنه المدبر لهذه الأسباب ..

- (وسابقه) رضا بما ييسره لك المدبر سبحانه من أسباب ..

- (ولاحقه) رضا بما قسمه الله لك نتيجة سعيك بالأسباب ..

- وراجع ما سأذكره لك في رقم (7) .. بعد قليل ..

4- التوكل حقيقته تعلق بالله في قلبك .. فالتوكل هو انفعال قلبي بتفويض الأمر لله في كل صغيرة وكبيرة مطمئنا بتدبيره لك .. وذلك إيمانا أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .. ويقينا به سبحانه أنه محسن في تدبيره ..

- ولذلك كان توكل المؤمن على الله مانع له من تمكين الشيطان منه .. واقرأ قوله تعالى (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) النحل99 ..

- لأن المتوكل دائما في معية الله .. متعلق بمولاه ..غير ملتفت لغيره .. فما حيلة الشيطان مع قلب جعل أنفاسه تفويضا لله واطمئنانا بالله  ولا ينشغل بغير مولاه ..؟!!

5- والتوكل عزيمة قلبيه مصحوبة بسعي في الوجود .. يقول تعالى (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آلَ عِمْرَانَ159..

- ولذلك كان المتوكل على الله .. ممن يحبهم الله .. لشدة تعلقه بالله في كل أحداث حياته .

- وطالما هناك عزم .. يبقى هناك عمل وحركة في الحياة لتحقيق هذا العزم .. فوجب السعي والأخذ بالأسباب متعلقا بالله في سعيك وأسبابك .. فانتبه !!

6- والتوكل يقين في القلب بحسن تدبير الله لك في كل حياتك .. يقول تعالى (وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسبُه) الطلاق3 ..

- ولذلك أوصى نبيه أن يظل دائما متعلقا قلبه بالحي الذي لا يموت (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) الفرقان58 ..

- وفي هذه الآية إشارة لقطع التعلق بعالم الأغيار عن القلب لأنك لن تجد فيهم نافع أو ضار .. لأن هذه هي صفة الخالق مدبر الوجود الحي القيوم ..

- ولكن اجتهد في السعي وخذ بالأسباب .. ولا تقلق من الأسباب ولا تعتقد فيها .. وإنما تعلق بالذي يدبر الأسباب وهو الله الحي القيوم .. فانتبه .

7- التوكل هو رضا بمجريات القضاء والقدر .. فلا ينفع المؤمن شيء ولا يضره شيء إلا بمراد الله له في ذلك الوقت .. ولذلك اطمأن قلب المؤمن بمجريات القضاء والقدر عليه .. لتعلق قلبه بالله .. واقرأ قوله تعالى : (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) التوبة51 .

- وقوله تعالى (الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) النحل42

- وقوله تعالى (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) آل عمران173-174 .

8- وحق التوكل هو الأخذ بالأسباب مع تعلق القلب بالله ..

- فقد جاء عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لو أنَّكم كنتُم توَكلونَ علَى اللهِ حقَّ توَكلِه لرزقتُم كما يرزقُ الطَّيرُ تغدو خماصًا وتروحُ بطانًا) صحيح الترمذي وصحيح بن ماجه ورواه أحمد .. وقال الأرنؤوط في تخريج المسند : إسناده قوي، رجاله ثقات رجال الشيخين .

- ومعنى (خماصا) : أي جياعا ، و معنى (بطانا) : أي ممتلئة بطونها ..

- والغرض من الحديث هو إثبات صفة السعي والأخذ بالأسباب .. حيث أن الطير يسعى (يغدو) (يروح) .. فكان السعي بالأسباب وإسقاط التعلق بها من القلب مع تعلق القلب بالله كونه مسبب الأسباب والمؤثر فيها وفاعلها .. هو من حق التوكل على الله ..  

9- المتوكل على الله .. هو الذي اكتفى بالله عن غيره .. فلم يلتفت لسواه ولم يرغب إلا في رضاه .. فإن سلك طريق الأسباب علِمَ أن الله هو من يسرها له .. وأن توقفت الأسباب علِمَ أن الله هو من أوقفها له .. فيدعو مستسلما (ماض في حكمك عدل في قضاءك) .. ثم ينتبه لعل وقفته بسبب غفلته فيقول (اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى عندي من عملي) .. ثم يخشى من أن تكون فتنة فيتأدب قائلا (اللهمَّ إني أعوذُ برضاك من سخطِك ، و بمعافاتِك من عقوبتِك ، و أعوذُ بك منك لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسِك) .. ثم يرجوه طامعا (يا حي يا قيوم برحمتك استغيث .. فأغثني يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين) ..

- والله أعلم .

****************************

..:: س68: هل الأفعال المنهي عنها في الحديث مرتبطة بالتوكل ؟ ::..

(لا يرقون – لا يسترقون – لايتطيرون – لا يكتوون)

- قلت (خالد صاحب الرسالة) :

- الربط بين التوكل والأسباب .. يكون من حيث التعلق القلبي بالأسباب وعدم التعلق القلبي بها .. وليس من حيث فعل الأسباب وتركها .. فانتبه لقولي جيدا !!

- ففي الحديث نجد حكمة النهي هي أسباب ظهر فيها التعلق القلبي بها دون التعلق القلبي بالله كما أوضحنا لك ذلك سابقا في سؤال (ما الذي يربط النهي بين كل صفات في الحديث) ..

- وبالتالي هناك ارتباط بين التوكل وما سبق من نواهي .. ولكن من حيث المخالفة الشرعية لصحيح الإيمان .. أي لو اعتقدت في الأسباب الأربعة أنها نافعة بذاتها لك .. فأنت توكلت على الأسباب ولم تتوكل على الله .

- ولكن فاعل الرقية والكي طالما بطريقة مشروعة وقلبه متعلق بالله .. فهو من المتوكلين بلا ريب .. وإلا تساوى من يفعل الرقية والكي بطريق مشروع وطريق غير مشروع .. وكان كلاهما غير متوكل على الله ..!! وهذا أمر مستحيل ..!!

- وقال الإمام بن حجر في الفتح (11/409) :

- (على ربهم يتوكلون) يحتمل أن تكون هذه الجملة مفسرةً لما تقدَّم من ترك الاسترقاء، والاكتواء، والطِّيَرة ، ويحتمل أن تكون من العامّ بعد الخاصّ ؛ لأن صفة كلّ واحدة منها صفة خاصّة من التوكل وهو أعمّ من ذلك ..!!

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- كلام الإمام بن حجر هو كلام محترم .. ولكن يبقى أن التوكل هو صفة مثبته لهؤلاء في كل نواحي الحياة حيث أن جملة (على ربهم يتوكلون) هي مطلق عام في كل أنواع الحياة وليس فيما سبقها من صفات فقط ..!!

- ووصفهم بأنهم (على ربهم يتوكلون) : تفيد أن هذا هو حالهم في كل حياتهم وليس مع هذه الصفات السابقة عليها فقط ..!!

- وإلا لو كان التوكل مرتبط فقط بما سبقه من نواهي فقط .. فما الصعب أن يترك أي مسلم الرقية بكل أنواعها (فضلا عن أن كثير من المسلمين لا يعرفونها) .. ويترك التطير (الذي لم يعد له وجود في أهل المدن) .. ويترك الكي بالحديدة المحماة بالنار (لوجود الكي بالكهرباء والليزر) ..!!

- ولكن كم واحد من المسلمين يتوكل على الله ويترك التعلق بالأسباب في قلبه .. ؟!! قليلا ما نجد ذلك .. لأن التوكل انفعال قلبي بالرضا مع الله في كل أحداث الحياة .. لأن المتوكل يعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .. وأن ما أصابه ما كان ليخطئه وما أخطأه ما كان ليصيبه .. وأن الله مدبر حكيم – حكم عدل – لأنه الحق جل جلاله ..!!

- ويتبقى لنا حديث يربط الإسترقاء والكي بالتوكل .. وهو حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (مَن اكتَوَى أو استَرقَى فقد برِئَ منَ التَّوَكُّلِ) صحيح الترمذي .. فكيف يفهم معناه ؟

**************************

..:: س69: ما معنى (لم يَتوكَّلْ مَن استَرقى واكتَوى) ؟ ::..

:: وما معنى (مَن اكتَوَى أو استَرقَى فقد برِئَ منَ التَّوَكُّلِ) ؟ ::

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- هناك حديث جعل العلماء يتكلمون عن ربط العلاج بالتوكل .. حيث يوجد حديث يربط التوكل بالأسترقاء والكي ..

- فقد جاء في الحديث عَنْ الْعَقَّارِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لم يَتوكَّلْ مَن استَرقى واكتَوى) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط : اسناد حسن .

- وفي رواية أخرى بلفظ : (مَنِ اكْتَوَى ، أَوْ اسْتَرْقَى ، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ) صحيح بن ماجه والترمذي .

- وبسبب هذه الأحاديث السابقة .. ربط بعض العلماء بين التوكل والعلاج .. !!

- ما معنى (لم يَتوكَّلْ مَن استَرقى واكتَوى) ؟

- قلت (خالد صاحب الرسالة) : أي لم يتوكل على الله من اعتقد في الوسائط العلاجية أنها شافية ونافعة بذاتها .. دون أن يؤمن بأن الله هو الشافي الذي يودع سر شفاءه في الأشياء وهو الذي يدبر له أسباب الشفاء من طبيب ودواء .. فهذا هو الذي لم يتوكل على الله ..

- ونجد بعض آراء العلماء تقول : أن الإكتواء والإسترقاء فقط فاعلهما يكون قد نقص منه صفة التوكل على الله .. ولكن باقي أنواع الطب فهي لا تنقصك صفة التوكل ..!!

- وهذا كلام غير صحيح .. لأن الإكتواء فعله النبي مع بعض الصحابة ، والرقية فعلها النبي مع بعض الصحابة .. بل وجاء في الحديث أن النبي استرقى من السيدة عائشة .. واسترقى نفسه بالمعوذتين .. !! فهل النبي بريء من التوكل بسبب ما فعله من رقيه ..!!

- والنبي أرشد الناس إلى الإسترقاء .. فهل النبي كان يرشدهم إلى ما يجعلهم يتبرئون من التوكل ؟!! حيث قال صلى الله عليه وسلم (مَن اكتَوَى أو استَرقَى فقد برِئَ منَ التَّوَكُّلِ) صحيح الترمذي ..؟!!

- فمثل هذه الآراء لا تتفق مع العقل ولا الأحاديث الصحيحة .. ولا يمكن أن يتم تأويلها إلى نقص في التوكل أو عدم كمال التوكل .. وإلا كنا متهمين للنبي صلى الله عليه وسلم في علاقته مع الله .. بل ومتهمين له أنه قام بإرشادنا إلى ما فيه نقص في المعاملة مع الله ..!! وهذا كلام لا يُعقل ولا يقبله قلب مؤمن ..!! 

- (وسيأتي مزيد من مناقشة بعض الآراء في الفصل القادم إن شاء الله تعالى) .

- وكيف يكون تأويل (لم يتوكل) أو (بريء من التوكل) بالنقص أو عدم الكمال .. في حين أن دلالة "النفي والبراءة" في الأحاديث .. تشير لخلو قلب العبد من التوكل ..!!

- لذلك لسنا في حاجة إلى تأويل .. لأن العقل يفهم أن مقصد  الحديث بالنفي والبراءة .. هو ما كان فيه مخالفة لشرعية لصحيح الإيمان .. مثل اعتماد على الراقي بذاته أو الرقية بذاتها وليس اعتماد على الله أنه ميسر هذه الأسباب .. أو مثل من فعل شيئا فيه استعانة أو توكل أو استغاثة بجن .. أو فيها عزائم مجهولة فيها شبهة أن يكون فيها شرك بالله ..

- وبالإجمال فالنفي والبراءة من التوكل .. يكون لما فيه مخالفة شرعية لصحيح الإيمان ..!!

* وإليك جملة من كلام العلماء رحمهم الله :

1- قال الإمام أبو الحسن القابسي المالكي رحمه الله (المتوفى 403 هجري) عند شرح حديث السبعين ألف .. (لا يسترقون ولا يكتوون) :

- معنى "لا يسترقون" يريد به الذي كانوا يسترقون به في الجاهلية مما ليس في كتاب الله، وهو ضرب من السحر، فأما الاسترقاء بكتاب الله فقد فعله - صلى الله عليه وسلم - وأمر به، وليس بمخرج عن التوكل؛ لأن الثقة بالله، والاعتماد في الأمور عليه، وتفويض كل ذلك بعد استفراغ الوسع في السعي فيما بالعبد الحاجة إليه في أمر دينه ودنياه .

- "ولا يكتوون .. " الحديث . ومعناه : معتقدين أن الشفاء والبرء في الكي وغيره دون إذن الله بالشفاء .. وأما من اكتوى معتقدا إذا شفي أن الله هو الذي شفاه فهو المتوكل على ربه .

نقلا عن التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن ج1 ص239

2- قال الإمام الجليل بن هُبَيْرة الحنبلي رحمه الله (المتوفى 560 هجري) :

- قَالَ فِي قَوْلِهِ: (لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ) ، قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُسْتَرْقَى الرَّجُلُ بِالْكَلِمَاتِ الْخَبِيثَةِ فَيُوهِمهُ الرَّاقِي فِي ذَلِكَ، وَفِي الْكَيِّ أَنَّهُمَا يَمْنَعَانِهِ مِنْ الْمَرَضِ أَبَدًا، فَذَلِكَ الَّذِي مَنَعَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –

- قَالَ : وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ تَارِكٌ جُرْحَهُ يَسِيلُ دَمُهُ فَلَمْ يَعْصِبهُ حَتَّى سَالَ مِنْهُ الدَّمُ فَمَاتَ كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى قَاتِلًا لِنَفْسِهِ ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي هَذَا .

- فَمَنْ تَدَاوَى بِنِيَّةِ أَنْ يَتَّبِعَ فِي التَّدَاوِي السُّنَّةَ وَيُدَبِّرَ بَدَنَهُ الْمُودَعَ عِنْدَ اللَّهِ بِأَصْوَبِ التَّدْبِيرِ، فَهَذَا إيمَانٌ وَتَوْفِيقٌ .

نقلا عن الآداب الشرعية لابن الملقن ج2 ص349 .. باختصار في النقل .

3- قال الشيخ محمد عبد الغني المجددي الحنفي رحمه الله (المتوفى 1296 هـ) .. في شرح حديث (مَنِ اكْتَوَى أَوْ اسْتَرْقَى ، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ) :

- قَوْله (من اكتوى أَو استرقى) : أَي ظَانّا انهما ينفعان بِالذَّاتِ ومؤثران بنفسهما والا فقد ابيح استعمالهما على معنى طلب الشِّفَاء والترجي للشر بِمَا يحدث الله تَعَالَى من صنعه فِيهِ .. فَيكون الكي والدواء والرقية أسبابا لَا عللا .

- أو المُرَاد من الإسترقاء الرّقية الممنوعة من أَسمَاء الْأَصْنَام والشركيات

- يدل الحَدِيث على ترك الأولى ، وَالْأَحَادِيث المجوزة على بَيَان الْجَوَاز .

- وَالْمرَاد من التَّوَكُّل : التَّوَكُّل الْكَامِل .. وَذَلِكَ أن أهل الشّرك كَانُوا يعظمون أمرهما ويعدونهما علتين للشفاء .

إنجاح الحاجة في شرح سنن بن ماجه ص249

4- وقد ذكر الشيخ شعيب الأرنؤوط رحمه الله عند تحقيق المسند (30/117) .. بعض الأقوال في شرح حديث (مَنِ اكْتَوَى أَوْ اسْتَرْقَى ، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ) .. فقال :

- قال الإمام أحمد فيما نقله عنه البيهقي في" شعب الإيمان" (1166) في شرح هذا الحديث : وذلك لأنه رَكِبَ ما يُستحب من التنزيه عنه من الاكتواء لما فيه من الخطر ، ومن الاسترقاء بما لا يُعرف من كتاب الله عز وجل أو ذِكره .. لجواز أن يكون ذلك شركاً ، أو استعملها معتمدا عليها .. لا على الله تعالى فيما وضع فيهما من الشفاء .. فصار بهذا أو بارتكابه المكروه بريئاً من التوكل ، فإن لم يوجد واحد من هذين وغيرِهما من الأسباب المباحة لم يكن صاحبها بريئاً من التوكل، والله تعالى أعلم.

- وقال السندي: قوله: "فقد بريء من التوكل"، أي: ليس من كمال التوكل التعلقُ بالأسباب البعيدة ، كالرقية والكي ، فالمتعلقُ بمثل هذه الأسباب ليس من أهل الكمال في التوكل .

************************************

..:: س70: كيف النبي يطلب من الناس أن يسترقوا وقد قال (مَنِ اكْتَوَى أَوْ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ) ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- كما ذكرنا سابقا .. أن الرقية أو الإسترقاء الذي يُخرجك من مقام التوكل هو الآتي :

1- من يعتقد في الراقي أو الرقية .. وكأن هذه الأسباب (رقية أو راقي) لهما شفاء ذاتي .. ويغفل أن الله هو الشافي وهو من وضع سر الشفاء والبركة فيهما ..!!

2- أو من يستعين بالجن أو بالرقاة خدام الجن .. معتقدا فيهم أنهم أهل الشفاء .. أو معلقا رجاءه منهم ..!!

3- أو من يسعى لقراءة رقية فيها ألفاظ مبهمة فيها شبهة شرك بالله .. معتقدا فيها الشفاء .. وغفل أن الله هو الشافي .. وكلامه شفاء ورحمة ..!!

- وإجمالا : أن كل استرقاء كان فيه مخالفة شرعية فهذا معناه أنك لم تتوكل على الله .. لأنك اعتمدت على عصيانه ومخالفة منهجه ووثقت في غير الله لك معينا .. وإلا فلماذا فعلت ما فيه مخالفة للشريعة ..!!

* انتبه ولا تعتقد ببعض الأراء المخالفة لصحيح الدين :

- فإن من يقل لك أن الإسترقاء ينقص من التوكل أو يجعلك تخرج من دائرة التوكل .. فهو بذلك قد انحرف عن الصواب تماما ..

- فالسيدة عائشة تقول : (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَسْتَرْقِيَ مِنَ العَيْنِ) صحيح مسلم .

- فهل النبي أرشد زوجته وكان يأمرها بقلة التوكل على الله .. حينما طلب منها الإسترقاء ..؟!! بالتأكيد لا ..

- يبقى الرأي الذي يجعل من الإسترقاء أو الرقية وسائل تقلل أو تنقص من التوكل على الله .. هو رأي فاسد غير صحيح .. والله أعلم ..

* افهم دينك جيدا :

- العلاجات عموما ليس فيها ما يخرجك عن التوكل القلبي على الله .. ولا تجعل أحد يوهمك بذلك .. وإلا من باب أولى .. لكان علاج وتداوي النبي صلى الله عليه وسلم بالحجامة والماء .. كان يخرجه من التوكل .. وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يكون كذلك .. وهو سيد المتوكلين على الله .. لأن التوكل حال قلبي مع الله .. فافهم ..!!

- فالنبي صلى الله عليه وسلم قد تداوى بالأسباب المباحة شرعا .. ولم يقل أحد أن هذا ينافي التوكل على الله .. أو يقلل منه أو يقدح فيه ..!!

- وإليك نماذج من تداوي النبي بالأسباب :

1- عن عبد الله بن عباس قال: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ احْتَجَمَ وهو مُحْرِمٌ في رَأْسِهِ ، مِن شَقِيقَةٍ كانَتْ بهِ) صحيح البخاري .

- معنى (شقيقة) : أي صداع يصيبه في منتصف رأسه .. وسمي شقيقة لأنه تشبيه للصداع بأنه يشق الرأس بالألم .. والله أعلم .

- وهنا نقول لمنكري استرقاء النبي لأن ذلك ينافي التوكل .. لماذا النبي لم يترك ألم الشقيقة الذي أصابه يظل يؤلمه .. ويفوض أمره لله متوكلا عليه ؟!!

- لأن التوكل والتفويض أحوال قلبيه تدل على تعلق القلب بالله .. والسعي واجب الأخذ به أدبا مع الله .. لأن الله طلب منه السعي للتداوي وإلا كان متواكلا على الله ومهلك نفسه بنفسه ..!!

- وكيف لا يسعى لطلب التداوي وهو القائل (تداووا عباد الله) صحيح بن ماجه .. فهل يقول أمرا ويفعل غيره ..؟!! حاشاه صلى الله عليه وسلم ..!!

2- وعن السيدة عائشة قالت : (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ، بَعْدَما دَخَلَ بَيْتَهُ واشْتَدَّ وجَعُهُ: هَرِيقُوا عَلَيَّ مِن سَبْعِ قِرَبٍ ، لَمْ تُحْلَلْ أوْكِيَتُهُنَّ، لَعَلِّي أعْهَدُ إلى النَّاسِ) صحيح البخاري .

- معنى (هريقوا) : صبوا علي ..

- معنى (قِرَب) : أي وعاء من جلد كان يوضع به الماء ..

- معنى (أوكيتهن) : أي لم ينزع الغطاء عنهن ولم يستخدمهن أحد .. وسبب ذلك والله أعلم .. أنه أراد أن يكون الماء محافظ على طهوريته من أي مفسدة قد تكون دخلت عليه لو كان مفتوحا بدون غطاء ..!!

- فاسترقاء الناس ليس فيه ما يقدح في توكلهم وإلا كان استخدام الناس للحجامة وصب الماء عليهم للعلاج كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .. كان من باب أولى يقدح ذلك في توكلهم ..!! لأنها أسباب عادية وقد يغلب تعلق القلب برجاء الشفاء من ورائها ... بخلاف الرقية التي هي أسباب ربانية ..!!

- يبقى كيف تقولوا على مستخدم الرقية أو المسترقي بكتاب الله ودعاء النبي .. غير متوكل على الله أو ناقص التوكل .. ولكن جعلتم المستخدم للعلاجات المادية لا ينقص من توكله شيئا .. وكأن التوكل أصبح محكوم عند أصحاب هذا الرأي بترك أو فعل الرقية الربانية فقط .. كيف ذلك ؟!! 
- إن هذا إلا انحراف وخطأ في فهم الدين ..!!

******************************

..:: س71: هل النبي استرقى أم لم يسترقي ؟ وهل يقدح استرقاء النبي في توكله على الله ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- بعض العلماء قالوا أن النبي لم يسترقي .. أي لم يطلب الرقية لأنه بالتأكيد من السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب .. والذين من صفاتهم (لا يسترقون) .. أي لا يطلبون الرقية .. لأن طالب الرقية يكون قادح في توكله .. ولكن أصحاب الهمة العالية هم الذين لا يسترقون ..!!

- قلت (خالد صاحب الرسالة) : ولكن ما ذهبوا إليه .. قد جانبهم الصواب .. عقلا وشرعا .. ليه ؟

1- أن من يظن أن الرقية والإسترقاء قادح في التوكل على الله .. فقد ذهب إلى ما لا يحق له أن يذهب إليه .. وأثبت لك فساد هذا القول .. فارجع للسؤال رقم (64 ، 69 ، 70)  .. فارجع إليه ..

2- ثم نقول لأصحاب هذا الرأي الذي يقول بأن الإسترقاء قادح في التوكل .. هذا رأي لا يتفق مع الدين بل مخالف له .. فقد قالت السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم (كَانَ يَأْمُرُهَا أَنْ تَسْتَرْقِيَ مِنَ الْعَيْنِ) صحيح مسلم ..

- فهل كان يأمرها بما يخرجها من دائرة السبعين ألف المذكورين في الحديث .. ؟

- هل كان يأمرها بما فيه نقص لتوكلها على الله ؟

- فهل هذا كلام يقول به عاقل ؟

- بالتأكيد لا .. !!

3- ثم لا يصح لهم القول بأن فعل النبي للإسترقاء دليل على الجواز للإسترقاء ولم يكن هو حال النبي .. لأن هذا القول يجمع بين الصواب والخطأ .. (راجع ما ذكرناه في البند : ثانيا .. من السؤال رقم 64) .

4- والذين قالوا بعدم استرقاء النبي صلى الله عليه وسلم .. وكأن النبي يكون بذلك ارتكب ما يقدح في توكله .. قد جاء في الحديث ما يفسد عليهم ما ذهبوا إليه بعدم استرقاءه .. حيث قد خالفوا فعل النبي كما جاء في الحديث الشريف الذي روي عن السيدة عائشة حيث قالت في مرض النبي : (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أوَى إلى فِرَاشِهِ، نَفَثَ في كَفَّيْهِ بقُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ وبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ يَمْسَحُ بهِما وجْهَهُ، وما بَلَغَتْ يَدَاهُ مِن جَسَدِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا اشْتَكَى كانَ يَأْمُرُنِي أنْ أفْعَلَ ذلكَ به) صحيح البخاري ..

- ويتبين من لفظ النبي لعائشة بقولها : (يأمرني) .. أنه طلب الرقية من السيدة عائشة .. وهذا شيء لا يقدح ولا يقلل من شأن النبي صلى الله عليه وسلم .. فقد يكون هذا لتعليم الأمه جواز الرقية .. والنبي لا يعلم أمته باطل أو ما فيه نقص في العبودية .. وحاشاه ..!!

- فسواء فعلها أو طلبها .. فما المانع لذلك ؟ وما وجه الإنكار في هذا ؟

- والإعتقاد أو الظن بأن كون النبي حينما استرقى من السيدة عائشة أو سيدنا جبريل أو استرقى للحسن والحسين بأنه نقص في توكله .. هو كلام فاسد وقبيح جدا ويدل على جهالة قائله .. ليه ؟

- لأن التوكل محله القلب وهو خاص بتعلق القلب بالمولى ..، فهل النبي كان قلبه غير متعلق بالله حينما طلب من السيدة عائشة رقيته ؟!!

- معاذ الله فمن يقل بهذا يكون قد قال بالبهتان على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

*انتبه : فهناك من جانبه الصواب في الشرح :

- والحديث السابق واضح في معناه .. وبعض المتأخرين من شارحي الحديث كالإمام الشوكاني رحمه الله قال في شرحه لحديث (كان ينفث في الرقية) .. قال ما نصه (وكان في مرضه يأمر عائشة أن تمر بيده على جسده بعد نفثه هو) فيض القدير(5/250).. !!

- فهو رحمه الله أراد أن يشير إلى أن الأمر النبوي للسيدة عائشة كان خاص باستخدام اليدين الشريفة في مسح وجهه الشريف فقط .. !!

- ولكن هذا قول غير صحيح .. ليه ؟

أولا – لأنه لم يأت في روايات الحديث أن النبي في حال مرضه قد أمر السيدة عائشة أن تمر بيده الشريفه على جسده الشريف بعد أن ينفث هو فيها .. بل هي من كانت تفعل المسح بيده من نفسها .. وبررت ذلك بأن فعلها هذا لإلتماس بركة النبي .. ولو كان هذا من أمر النبي لها فلماذا كانت تقول (وَأَمْسَحُ عنْه بيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا) كما جاء في الحديث ..؟!!

- عن السيدة عائشة قالت : ( كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِن أَهْلِهِ ، نَفَثَ عليه بالمُعَوِّذَاتِ ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الذي مَاتَ فِيهِ ، جَعَلْتُ أَنْفُثُ عليه وَأَمْسَحُهُ بيَدِ نَفْسِهِ ، لأنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِن يَدِي) صحيح مسلم .

- وفي رواية أخرى قالت : (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عليه ، وَأَمْسَحُ عنْه بيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا) صحيح مسلم .

- ولذلك نجد الأحاديث تشير بوضوح إلى أن المسح بيده الشريفه على جسده الشريف إنما هو من فقه السيدة عائشة وليس عن أمر النبي لها كما ظن الشوكاني رحمه الله .. وعللت ذلك بأنها تلتمس بركة يد النبي ..!!

ثانيا- لو كان النبي أمرها فقط بأن تمسح بيده .. فما فائدة قراءة المعوذتين حينئذ ..؟!! ولماذا نفثت أو قرأت على يديه بالمعوذتين .. طالما كان يكفيها بركة يد النبي فقط ..؟!!

- فتبين من ذلك أن الأمر النبوي للسيدة عائشة كان لتستخدم الرقية وتقرأها عليه عن أمر النبي كما في صحيح البخاري .. ثم كانت تستخدم يده الشريفة وتمسح بهما على جسده تبركا بها وذلك ليس عن أمر النبي بذلك وإنما عن رغبتها بذلك تبركا بيده الشريفه ..

* أما من يزعم أن النبي لم يسترقى أبدا :

1- كأن أصحاب هذا الرأي (مانعي الإسترقاء للنبي) .. قد نظروا إلى الإسترقاء على أنه نقيصة وليس فضيلة ..!! وهذا شيء غريب جدا !!

- فإذا كان الإسترقاء بكتاب الله والدعاء إلى الله أصبح نقيصه ومحل اتهام لطالبه .. !! فأين تكمن الفضيلة حينئذ ..؟!!

2- وعجبا لأصحاب هذا الرأي الفاسد المستمد من تفسير غير صحيح للأحاديث التي تنهي عن الإسترقاء (راجع السؤال رقم 64 ، 69 ، 70) .. ويريدون أن يثبتوا التوكل للنبي من خلال تركه الإسترقاء .. وكأن التوكل القلبي على الله يثبت بترك الرقية أو فعلها ..!!

- فهل هذا كلام يقول به عاقل ..!!

3- ومن يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسترقى .. فليأت بالدليل الصحيح على ذلك أو ما يعارض ذلك من الشرع .. حيث أن الدليل قائم على أنه استرقى من السيدة عائشة كما في صحيح البخاري الذي ذكرناه سابقا .. وأيضا استرقى برقية سيدنا إبراهيم لسيدنا الحسن والحسين .

- ففي الحديث عن عبد الله بن عباس قال: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعَوِّذُ الحَسَنَ والحُسَيْنَ، ويقولُ: إنَّ أَبَاكُما كانَ يُعَوِّذُ بهَا إسْمَاعِيلَ وإسْحَاقَ: أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِن كُلِّ شيطَانٍ وهَامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ) صحيح البخاري .

4- ومن يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسترقي لأن هذا معارض لكمال التوكل .. فليثبت لنا في أي فعل من أفعال النبي كان غير متوكلا على الله أو غير متعلقا به أو غير معتمدا عليه .. حتى تظن أنه لو استرقى يكون ناقص التوكل على الله ..؟!

- هل كان النبي غير متوكلا على الله وناقص في توكله حينما جاهد في سبيل الله لينشر رسالة الله وأخذ بالأسباب في الجهاد ..؟!!

- فإذا قلت بلى كان كامل التعلق بالله متوكلا عليه تمام التوكل .. فهذا يدل على ديمومية التوكل في قلب النبي في كل زمان ومكان .. وأن قانون الأسباب ما كان ليحجبه أبدا عن مولاه ..

- ويتبين من وراء ذلك فساد ما ذهب إليه هؤلاء في ربط استرقاء النبي بالتوكل ..!!

5- لو نظرنا لحديث (السبعين ألف) .. هل نجد الحديث يتكلم عن النبي أم عن أمة النبي ؟!! .. بالتأكيد يتكلم عن أمة النبي .. فنقول لأصحاب هذا الرأي الغريب .. لماذا أخذتم النبي في هذا التفاضل الغريب وأدخلتموه مع أمته .. !! فهذا قياس فاسد بلا ريب ..!!

- فمن يظن أنه لما استرقى .. هذا لا يجعله من جملة السبعين ألف .. فهذا أيضا كلام فاسد جدا .. ولا يقال عن النبي صلى الله عليه وسلم .. لأن النبي تحدث عن أمته ولم يدخل نفسه الشريفة معهم ..!!

- فهل مثل هذا القياس الفاسد .. يقال عن النبي المغفور له ما تقدم وما تأخر ، سيد ولد آدم ولا فخر ، وصاحب الشفاعة العظمي ، وصاحب لواء الحمد .. فهل يتساوى بأمته ..!!

- أفلا تعقلون ؟!!

6- أما عن كون أصحاب هذا الرأي .. الذين وجدت البعض منهم يتحايلون على النص النبوي .. وتجدهم يقولون .. أنك لو اشتكيت المرض أمام شخص دون أن تطلب منه الرقية ثم عرض عليك الرقية فأنت بهذا لم تسترقي .. أو لو كنت مريضا وزارك أحد وفتحت قميصك أو جلبابك من ناحية الصدر أمام الصالحين ليرقوك دون أن تنطق .. فهذا أيضا لا يسمى استرقاء ..!!

- وأقول لهم .. هذا يسمى استعباط وليس استرقاء ..!! فهذا قول باطل ويدل على استخفاف بعقل المسلم .. وتحايل على اللفظ النبوي .. لأن لو كان الأمر له علاقة بالتوكل .. لكان هناك نفي لقبول الإسترقاء .. سواء طلبه بنفسه أو عُرض عليه .. بل ما كان ليظهر الألم والشكوى أمام أحد حتى لا يساعده أحد .. لأن في كلا الأمرين سواء طلب أو عُرض عليه الرقية .. يكون قد استرقى لأن العزيمة كانت في داخله واستوطنتها نفسه رجاء أن يفعلها له أحد .. !!

- وكان من أحوال لبعض الصالحين ترك الرقية دون تحايل على الدين .. ومثال ذلك عن مُوسَى بْنُ نَافِعٍ قَالَ: (دَخَلْتُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِمَكَّةَ وَقَدْ أَخَذَهُ صُدَاعٌ شَدِيدٌ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِمَّنْ عِنْدَهُ: هَلْ لَكَ أَنْ نَأْتِيَكَ بِرَجُلٍ يَرْقِيكَ مِنْ هَذِهِ الشَّقِيقَةِ ؟ قَالَ: «لَا حَاجَةَ لِي فِي الرُّقَى») رواه أبو نعيم في الحلية وأبو شيبة في المصنف بسند حسن ..

وسعيد بن جبير من أكابر التابعين كما هو معلوم ..

 - وقد جاء في الحديث عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أنه سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: (سَبَقَكُمْ الْأَوَّلُونَ بِالتَّوَكُّلِ ، كَانُوا لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ فَهُمْ الَّذِينَ آمَنُوا ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) .. رواه بن مفلح في الآداب الشرعية (2/349) بسند صحيح .. وعُبَيْدٌ بن عمير تابعي ولد في حياة النبي وأَدْرَكَ عُمَرَ بن الخطاب وَأُبَي بن كعب .. !!

- والمقصود من قول التابعي (سَبَقَكُمْ الْأَوَّلُونَ بِالتَّوَكُّلِ) : أي لا يعتمدون على الرقى في الإستشفاء .. بل يعتمدون على الله أنه الشافي .. ولا يلجأون للرقى خوفا من أن يجدوا أثرا للتعلق بها في قلوبهم .. فاكتفوا بالله الشافي عن الرقى احترازا لقلوبهم .. وإلا فإنهم كانوا يقرأون القرآن عبادة لله .. والقرآن كله شفاء ورحمه ... فانتبه لما قلته لك ..!!

7- وبعض الناس يطلب الرقية لا لنفسه وإنما يسترقي لولده .. فهل يدخل هذا المسترقي لولده في دائرة حرمانه من السبعين ألف .. ويدخل معه أهل بيته في دائرة الحرمان ..؟!

- طبعا لا .. لأن الأمر لو كان كذلك .. ما كان النبي استرقى الحسن والحسين برقية سيدنا إبرهيم ..!!

8- وختاما نقول لهؤلاء منكري استرقاء النبي .. لظنهم الباطل بأنه مخالف للتوكل .. فهل احتجام النبي وتعاطيه الدواء كان عن نقص توكل على الله .. ؟!!

- بل هذا محض افتراء وبهتان على النبي لمن يقول أن النبي لم يسترقى ويبرر ذلك بأنه ينقص عنه مقام التوكل ..!!

- ولا أدري كيف يجروء هؤلاء على اتهام قلب النبي في علاقته مع الله .. حينما يأخذ بالأسباب .. ويظنوا أنه لو استرقى لنقص توكله ..!!

- والغريب في هؤلاء أنهم يستبيحون كل أنواع العلاج في المستشفيات لأنها لا تخرجهم من التوكل .. ولكن الإسترقاء بكلام الله ودعاء النبي هو ما يخرجك من التوكل ويحرمك من كرامة الله وفضله من أن تكون من السبعين ألف ..!!

- فهل هذه نفوس عاقلة حتى يكتبوا هذا الكلام ..!!

- ويكفيك أن تراجع السؤال رقم (70) .. وستجد كيف كان النبي يأخذ بالأسباب في العلاج (الحجامة – وصب الماء) .. ولم يقل بمثل هذه الخزعبلات التي أخترعها أصحاب هذا الرأي الفاسد في تصورهم عن استرقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم .

************************

..:: س72: لماذا العلاج بالإسترقاء أو الكي قد ربطه النبي بالتوكل ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- نعود فنسأل :

- لماذا النبي صلى الله عليه وسلم .. قال في بعض العلاجات (الإسترقاء والكي) .. أن فاعلهما يكون قد خرج من التوكل على الله ؟

- النبي صلى الله عليه وسلم اختص الإسترقاء والكي .. إشارة إلى الوسائط العلاجية .. بأن المعتقد فيهما نفعا بذاتهما في العلاج وليس من الله النفع فقد بريء من التوكل .. أي سُلب من التوكل حينئذ ..!! لأنه اعتقد في الأسباب شافية ولم يعتقد في الله هو الشافي .. ولذلك كان النبي يقول في رقيته (اشْفِ أنت الشافي لا شافيَ إلَّا أنت) صحيح البخاري ..

- وقد يكون هناك سبب آخر خاص بالمسترقي :

لأن المسترقي .. وقت المرض قد يأخذ بأي أسباب مهما كانت حتى يخف من آلامه .. نجد المصاب روحانيا أو عضويا أو نفسيا قد يذهب لساحر ليخلصه من آلامه أو يستحضر جن ويستعين به أو يقرأ عزائم منحرفه للخلاص مما هو فيه .. !! أي يستخدم وسائط منحرفة ومخالفة للشريعة للوصول إلى ما يريد الوصول إليه ..!!

****************************

..:: س73: هل الذي ترك الإسترقاء والكي هو من المتوكلين ؟ ::..

- قلت (خالد صاحب الرسالة) :

- قلنا أنه لا علاقة بالتوكل مع الرقية والكي أو أي طريقة علاج .. إلا من حيث الإعتقاد في الأسباب بطريقة مخالفة للإيمان .. وليس من حيث الترك والفعل ..

- فلو أنت اعتقدت في الأسباب وتعلقت بها وظننت أنها فاعلة لك وليس الله هو المسبب لهذه الأسباب .. فأنت غير متوكل على الله ..

- ولو أنت اعتقدت في الله أنه مسبب الأسباب ومعتمدا على الله في قلبك وليس على الأسباب وأن هذه الأسباب مجرد عطية من الله ووسيلة نجاة من الله  .. واتبعت الطرق المشروعة لتحقيق ذلك .. فأنت من المتوكلين على الله ..

- فمن تعلق بالأسباب واعتقد فيها الشفاء من دون الله .. فهو الذي سلبه الله نعمة التوكل .. وإنما الذي يسترقي بكلام الله والدعاء إلى الله .. ويتخذ من الكي علاج لجرح قد حدث له .. وكان حاله القلبي أنه موقنا بأن الشافي هو الله وليس الكي .. فهذا متوكلا على الله طالما قلبه مؤمن بأن الشافي هو الله وأن هذه مجرد أسباب فقط لا نفع منها إلا إذا أذِن الله بالشفاء من ورائها ..!!

*************************

..:: س74: هل الرقية والكي في الأحاديث السابقة إشارة إلى كل طرق العلاج والتداوي ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- من الخطأ أن نحمل ألفاظ الحديث على غير محملها ..

- فالرقية هي كلام منطوق مؤثر يستخدم في التداوي ..

- والكي وسيلة علاج يكون بحديدة محماة أو في عصرنا تكون كي بالكهرباء أو كي بالليزر .. وهي مجرد وسيلة تستخدم للتداوي ..

- وطرق العلاج والتداوي كثيرة ولم يذكر النبي منها في حديث السبعين إلا اثنين وهما الرقية والكي .. فلماذا ننسب للحديث ما لم ينطق به النبي لأصحابه ؟ ونقول أنه يقصد كل طرق العلاج ؟!!

- والذي يريد أن يمتنع ويترك الرقية والإسترقاء والكي .. صبرا على البلاء .. فلا مانع .. ولكن لا يقول أن الحديث يشير لكل طرق العلاج والتداوي .. ولا يقول أن المنتفع بالرقية والكي ناقص في توكله طالما لم يخالف صحيح الإيمان ..، ولا يقول أن الممتنع عن الرقية والكي أفضل من فاعلها إلا فقط من حيث الصبر على البلاء وليس الأفضلية من حيث ترك الرقية وفعلها ..!!

- والله أعلم .

**************************

..:: الفصل الثالث عشر ::..

:: مناقشة لبعض الآراء عن الرقية والإسترقاء والعلاج ::

********************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..