الروحانيات فى الإسلام: ج2: رسالة خطف الجن للإنسان بين الحقيقة والخرافة والبُطلان - هل قال النبي أن للجن قدرة على خطف الإنس من عالم المادة إلى العالم الروحاني وشرح حديث (فَإِنَّ لِلْجَنِّ انْتِشَارًا وخَطْفَةً) - ما هي الأحاديث التي تشير إلى إمكانية خطف الجن للإنس ومدى صحتها أو ضعفها - حديث خرافة - حديث ليلة الجن - طيران رجل من جيش المسلمين بسبب الهواء الشديد -خطف الشياطين لولا حماية الملائكة - صحابي يحكي عن ظنهم في الجاهلية وقت الحج بإمكانية خطف الجن لهم .

بحث في المدونة من خلال جوجل

الخميس، 29 ديسمبر 2022

Textual description of firstImageUrl

ج2: رسالة خطف الجن للإنسان بين الحقيقة والخرافة والبُطلان - هل قال النبي أن للجن قدرة على خطف الإنس من عالم المادة إلى العالم الروحاني وشرح حديث (فَإِنَّ لِلْجَنِّ انْتِشَارًا وخَطْفَةً) - ما هي الأحاديث التي تشير إلى إمكانية خطف الجن للإنس ومدى صحتها أو ضعفها - حديث خرافة - حديث ليلة الجن - طيران رجل من جيش المسلمين بسبب الهواء الشديد -خطف الشياطين لولا حماية الملائكة - صحابي يحكي عن ظنهم في الجاهلية وقت الحج بإمكانية خطف الجن لهم .

  بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

خطف الجن للإنسان

بين الحقيقة والخرافة والبُطلان

(الفصل الثاني)

#- فهرس:
:: الفصل الثاني :: عن حقيقة ذكر مسألة خطف الجن للإنسان في الأحاديث ..

1- س5: هل قال النبي أن للجن قدرة على خطف الإنس من عالم المادة إلى العالم الروحاني ؟ (وشرح حديث "فَإِنَّ لِلْجَنِّ انْتِشَارًا وخَطْفَةً").

2- س6: ما هي الأحاديث التي تشير إلى إمكانية خطف الجن للإنس ومدى صحتها أو ضعفها ؟
#- من الأحاديث النبوية التي تشير إلى مسألة خطف الجن للإنس ..
@- ما جاء في الأحاديث النبوية بلفظ يُظن أن قاله النبي ..

- الحديث الأول .. حديث خرافة ..
- الحديث الثاني .. حديث ليلة الجن (الجزء الأول) ..
- الحديث الثالث .. حديث ليلة الجن (الجزء الثاني) ..
- الحديث الرابع .. خطف الشياطين لولا حماية الملائكة ..

- الحديث الخامس .. خطف الشياطين لمن يبتعدون عن جماعة المؤمنين .

- الحديث السادس .. طيران رجل من جيش المسلمين بسبب الهواء الشديد.
- الحديث السابع .. صحابي يحكي عن ظنهم في الجاهلية وقت الحج بإمكانية خطف الجن لهم .

**********************
:: الفصل الثاني ::
:: عن حقيقة ذكر مسألة خطف الجن للإنسان في الأحاديث ::
************************

..:: س5: هل قال النبي أن للجن قدرة على خطف الإنس من عالم المادة إلى العالم الروحاني ؟ ::..

(وشرح حديث "فَإِنَّ لِلْجَنِّ انْتِشَارًا وخَطْفَةً")

 
- من الأمور التي قد تسأل فيها .. هل جائنا عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا منه أو تقريرا يفيد بأن الجن يمكن أن يخطف إنسان وينقله من عالم المادة إلى عالم الجن ؟!!
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- لم أجد من خلال اجتهادي أن رأيت قولا صحيحا للنبي صلى الله عليه وسلم قد قاله ويشير إلى أن للجن قدرة على خطف الإنس .. ولم أجد تقريرا أي حادثة خطف حصلت من الجن وأبلغه بها الصحابة وقد أقرهم على صدق هذا الخبر ..!!
 
- نعم وجدت روايات تشير إلى مسألة خطف الجن .. ولكنها غير صحيحة وسأشير إلى تلك الروايات خلال السؤال التالي .. ولكني هنا أتحدث عن صحيح الأحاديث .. وليس عن كل الأحاديث ..

- اللهم إلا حديث واحد في الصحيح جاء فيه لفظ (للجن خطفة) وليس خطفا .. وهو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ الْمَسَاءِ، فَإِنَّ لِلْجَنِّ انْتِشَارًا وخَطْفَةً، وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ، فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا اجْتَرَّتِ الفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ) صحيح البخاري وأبو داود وأحمد.
 
- وفي رواية بلفظ : (إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ - أَوْ أَمْسَيْتُمْ - فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا ..) صحيح مسلم.
 

#- من معاني الحديث:

- قوله (خمروا): غَطُّوا.

- قوله (وأجِيْفُوا): أغلِقوا.

- قوله (وأَكْفِتُوا صِبيانَكم): ضُمُّوهم إلى أنفسِكم.

- قوله (انتشارا): أي حركة في هذا الوقت من الليل بالذات وهو الساعة التي بين المغرب والعشاء أو بعد العشاء بساعة .. ولعل سبب الحركة في هذا الوقت تحديدا هو تحصيل شيء من قوت أهل الأرض قد أذن الله به لهم .. (هذا السبب مجرد ظن مني بذلك - والله أعلم) ..

#- ملحوظة هامة جدا:  ولا نعرف هل هذا الإنتشار يقصد به بهيئتهم الروحانية وبالتالي يقصد بالخطفة هو حدوث ضرر بالمس .. أم هو انتشار بصور حيوانية كالكلاب والأفاعي تكون متجسدة ويكون لها خطفة بالأذى فيمن تجده في طريقها ..!! الله أعلم .

- قوله (خطفة): والخطف معناه الأخذ بسرعة وسلب الشيء .. والخطفة معناه مرة واحدة ..

- والذي أحسبه وأظنه أن المقصد من الخطفة هو الأخذة .. أي اللمَّة التي يصيبون بها الإنسان فيخطفون عقولهم أو سمعهم كما يخطف البرق البصر أو يصرعونهم أو يحدثون لهم قبضة وضيق أو فزع أو ما شابه ذلك .. قال الإمام الكرماني: خشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصبيان عند انتشار الجن تلم بهم فتصرعهم. (الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري ج20 ص166).وقال القاضي عياض: وقد علل نهيه عن ذلك بانتشار الشياطين حتى تذهب؛ لئلا يصيبها منها ضرر أو روع. (إكمال المعلم بفوائد مسلم ج6 ص482).

 

- أو المقصد بالخطفة هو (السرعة) .. يقال : جَمَلٌ خَيْطَفٌ أي سريع المرور كما قال أهل اللغة (راجع مقاييس اللغة للقزويني 2/196).. وهذا الرأي أحسبه مناسبا أيضا مع كلمة "الانتشار" فيكون المعنى للحديث: (لهم انتشارا وسرعة) .. والله أعلم .

- أو المقصد أن لهم خطفة للسمع من السماء في ذلك الوقت .. كما ذكر القرآن ذلك (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) الصافات10 ..  والله أعلم.

- قوله (فَخَلُّوهُمْ): أي فاتركوهم يخرجون بعد هذه الساعة.

- قوله (الفويسقة): أي الفَأْرة.

 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
1- النبي صلى الله عليه وسلم قال (خطفة) ولم يقل (خطفا) .. فأثبت لهم فعلا محددا قد يحدث وهو الأخذة أي اللمة التي يصيبون بها الإنسان مثل المس الروحاني .. وهذا الذي جعل بعض العلماء يذهبون إلى أنه فعل بالأذى والضرر يحدث في ذلك الوقت وليس بمعنى الخطف من عالم المادة والإنتقال به إلى عالم الغيب .. لأن هذا لم يتم السماع به في أي عصر من العصور .. ولا شاهد عليه لا من كلام الله ولا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وإلا فلماذا لا يخطفون البشر منذ قديم الزمان .. وفي زماننا هذا الذي ينتشر فيه الصبيان في الشوارع ويذهبون لدروسهم ليلا أو يتسامرون ليلا أو غير ذلك .. لماذا لم نسمع بالخطف الشيطاني لهم .. !!
 
- وكلامي عن حمل لفظ الخطفة لمعني اللمة أو الأذى والضرر .. فهذا ليس بدعا من القول .. بل العقل يقول به وقد أشار إليه علماء من السلف .. وقد سبق ذكر كلامهم كالقاضي عياض والكرماني ..
 
#- قال الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر (من المعاصرين) في شرح رواية أبو داود:
- قال: (واكفتوا صبيانكم عند العشاء أو عند المساء فإن للجن انتشاراً وخطفة) يعني: ضموهم في أول الليل، فأول ما يأتي الليل يكفت الصبيان، يعني: أن أهلهم يضمونهم إليهم ولا يتركونهم منتشرين، فإذا مضى شيء من الوقت فلهم أن يتركوهم.
- وعلل ذلك بقوله: (فإن للجن انتشاراً وخطفة) يعني: يحصل منهم أذى بسرعة، فكما يحصل خطف الشيء من صاحبه بسرعة، أي يحصل من الشياطين أو من الجن إيذاء الأطفال إذا انتشروا في أول الليل. (شرح سنن أبي داود -  دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية).
 
2- وبعض العلماء ظن أن معنى الخطف هو الخطف الفعلي للأطفال .. وهذا لا دليل عليه من الحديث إذا لو كان للجن القدرة على الخطف لكان فعلها في أي وقت وليس في وقت دون وقت ..
 
- والعلماء الذين قالوا بالخطف .. استدلوا على امكانية ذلك بقصة الرجل الذي تم خطفه في زمن عمر بن الخطاب .. وهذه القصة سيأتي مناقشتها إن شاء الله لتعلم أنها لم تصح .. (وذلك في الفصل الثالث سؤال رقم7 - ورقم8).. وبل لتعلم انه لا يوجد أي شاهد يدل على هذا الفعل من الجن من أساسه مع عالم الإنس وسيأتي تحقيق وتفصيل كل قصة ورواية قيلت في هذا الأمر .. وسيتم الختام بمناقشة عقلية لمن كان له عقل وفهم بالنصوص الشرعية .. وليس مجرد قصة وحدوته يثبت بها عقيدة دينية ..!!
 
3- وبعض العلماء جعل الشياطين في الحديث المقصود بهم شياطين الإنس .. مثل قطاع الطرق ومخترقي وسارقي المنازل الذين ينتشرون ليلا ..
 
#- قال الشيخ المباركفورى (المتوفى: 1353هـ):
- قال بن الملك وعن بعض الفضلاء .. أن المراد بالشيطان شيطان الإنس لأن غلق الأبواب لا يمنع الشياطين الجن .. وفيه نظر .. لأن المراد بالغلق هو الغلق المذكور فيه اسم الله تعالى فيجوز .. أن يكون دخولهم من جميع الجهات ممنوعا ببركة التسمية وإنما خص الباب بالذكر لسهولة الدخول منه فإذا منع منه كان المنع من الأصعب بالأولى. (تحفة الاحوذي ج5 ص433).

 

#- وخلاصة القول:

1- إذا كان القرآن كلام الله الحق .. والأحاديث الصحيحة للنبي صلى الله عليه وسلم .. لم يأتي فيهما خبر خطف الجن للإنس من عالم المادة إلى عالم الجن .. وحتى رواية البخاري السابق ذكرها والتي تدل على أن لفظ الخطفة يدل على حدوث اللمة كما يتفق مع ظاهر القرآن وبعض روايات الأحاديث .. فلماذا حينئذ البعض يتداول هذه المسألة في الكتب الدينية ويفرضها كأنها عقيدة إسلامية .. وهي ليست فرضا ولا عقيدة دينية لنعتقدها لأنه لا دليل عليها ولا واقع يؤيدها ..؟!!

 

2- علما بأن رواية البخاري التي أتى فيها لفظة (خطفة) .. قد تكون زيادة من احد الرواة وليست من ألفاظ النبي .. لأن هذه الرواية عن جابر تم روايتها من عدة طرق ولم يأت فيها لفظ (الخطفة) ..!! وعلى المحتج بها أن يثبت أن هذا هو لفظ النبي فعلا الذي نطق به .. (ويمكنك مراجعة رسالة المعتقدات الموروثة فيها بيان كل هذه الروايات بالتفصيل) ..

 

3- ونختم بسؤال: إذا كان مصدري التشريع (القرآن والحديث الصحيح) لم يقولا بمثل هذه القدرة للجن بأنه يمكنه خطف الإنس من مكان لمكان بمنتهى الوضوح .. فلماذا ننشر هذه القدرة للجن وننشرها في الكتب الدينية من خلال قصص وحواديت يغلب عليها الفساد والبطلان ؟!!

 

************************
..:: س6: ما هي الأحاديث التي تشير إلى إمكانية خطف الجن للإنس ومدى صحتها أو ضعفها ؟ ::..
 
- طالما دخلنا في الجزء الخاص بالأحاديث .. فمن المهم أن نستعرض بعض الأحاديث التي تشير إلى إمكانية حدوث خطف من الجن للإنس.. ونتناولها بشيء من التفصيل والتحقيق لها ..
 
#- من الأحاديث التي تشير إلى مسألة خطف الجن للإنس ..
- ما جاء في الأحاديث النبوية بلفظ يُظن أن قاله النبي ..
1- الحديث الأول .. حديث خرافة ..

#- (حديث ضعيف) .. عن السيدة عائشة قالت: حَدَّثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَدِيثًا فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: (يَا رَسُولَ اللهِ، كَانَ الْحَدِيثُ حَدِيثَ خُرَافَةَ؟ فَقَالَ: " أَتَدْرِينَ مَا خُرَافَةُ؟ إِنَّ خُرَافَةَ كَانَ رَجُلًا مِنْ عُذْرَةَ، أَسَرَتْهُ الْجِنُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَكَثَ فِيهِنَّ دَهْرًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَدُّوهُ إِلَى الْإِنْسِ .. فَكَانَ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِمَا رَأَى فِيهِمْ مِنَ الْأَعَاجِيبِ، فَقَالَ النَّاسُ: حَدِيثُ خُرَافَةَ) رواه أحمد وأبو يعلى .. وقال محققو المسند: إسناده ضعيف لضعف مجالد بن سعيد، وللاختلاف عليه في وصله وإرساله .. والمرسَل أشبه بالصواب.. وأورده ابن الجوزي في كتابه: العلل المتناهية في الأحاديث الواهية .. وذكره الألباني في الضعيفة..، وقال محقق مسند أبو يعلى الشيخ حسين أسد: إسناده ضعيف..
 
- قلت (خالد صاحب الرسالة): قال الهيثمي في المجمع أن رجال أحمد ثقات وفي بعضهم كلام لا يُقدح ..!! وكلام الإمام الهيثمي فيه نظر .. لأنه إن كان صحيح أن بعض رجال أحمد ثقات .. إلا أن فيهم من يُقدح أي مجروح وهو "مجالد بن سعيد" .. وارجع لكلام محققو المسند في على تحقيق الحديث.
 
#- من معاني ألفاظ الرواية:
- قوله (رَجُلًا مِنْ عُذْرَةَ): أي رجلا من قبيلة من قبائل اليمن اسمها عُذرة.
 
- قوله (أسرته الجن - فمكث فيهن دهرا طويلا): أي خطفته الجن وظل في الأسر عندهم زمنا طويلا .
 
- قوله (ردُّوه إلى الإنس): أي أرجعوه إلى عالم الإنس مرة أخرى.
 
- قوله (حديث خرافة): أي حديث أشبه بما كان يرويه "خرافة" من الأعاجيب .. ولفظ "الخرافة" عند العرب يقال للقصص المخلوطة بكذب عمن يحكيها وذلك لفقد الدليل عليها وعدم معقوليتها .. وكأن المخرِّف هو من أصابه الخَرَف أي خلل في عقله فتلاعبت الجن بعقله وأصبح يروي ما لا وجود له .. والله أعلم .
 
- وقال الإمام الزمخشري رحمه الله (المتوفى: 538هـ) عن خرافة: هُوَ رجل من بني عذرة استهوته الْجِنّ ثمَّ رَجَعَ إِلَى قومه فَكَانَ يُحَدِّثهُمْ بالأباطيل وَكَانَت الْعَرَب إِذا سَمِعت مَا لَا أصل لَهُ قَالَت حَدِيث خرافة. (راجع المستقصى في أمثال العرب ج1 ص361).
 
#- (حديث ضعيف) .. وفي رواية بلفظ: ذكر إسماعيل بن أبان الوراق عن زياد البكائي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن عبد الرحمن قال سألت أبي يعني عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن حديث خرافة قال بلغني عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - حَدِّثْنِي عن خرافة فقال: (رحم الله خرافة كان رجلا صالحا .. وأنه أخبرني أنه خرج ليلة لبعض حاجته فلقيه ثلاثة من الجن فأسروه .. فقال واحد نستعبده وقال الآخر نعتقه فمر بهم رجلا .. فذكر قصة طويلة) ذكره بن حجر في الإصابة عن كتاب الأمثال للمفضل الضبي عند ترجمة خرافة العذري..
 
- قلت (خالد صاحب الرسالة): لم أجد هذه الرواية في كتاب أمثال العرب للمفضل الضبي الذي أشار إليه بن حجر ..!!
- ولكن بالحكم على سند الحديث .. نجد في الحديث (زياد بن عبد الله بن الطفيل البكائي) لا يحتج بحديث وضعفه كثير من الأئمة مثل البزار والنسائي وبن معين وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به .. وقد قَبِل حديثه بعض العلماء ولكن فقط في روايات السيرة التي تتعلق بالمغازي ..
- والحديث أيضا فيه علة أخرى وهي وجود انقطاع بين عبد الرحمن بن الله بن مسعود والسيدة عائشة حيث أنه لم يصرح عمن أبلغه هذا الحديث عن السيدة عائشة ..!!
 
#- (حديث ضعيف جدا) .. وفي رواية بلفظ: عن عُثْمَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: (اجْتَمَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاؤُهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ الْكَلِمَةَ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ عِنْدَ أَهْلِهِ. قَالَ: فَقَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: كَأَنَّ هَذَا مِنْ حَدِيثِ خُرَافَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَدْرِينَ مَا حَدِيثُ خُرَافَةَ؟ إِنَّ خُرَافَةَ كَانَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ فَأَصَابَتْهُ الْجِنُّ، وَكَانَ فِيهِمْ حِينًا .. فَرَجَعَ إِلَى الْإِنْسِ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ بِأَشْيَاءَ تَكُونُ فِي الْجِنِّ .. وَبِأَعَاجِيبَ لَا تَكُونُ فِي الْإِنْسِ ..
- فَحَدَّثَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْجِنِّ كَانَتْ لَهُ أُمٌّ فَأَمَرَتْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ .. فَقَالَ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكِ مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ، أَوْ بَعْضُ مَا تَكْرَهِينَ، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ حَتَّى زَوَّجَتْهُ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا أُمٌّ. فَكَانَ يَقْسِمُ لَامْرَأَتِهِ وَلِأُمِّهِ، لَيْلَةً عِنْدَ هَذِهِ، وَلَيْلَةً عِنْدَ هَذِهِ ..
- قَالَ: فَكَانَتْ لَيْلَةُ امْرَأَتِهِ وَكَانَ عِنْدَهَا .. وَأُمُّهُ وَحْدَهَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا فَرَدَّتِ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ مِنْ مَبِيتٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ مِنْ عَشَاءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ مِنْ مُحَدِّثٍ يُحَدِّثُنَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أُرْسِلُ إِلَى ابْنِي يَأْتِيكُمْ يُحَدِّثُكُمْ .. قَالَ: فَمَا هَذِهِ الْخَشْفَةُ الَّتِي نَسْمَعُهَا فِي دَارِكِ؟ قَالَتْ: هَذِهِ إِبِلٌ وَغَنَمٌ. قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَعْطِ مُتَمَنِّيًا مَا تَمَنَّى فَإِنْ كَانَ خَيْرًا، وَقَدْ مُلِئَتْ دَارُهَا إِبِلًا وَغَنَمًا .. فَرَأَتِ ابْنَهَا خَبِيثَ النَّفْسِ. فَقَالَتْ: مَا شَأْنُكَ؟ لَعَلَّ امْرَأَتَكَ كَلَّفَتْكَ أَنْ تُحَوَّلَ إِلَى مَنْزِلِي، وَتُحَوِّلَنِي إِلَى مَنْزِلِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: فَنَعَمْ، فَتَحَوَّلَتْ إِلَى مَنْزِلِ امْرَأَتِهِ، وَتَحَوَّلَتِ امْرَأَتُهُ إِلَى مَنْزِلِ أُمِّهِ، فَلَبِثَا ثُمَّ أَصَابَاهَا وَالْفَتَى عِنْدَ أُمِّهِ، فَسَلَّمَا فَلَمْ تَرُدَّ السَّلَامَ، فَقَالَا: هَلْ مِنْ مَبِيتٍ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَا: فَعَشَاءٌ؟ قَالَتْ: وَلَا، قَالَا: فَمَا إِنْسَانٌ يُحَدِّثُنَا؟ قَالَتْ: وَلَا، قَالَ: فَمَا هَذِهِ الْخَشْفَةُ الَّتِي نَسْمَعُهَا فِي دَارِكِ؟ قَالَتْ: سِبَاعٌ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَعْطِ مُتَمَنِّيًا مَا تَمَنَّى وَإِنْ كَانَ شَرًّا، قَالَ: فَمُلِئَتْ عَلَيْهَا دَارُهَا سِبَاعًا، فَأَصْبَحُوا وَقَدْ أُكِلَتْ) رواه بن أبي الدنيا في ذم البغي .. وفي سند الحديث "عثمان بن معاوية" قال عنه ابن حبان: شيخ يروي الأشياء الموضوعة التي لم يحدث بها "ثابت" قط، لا تكتب روايته إلا على سبيل القدح فيه (راجع ميزان الإعتدال للذهبي ترجمة رقم 5565) .. وقد ذكر هذا الحديث الشيخ الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة وقال: ضعيف جدا.
 
#- من معاني ألفاظ الرواية:
- قوله (فأصابته الجن): أي خطفته الجن وحبسته وجعلته أسيرا عندهم ..
- قوله (كان فيهم حينا): أي فترة زمنية طويلة كان محبوسا عندهم.
- قوله (فَحَدَّثَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْجِنِّ): أي أخذ يحكي قصة حدثت في عالم الجن.
 
#- (حديث موضوع "مكذوب") .. وفي رواية بلفظ: عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثها بحديث وهو معها في لحاف فقالت: (بأبي أنت وأمي يا رسول لولا حدثتني بهذا الحديث لظننت أنه حديث خرافة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما حديث خرافة يا عائشة .. قالت: الشيء إذا لم يكن قيل حديث خرافة .. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: إن أصدق الحديث حديث خرافة .. كان خرافة رجل من بني عذرة .. سبته الجن وكان معهم .. فلما استرقوا السمع أخبروه فخبر به الناس فيجدونه كما قال) رواه الطبراني ..
- قلت (خالد صاحب الرسالة): وفي الحديث (محمد بن يونس الْعُصْفُرِيُّ) وهو مجهول الحال .. وفيه )يزيد بن عمرو الْغَنَوِيُّ( انفرد بتوثيقه بن حبان .. ، وفيه (سعيد بن عبد الله السَّلَمِيُّ) وهو مجهول الحال ..، وفيه (علي بن أبي سارة) وهو متروك الحديث لأنه يروى المناكير والغرائب.
 
- فضلا عن أن متن أو نص الحديث لا يمكن أن يقول به النبي صلى الله عليه وسلم .. فكيف يقول عليه "أصدق الحديث حديث خرافة" .. وفي آخر الحديث يظهر أن خرافة هذا قد أصبح كاهنا عرافا يسمع من الجن الذي يستمع لخبر السماء ويخبر الناس .. !!
 
#- من معاني ألفاظ الرواية:
- قوله (وهو معها في لحاف): أي وهما يجلسان على السرير معا يتكلمان ويحكيان.
- قوله (سبته الجن): أي خطفوه وجعلوه أسيرا عندهم.
 
#- خلاصة القول في حديث خرافة:
- أن هذا الحديث ما هو إلا خرافة منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بريء منها ..
- وهواة نشر تعظيم قدرات الجن في نفوس الناس .. يحلو لهم ذكر مثل هذه الروايات دون تحقيق ولا بصيرة فيما يكتبونه سوى جذب انتباه الناس وإثارة فضولهم ليكثر مشاهدة صفحاتهم على المواقع الإجتماعية وقنوات الميديا المرئية والمسموعة وما يترتب على ذلك من مكاسب لهم .. دون أي اعتبار لما يترتب على ذلك من مفاسد في نفوس من يقرأ هذه الخرافات ويظن أنها حقيقة ..!!
 
######################
 
2- الحديث الثاني .. حديث ليلة الجن (الجزء الأول) ..
 
#- (حديث صحيح) .. عن عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: (سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ قَالَ: فَقَالَ عَلْقَمَةُ، أَنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقُلْتُ: هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ قَالَ: لَا .. وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَفَقَدْنَاهُ .. فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ .. فَقُلْنَا: اسْتُطِيرَ أَوِ اغْتِيلَ .. قَالَ: فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ .. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلَ حِرَاءٍ .. قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ.. فَقَالَ: «أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ» .. قَالَ: فَانْطَلَقَ بِنَا .. "فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ" وَسَأَلُوهُ الزَّادَ .. فَقَالَ: " لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ) صحيح مسلم ..
 
- وكذلك رواه الترمذي بلفظ: (افتقدناه ذات ليلة وهو بمكة فقلنا اغتيل أو استطير) وذكره الألباني في صحيح الترمذي..
 
#- وفي لفظ (استطير) .. قال بعض العلماء أن بعض الناس خطفوه وذهبوا به بعيدا ليؤذوه كما تخطف الطير ضحيتها وتنتقل به لعشها لتفترسه .. وبعض العلماء قال أن الجن خطفوه وطاروا به بعيدا ..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- قبل أن نناقش لفظ (استطير) .. فلننظر في كلام علماء المسلمين قالوا إيه عن لفظ (استطير) .. وبعدين نناقش الموضوع ده ..
 
1- قال الإمام بن حميد الأزدي رحمه الله (المتوفى:480 هـ):
- (الاغتيال): الْغدر والوثوب بالمكروه على غَفلَة ..، (استطير): أَي استطيل بالأذى عَلَيْهِ وانتشر الْأَعْدَاء فِي طلبه . (تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم ص68)
 
2- أبو بكر ابن العربي (المتوفى: 543 هـ):
- قوله (اغتيل) أي أخذ غيلة يعنى في ستر و خفية .. وقوله (استطير) يعنى طارت به الجن .. وقد كانت العرب تدعي ذلك و تعتقده. (راجع عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي ج1 ص1167).
 
3- قال الإمام القاضي عياض رحمه الله (المتوفى: 544هـ):
- وقوله في الحديث: (استطير أو اغتيل) .. قال القاضي: أي طارت به الجن، أو قيل: سحرًا.. والغيلة بكسر الغين القتل غيلة وفى خفية. (إكمال المعلم بفوائد مسلم ج2 ص362) ..
- قلت خالد صاحب الرسالة: لعل قول القاضي عياض (أو قيل سحرا): أي حدث للنبي سحرا .. والله أعلم .
 
4- قال الإمام عون الدين بن هُبَيرة رحمه الله (المتوفى: 560هـ) :
- وقوله: (استطير) أي استطيل بالأذى عليه، وانتشر الأعداء في طلبه، والاغتيال: الغدر والوثوب بالمكروه على عقله. (راجع الإفصاح عن معاني الصحاح ج2 ص107)
 
5- قال الإمام ابن الأثير رحمه الله (المتوفى: 606هـ):
- (اسْتُطِيرَ) أي ذهب بسرعة .. كأن الطير حملته أو اغتاله أحد .. والإستطارة والتطاير: التفرق والذهاب. (النهاية في غريب الحديث والأثر ج3 ص151).
 
6- قال الإمام النووي رحمه الله (المتوفى: 676هـ):
- قَوْلُهُ (اسْتُطِيرَ أَوِ اغْتِيلَ): معنى (استطير) طارت به الجن .. ومعنى (اغتيل) أي قتل سرا .. والغيلة بكسر الغين هو القتل في خُفية. ( راجع شرح النووي على صحيح مسلم ج4 ص170).
 
- قلت (خالد صاحب الرسالة): ما ذكره النووي أخذه عن القاضي عياض وإن لم يصرح بذلك .. وكذلك نقل هذا الرأي عنه الإمام السيوطي رحمه الله (المتوفى: 911هـ) مثل قول الإمام النووي على شرح مسلم ج2 ص161 ..، وكذلك نقل عنه الشيخ المباركفورى (المتوفى: 1353هـ) في تحفة الأحوذي. (ج9 ص109).
 
7- وقال العلامة بن منظور في لسان العرب (المتوفى: 711هـ) عن حديث بن مسعود:
- (اغْتِيلَ أَو اسْتُطِيرَ) أَي ذُهِبَ بِهِ بسُرْعَةٍ كأَنَّ الطيرَ حَمَلَتْه أَو اغْتالَهُ أَحَدٌ .. والاسْتِطارَةُ والتَّطايُرُ: التفرُّقُ والذهابُ.
 
7- قال الإمام بدر الدين العيني رحمه الله (المتوفى: 855هـ):
- قوله: "استطير" على صيغة المجهول، أي ذُهِبَ به بسرعة .. كأن الطير حملته، أو اغتاله أحد .. والاستطارة والتطاير: التفرق والذهاب.
- وقال الجوهري: استطير الشيء أي: طُيَّر.
- قوله: "أم اغتيل" على صيغة المجهول أيضا، من: اغتال يغتال، من الغَوْل -بالفتح - وهو البعد في السير .. وكذلك المغَاوَلة هي المبادرة في السَّيْر، والمعنى ها هنا: أم أُخِذ غيلة، والاغتيال: الاحتيال. (راجع  نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار ج2 ص290).
 
8- قال الشيخ  البنا الساعاتي رحمه الله (المتوفى: 1378 هـ):
- وقوله (استطير) أي ذهب به بسرعة .. كأن الطير حملته .. والاستطارة والتطاير التفرق والذهاب. (راجع بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني ج1 ص281).
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) .. لمناقشة ما جاء في الرواية والصحيح من رأي العلماء ..
- أولا: لا حجة في الحديث لمن يزعم وجود خطف من الجن للإنس .. لأن قائل اللفظ هو الصحابي بن مسعود رضي الله عنه .. وليس قول النبي صلى الله عليه وسلم ..
 
- ثانيا: ولو كان معنى الإستطارة هو خطف الجن .. فهذا معتقد خاص بالعرب كانت تعتقده وتظنه وليس من عقيدة الدين في شيء .. كما كانوا يعتقدون في الإستعاذة بجن الصحاري حينما يسافرون وينامون بالليل .. وراجع ما قال الإمام أبو بكر بن العربي الذي ذكرناه منذ قليل عند شرح ألفاظ الحديث ..
 
#- إذن مفهوم (الاستطارة) بخطف الجن .. هو من كلام بن مسعود وهو معتقد من معتقدات العرب في الجن ولا علاقة له بالدين .. وهذا على افتراض أن التفسير كذلك ..
- ولكن هذا التفسير يصعب قبوله من أساسه .. وتابع معي الكلام التالي ..
 
- ثالثا: تفسيرا لفظ (الإستطارة) بخطف الجن .. يصعب قبوله عقلا .. ليه ؟
1- لأنه لو كان المفهوم للفظ (استطير) هو أن الجن أو الشياطين خطفوه .. فكيف يظن الصحابة به ذلك وهو المعصوم صلى الله عليه وسلم من الناس بقوله جل شأنه (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) المائدة67 .. ويقول تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا) الإسراء65 ..
- فهل كان الصحابة جهلاء بالقرآن وبحق الله لنبيه صلى الله عليه وسلم من الحفظ الإلهي له من الشيطان ؟!!
- بكل تأكيد .. لا ..
 
2- لفظ (استطير) معناه اللغوي يقصد به الأخذ بسرعة وبعيدا .. كما تفعل الطير في أخذ ضحيتها وتطير به بسرعة .. ولفظ (استطير) الفعل للمجهول فيه دلالة على أن أحد ما قام بالتحريض على طلب الطير بالنبي أي كأنه تم تسليط جماعة على النبي ليستطيروا به أي ليأخذوه بسرعة ويذهبوا به أي ليخطفوه .. كما تأخذ الطير الشيء منقضة عليه بسرعة مثل الصقور والنسور وتطير به بسرعة ..
 
- فالمقصد من الاستطارة .. هو طلب الطير بالنبي أي خطفه وأخذه بعيدا عن الأنظار كما تفعل الطير بما تأخذه ..
 
- ولما كان بن مسعود والذين معه لم يعرفوا أن النبي ذاهب للقاء الجن .. فيكون قول بن مسعود (استطير) لا علاقة له بالجن .. وإنما له علاقة بخطف الإنس للنبي بمكيدة من كفار مكة .. لأنه كان في حالة عداء مع كفار مكة ..
 
- فما علاقة الجن حينئذ بالمسألة .. إذا كانوا الصحابة أنفسهم لم يعرفوا أصلا أن النبي خرج لملاقاة الجن من أساسه ؟!!
 
3- الإغتيال صفة للإنس في الغالب ولا تقال في الجن .. لأنه لم يرى أحد من الإنس جماعة من الجن قد اغتالت إنسان ..!!
 
4- وكذلك من قال أن الإغتيال هو بمعنى القتل .. هو وصف لا يصح من صحابي أن يقصده في النبي صلى الله عليه وسلم .. لأنه يعلم بعصمة النبي حتى يتم رسالته .. ولا يمكن أن يكون الصحابة جهلاء بهذه المسألة ..!!
- ولذلك أحسب أن لفظ الإغتيال هنا .. هو بمعنى الإحتيال عليه سرا أي فعل الكفار له مكيدة واجتمعوا عليه في خفاء وسرية ولم ينتبه لهم فخرجوا عليه فأذوه في نفسه بمكروه وتركوه ..
 
5- مما سبق يظهر أن معنى (استطير أو اغتيل) .. هو بمعنى أن الكفار خطفوه أو احتالوا عليه بأن أمسكوه في خفاء ولم ينتبه لهم وآذوه ..
- فهكذا يستقيم المعنى .. وإلا فلا يمكن أن يكون ظن الصحابي هو خطف الجن .. لأنهم لم يعرفوا أنه ذاهب لملاقاة الجن ..!!
 
- ولذلك الذي أحسبه وأرجحه - والله أعلم - أن يقال أن معنى (استطير) أنه قد طالك أذى بتعرض الكفار لك فخطفوك .. أو احتالوا عليك بمكيدة في السر فأذوك في نفسك بمكروه ..
 
#- ولكن يتبقى هنا سؤال مهم جدا:
- لماذا فسر بعض العلماء لفظ (استطير) بأن المقصود به هو خطف الجن .. إذا كان اللفظ أصلا لا يحتمل هذا الوصف .. ولم يصرح بن مسعود بمقصود الإستطارة لأنه ببداهة العقل نفهم أن المقصود منه هو أذية كفار مكة له ..؟!!
 
#- قلت لك أخي الحبيب .. أن من غلب على ظنه تفسير الإستطارة بأنها خطف الجن .. فذلك بسبب غلبة روايات بن مسعود الأخرى على عقله حين كتابة ما كتبه في تفسير لفظ (استطير) .. حيث أتى في روايات أخرى عن بن مسعود في أنه ذهب مع النبي صلى الله عليه وسلم لملاقاة الجن وأن النبي قال له أن يبقى في مكان ما وإلا سيخطفه الجن لو تحرك .. ولذلك حدث الخلط في الفهم .. والله أعلم .
 
#- ولكن لماذا لم أذكر هذه الرواية الأخرى لابن مسعود وتجاهلتها في تحقيقي ومناقشتي للحديث السابق ؟
- قلت لك أخي الحبيب .. لأن الرواية التي قالت أن بن مسعود خرج مع النبي ليلة الجن .. هذه الرواية لا يمكن أن تصح .. ليس فقط لوجود عيب في أسانيد هذه الرواية .. بل لأنها تعارض ما جاء في الأحاديث الصحيحة مثل ما جاء في صحيح مسلم بأن بن مسعود قال بكل وضوح وصراحة أنه لم يخرج مع النبي ليلة الجن .. فكيف تقول رواية أخرى أنه خرج مع النبي ؟!!
 
- وعموما سأذكر لك أخي الحبيب .. الرواية المعارضة في الحديث التالي .. لأن بعض ألفاظها يشير إلى مسألة خطف الجن ..
 
########################
 
 3- الحديث الثالث .. حديث ليلة الجن (الجزء الثاني) ..
 
#- (حديث ضعيف) .. عن أَبَا سَلَّامٍ وهو ذو مخبر الحبشي "صحابي"، يَقُولُ: حَدَّثَنِي مَنْ حَدَّثَهُ عَمْرُو بْنُ غَيْلَانَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: (أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَقُلْتُ لَهُ: حُدِّثْتُ أَنَّكَ، كُنْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ وَفْدَ الْجِنِّ؟ فَقَالَ: أَجَلْ، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي كَيْفَ كَانَ شَأْنُهُ؟ (أَتَيْنَا بَقِيعَ الْغَرْقَدِ، فَخَطَّ بِعَصَاهُ خَطًّا، ثُمَّ قَالَ: «اجْلِسْ فِيهَا وَلَا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ» ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ خِلَالَ النَّخْلِ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ حَيْثُ أَرَاهُ ثَارَتْ مِثْلَ الْعُجَاجَةِ السَّوْدَاءِ (أي الغبار والدخان ويقصد به الخيال) ، فَفَرِقْتُ (أي أصابني خوف وفزع على النبي) فَقُلْتُ أَلْحَقُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. فَإِنِّي أَظُنُّ هَذِهِ هَوَازِنَ مَكَرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْتُلُوهُ، فَأَسْعَى إِلَى الْبُيُوتِ فَأَسْتَغِيثُ النَّاسَ، فَذَكَرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَانِي أَنْ لَا أَبْرَحَ مَكَانِي الَّذِي أَنَا فِيهِ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَعُهُمْ بِعَصَاهُ، وَيَقُولُ: «اجْلِسُوا» فَجَلَسُوا حَتَّى كَادَ يَنْشَقُّ عَمُودُ الصُّبْحِ، ثُمَّ ثَارُوا وَذَهَبُوا، فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ، «أَنِمْتَ بَعْدِي؟» قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، لَقَدْ فَزِعْتُ الْفَزْعَةَ الْأُولَى حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ آتِيَ الْبُيُوتَ فَأَسْتَغِيثَ، حَتَّى سَمِعْتُكَ تَقْرَعُهُمْ بِعَصَاكَ، وَكُنْتُ أَظُنُّهَا هَوَازِنَ مَكَرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْتُلُوهُ، قَالَ: «لَو أَنَّكَ خَرَجْتَ مِنْ هَذِهِ الْحَلَقَةِ مَا أَمِنْتُ عَلَيْكَ أَنْ يَخْطَفَكَ بَعْضُهُمْ، فَهَلْ رَأَيْتَ مِنَ شَيْءٍ مِنْهُمْ؟» قُلْتُ: رَأَيْتُ رِجَالًا سُودًا مُسْتَدْبِرِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُولَئِكَ وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ، فَسَأَلُونِي الْمَتَاعَ وَالزَّادَ) رواه الطبراني في مسند الشاميين .. وذكره بن كثير في تفسيره وقال إسناده غريب جدا ..
 
- قلت (خالد صاحب الرسالة): الرواية ضعيفة لعلتين ..
- العلة الأولى: هي شيخ الطبراني (محمد بن عَبْدة أَبُو بَكْر المِصِّيصِيّ) وهو مجهول الحال كما ذكر ذلك في تحقيق صاحب كتاب "إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني ترجمة برقم 952" .. كما أن الذهبي ذكره في تاريخ الإسلام (6/813) ولم يذكر فيه جرحا ولا عدالة ..

- والعلة الثانية: هي مجهولية الذي حدث أبا سلام عن عمرو بن غيلان .. والله أعلم .
 
- ثم وجدت هذا الحديث قد رواه الطبري في تفسيره (ج21/ص361) في تفسير سورة الأحقاف آية 29 .. وأظهر هذا الراوي المجهول في رواية الطبراني وهو (عبد الله بن عمرو بن غَيلان الثقفيّ) وهو مجهول الحال ..!!
 
- (حديث موضوع "مكذوب") .. وفي رواية بلفظ: عن يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ حَرْبِ بْنِ صُبَيْحٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْجَدَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: (اسْتَتْبَعَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى بَلَغْنَا أَعْلَى مَكَّةَ، فَخَطَّ عَلَيَّ خُطَّةً وَقَالَ: «لَا تَبْرَحْ» ، ثُمَّ انْصَاعَ فِي أَجْبَالٍ، فَرَأَيْتُ الرِّجَالَ يَتَحَدَّرُونَ عَلَيْهِ مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ حَتَّى حالُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَاخْتَرَطْتُ السَّيْفَ وَقُلْتُ: لَأَضْرِبَنَّ حَتَّى أَسْتَنْقِذَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ: «لَا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ» ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَمَّنَا الْفَجْرُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا قَائِمٌ فَقَالَ: «مَا زِلْتَ عَلَى حَالِكَ؟» قُلْتُ: لَوْ لَبِثْتَ شَهْرًا مَا بَرِحْتُ حَتَّى تَأْتِيَنِي، ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ بِمَا أَرَدْتُ أَنْ أَصْنَعَ، فَقَالَ: «لَوْ خَرَجْتَ مَا الْتَقَيْتُ أَنَا وَلَا أَنْتَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ، ثُمَّ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي أَصَابِعِي فَقَالَ: «إِنِّي وُعِدْتُ أَنْ يُؤْمِنَ بِيَ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ، فَأَمَّا الْإِنْسُ فَقَدْ آمَنَتْ بِي، وَأَمَّا الْجِنُّ فَقَدْ رَأَيْتَ» ، قَالَ: «وَمَا أَظُنُّ أَجَلِي إِلَّا قَدِ اقْتَرَبَ» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَخْلِفُ أَبَا بَكْرٍ؟ فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَرَأَيْتُ أَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَخْلِفُ عُمَرَ؟ فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَرَأَيْتُ أَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَخْلِفُ عَلِيًّا؟ قَالَ: «ذَاكَ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَوْ بَايَعْتُمُوهُ وَأَطَعْتُمُوهُ أَدْخَلَكُمُ الْجَنَّةَ أَكْتَعِينَ) رواه الطبراني في الكبير ..
 
- قلت (خالد صاحب الرسالة): في السند (يحيى بن يعلى الأسلمي) وهو ضعيف الحديث، وفيه (حرب بن صبيح) وهو مجهول العين .. وفيه (أبو مرة الصنعاني) مجهول العين .. وفيه (سعيد بن مسلم) وهو ثقة لو كان هو (بن بانك) وقد تم تلفيقه في السند ..
- والسند ظاهر الوضع والتلفيق فيه بصورة قوية .. فضلا عن نكارة المتن وأنه من وضع الشيعة لإظهار أحقية سيدنا علي بن أبي طالب بالخلافة ..
 
#- وما سبق من روايات في ليلة الجن .. هو ما وجدت فيه من ألفاظه ما يدل على مسألة خطف الجن .. وهو محل تحقيق هذه الرسالة ..
 
#- وباقي الروايات في قصة خروج بن مسعود مع النبي ليلة الجن .. فهي تشير فقط إلى أن النبي وضع خطا لابن مسعود وأمره أن لا يتخطاه .. وهذا ليس فيه مفهوم الخطف لأنه لو تجاوز هذا الخط .. فليس معناه أنه يتم خطفه وإنما قد يصيبه ضرر كالمس وما شابه ذلك .. (علما بأن هذه الروايات ردها العلماء المحققون) ..
 
#- ملحوظة هامة:
- هناك روايات أخرى كثيرة في ليلة الجن تقول أن عبد الله بن مسعود قد خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة .. ولكنها ليست محل بحثنا لنناقشها لأنه ليس في ألفاظها خطف الجن .. وعموما كل هذه الروايات في سندها كلام يعيبها .. فضلا عن أن هذه قصة خروج بن مسعود مع النبي ليلة الجن .. مستحيل أن تكون حدثت لمعارضتها القصة التي في صحيح مسلم .. وقول عبد الله بن مسعود بصورة واضحة وقاطعة بأنه لا يوجد أحد من الصحابة خرج مع النبي ليلة الجن .. وأنه نفى عنه نفسه شخصيا خروجه مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن بصورة قاطعة .. ودليل ذلك:
 
- قال بن مسعود: (لَمْ أَكُنْ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُ) صحيح مسلم.
 
- قال علقمة بن قيس النخعي (التابعي): (سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقُلْتُ: هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ ؟ قَالَ: لَا .. وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَفَقَدْنَاهُ فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ .. إلى آخر الحديث) صحيح مسلم.
 
#- ولتحقيق الآيات والروايات والأحاديث التي أتت في مقابلة النبي مع الجن .. والتي أتى ذكرها في القرآن وكتب السيرة النبوية .. فيمكنك الرجوع إلى رسالة (ليلة الجن حين سماع الجن من النبي واجتماع النبي بالجن) .. والله الموفق.
 
######################


4- الحديث الرابع .. خطف الشياطين لولا حماية الملائكة ..
 
- من الروايات الحديثية .. التي قد يفهم البعض منها أن الجن أو الشياطين يمكن أن يختطفوا أو يخطفوا الإنسان .. هو ما جاء في الحديث التالي:

 
1- (حديث سنده ضعيف جدا ومتن مضطرب جدا) .. عن أَبُو زَيْدٍ الْحَوْطِيُّ، ثنا أَبُو الْيَمَانِ، ثنا عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (وُكِّلَ بِالْمُؤْمِنِ تَسْعَوْنَ وَمِئَةُ مَلَكٍ يَذُبُّونَ عَنْهُ مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، مِنْ ذَلِكَ النَّفْرِ تِسْعَةُ أَمْلَاكٍ يَذُبُّونَ عَنْهُ (أي يدافعون عنه) كَمَا يُذَبُّ عَنْ قَصْعَةِ الْعَسَلِ مِنَ الذُّبَابِ فِي الْيَوْمِ الصَّائِفِ (أي الشديد الحر)، وَمَا لَوْ بَدَا (أي لو ظهر) لَكُمْ لَرَأَيْتُمُوهُ عَلَى جَبَلٍ، وَسَهْلٍ كُلُّهُمْ بَاسِطٌ يَدَيْهِ (أي يمد يده إليكم) فَاغرِ فَاهُ (أي فاتح فاه)، وَمَا لَوْ وُكِّلَ الْعَبْدُ فِيهِ إِلَى نَفْسِهِ طَرَفَةَ عَيْنٍ خَطَفَتْهُ الشَّيَاطِينُ) رواه الطبراني في الكبير .. وقال الهيثمي في المجمع: فيه عفير بن معدان وهو ضعيف..  
 
#- ملحوظة:
- قوله (فاغر فاه - باسط يده): هو تركيبه لغوية يقصد بها قد طاوعته نفسه في الاعتداء عليك ..
 
2- وفي (حديث سنده ضعيف جدا – ومتن مضطرب جدا) جاء بلفظ آخر .. عن عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَكَّلَ اللَّهُ بِالْمُؤْمِنِ سِتِّينَ وَثَلَاثَمِائَةِ مَلَكٍ يَذُبُّونَ عَنْهُ .. مِنْ ذَلِكَ لِلْبَصَرِ: سَبْعَةُ أَمْلَاكٍ .. وَلَوْ وُكِلَ الْعَبْدُ إِلَى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ اخْتَطَفَتْهُ الشَّيَاطِينُ) رواه بن قانع في معجم الصحابة.. (قلت خالد صاحب الرسالة): وفي السند (غفير بن معدان) وقد سبق الكلام عنه أنه ضعيف .. ولكن المتن فيه اضطراب لاختلاف ألفاظه الكبير بين رواية الطبراني وبن قانع ..!!
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على الروايتين:
1- انتبه أخي الحبيب: الرواية السابقة عند الطبراني وبن قانع .. هي عن طريق واحد وهو (عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ) وهو ضعيف جدا .. وسيأتي بيان ذلك .. ولكن أريدك أيضا أن تلاحظ اضطراب الرواية أخي الحبيب بين ألفاظ رواية الطبراني وابن أبي الدنيا .. في عدد الملائكة الإجمالي فمرة تكون (190) ومرة تكون (360) .. وكذلك في عدد الملائكة الذين يحرسون البصر مرة تكون (9) ومرة تكون (6) .. وستجد اختلاف كبير جدا .. وهذا معناه اضطراب في متن الرواية مما يضعفها أيضا ..!!
 
2- أما عن الراوي (عفير بن معدان) فهو ضعيف جدا .. وإليك كلام العلماء فيه:
أ- قال البخاريُّ: مُنْكَر الحديث. "التاريخ الصغير" 2/ 174.
ب- وقال أبو زرعة الرازي: مُنْكَر الحديث جدًّا، إلا أنه رجلٌ فاضل كان مؤذنهم بحمص وكان من أفاضلهم، إلا أن حديثه ضعيفٌ جدًّا. "سؤالات البرذعي" صفحة 372.
ج- وقال أبو داود: شَيْخٌ صالحٌ، ضعيفُ الحديث. "سؤالات الآجري" 5/ الورقة 27.
د- وقال أبو حاتم الرازيُّ: واهي الحديث، لا يُشتغل بروايته وبحديثه، مُنْكر الحديث. "علل الحديث" 2011.
هـ- وقال الترمذيُّ: عُفير بن معدان يُضَعَّف في الحديث. "الجامع" حديث (1517).
و- وقال النسائيُّ: ليس بثقةٍ. "الضعفاء والمتروكون" 467. (راجع الجامع في الجرح والتعديل ترجمة رقم2945).
 
#- وخلاصة القول:
- الحديث ليس حجة في أي شيء لضعف شديد جدا في سنده واضطراب متنه .. ولا يصح كدليل على إمكانية خطف الجن أو الشياطين للإنسان .

 ######################

 
5- الحديث الخامس .. خطف الشياطين لمن يبتعدون عن جماعة المؤمنين .
 
- من غرائب ما تجده من البعض أن يستدل برواية غريبة على خطف الشياطين .. ومن ذلك الرواية التالية:
 
#- (حديث ضعيف جدا) .. بسند عن سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ أَبِي الْمُسَاوِرِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَدُ اللهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، فَإِذَا شَذَّ الشَّاذُّ مِنْهُمُ اخْتَطَفَهُ الشَّيْطَانُ كَمَا يَخْتَطِفُ الذِّئْبُ الشَّاةَ مِنَ الْغَنَمِ) رواه الطبراني في الكبير .. (قلت خالد صاحب الرسالة): وفي السند (عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ أَبِي الْمُسَاوِرِ) وهو ضعيف جدا .. وقد كذبه يحيى بن معين، وقال البخاري منكر الحديث ، وقال النسائي هو متروك الحديث، وقال أبو زرعة هو ضعيف جدا، وقال أبو حاتم هو ضعيف الحديث وشبه المتروك .. وغير ذلك من أقوال العلماء .. (راجع تهذيب الكمال ترجمة رقم 3690) .
 
#- يا أخي الحبيب .. على افتراض صحة الحديث .. فالمقصد منه ليس اختطاف الشياطين بمعنى سيأخذونه ويطيرون به بعيدا ..!! فواضح جدا من ألفاظ الحديث أن المقصد هو أن الشياطين ستؤثر عليه وتفسده سواء شياطين الإنس أو الجن .. فالمقصد بالخطف هو أخذه من باب الإيمان إلى باب الكفر أو من باب الصلاح لباب الفساد .. فهذا تعبير مجازي على سهولة استيلاء الشياطين عليه ..
 
#- والذي يؤكد لك ذلك ما جاء في الرواية الصحيحة التالية:
- (حديث صحيح) .. بسند عن عَرْفَجَةَ بْنِ شُرَيْحٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ يَرْتَكِضُ) رواه النسائي في سننه وبن حبان .. وأشار السيوطي في الجامع الصغير إلى كونه حديث صحيح ووافقه الشيخ الألباني في صحيح الجامع .
 
#- وفي (حديث ضعيف) .. ما يشير لما سبق (الشَّيطانُ يَهُمُّ بالواحدِ والاثنينِ ، فإذا كانوا ثلاثةً لم يَهُمَّ بِهِم) رواه البزار .. (قلت خالد صاحب الرسالة): والحديث ضعيف وأشار الشيخ الألباني لضعفه في السلسلة الضعيفة .. ولكن بكل تأكيد ليس معنى (هم الشيطان) هو أن يخطفه ..!! وإنما بمعنى أن يضلله ويفسد عليه حاله ..
 
- إذن عيب عليك أخي الحبيب .. أن تأتي برواية تنتصر بها لما تظنه لمجرد أنك وجدت لفظ (خطف الشيطان) دون أي اعتبار للفهم الصحيح من الرواية .. وكأنك تلهث وراء ألفاظ الخطف لتنتصر لمعتقد أن الشيطان يخطف الناس .. وهذا تفكير خاطيء وتحتاج لمراجعة تفكيرك مرة أخرى والإنتباه لما تنقله .. مع الإهتمام بأمانة العلم .. وليس الإنتصار لما كنت تعرفه ..!!
 
- وعموما الرواية التي استدللت بها هي باطلة ولم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ الذي فيه (اختطفته الشياطين) ..!!
 
#- وخلاصة القول:
- الحديث ليس حجة في أي شيء لضعف شديد جدا في سنده .. ولا يصح كدليل على إمكانية خطف الجن أو الشياطين للإنسان .
 

##########################

 6- الحديث السادس .. طيران رجل من جيش المسلمين بسبب الهواء الشديد.
 
- من الروايات القصصية في السيرة النبوية .. التي قد تخطر على بال من يقرأها ويفهم منها بأن للجن تدخل فيها .. وإن لم يظهر للجن ذكر في هذه القصة من أساسه .. ولكن أذكرها إذ ربما تجول بخاطرك ويشغلك ما قد أشغلني فيها .. وهي قصة من السيرة ..
 
#- عن ابن اسحاق عن الزهري وغيره قالوا: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَرَّ بِالْحِجْرِ نَزَلَهَا وَاسْتَقَى النَّاسُ مِنْ بِئْرِهَا فَلَمَّا رَاحُوا مِنْهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ: " لَا تَشْرَبُوا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا وَلَا تَتَوَضَّئُوا مِنْهُ لِلصَّلَاةِ وَمَا كَانَ مِنْ عَجِينٍ عَجَنْتُمُوهُ فَاعْلِفُوهُ الْإِبِلَ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْهُ شَيْئًا. وَقَالَ: لَا يَخْرُجَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ إِلَّا وَمَعَهُ صَاحِبُهُ. قَالَ: فَفَعَلَ النَّاسُ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ خَرَجَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَتِهِ وَخَرَجَ الْآخَرُ فِي طَلَبِ بَعِيرٍ لَهُ .. فَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَخُنِقَ عَلَى مَذْهَبِهِ (أي وهو يقضي حاجته في الخلاء) .. وَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ فِي طَلَبِ بَعِيرِهِ فَاحْتَمَلَتْهُ الرِّيحُ وَطَرَحَتْهُ بِجَبَلَيْ طَيِّئٍ .. فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلَمْ أَنَّهُكُمْ أَنْ يَخْرُجَ رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ ؟ .. ثُمَّ دَعَا لِلَّذِي أُصِيبَ عَلَى مَذْهَبِهِ فَشُفِيَ .. وَأَمَّا الْآخَرُ الَّذِي وَقَعَ بِجَبَلَيْ طَيِّئٍ فَإِنَّ طَيِّئًا أَهْدَتْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ) رواه أبو نعيم في دلائل النبوة..
 
- (حديث ضعيف) في رواية بلفظ: عن يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سهل ابن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَوْ عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ- الشَّكُّ مِنِّي: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَرَّ بِالْحِجْرِ وَنَزَلَهَا اسْتَقَى النَّاسُ مِنْ بِئْرِهَا، فَلَمَّا رَاحُوا مِنْهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم لِلنَّاسِ: لَا تَشْرَبُوا مِنْ مائها شيئا، ولا تتوضؤوا مِنْهُ لِلصَّلَاةِ، وَمَا كَانَ مِنْ عَجِينٍ عَجَنْتُمُوهُ فَاعْلِفُوهُ الْإِبِلَ، وَلَا تَأْكُلُوا مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا يَخْرُجَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ إِلَّا وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، فَفَعَلَ النَّاسُ مَا أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، إِلَّا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ: خَرَجَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَةٍ وَخَرَجَ الْآخَرُ فِي طَلَبِ بَعِيرٍ لَهُ، فَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَإِنَّهُ خُنِقَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ فِي طَلَبِ بَعِيرِهِ فاحتْمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى طَرَحَتْهُ بجبلي طيء .. إلى آخر القصة ..) رواه بن هشام في السيرة وعنه رواه البيهقي في دلائل النبوة.
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) ..
- أولا: عن رواية أبو نعيم .. ففيها علتين ..
- العلة الأولى: وهي تدليس بن اسحاق لأنه لم يصرح بالتحديث عمن أخذ عنه ..
 
- العلة الثانية: وهي أن السند مرسل وقد سقط منه الصحابي الذي روى هذه القصة ..
 
2- ثانيا: عن رواية البيهقي .. ففيها علتين أيضا ..
- بالرغم من أن الحديث قد صرح فيه بن اسحاق بالتحديث ..
- إلا أن السند يوجد به (يونس بن بكير) .. قال عنه البخارى: منكر الحديث ..، وقال أبو زرعة: واهى الحديث ..، قال أبو حاتم: منكر الحديث وضعيف الحديث ..، وقال أبو أحمد بن عدى: عامة ما يرويه لا يتابع عليه .. وذكره بن حبان في الثقات ..!!
 
- وللحديث علة أخرى عند البيهقي .. وهي الشك في راوي الحديث هل هو (الْعَبَّاسِ بْنِ سهل ابن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ .. أَوْ عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) فلو كانت الرواية عن العباس فقط فهي حينئذ رواية مرسلة .. وإن كانت (عن العباس عن أبيه سهل) فالرواية حينئذ موصولة لأن (سهل) صحابي كان عمره خمسة عشر عام وقت وفاة النبي .. ولكن سيظل يعيب الرواية وجود (يونس بن بكير) في سندها.
 
#- وجاء في صحيح الأحاديث:
- (حديث صحيح) .. من حديث أبى حميد: انطلقنا حتى قدمنا تبوك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (سَتَهُبُّ عَلَيكُم اللَّيلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَلَا يَقُم فِيهَا أَحَدٌ مِنكُم، فَمَن كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَليَشُدَّ عِقَالَهُ، فَهَبَّت رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَقَامَ رَجُلٌ، فَحَمَلَتهُ الرِّيحُ حَتَّى أَلقَتهُ بِجَبَلَي طَيِّئٍ) صحيح مسلم.
 
- وفي رواية بلفظ: (سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَلاَ يَقُومَنَّ أَحَدٌ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ فَلْيَعْقِلْهُ» .. فَعَقَلْنَاهَا، وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَأَلْقَتْهُ بِجَبَلِ طَيِّءٍ) صحيح البخاري.
 
- ملحوظة: الجيش قد تحرك إلى غزو تبوك ومر أولا على منطقة الحِجر ثم إلى تبوك .. والمسافة بين تبوك والحِجر حوالي ثلاثمائة كيلو وزيادة قليلا ..
 
#- الفرق بين الروايات الغير صحيحة والصحيحة هو الآتي:
1- الروايات المروية عن بن اسحاق .. قالت أن الرجل الذي تم الطيران به كان في منطقة (الحِجر) وهي منطقة ثمود (ومنطقة الحِجر داخل حدود بالسعودية) ..
 
2- الروايات الصحيحة .. قالت أن الرجل الذي تم الطيران به كان في منطقة (تبوك) وهي موجود (داخل حدود السعودية).  
 
#- والذين حاولوا أن يجمعوا بين الروايات قالوا الآتي:
أ- يحتمل أنّهما قصتان .. إحداهما بمنطقة الحجر .. والثانية بمنطقة تبوك .. وهي التي في صحيح البخاري ومسلم ..
 
ب- ويحتمل أن قصة الذي خرج لحاجته كانت بمنطقة الحجر .. والذي ألقته الريح كانت بتبوك .. فجمع بينهما في قصة واحدة بن اسحاق باعتبار أنه يتكلم عما حدث مع الجيش الذي خرج لتبوك .. فجمع الحادثتين في رواية واحدة .. والله أعلم .
 
#- ولكن في الحقيقة لسنا في حاجة للتوفيق بين الروايات ويكفينا رواية الصحيح ..
 
#- وهنا لي تعليق على كل الروايات سواء صحيحة أو ضعيفة .. وهذا هو ما جعلني أتوهم أن يكون للجن تدخل في القصة ..:
- كيف حملت الرياح هذا الرجل لمسافة من تبوك إلى جبلي طيء التي تبعد عن منطقة حائل حوال ستون كيلو .. علما بأن "وتبوك وطيء وحائل" كلها مناطق بالسعودية حاليا ..!!
 
- فإذا قلنا أن المسافة من تبوك إلى حائل 600 كيلو تقريبا "حسب معرفتي - وقد أكون مخطيء" .. ومن حائل إلى جبلي طيء 60 كيلو تقريبا .. فنحن نتكلم حينئذ عن مسافة قدرها "ستمائة وستون" كيلو متر ..!!
 
- فإذا كانت الرياح بهذه القوة والعزيمة التي حملت رجلا بالغا لهذه المسافة .. فكيف لم تقتلع خيام الجنود المقيمين في تبوك وهي أخف شيء موجود في المكان حينئذ .. بل ولماذا لم تحمل الرياح كل ما هو موجود في المكان من الجنود والمتاع والأبل ؟!!
 
- إلا لو افترضت كما خطر ببالي .. أن المكان الذي تواجد به هذا الرجل وكان بعيدا عن مكان تواجد باقي الجيش بمسافة بعيدة .. وفي ذلك المكان من شدة الهواء كونت ضغط جوي معين وكونت إعصارا مر في مكان تواجد هذا الرجل فحمله بداخله وظل هذا الإعصار يسير مسافة حتى ألقاه في منطقة جبل طيء ..!!
- ولكن هل يمكن ذلك ..؟!! الله أعلم .
- خاصة لو عرفنا أن بلد الأردن "وتبعد عن تبوك أكثر من أربعمائة متر" فيها أعاصير تحدث كثيرا .. فلعل هذا المحيط الجغرافي يحدث فيه ذلك .. والله أعلم .
 
#- وقد ظننت أول الأمر حين قرائتي للقصة ظنا فقلت:
- هل يمكن للجن أن يكون حمل هذا الرجل وطار به لهذا المكان ؟!!
 
- ولكن قلت: هذا ما لا دليل عليه في القصة لا من قريب ولا من بعيد .. بل ولو كان الأمر كذلك فلماذا حذر النبي الجنود بالتزام أماكنهم ولا يخرج أحد بسبب شدة الهواء التي ستحدث ..؟!!
- وكذلك لم أجد من علماء مفسري الأحاديث أو رجال السيرة قال بهذا الظن الذي كنت ظننته بأن الجن هو من حمل الرجل ..
- بل أقصى ما وجدته لبعض ظنون العلماء .. أن الذي شعر بخنق وهو يقضي حاجته هو نتيجة فعل الجن به .. أما الآخر فلا أحد يتكلم عنه لظنهم أن الهواء حمله فعلا لهذه المسافة .. والتي لا أظن لأحد أن خطر في باله أن يحسب هذه المسافة التي حمله الهواء فيها كيف كانت مساحتها ..!!
 
- ومن ناحية أخرى .. لو كان الجن هو من حمله لكانت الريح حملت الجن أيضا معها فلا قوة ولا قدرة على مواجهة إعصار .. وكذلك لا يمكن أن يقول عاقل أبدا بأن فاعل هذا الهواء هو الجن أصلا ..!!
 
- ومن أجل الأسباب السابقة تركت الظن بفكرة حمل الجن للرجل الطائر إلى جبل طيء .. حتى خطر ببالي ما ذكرته لك أولا من كونه كان إعصارا أحاط بهذا الرجل ..
 
- ثم أتاني خاطر آخر يحل لي إشكال آخر .. بأن هذا الإعصار حتى ولو كان له اقتراب من مكان جيش المسلمين .. فما كان ليؤذيهم لبركة تواجد النبي صلى الله عليه وسلم بينهم وإلتزامهم بما قاله لهم بأن لا يخرج أحد من مخيمه وقت هبوب الهواء .. وما سبق يندرج تحت مظلة وكرامة قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) الانفال33 .. والله أعلم .
 
- وقبل أن نترك هذه القصة فالعلماء قالوا ملاحظة مهمة .. هو معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بالأمور الغيبية قبل حدوثها .. حتى أنه صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن حدوث هذا الهواء الشديد بصيغة الجزم والتأكيد واليقين .. وليس على سبيل الإحتمال والإحتراز والشك .. وهذا من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم.
 

***********************

 
7- الحديث السابع .. صحابي يحكي عن ظنهم في الجاهلية وقت الحج بإمكانية خطف الجن لهم .
 
- (حديث ضعيف جدا) .. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْجَوْهَرِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْكَلْبِيُّ، حَدَّثَنَا شَرْقِيُّ بْنُ الْقَطَامِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا طَلْقٍ الْعَائِذِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنَ الْقَعْقَاعِ , عَنْ عَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الزَّبِيدِيِّ: (لَقَدْ رَأَيْتُنَا مِنْ قَرْنٍ وَنَحْنُ إِذَا حَجَجْنَا قُلْنَا:
[البحر الرجز]
لَبَّيْكَ تَعْظِيمًا إِلَيْكَ عُذْرًا ... هَذِي زَبِيدٌ قَدْ أَتَتْكَ قَسْرَا
يَقْطَعْنَ خَبْتًا وَجِبَالًا وَعْرَا ... قَدْ جَعَلُوا الْأَنْدَادَ خَلُّوا صِفْرَا
وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وُقُوفًا بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ نَخَافُ أَنْ يَتَخَطَّفَنَا الْجِنَّ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ؛ فَإِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ إِذَا أَسْلَمُوا» , وَعَلَّمَنَا التَّلْبِيَةَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ , لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ , إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ , لَا شَرِيكَ لَكَ") رواه الطبري في الصغير وبن عساكر وغيرهم.
 
- وفي رواية بلفظ: (كُلُّ عَشِيَّةِ عَرَفَةَ بِبَطْنِ عُرَنَةَ نَتَخَوَّفُ أَنْ يَتَخَطَّفَنَا الْجِنُّ ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَخْبِرُوا إِلَيْهِمْ ، فَإِنَّهُمْ إِنْ أَسْلَمُوا إِخْوَانُكُمْ ") رواه الطحاوي في أحكام القرآن.
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- وهذا إسناد تالف جدا .. ليه ؟
#- في رواية الطبراني يوجد عدة علل:
1- فيه (أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْجَوْهَرِيُّ) .. وهو مجهول ..
2- وفيه (مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْكَلْبِيُّ) .. وهو ضعيف الحديث.
3- وفيه (شَرْقِيُّ بْنُ الْقَطَامِيِّ) واسمه الوليد بن الحصين أَبُو المثنى، وهو الوليد بن قطامي .. هكذا ذكره بن حجر في لسان الميزان بترجمه رقم 3784 .. وقال له نحو عشرة أحاديث فيها مناكير .. ثم ذكر من ضعفه من العلماء وذكر له هذا الحديث السابق.
4- وفيه (شُرَحْبِيلَ بْنَ الْقَعْقَاعِ) .. وهو مجهول الحال.
 
#- وفي رواية الطحاوي .. فيها نفس العلل ما عدا (أحمد بن محمد بن عباد) لأن شيخ الطحاوي هناك هو (أبو أمية محمد بن إبراهيم الخزاعي) وهو ثقة.
 
#- ويتبين لك أخي الحبيب مدى فساد الإستدلال بهذه الرواية والتي لا يمكن أن تصح بأي حال من الأحوال ..!! 
 
#- وبهذا يكون ختام الكلام على روايات الأحاديث النبوية التي وجدتها وقد تشير إلى مسألة خطف الجن للإنس .. سواء باللفظ أو بالإحتمال .. وننتقل بعد ذلك .. لبعض الروايات التي لا تعتبر حجة شرعية للإحتجاج بها .. لأنها ليست آيات أو أحاديث نبوية صحيحة .. وإنما مجرد قصص سواء من عصر الصحابة أو التابعين أو من ذكرها بعدهم من مشايخ الدين في كتبهم .. والله ولي التوفيق.

 
*****************
يتبع إن شاء الله تعالى
*****************
والله أعلم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم
هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .

هناك تعليقان (2):

  1. سبحان الله .. مع ان سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح الاول : [ آتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن ] .. أما كان يكفي ذلك لاستبعاد مسألة الخطف !! .. فكلماته صلى الله عليه وسلم تشير الى انه تم الأمر في هدوء وسلام .

    اللهم علمنا ما جهلنا وزدنا علما
    وزادك الله نورا وحكمة استاذنا الفاضل

    ردحذف

  2. اللهم اني اسلمت نفسي اليك.
    ووجهت وجهي إليك وفوضت امري اليك و ألجأت ظهري اليك. رغبة ورهبة اليك.
    لا منجا ولا منجا منك الا اليك. امنت كتابك الذي انزلت وبنبيك الذي ارسلت لا اله الا انت ربي والهي.

    ردحذف

ادارة الموقع - ا/ خالد ابوعوف