ج29: قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة - هل صعد النبي للسماء من بيت المقدس دون أن يصلي فيه كما قال الصحابي حذيفة بن اليمان.

      بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل التاسع والعشرون)

#- فهرس:

:: الفصل التاسع والعشرون :: ج9/ مسائل عامة تتعلق برحلة الإسراء عن إنكار الصحابي حذيفة بن اليمان لصلاة النبي ببيت المقدس أو المسجد الأقصا ::

1- س84: هل صعد النبي للسماء من بيت المقدس دون أن يصلي فيه كما قال الصحابي حذيفة بن اليمان ؟

*******************

:: الفصل التاسع والعشرون ::

*******************

..:: س84: هل صعد النبي للسماء من بيت المقدس دون أن يصلي فيه كما قال الصحابي حذيفة بن اليمان ؟ ::..

- من المسائل التي تقال حول الإسراء والمعراج .. وقد تخطر ببالك من قرائتك لروايات الإسراء فتقول: أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما وصل لبيت المقدس صعد من هناك للسماء بالبراق ولم ينزل من البراق للصلاة في بيت المقدس بدلالة أن الصحابي حذيفة بن اليمان قال بذلك .. وبالتالي لماذا يقال أن النبي صلى في بيت المقدس سواء لوحده أو كان معه الأنبياء ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- لعل من ذكر هذه المسألة يشير للحديث الآتي:

أ- جاء في (حديث حسن – والمتن فيه نكارة) .. عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: (أَتَيْتُ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: " فَانْطَلَقْتُ ـ أَوْ انْطَلَقْنَا ـ حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ "، فَلَمْ يَدْخُلَاهُ، قَالَ (زر بن حبيش): قُلْتُ: بَلْ دَخَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَئِذٍ وَصَلَّى فِيهِ .. قَالَ: مَا اسْمُكَ يَا أَصْلَعُ ؟ فَإِنِّي أَعْرِفُ وَجْهَكَ، وَلَا أَدْرِي مَا اسْمُكَ .. قَالَ (زر بن حبيش): قُلْتُ: أَنَا زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ .. قَالَ: فَمَا عِلْمُكَ بِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهِ لَيْلَتَئِذٍ ؟ قَالَ (زر بن حبيش): قُلْتُ: الْقُرْآنُ يُخْبِرُنِي بِذَلِكَ .. قَالَ: مَنْ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فَلَجَ (أي صدقت حجته وأفلح) اقْرَأْ .. قَالَ (زر بن حبيش): فَقَرَأْتُ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1] .. قَالَ (زر بن حبيش): فَلَمْ أَجِدْهُ صَلَّى فِيهِ .. قَالَ: يَا أَصْلَعُ، هَلْ تَجِدُ صَلَّى فِيهِ ؟ .. قَالَ (زر بن حبيش): قُلْتُ: لَا .. قَالَ: وَاللهِ مَا صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَئِذٍ، لَوْ صَلَّى فِيهِ لَكُتِبَ عَلَيْكُمْ صَلَاةٌ فِيهِ، كَمَا كُتِبَ عَلَيْكُمْ صَلَاةٌ فِي الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (أي المسجد الحرام) .. وَاللهِ مَا زَايَلَا الْبُرَاقَ حَتَّى فُتِحَتْ لَهُمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَرَأَيَا الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَوَعْدَ الْآخِرَةِ أَجْمَعَ، ثُمَّ عَادَا عَوْدَهُمَا عَلَى بَدْئِهِمَا، قَالَ: ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ، قَالَ: وَيُحَدِّثُونَ أَنَّهُ رَبَطَهُ !! أَلِيَفِرَّ مِنْهُ ؟ .. وَإِنَّمَا سَخَّرَهُ لَهُ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ .. قَالَ (زر بن حبيش): قُلْتُ: أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيُّ دَابَّةٍ الْبُرَاقُ؟ قَالَ: دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ هَكَذَا خَطْوُهُ مَدُّ الْبَصَرِ) رواه أحمد والترمذي .. وقال محققو المسند: إسناده حسن من أجل عاصم -وهو ابن بهدلة- وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين.

 

ب- وفي رواية الترمذي جاء فيها: عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ, عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: (قُلْتُ لِحُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ: أَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم فِي بَيْتِ المَقْدِسِ؟ قَالَ: لاَ .. قُلْتُ (زر بن حبيش): بَلَى .. قَالَ: أَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَصْلَعُ .. بِمَ تَقُولُ ذَلِكَ ؟ قُلْتُ (زر بن حبيش): بِالقُرْآنِ .. بَيْنِي وَبَيْنَكَ القُرْآنُ .. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: مَنِ احْتَجَّ بِالقُرْآنِ فَقَدْ فَلَجَ (أي قد احتج وفلح بذلك) .. فَقَالَ (زر بن حبيش): {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى} .. قَالَ (حذيفة بن اليمان): أَفَتُرَاهُ صَلَّى فِيهِ؟ قُلْتُ: لاَ .. قَالَ (حذيفة بن اليمان): لَوْ صَلَّى فِيهِ لَكُتِبَ عَلَيْكُمُ فِيهِ الصَّلاَةُ .. كَمَا كُتِبَتِ الصَّلاَةُ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ .. قَالَ حُذَيْفَةُ: قَدْ أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم بِدَابَّةٍ طَوِيلِ الظَّهْرِ مَمْدُودٍ هَكَذَا .. خَطْوُهُ مَدُّ بَصَرِهِ .. فَمَا زَايَلاَ ظَهْرَ البُرَاقِ .. حَتَّى رَأَيَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ .. وَوَعْدَ الآخِرَةِ أَجْمَعَ (أي رأى جميع ذلك).. ثُمَّ رَجَعَا عَوْدَهُمَا عَلَى بَدْئِهِمَا .. قَالَ (حذيفة بن اليمان): وَيَتَحَدَّثُونَ أَنَّهُ رَبَطَهُ .. لِمَا ؟ لِيَفِرَّ مِنْهُ ؟ إِنَّمَا سَخَّرَهُ لَهُ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.. (قلت خالد صاحب الرسالة): قد حذفت جزء في الرواية ذكره أحد الرواة في وسط الرواية كان يشرح كلمة (فلج) .. وهذا الحذف فعلته حتى لا يتوه القاريء وهو يقرأ القصة.

 

ج- وجاء في رواية بلفظ: (إِنَّهُ أُتِيَ بِدَابَّةٍ ...، قَالَ: فَحَمَلَهُ عَلَيْهَا جِبْرِيلُ أَحَدُهُمَا رَدِيفُ صَاحِبِهِ .. فَانْطَلَقَ مَعَهُ مِنْ لَيْلَتِهِ حَتَّى أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَأُرِيَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ رَجَعَا عَوْدَهُمَا عَلَى بَدْئِهِمَا فَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ .. وَلَوْ صلى لكانت سُنَّة) رواه بن حبان .. وقال الأرنؤوط في تخريج بن حبان: إسناده حسن ..، وكذك حسنه الألباني في الصحيحة.

- قوله: (رَدِيفُ صَاحِبِهِ): أي يركب أحدهما خلف الآخر .. والراوي لم يعرف تحديدا من كان خلف الآخر.

 

د- ولو انتبهت أخي الحبيب في الروايات السابقة .. ستجد أن الرواية عن حذيفة في متنها تضارب .. فعند أحمد والترمذي قيل عن حذيفة أنه قال: (لو صلَّى فيه لكُتِبَ عليكم صَلاةٌ فيه) ..، ولكن عند ابن حبان قيل عن حذيفة أنه قال: (وَلَوْ صلى لكانت سُنَّة) .. وهذا اضطراب في متن الرواية .. والفارق كبير بين المعنيين المشار إليهما .. ومن الواضح أن الرواية فيها سوء حفظ كبير ممن نقلها عن حذيفة .. ولم أجد أحد قد انتبه لهذه الجزئية المتضاربة في الرواية .. ولذلك لا ملامة على الصحابي حذيفة .. إذ الملامة تلقى على من نقل الرواية عنه لسوء حفظه .. والذي هو غالبا (عاصم ابن بهدلة ابن أبي النجود) الذي هو إمام أئمة القُرَّاء في القرآن .. ولكنه كان في الأحاديث سيء الحفظ .. !!

 

- فإذا علمت أخي الحبيب بما سبق .. فإليك تحقيق هذه الرواية وما هو مقبول منها وما هو مردود منها ..

 

#- أولا: هذه الرواية قد تكلم عليها العلماء وقالوا ما ملخصه:

1- أن قوله (فلم يدخلاه) .. وأن النبي لم يربط البراق بسور بالمسجد .. وأنه صعد بالبراق للسماء .. فهذا كله من اجتهاد حذيفة بن اليمان راوي الحديث وليس كلام النبي .. أي لم يقل حذيفة ابن اليمان أن النبي أخبره بذلك أو أن هذا من قول النبي .. فكان ما قاله في الرواية إنما هو محض اجتهاد ظني منه.. فكلامه محتمل للصواب والخطأ .. وقد جانبه الصواب في كلامه .. ليه ؟

 

- لأن هناك من الصحابة من خالفه في ذلك .. وقال أنه صلى بالمسجد الأقصى أو بيت المقدس .. ومنهم أنس بن مالك وأبي ذر الغفاري وابن عباس أبي هريرة وجابر بن عبد الله وغيرهم ..

 

2- أما عن مسألة أن النبي لو كان صلى بالمسجد الأقصى لكانت كتبت علينا صلاة فيه .. فرد العلماء على هذا الإجتهاد بأنه اجتهاد خاطيء من حذيفة بن اليمان .. لأن هذا مخالف لواقع النبي صلى الله عليه وسلم .. لأن كل مكان صلى فيه النبي لم تفرض فيه الصلاة ..!!

 

#- ثانيا: قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على رواية حذيفة بن اليمان:

1- كيف يذهب النبي صلى الله عليه وسلم لمسجد بيت المقدس .. دون أن يصلي فيه ركعتي تحية المسجد .. إذ أن هذا من سنته صلى الله عليه وسلم ؟!!

 

2- أن لفظ (إلى) في قوله (إلى المسجد الأقصى) تفيد الغاية إلى دخول المسجد الأقصى والصلاة فيه وليس فقط لمجرد زيارته .. إذ أنه لا يتصور أن يصل النبي للمسجد الأقصى دون أن يصلي فيه ركعتين لله .. بل إن هذا من فعله في العموم ..

 

#- ومن أقوال العلماء:

- قال الإمام بن عادل رحمه الله (المتوفى: 775 هـ):

أ- واعلم أنَّ كلمة: (إلى) لانتهاء الغاية .. فمدلول قوله: (إلى المسجد الأقصى) أنه وصل إلى ذلك .. فأما أنه دخل المسجد أم لا .. فليس في اللفظ دلالةٌ عليه .. إلاَّ أنه ورد الحديثُ أنَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ صلَّى فيه. (تفسير اللباب في تفسير الكتاب ج12 ص196).

 

ب- قال الإمام الشعراوي رحمه الله (المتوفى:1419 هـ):

- إن (إلى) قد تدخل الغاية .. ومرة أخرى لا تدخل الغاية.

- فمثال إدخالها الغاية قوله تعالى: (سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) الإسراء:1.

- هل أسرى الحق برسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى المسجد الأقصى ولم يدخله ؟

- لا أحد يعقل ذلك ..

- إن (إلى) هنا تقتضي أن تدخل الغاية .. لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.. كان قد ذهب إلى المسجد الأقصى بمراد الإسراء إليه والدخول والصلاة فيه.

- ويقول سبحانه: (ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى الليل) البقرة:187.

- فهل يدخل الليل في الصيام ؟

- لا .. لأننا لو أدخلنا الليل في الصوم لصار في الصيام وصالٌ أي نصل الليل بالنهار صائمين.

- إذن فمع (إلى) تجد الغاية تدخل مرة .. وتجدها لا تدخل مرة أخرى. (تفسير الشعراوي ج5 ص2951).

 

3- توجد جزئية غريبة جدا في رواية حذيفة بن اليمان .. وجاء فيها: (لو صلَّى فيه لكُتِبَ عليكم صَلاةٌ فيه) وهذا لفظ أحمد .. ولفظ الترمذي هكذا: (لَوْ صَلَّى فِيهِ لَكُتِبَ عَلَيْكُمُ فِيهِ الصَّلاَةُ) ..، وعند ابن حبان جاءت بلفظ: (وَلَوْ صلى لكانت سُنَّة) .. وهذه الجزئية غريبة عن حذيفة وفيها غموض وتضارب ..

 

أ- فعلى معنى رواية أحمد والترمذي .. لا يعقل أن كل مكان يصلي فيه النبي تفرض فيه الصلاة .. وإلا فكل مكان صلى فيه النبي في سفره بل وفي بيته فتكون أصبحت الصلاة في ذلك المكان مفروضة على المؤمنين .. وهذا لا يعقل ولم يقل به أحد ولم يقل به النبي صلى الله عليه وسلم ..!!

 

- إلا لو كان المقصد من حذيفة بالصلاة هنا هو الحج .. وهذا الأقرب للمقصد والمشابهة بالمسجد الحرام .. لأنه قال: (لَوْ صَلَّى فِيهِ لَكُتِبَ عَلَيْكُمُ فِيهِ الصَّلاَةُ .. كَمَا كُتِبَتِ الصَّلاَةُ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ) .. فيغلب على الظن أن المقصد هنا من كلامه هو فريضة الحج على من يستطيع ذلك ..!!

- وإن كان لفظ الصلاة ليس في معانيه ما يشير لمعنى الحج ..!! والله أعلم .

 

- ولو كان مقصد حذيفة هو أن النبي لو كان صلى فقد تكون مثل فريضة الحج (كما ظننت منذ قليل) .. فتظل الإشكالية موجودة .. ويظل الاعتراض موجود على حذيفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة .. وصلى فيها وبنى فيها مسجده .. ولم يتم فرض الحج إلى المدينة للصلاة في مسجده مثلا ..

  

ب- وعلى معنى الرواية الثانية عن حذيفة عند ابن حبان .. والتي جاء فيها: (وَلَوْ صلى لكانت سُنَّة)  .. وهنا نقول: ما المانع أن تكون سنة لكل من يذهب للقدس أن يذهب للصلاة في المسجد الذي صلى فيه النبي ؟!!

 

- وسواء على معنى الرواية الأولى أو الثانية .. فاعتراض حذيفة لتصوره الخاص لمسألة الفرضية أو السنية .. لو صلى النبي في بيت المقدس .. هو اجتهاد غريب جدا من حذيفة .. !!

 

- وأظن أن هذه القصة عن حذيفة فيها أجزاء لم تبلغنا كاملة .. خاصة وأن أصل هذه الرواية قيلت لتوضح خلاف حدث بين الصحابي حذيفة والتابعي زر بن حبيش .. حول صلاة النبي في بيت المقدس حدث أم لم يحدث .. ولذلك هذه الرواية لم تذكر كلام حذيفة بن اليمان كاملا عن قصة الإسراء والمعراج .. إنما اختصرت على هذا الحوار .. فانتبه أخي الحبيب لهذه الجزئية ..!!

 

4- أما ربط البراق في حائط المسجد الأقصى .. وهو الحائط الغربي للمسجد .. فليس لأن البراق سيهرب .. وإنما هو توكلا على الله متخذا بالأسباب .. وحسب ما جرت به العادة من ربط الدواب ..

 

أ- وقد جاء في الحديث: (قال رجُلٌ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أُرسِلُ ناقتي وأتوكَّلُ ؟ قال: اعقِلْها (أي اربطها) وتوكَّلْ) رواه بن حبان .. وقال شعيب الأرنؤوط: حديث حسن .

 

- فإذا كان النبي بنفسه .. قد أقر قانون ربط الدواب لأنه من جملة التوكل على الله .. فهل يخالف النبي نفسه ؟!!

- بقى ده كلام ..!!

 

ب- ومن ناحية أخرى .. إذا كان الله سخر البراق للنبي ولا حاجة للنبي ليربطه كما ظن حذيفة .. فعلى منطق حذيفة بن اليمان .. فإن قوله تعالى: (اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) لقمان:20 ...، لا يستوجب الأخذ بالأسباب لأن الله سخرها لنا كالحمار والحصان والجمل بل والأموال كذلك ؟!! ونتركها دون احتياط لها ونقول أن الله سخرها لنا ..!!

- كيف لهذا الكلام أن يستقيم في العقل ؟!!

 

5- أما عن جزئية معراج جبريل مع النبي بالبراق فهي جزئية منكرة ولا يمكن أن تصح .. لأسباب منها:

أ- لأن في القرآن أنه أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وليس إلى السماء .

 

ب- جاء في صحيح الأحاديث .. أن الذي صعد به جبريل عليه السلام وليس البراق إذ جاء في رواية البخاري صراحة: (ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ) إلى أن قال: (ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ) .. إذن الكلام واضح أن الذي كان يعرج بالنبي هو جبريل عليه السلام .. ولا وجود للبراق في المعراج .

 

ج- وأيضا من أسباب نكارة صعود البراق للسماء هو أن أن العروج من صفات الملائكة كما قال تعالى: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) المعارج:4 .. والبراق ليس من الملائكة .. فانتبه.

 

#- إذن اجتهاد حذيفة بن اليمان رضي الله عنه .. لم يكن في محله في بعض الأمور .. ولكن يؤخذ من رواية حذيفة ما لا يخالف روايات باقي الصحابة ..

 

#- خلاصة القول:

1- رواية حذيفة بن اليمان .. وإن كانت رواية حسنة السند إلا أن المتن فيه نكارة .. إلا أنها ليست حجة لإثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل المسجد الأقصى أو بيت المقدس ليصلي فيه .. لأنه مجرد اجتهاد ظني من حذيفة بن اليمان .. إذ لم يقل أن عدم دخول المسجد للصلاة فيه كان عن قول النبي صلى الله عليه وسلم أو أن النبي هو من أخبره بذلك ..

 

2- رواية حذيفة بن اليمان .. فيها مخالفات لروايات أصح سندا وأقوى من الرواية التي تم روايتها عن حذيفة بن اليمان .. وقد جاء في تلك الروايات أن النبي صلى ببيت المقدس وربط البراق وصعد جبريل بالنبي إلى السماء بدون براق .

 

3- في رواية حذيفة يوجد فيها ثلاث ملاحظات أذكرهم لك أخي الحبيب:

- الأولى: يؤخذ من رواية حذيفة بن اليمان أن المسجد الأقصى كان موجود في فلسطين آنذاك .. وليس كما يقول الكذابين أنه لم يكن له وجود .. وأن حذيفة بن اليمان وهو صحابي .. يقر بذلك وأن الإسراء كان لبيت المقدس الذي هو المسجد الأقصا .. ومنه كان المعراج .. إلا أنه لم يقل في روايته أن النبي صلى ببيت المقدس.. وإنما عرج من بيت المقدس.

 

- الثانية: أن الصحابة والتابعين متفقين على حدوث الإسراء والمعراج .. ومتفقين على أن المسجد الأقصى هو بيت المقدس الموجود حاليا في فلسطين .. ولكن بعض تفاصيل القصة قد اختلفوا فيها .. كل واحد بقدر ما بلغه من العلم من هذه القصة ..

 

- الثالثة: أن الإختلاف قد يحدث مع الصحابة في تفاصيل معينة .. إذ أنكر حذيفة صلاة النبي بالمسجد الأقصى سواء كانت صلاة لوحده أم بالأنبياء .. وأثبتها أبي ذر الغفاري وابن عباس وأبي هريرة وأنس بن مالك وغيرهم .. ولكن إنكار حذيفة كان عن اجتهاده الخاص .. ولكن إثبات غيره كان عن بلاغ وسماع عن النبي صلى الله عليه وسلم ..

 والله أعلم .

 

#- وإذا كانت الرواية عن الصحابي حذيفة بن اليمان قالت بأن النبي لم يصلي بالأنبياء .. إلا أن الروايات الأخرى التي قالت بأن النبي صلى بالأنبياء .. فقد ظهرت فيها مسألة اختلف عليها العلماء .. وهي هل كانت صلاة النبي بالأنبياء ليلة الإسراء ببيت المقدس .. قبل المعراج أم بعد النزول من السماوات ؟ أم أن الصلاة بالأنبياء كانت في السماء ؟!!

- وهذا نناقشه في الفصل القادم إن شاء الله .

 *****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .